شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمـــة : قرائي الأعزاء! هناك كلمات كثيرة، او عبارات يكون ظاهرها حسنا في حين يكون باطنها مليئا بالخبث والرياء والمكر والشر والعدوان. فهذه الكلمات او العبارات، المنطوقة او المكتوبة،  تشبه القبور المزينة يكون ظاهرها جميلا وباطنها مليئا بالفساد والعفن، كما يقول الانجيل المقدس، او قريبا جدا مما يقول. اما مثل هذه العبارات المزدوجة المعاني  فكثيرة جدا وخطرة على سلامة الحق والحقيقة، لأنها مثل الغام موزعة على مساحات شاسعة، على المرء ان يكتشفها ويزيلها اذا اراد ان يتلافاها، وينجو من أخطارها. غير اننا في هذا المقال سنتكلم عن عبارة خطيرة واحدة فقط من هذه العبارات التي شاع الكلام عنها في هذه الأيام بين السياسيين والكتاب والمسؤولين الحكوميين وغير الحكوميين، كما صارت موضوع تداول ونقاش مشبوه ومتحيز في اغلبه، وموضوع تحفظ، ولاسيما من قبل الأطراف التي استلمت امتياز حكم العراق من المحتلين، من الذين يريدون ان يبقوا متنعمين بكامل هذا الامتياز الى اطول اجل ممكن، حتى يطمئنوا الى ان هذا الحكم لن يأخذه منهم احد، ولو كان ذلك على حساب قتل نصف العراقيين. وفي الحقيقة، وعلى الرغم من ان عبارة أخذناها وبعد ما نعطيها المسجلة باسم السيد المالكي، انما ينطبق معناها على جميع الذين شاركوا في ما يسمى العملية السياسية، بدءا بالمحتل الأمريكي نفسه ومرورا بكل الطغمة الحاكمة في العراق باسم المحتل، وانتهاء بآخر صعلوك من مرتزقة الأحزاب الصغيرة الكارتونية.  

 

مبررات كتابتنا عن هذا الموضوع: بما ان موضوع العفو العام عن المساجين في العراق موضوع معرض للتشويش والتضليل والمماطلة الهادفة الى كسب الوقت من اجل صياغة قرار مفرغ من اي معنى حقيقي انساني وسياسي، كما حدث لكثير من القرارات التي سبقته، لذا صار لزاما علينا، ان ندلي بدلونا ونكتب في موضوع العفو العام هذا، من اجل كشف الخديعة الجديدة والخطيرة التي سميت بمشروع العفو العام عن المساجين في العراق، هذا الموضوع الذي يبدو ان المحتلين هم الذين يحتاجونه في الوقت الحاضر اكثر من المساجين انفسهم، وأكثر من مقتضيات العدل والأخلاق السليمة، او حتى من مقتضيات الرحمة والمحبة، حتى وان ظهرت لدى السياسيين المتحكمين بالعراق تحفظات كثيرة على المشروع، لكي يبقى مشروع الاحتلال هذا يعمل عمله لأطول مدة ممكنة.

 

حقيقة مشروع العفو العام عن المساجين: لكي نعرف حقيقة مشروع العفو العام عن المساجين يكون مطلوبا منا في بداية هذه الفقرة ان نتساءل ونقول: ترى لماذا صدر هذا المشروع في هذا الوقت بالذات ولم يصدر قبل سنتين مثلا او منذ مجيء السيد اوباما الى الحكم في امريكا، مع  وعوده وإصلاحاته المزعومة، كما يقتضي منطق الأشياء ذلك؟ غير ان ذلك لم يتم، لا بل نعتقد انه لم يخطر ببال السيد اوباما مثل هذا الاجراء قط، قبل هذا الوقت، فماذا يعني ذلك؟ انه يعني بكل بساطة ان السيد اوباما لم يتنازل عن اي هدف من اهداف سلفه التعسفية، نظرا للتعهدات التي كان قد قطعها لقوى الشر في امريكا، والتي كانت تعهدات متطابقة مع تعهدات سلفه للقوى ذاتها، مع تغيير في الشكل والصورة فقط. كما يعني ذلك ان السيد اوباما والمتعاونين معه لم يطمئنوا بعد بكفاية للنتيجة الأخيرة لاحتلالهم، وأن قدح دماء الضحايا لم يطفح عندهم بعد، وأن مزيدا من الوقت لا زالوا بحاجة اليه لإكمال مهمة القتل التي يحتاجونها ويحتاجها خاصة الحقد الأسود الذي كان ولا زال يحمله كل المتعاونين مع المحتل، لكي يديم هذا المحتل تعاقده معهم، بحسب ما تقتضيه مصلحة كل اطراف الاحتلال. علما بأن القتل في زمن اوباما قد تم بطريقة صامتة وذكية ولا تثير تساؤلات كثيرة لدى الأطراف السياسية الدولية المتفهمة للعدوان من الباطن، كما يبدو ذلك بوضوح.

 

خدعة امريكية جديدة: من المعروف ان ما حدث في عراق ما قبل الاحتلال منذ ايام الحصار، وقبل ذلك بكثير، والى يومنا هذا، كان سلسلة من الخدَع مكنت المحتلين من القيام بجريمتهم، بعيدا عن الضمير العالمي، وعن ضمير الشعب العراقي ايضا، بعد ان تم تخدير هذا الضمير بمخدرات عديدة، لسنا الان بصددها. ويقينا ان  التخدير الأمريكي لم ينجو منه احد: فلا الشعب الأمريكي نجا منه ولا الشعوب القوية ولا الشعوب الضعيفة نجت منه، ولا المنظمات الدولية، ولا حتى الكنائس والجوامع نجت منه، مع ان دعوة الجوامع والكنائس تكمن في ان تكون هذه المؤسسات الدينية والروحية نورا يضيء ظلمات العقول والقلوب البشرية، لكي يتمكن اتباع هذه لمؤسسات من الابتعاد عن مكامن تضليل اقوياء العالم. وعليه نرى ان مكرمة العفو عن المساجين في العراق خدعة امريكية كان يحتاجها المحتلون من الداخل والخارج، كما كان يحتاجها السيد اوباما نفسه من اجل ان يظهر امام العالم بشكل عام وأمام الأمريكيين بشكل خاص، بأنه كان رئيسا ناجحا في اهم القضايا التي اخذها على عاتقه بحكم مسؤوليته الرئاسية، ومنها قضية احتلال العراق. وعليه يمكننا ان نسمي مثل هذه الخدع الأمريكية بأنها حاجة من حاجات الحسم النهائي من اجل اقناع العراقيين وغير العراقيين بان الأمور انتهت بالشكل الذي كان يريده المحتل ولم يبق امام هذا المحتل غير ازالة مظاهر العنف الذي خلقوه، وذلك بإجراءات نمطية معروفة، منها التلويح الكاذب بإعادة الجيش العراقي القديم، وإعادة المفصولين الى مناصبهم وإصلاح الخدمات وغير ذلك... وذلك كعلامة مضللة على ان العراق اصبح بخير وأنه لم يعد من مبرر لحمل السلاح بوجه المحتلين.  

 

لا زال المحتل كما كان: اما العراق في واقع الحال فلا زال كما كان، ولا زال قانون الارهاب الارهابي ساريا يعمل عمله الاجرامي في خدمة المحتلين المجرمين وفي خدمة الانتهازيين المتعاونين مع المحتل، حيث نسمع كل يوم عن مقتل عراقيين في اغلبهم ممن يحملون الهوية العربية ويقاومون المحتلين. اما السيد اوباما فلا زال صامتا متخليا عن واجباته الدولية والإنسانية، وكأن الأمر لا يعنيه، لا من قريب ولا من بعيد، وينسى بأن اي مسؤول يعجز عن منع مثل هذا القتل والتعسف في بلده او في بلد احتله، يكون عليه ان يترك منصبه او يباشر بتغيير كل اهداف الاحتلال والنوايا الخبيثة التي دخل بها العراق، كما تتطلب ذلك المعايير الانسانية والدولية ومعايير الشرف والاستقامة. غير ان الذي يحدث، بعد ان ضمن المتعسفون افلاتهم من العقاب هو ان يسمع السيد اوباما بمقتل العشرات، لكنه يبقى صامتا متلذذا بما يسمع من اخبار القتل والتشريد والاعتقال، كما يفعل الساديون.

 

محاولة تفادي مرحلة الفشل: اذن فما حصل عندنا لم يكن سوى قتل وتدمير واجتثاث كل من فيه رائحة العروبة، حتى لو كانت مجرد قطرة. وقد حسب المحتلون ان كل شيء قد تم لهم بأمان، وأنهم سيطروا على العراق وعلى خيراته وضمنوا ولاء العراق لهم لمجرد ان بعض المكونات العراقية قبلت بمذلة الاحتلال مقابل وعود، ان لم تكن كلها كاذبة، فان غالبيتها كانت  كاذبة فعلا. غير ان كثيرا من الرياح لم تأتي كما اشتهاها السفن الأمريكي. فالمقاومة العراقية الباسلة لم تكن وحدها القوة التي حجمت القوة الأمريكية العاتية، وانما ساهم غباء المحتل المتعجرف في الفشل الذي مني به باعتماده على عناصر لم تكن مستعدة لتبْني وطنا كما كان يريده المحتلون الأمريكان، كما ان الدماء الغزيرة التي سفكها المحتلون وأعوانهم ايقظت نفوسا كثيرة من حالة التخدير التي كانت قد وقعت فيه، وصارت بالتالي رافدا عظيما للمقاومين بكافة اشكالهم، فضلا عن الاصوات الشريفة التي فضحت بربرية المحتلين، الأمر الذي عجل بانسحابهم العسكري من العراق، كما عجل في تهيئة انفسهم للدخول فيما اسميته مرحلة النهايات، قبل أوانها، معتقدين انهم بخدعهم الجديدة يمكنهم ان يحققوا احلامهم الامبريالية.  

 

وبما ان المحتلين لم يتمكنوا ان يحققوا جميع اهدافهم في العراق، كما كانوا يتمنون، فلا عجب ان نشاهد السيد اوباما يتصرف مع العراق تصرف اللصوص الذين تفاجئهم اصوات اقدام صاحب الدار فيعمدون الى سرقة ما غلى ثمنه وخف وزنه، ويهربون بغنيمتهم، ولسان حالهم يقول: اذا كنا لم نستطع السيطرة على العراق، كما خططنا لذلك، فلنقنع بما في ايدينا الآن ونهرب به ونحاول ان نستخدم قوتنا المتعددة الأشكال في الاحتفاظ بما غنمنا:اي بعشرات الصكوك والوعود والتنازلات التي قدمها لنا أزلامنا مقابل خدمتنا لهم. علما بأن غنيمة الأمريكان الكبرى كانت نفط العراق الذي انتزع من اصحابه الشرعيين بالقوة المسلحة، بعد ان سفكوا دماء عراقية غزيرة وعزيزة من اجل الحصول عليه، بعملية قذرة وغير اخلاقية. ولكن هل يوجد في ايامنا من يقول للأسد رائحة فمك كريهة؟

 

من يحق له ان يقاضي من: بعد هذا يحق لنا ان نتساءل ونقول: ترى من يحق له ان يقاضي من، ومن يحق له ان يسامح او لا يسامح من؟ اما جوابنا فنختصره بعبارتين مبدئيتين تقول اولاهما ان المذنب الحقيقي هو الذي يعتدي اولا على الآخرين، حيث ان قوانين الأمم المتحدة نفسها تسمح للمعتدى عليه بأن يدافع عن حقوقه وعن بلده. لذلك يكون علينا ان نتمسك بهذه الحقوق ونعرف الآخرين بها حتى وان كان المعتدي عدوا لا يعرف غير القوة الغاشمة ويتجاهل شكوانا وحقوقنا ويصم آذانه عن سماع الحق، لكي يبقى ابتزازه قائما وأطماعه فوق كل اعتبار. اما المبدأ الثاني فيقول ان الكيل بمكيالين ينتج عنه عدوان واضح ضد ضعفاء العالم لصالح اقويائه، وبذا يتحول عالمنا الجميل الى غابة تسكنها وحوش بلباس بشر، لأن ما يجيزونه لجماعة معينة يعتبرونه جريمة انسانية تستحق العقاب عند جماعة أخرى.

 

  وهكذا! ومن خلال تجاوز المبدأين المذكورين  يعتمد العدو الغاشم على قوته ويقلب كل الحقائق بشكل ديماغوجي، رأسا على عقب، ويعمل المستحيل لكي يصدق الشعب العراقي ان اكاذيبه حقائق، وان الاحتلال نصرة وتخليص للعراق، وأن عراق السوء وعراق القتل والموت، وعراق محو الهوية العربية هو العراق الحقيقي، وأن سرقة النفط ثمن لمجهود قام به، وعون للعراقيين الذي لم تعد لهم الامكانيات لاستخراجه وبيعه، الى ما هنالك من الأكاذيب والثرثرة التي لا يستحي منها المعتدون، لأن هذه الأكاذيب جزء من مشروع احتلالهم. وهكذا وإيغالا بالعدوان، وبتجاهل مطلق للحقيقة والحق يصمت الجبناء المعتدون او يحاولون ان ينسوا او يتناسوا الكم الهائل من الجرائم التي ارتكبوها، في حين لا يذكرون سوى ما يعدونه جزافا جريمة تستحق العقاب والموت عند الآخرين. 

 

بعض جرائم المحتلين: اذا بدأنا بذكر الجريمة الاولى والأساسية التي اقترفها المحتل، علينا ان نذكر خاصة جريمة الاحتلال. فقد جاء المحتل من دون احم ولا دستور، من على بعد 20 الف كيلومتر واحتل العراق مرتكبا جريمة متعددة الأبعاد، لأن هذه الجريمة كانت جريمة احتلال غير شرعي وتدمير بلد عضو في المنظمة الدولية والاعتداء على سيادته وعلى خيراته، وقتل اهله وسوق البقية ممن لم تتمكن من الهرب الى المعتقلات التي لم تكن اقل من المعتقلات النازية وحشية وظلما. اما جريمة الكيل بمكيالين او أكثر التي مارسها المحتلون فقد اضافت الى جريمة الاحتلال الاساسية جرائم اخرى جديدة عندما لاحق المعتدون باسم مكافحة الارهاب كل من حاول مواجهة المعتدين وجعلوا من كل واحد منهم مطلوبا لما سموه العدالة زورا وبهتانا، في حين قرروا تبرئة القوى العاتية التي اعتدت في الأساس على المواطنين العراقيين منذ بدء عملية الغزو والى حد هذا اليوم، وبرؤوا كل من عمل مع الغزاة، او قدم لهم خدمة ما من جريمته، ونقلوه الى بلدانهم عند انتهاء الحرب العسكرية على العراق. وهنا قد نفهم ان تقع اية جريمة على منفذيها، ولكنها تقع خاصة على مدبريها من وراء الكواليس والقابلين بها والمحرضين عليها وعلى المحتلين الذين تسببوا في كل الجرائم التي وقعت في العراق، وعلى رأسهم جميعا رؤساء امريكا وقادتها السياسيون، وأولاد السراديب المظلمة والطبخات الشيطانية من قادة وأفراد المخابرات التي اصبح القتل عندها واجبا ووظيفة تؤدى للشيطان الأكبر: المؤسسات الرأسمالية، ولخَدَمة هذه المؤسسات رجال السياسة بكافة صنوفهم ودرجاتهم. فمن يجب ان يكون في المعتقلات هؤلاء الذين باشروا الاعتداء على العراق ونفذوا جريمتهم الكبرى فيه، ام الذين دافعوا عن انفسهم وعن بلدهم بشهامة منقطعة النظير؟ هنا احيل القارئ الكريم الى محكمة لاهور الدولية غير الحكومية التي وجد اعضاؤها ان القيادات التي اشتركت في حرب العراق قيادات مجرمة بكل ما نسب اليها من جرائم.

 

وعليه، وسواء صدر قرار العفو العام عن المساجين ام لم يصدر فان هذا القرار لن يفي حق المساجين المظلومين، كما انه لا يجب ان يترتب على هذا العفو اي ثمن وأية منية على  المنكوبين بتعسف المحتلين. وفي كل الأحوال، ليس لنا من رد فعل سوى ان نقول بألم: " كذب المنجمون ولو صدقوا " ! اما للسيد اوباما فنقول: لقد تأخرت كثيرا جدا يا سيد اوباما! لقد تأخرت كثيرا! فما اقسى قلبك يا سيد اوباما وما اوسع ما كان الفارق بين كلامك وأفعالك. ولكن هل سيغفر لك الشعب العراقي وشعوب الوطن العربي اساءاتك اليه؟ عليك ان لا تعول على ذلك ابدا، وان كان بعض من العراقيين بالجنسية وبعض العرب يسمونك صديقا، مع الأسف.

 

 

Fr_luciendjamil@yahoo.com

 

 

 





السبت ٢٨ شــوال ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / أيلول / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب القس لوسيان جميل نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة