شبكة ذي قار
عـاجـل










من يراقب التحركات السياسية والتي تترافق أحيانا مع مناورات عسكرية مكررة الصفحات والسطور حتى الملل، لا يشك لحظة واحدة في استنتاج أن الزعامة الإيرانية التي يروقها كثيرا أن توصف بالزعامة الدينية، تعيش هواجس أخطار بعضها حقيقي، وكثير منها من نتاج مركبات الهلع والهلوسة والغرض السياسي، والناتجة عن احتقان داخلي وصل نقطة المسار الحرج، بفعل سياسة الإذلال والتجويع التي تعتمدها سلطة الولي الفقيه مع ملايين الإيرانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر، سواء في التعبير عن آرائهم السياسية، أو ممارسة معتقداتهم الدينية، أو في الحصول على رغيف الخبز، وبات واضحا أن من يدفع ثمن هذه السياسات هو الشارع الإيراني بكل مكوناته وطبقاته، بسبب توجه تلك السلطة لبرامج فيها من خيال القوة النووية القادرة على نقل إيران من بيئتها الراهنة والمعروفة التوصيف، إلى عالم الكبار وما يوفره من رفاهية مفترضة، تضع الإيراني حيثما حل أو انتقل في مصاف المواطن الأمريكي أو الألماني أو الياباني، في انتزاع الاحترام من الآخرين، وكأن امتلاك السلاح النووي هو وحده الرافعة الخرافية أو المركبة الأسطورية، التي تستطيع نقل أي بلد من خانة الدول المتخلفة إلى عالم التطور التكنولوجي بكل مستوياته وصوره، ويبدو أن تجربة الجمهورية الاشتراكية الملحدة والوراثية في كوريا الشمالية، والتي لا تخجل من مد يد التسول من شقيقتها الرأسمالية الجنوبية، تشد بقوة جذبها اهتمام الزعامة الدينية الإيرانية الباحثة عن أي مصدر للقوة تستطيع من خلاله بسط هيمنتها على المنطقة، ولتصبح شرطيا يمتلك عددا غير محدود من البلاطجة على وفق التوصيف المصري الشعبي، ليتحركوا نيابة عنها عند الضرورة، كما يحصل بالنسبة لما يسمى بأحزاب الله في لبنان والبحرين وجزيرة العرب والحوثيين في اليمن وجيش المهدي والمليشيات الطائفية الأخرى في عراق ما بعد الاحتلال الأمريكي، وبذلك تؤدي الزعامة الإيرانية دور القرصان الكبير، الذي يتقاسم الغنيمة مع التابعين، بنسبة أربعة أخماس لها، مقابل الخمس للبلاطجة الصغار.


يقول فلاديمير أليتش لينين قائد الثورة البلشفية في روسيا عام 1917، لا بد لكل ثورة من قضية على مدار ساعات اليوم، من أجل إشغال الجماهير بها وتركيز انتباهها عليها، وتصويرها على أنها قضية مصيرية، تتعلق بمصير الناس ومستقبلهم، لأن عدم وجود مثل هذه القضايا المستمرة ستدفع بالمواطن إلى التفكير بتفاصيل حياته اليومية وهمومها وحاجاته إلى الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها من تفاصيل الحياة التي تتطور باستمرار، مما قد يستدرج قوى مؤيدة للثورة إلى الوقوف ضدها، ويمنح قوى الثورة المضادة مبررات مناهضتها.


ولو سحبنا هذا النمط من التفكير الماركسي اللينيني البراغماتي على إيران، وجاز لنا أن نعتبر أن ما جرى فيها كان ثورة مكتملة الشروط، حتى بفرض أنها تحولت بعد أن سطا عليها المعممون، إلى فوضى شاملة ضربت إيران من جهاتها الأربع، فإننا سنجد أن الولي الفقيه أخذ من نظرية التحرك الشيوعي على مستوى الجماهير، أسوأ مخدر لوعيها عن طريق أشغالها بقضايا غير حقيقية، من أجل صرف انتباهها عن هومها ومعاناتها الحقيقية، ويبدو أن ما يجري حاليا في إيران هو استنساخ لتلك الفكرة العبثية التي تشل المدارك عن التفكير السوي والتخطيط لنهضة حقيقية والانشغال بهواجس لا أساس لها خوفا وتخويفا، فمن أجل المضي في برنامجها النووي وفرضه على الشعب الإيراني، وفرض القبول القسري من جانب الإيرانيين بالتضحيات التي تفرضها العقوبات الدولية على البلاد، فقد لجأت الزعامة الإيرانية إلى تصوير المشروع على أن الفشل فيه، يعني تدحرج مكانة إيران إلى هوة سحيقة تتضافر فيها عوامل الذل مع الجوع والفاقة، ولهذا جندت سلطة الولي الفقيه كل احتياطيها من المعممين العاطلين عن العمل بل والمعطلين للإنتاج، وزجت بهم في التبشير بإيران الجديدة التي سيصنعها امتلاكها للسلاح السحري القادر على حل كل رصيدها المتراكم من الأزمات والمشاكل والاختناقات، فكانت الفتوى الدينية في مجتمع وصلت فيه الأمية إلى مستويات غير معهودة، النصف الآخر من صناعة الخوف وترك المواطن أسير دوامة من الرعب من مجهول في الدنيا ومرعب في الآخرة.


تذهب صناعة الخوف التي تنتهجها السلطة الإيرانية إلى اتجاهين، الأول يضع الإيراني في دائرة الاتهام لذنب لم يقترفه وربما لم يفكر باقترافه، ولكن اللجوء إلى هذا النمط من إرهاب الدولة، كان على الدوام أسهل الخيارات، عند الأنظمة المعزولة التي لا تمتلك حلولا واقعية لمعاناة المواطن، ولأنها لاتضع في حسابها إلا حصر دائرة اهتمام الفرد بهموم تفصيلية تمنعه من النظر بعيدا، أو التفكير بتحسين مستواه المعاشي والتعليمي لأبنائه، لأنه سيرى أن انشغال الدولة ببرامج تستنزف موارد بلاده وتفقر شعبها، لذا لجأت سلطة الولي الفقيه عبر أدواتها وبواسطة مئات الآلاف من المعممين الباحثين عن لقمة الخبز، وأجهزة إعلام الدولة المرئية والمكتوبة، مع أجهزة القمع الأمنية المتعددة والتي تبدأ بالحرس الثوري، ولا تنتهي عند وزارة الإطلاعات، إلى ممارسة أسوأ أنواع الإرهاب الفكري والسياسي مع المواطن ووضعه في قفص الخوف الدائم.


دين الفرس جحود الزعامات لمن مهد لهم الدرب


أما الاتجاه الثاني فيحرص على تضخيم الأخطار الخارجية وخاصة الأمريكية والإسرائيلية التي تستهدف إيران، ويبدو أن أكثر طرف يتباهى بالتهديدات الخارجية بضرب البرنامج النووي الإيراني، هو الجانب الإيراني نفسه والذي يريد توظيفه في تلميع صورته أمام الرأي العام في العالم الإسلامي كقوة معادية للغرب وتعمل على زوال إسرائيل، هذه الصورة التي اهتزت بصورة جدية وأصبحت مثار تساؤل مؤكد عن طبيعة تحالفاته الخارجية وخاصة بعد اصطفافات إيرانية فاضحة مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل في أكثر من واقعة وخاصة في الوقوف مع خطط الغزو الأمريكي للعراق، لم تتمكن ماكنة الدعاية الإيرانية أو المرتبطة بها من دحضها، وبذلك يجد الإيراني نفسه وسط دوامة من الرعب التي يضخمها المسؤولون الإيرانيون، لمنع الأفكار المضادة من أن تشق طريقها في المجتمع، وخاصة بعد اتساع نطاق المعارضة لتوجهات الحكومة الإيرانية في مصادرة ما بقي من جزء ضئيل من حريات لسياسيين ورجال دين من داخل مؤسسة الحكم التي رافقت الخميني، من يوم كان في مدينة النجف العراقية، ثم رافقته إلى باريس ومنها عاد على طائرة جامبو (بوينغ 747)، تابعة للخطوط الجوية الفرنسية وكانت إلى جانبه عندما كان ينمو ببطء كمشروع دكتاتوري تحت لافتة ولاية الفقيه، وهنا تتمحور أكبر التساؤلات مرارة، عما إذا ابتلع الولي الفقيه كل ما كان يطرحه من معتقدات مغلفة بأردية دينية، وطابت نفسه لمزايا المناصب الكبرى التي يحتلها وامتيازاتها والتي تفوق في صلاحياتها ما كان زعيم الاتحاد السوفيتي جوزيف ستالين، والزعيم الألماني أدولف هتلر، قد انتزعاها لنفسيهما من شركائهما وخصومهما على حد سواء، ومن حق المراقب أن يسأل عن مكانة حسين على منتظري، الذي توفي في منزله تحت الإقامة الجبرية بأمر من مرشد الثورة علي خامنئي، وكان منتظري هو الذي يحل الخلافات المستحكمة بين خامنئي ورفسنجاني يوم كانا يتنافسان لاحتلال المكان الأقرب إلى قلب الخميني وإلى حوزة قم التي كانت تدار من قبل منتظري، وحينما بدأ منتظري يغرد خارج سرب ولاية الفقيه الذي ابتدعها الخميني أقصاه من منصبه بتهمة التجسس، وجاء بعلي خامنئي بدلا عنه والذي كان ما زال يحبو بين أقدام المعممين الكبار، وكانت تلك خطوة أذهلت كل (آيات الله) العظام وحجج الإسلام من كل الدرجات ومن العمائم السوداء والبيضاء، ولم يختلف مصير منتظري عن المصير الذي حصل لكاظم شريعتمداري أيام الخميني، ومن مفارقات الجحود في الزعامات الدينية الإيرانية، أن أصحاب الفضل على متسلقي سلم القيادة، يتشابهون في نهاياتهم المحزنة على أيدي من تبوأ موقعه بتمهيد من ضحاياه، ربما تمثل هذه قاسما مشتركا بين كل زعماء الغفلة في شتى أصقاع الأرض، ولكنها ذات خصوصية بالغة الوضوح وإلى حدود بعيدة في إيران، لاسيما من جهات تطرح نفسها كقوى دينية لها ثوابتها المعروفة ونواهيها المعروفة.


ثم أين رسا قارب هاشمي رفسنجاني رجل الخميني المقرب، وهو الذي أثار غيرة خامنئي أثناء الحرب العراقية الإيرانية، عندما شغل مناصب تنفيذية عليا في مجلس الدفاع الأعلى على الرغم من أنه كان يشغل منصب رئيس السلطة التشريعية أي مجلس الشورى الإيراني؟ ومتى يستطيع أنصار مير حسين موسوي الذي شغل منصب رئيس الوزراء في أخطر مراحل حرب الثماني سنوات من ترشيح أنفسهم لانتخابات مجلس الشورى؟ وهل تحول فجأة إلى معاد للثورة لمجرد أنه بدأ ينظر إلى دكتاتورية الولي الفقيه بعين نقدية؟ ومن هي الجهة التي تستطيع إصدار حكم على أهلية المرشحين، هل هو مجلس صيانة الدستور فقط؟ وما هو دور الرعيل الأول من قادة الثورة الإيرانية؟ أم أنهم أصبحوا حرسا قديما ومتحجرا يجب التخلص منهم؟ وإذا كان الأمر كذلك علينا أن نتساءل عن مكانة خامنئي وسط هذه الجوقة.


على العموم ذلك شأن داخلي يخص إيران، ولها أن تشّرع من القوانين ما تبيح بها لحكامها تناول افطارهم من لحوم معارضيهم، على الرغم من أن التوسع الذي طرأ على ولاية المنظمات الحقوقية والإنسانية على سلوك الدول مع شعوبها طرحت بصورة جدية إشكالية الموائمة بين حق السيادة الوطنية، والخضوع للقوانين الدولية، بلد مثل إيران وبهذه التقاليد السياسية الراسخة والأمنية الخانقة، لا يحق له أن يضع نفسه في موقع الاستاذية لإلقاء الدروس أو أن يطرح تجربته على أنها النموذج القابل للفرض على المجتمعات الأخرى، وليس من حقه أيضا منح شهادات حسن السلوك للآخرين أو أن يقدم لهم النصح.


غيوم الحرب فوق الخليج العربي


في آب/ أغسطس الماضي، انتزع رئيس الوزراء الإسرائيلي قرارا من الحكومة بمنحه صلاحيات واسعة، تصل حد شن الحرب، وشهدت مدن فلسطين المحتلة، ممارسات ذات طابع أمني لمعرفة فعالية استحضارات الدفاع المدني التي تسبق دخول الحرب، وعلى الرغم من أن بلدا ما إذا توفرت عنده أسباب دخول الحرب، فإنه يحرص على أن يباغت عدوه من دون إعلان مسبق، فإن إسرائيل حولت إجراءاتها إلى حركة استعراضية لا تنسجم أبدا مع ما هو معروف عنها منذ احتلال فلسطين عام 1948 وحتى اليوم، فقد كانت تباغت العرب بحروب خاطفة وهي ترفع صوتها بالحديث عن السلام، ودمرت المفاعل النووي العراقي في حزيران/ يونيو 1981 عندما كانت الطائرات الإيرانية تهاجم أهدافا مدنية في بغداد وكأنها تريد ملأ سماء بغداد بدخان كثيف ليكون ساترا يحجب قنابل السمارت الأمريكية التي ضربت مفاعل تموز، فماذا جرى هل حصل تغيير على استراتيجية إسرائيل؟ أم أنها تسعى لممارسة المزيد من الضغوط على إيران قبيل بدء الجولة الجديدة من الحوار مع مجموعة (5+1)؟ من أجل الحصول على تنازلات إيرانية تغني إسرائيل عن المجازفة بخوض حرب غير مضمونة النتائج، أم أن نتنياهو يريد انتزاع أكبر قدر من الدعم الأمريكي في سنة الانتخابات الأمريكية والتي لم يبق عليها إلا أسابيع معدودة؟ أم أن الأمر مرتبط بنزاعات سياسية داخلية بين أحزاب الائتلاف الحكومي وكتل المعارضة؟


لاحظ مراقبو المشهد الإيراني، أن مناورات إيرانية سواء كانت بحرية أو برية أو بتجربة أجيال جديدة من الصواريخ، لم يتم الإعلان عنها ردا على ما شهدته فلسطين المحتلة من قرع لطبول الحرب، والتي كانت أصواتها عالية وأسمعت الجيران جميعا بمن فيهم البعيدون، فهل كان ذلك سلوك الواثق من نفسه من جانب إيران؟ أم هو سلوك المتردد الحائر الذي أدخل نفسه في مأزق التناقض؟


لم يسمع أحد تهديدا جديدا بإغلاق مضيق هرمز، مما يطرح فرضية أن الزعامة الإيرانية وصلت إلى قناعة بعدم جدوى تلك الممارسات الساذجة في عالم اليوم الذي لا تغيب عنه قدرات كل بلد من البلدان في الفرض أو الرفض، ولممر ملاحي الحديث عن إغلاقه لا يقل خطورة عن الإقدام على إغلاقه فعلا، لما له من تأثير على انتظام سوق النفط الدولية.


إيران من جهة تريد توظيف حالة الردع المفترض من امتلاكها للسلاح النووي، في منطقة تتقاطع فيها المصالح بين الأطراف الإقليمية والدولية حد التصادم، من أجل توجيه رسائل رعب للعرب عساها أن تثير عندهم الهلع المطلوب بدرجاته القصوى، ويسلموا لها بكل ما تريد من نفوذ وهيمنة على مقاليد المنطقة بلا حرب حقيقية أو تضحيات، ورسم سياسات دولها وعلى كل الأصعدة، بل والتحدث نيابة عنهم في المحافل الدولية في عودة بائسة لزمن الوصاية، التي تمزقت صكوكها من يوم نالت أولى دول العالم الثالث استقلالها.
 

ومن جهة أخرى فإن إيران تستميت في محاولاتها إقناع الدول الكبرى بسلمية برنامجها النووي، خشية من ردود فعلها التي قد تصل حد استخدام القوة لمنعها من الوصول إلى هذا الهدف، خاصة وأن العقوبات الاقتصادية الجزئية المفروضة عليها، بدأت تعصر موجودات البلاد وترهق أبناءها، ولم تنفع معها عمليات تبييض الأموال التي تتم بإشراف مباشر من نوري المالكي عن طريق بنوك أهلية عراقية بالاسم وإيرانية التوجيه والإشراف، وكذلك فتح أسواق العراق أمام السلع الإيرانية الفاسدة وتصدير المخدرات بإشراف الحرس الثوري وحزب الله اللبناني إلى مختلف أنحاء العالم، كما حصل أثناء الحرب العراقية الإيرانية لتدبير المزيد من الأموال لشراء السلاح من الأسواق الملونة السوداء والرمادية.


إيران بالغت في وصف الآثار القبيحة للسلاح النووي إلى الحد الذي تورط فيه مرشد الثورة الإسلامية علي خامنئي بإصدار فتوى دينية بتحريم انتاج هذا السلاح أو امتلاكه أو استخدامه شرعا، وأقحم الدين الإسلامي مرة أخرى في قضية سياسية تقبل كثيرا من التأويل، ويبدو أن خامنئي هو الذي قيد نفسه بهذه الفتوى الملزمة مع أنه لم يحط بجوانبها الفقهية، وأراد جعل الدين في واجهة الأحداث في إساءة مقصودة لقيمه وتعاليمه السامية.
 

جاء في محكم التنزيل ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم )، وهذه الآية تقطع بأن امتلاك القوة بكل أسبابها حق شرعي للدفاع عن النفس، وخاصة إذا كان التهديد متعدد المحاور والجهات، ولو أن خامنئي جعل البرنامج النووي الإيراني خارج إطار الدين، لوفر على نفسه وعلى أتباعه مشقة التراجع عن فتوى دينية، سيكون التراجع عنها أكثر صعوبة وتعقيدا من التراجع عن موقف سياسي، مع أننا نعي جيدا أن فتاوى معممي إيران ليست أكثر من حبر ينتظرون جفافه للتنصل منها، وحينها سيجدون ألف حيلة لتبرير الخطوة المناقضة، فالدين عندهم ليس أكثر من جسر يعبرون فوقه نحو أحلام الامبراطورية الفارسية القديمة والتي يريدون إعادة انتاجها برداء إسلامي، وحين يتم الإعلان الإيراني عن امتلاك السلاح الذري فسوف تتجند كل العمائم السوداء والبيضاء من داخل إيران ومن خارجها، لإقناع البسطاء بأن الحرب خدعة وأن الفتوى صدرت في ظرف أملته الضرورات التي تبيح المحظورات، وسوف تتم العودة إلى الآية الكريمة ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) وكأن الولي الفقيه قد سمع بها لأول مرة، وأنها ظلت غائبة عنه طول عمره، أو أن التقدم بالعمر قد أنساه إياها، وبعدها لا بأس من القول إن الزمن تبدل وأن الأحكام الشرعية تبدلت معه فباب الاجتهاد لم يغلق في المذهب الجعفري الاثني عشري، وعلى العالم أن يعرف أن هناك عضوا جديدا قدم وثائقه الكاملة للانتماء للنادي النووي الدولي، وغبار تجربتها ما زال عالقا في الجو.


فهل يدلل هذا الصمت الإيراني الجديد والطارئ على القاموس السياسي المعتمد من مدرسة الولي الفقيه في الدعاية الملونة، على ثقة طارئة بالنفس أو بالاتباع والأذرع الميدانية القريبة من مركز التهديد؟


حزب الله اللبناني على الخط


على العموم يمكن أن نفترض أن حزب الله اللبناني بدد كثيرا من الشكوك حينما ناب عن الولي الفقيه بإطلاق تهديدات عالية الوتيرة، بأن الإسرائيليين سيواجهون مصيرا قاتما حينما تفتح عليهم أبواب جهنم من صواريخ حزب الله، في حال تعرض إيران لخطر الهجوم على منشئاتها النووية، وبدلا من مناورات بحرية إيرانية في الخليج العربي، أشرف حسن نصر الله من أحد مخابئه ، على مناورات استمرت ثلاثة أيام، في رسالة مؤداها أن الحزب هو المرشح لتوجيه الضربة، لكن محسن رضائي الذي شغل في الماضي منصب قائد حرس الثورة، لم يشأ أن تمر هذه الأحداث الساخنة من دون أن يترك بصمة عابرة عليها، فقد تحدث بأسلوب تحريضي على ما يصطلح بتسميته بثورات الربيع العربي، وقال إن الغرب سيندم حينما تنقلب تلك الثورات عليه، لأنها تحمل فكر القاعدة التي خاضت ضد الغرب غمار مواجهات طويلة، وصلت إلى داخل حدود الولايات المتحدة في أحداث 11 أيلول/سبتمبر، ومن أجل أن يقول إن إيران ستوظف نتائج الضربة الإسرائيلية لصالحها، فقد استعرض منطقة الهيمنة المفترضة لدولة الفقيه، والتي أراد بها استعراض قدرة إيران على تخطي حدود الجغرافيا السياسية والمذهبية والتاريخية إلى الحلم الامبراطوري الذي لم تتحرر منه وسائد كل من حكم في طهران، فقد وصف رضائي العراق وأفغانستان، بأنهما الحزام الذهبي بالنسبة لإيران، وربما كان يصرح بما تنوي دولة الفقيه اتخاذه من خطوات مستقبلية بشأن البلدين اللذين كانا غصة في البلعوم السياسي لإيران قبل احتلالهما من قبل الولايات المتحدة، بدعم إيراني متعدد الصفحات، حاول المسؤولون في طهران وضع المساحيق على وجهه ليكون مستساغا قدر الإمكان، فهل يقصد أن إيران ستلحق البلدين بدولة الفقيه بعد أن مدت أصابعها في كثير من الزوايا المظلمة من أرجائهما؟ وخاصة بعد أن سقطت الشعارات التي ظلت الثورة الإسلامية تتاجر بها عدة عقود عن معاداة الامبريالية والصهيونية ونصرة الشعوب في كفاحها ضد الظلم، ففي بداية الحراك الشعبي في الربيع العربي، تاجرت إيران بتضحيات المطالبين بالحرية واعتبرت أن ما جرى كان صدى لما أسمته بثورة الخميني، وهو الموقف الذي رفضه التونسيون والمصريون، واعتبروه محاولة جديدة للسطو على تضحيات الشعوب.


في المعادلة الإقليمية فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، إرادتان أو على الأقل موقفان معلنان، الأول إصرار إيران على التمسك بمشروعها النووي بصرف النظر عن التضحيات التي تقدمها على طريق الوصول به إلى نهاياته المخطط لها من جانب سلطة الولي الفقيه.


بالمقابل هناك موقف من جانب الأسرة الدولية تدعمه اتفاقية الحد من الانتشار النووي، تلتقي عنده مواقف الدول الخمس الأعضاء دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وإن بدرجات متباينة الحدة، وتتراصف الأسرة الدولية كلها مع هذا الموقف، ولكن اللافت للنظر أن إيران لم تستطع التوصل إلى الاستنتاج الصحيح بشأن هذا الملف، فمن المعروف أن الولايات المتحدة التي استخدمت القنبلة الذرية مرتين ضد اليابان خلال الحرب العالمية الثانية، كانت قد فتحت باب جهنم أمام إرادة الشعوب التي عرفت بالمعاينة الميدانية حجم الكارثة التي يخلفها هذا السلاح المدم، ليس على الضحايا المباشرين وإنما على البيئة والكائنات الحية ولعقود طويلة من الزمن، فأصبح امتلاك هذا السلاح لمجرد موازنة الردع بحيث يمنع امتلاكه من قبل أطراف دولية مختلفة، الدول المالكة له من مجرد التفكير باستخدامه، وبذلك كان الدرس الأمريكي في اليابان هو الأول والأخير، في حال وجود عقول استراتيجية تحسب لمصلحة شعوبها وبلدانها ومصلحة الإنسانية، فهل تتوقع إيران أنها قادرة في حال امتلاكها للسلاح النووي على استخدامه فعلا؟ وضد من تريد استخدامه؟


إذا سلمنا جدلا أنها تضع إسرائيل نصب عينيها، فعليها أن تحسب بدقة لموقف كهذا، خاصة مع عدم توفر التكافؤ في عدد القنابل والرؤوس النووية التي يمتلكها كل طرف، حينها لن تكون النتيجة في صالح إيران حتى في حال المباغتة، هنا علينا إذن أن نحذف موضوع توازن الردع المتبادل بين إيران وإسرائيل، فالأمر ليس أكثر من مجرد استقواء على العرب والمنطقة الممتدة من باكستان شرقا إلى ضفاف الأطلسي غربا، حيث تعيش أكبر كتلة إسلامية تريد إيران تطويعها عن سلاح ظاهره ضد الشيطانين الأكبر والأصغر، وحقيقته موجه لردع العرب ومنعهم من مجرد التفكير بمخالفة توجهات استراتيجية الولي الفقيه.


إن الاتحاد السوفيتي السابق لم تنفعه من السقوط نحو عشرة آلاف رأس نووي مع صواريخ عابرة للقارات وغواصات تجوب أعالي البحار وتقترب من شواطئ أعداء الحكم الشيوعي وبإمكانها إيصال القنابل النووية إلى أية نقطة من العالم، فهل تظن طهران أنها بقنبلة واحدة أو بعشر في أحسن الأحوال، قادرة على لي عنق العالم ووضعه حتف أنفه تحت مقصلة الولي الفقيه؟


هذا الوهم سيقود إيران إلى مصير مجهول من جانب زعامتها الغبية، ولكنه معروف تماما من قبل الذين يقفون بقوة ضد طموحات الولي الفقيه غير المشروعة بإخضاع العالم الإسلامي لإرادته، وبالتالي الانتقال إلى قوة دولية معترف بها.
 

 

 





الجمعة ٢٧ شــوال ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٤ / أيلول / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة