شبكة ذي قار
عـاجـل










جاء البيان الختامي لمؤتمر دول عدم الانحياز وكأنه صدر في سماء عالمية صافية من الغيوم، وكأنه إرشاد نظري جاء ليضع وصفات وقائية لما قد يحدث من أمراض ومشاكل صحية قد تنتاب العالم. جاء كوصفة إرشادية لعالم سليم معافى من الأمراض والمشاكل بشكل عام، ولمنطقة نعيش فيها وكأنها مثال للهدوء والرخاء بشكل خاص. وعلى الرغم من صورية ذكر القضية الفلسطينية، فكأنه جاء لمعالجة قضايا تهم إيران فقط. ومن جاء ليعالج تلك الهموم كأنهم ملائكة الرحمة الذين لا يمكن الاستغناء عن حكمتهم. لذا اجتمع ملائكة الرحمة للدفاع عن ملائكية النظام الإيراني، فكان المؤتمر، بمثل ما جاء في بيانه وكأنه ولَّد فأراً ليتستفيد منه القط الإيراني.

 

مبادرة حق أُريد بها باطل، هو ما حصل منذ الدعوة إلى عقد مؤتمر دول حركة عدم الانحياز في طهران. ولما كانت مبادئ الحركة ثابتة لم تتغيَّر، تكون الدعوة من غير معنى إذا لم يتم عقدها من أجل تطبيق تلك المبادئ خاصة أن المشاكل منتشرة في كل أرجاء الوطن العربي وهي بحاجة إلى معالجة من قبل المجتمع الدولي عامة، ودول حركة عدم الانحياز، على ضوء مبادئ تلك الحركة. ولكن أن تتلطى طهران تحت خيمتها من أجل استبدال نفوذ الدول الكبرى بنفوذ الدول الإقليمية، لهو تصرف يرقى إلى حدود الهرطقة والديماغوجية. وتزداد الهرطقة خطورة عندما يكون النظام الإيراني أكثر خرقاً لتلك المبادئ، وعلى الرغم من كل ذلك يخرج البيان الأخير للمؤتمر ليبشر الدول الأعضاء بأن العدالة الدولية قادمة على حصان أبيض، وما على ( عرائس ) العالم إلاَّ أن ينتظرن وصوله بلهفة وشغف.

 

غريب أن يبشِّر بعض الكُتَّاب بمنِّ المؤتمر وعسله، ويعتبر أن حقبة تاريخية جديدة ستقلب العالم رأساً على عقب بعد انتهاء المؤتمر. وهو يقوم بذلك يكاد يوحي إلينا بأن نسترخي وننام على فراش من حرير، بأن جمال عبد الناصر من مصر، وشو ان لاي من الصين، وجواهر لال نهرو من الهند، وجوزيف بروز تيتو من يوغسلافيا ، عادوا من بوابة تاريخ جديد يقوده علي خامنئي من إيران، ومحمد مرسي من مصر، وأردوغان من تركيا...

 

وإن الأخطر من كل ذلك يعتبر كاتب من هؤلاء، الذين لم تثبت لديهم رؤية هلال أخطاء إيران وجرائمها، أن ( هذه القمة ستشكل منعطفاً هاماً في حياة الحركة ) ، ويقول أيض ( ولعل المهم في هذه القمّة... أنها ستحصّن إيران بوجه تهديدات إسرائيلية متصاعدة، وعقوبات غربية متنامية، وستعيد هذا البلد الإسلامي إلى موقع الصدارة بين الأمم ... ) .

 

سيبقى ما قاله يدل على أن إيران هي المستفيد الأول من هذا المؤتمر، ويبقى هذا الحكم قائماً على الرغم من أن الكاتب نفسه دعا إيران إلى مراجعة أخطائها ولكن من دون أن يشير إلى خطأ واحد. أما نحن فسنعفيه من القيام بهذه المهمة الصعبة، وسنعدد جرائمها حصراً بتلك التي قامت وما تزال تقوم بها في العراق، كما سنضع لكل جريمة منها عنواناً من المبادئ العشر التي ثبتتها حركة دول عدم الانحياز في ظل عمالقة من زعماء تلك الدول.

 

بداية نعتبر أن كل دولة تشارك الولايات المتحدة الأميركية في أي عمل عدواني ستكون مشاركتها منافية للقوانين الدولية، كما أنها جريمة لا يحق لمرتكبها أن يكون عضواً في ( حركة عدم الانحياز ) ، بل الأحرى أن نعتبره عضواً في الحلف الأطلسي، لأنه لم يشارك في العدوان على العراق واحتلاله إلاَّ من كانت له علاقة وثيقة مع أميركا.

 

وهنا لا يجوز أن نستثني الدور الإيراني من ذلك الاتهام، وأنه لا يجوز أن يمر تصريح علي لاريجاني ( لولا طهران لما دخلت أميركا إلى بغداد وكابول ) مرور الكرام من دون تجريمه؟ هذا القول لم يتجرَّأ طوني بلير أن يتفوَّه به، وكذلك أزنار إسبانيا ولا برلسكوني إيطاليا، ولا رئيس وزراء أستراليا لأنهم يعرفون أن شعوبهم ستحاكمهم كمجرمي حرب، وقد حاكمتهم فعلاً، بينما يعترف علي لاريجاني نهاراً وجهاراً بتلك المشاركة التي لم يعترض عليها واحد من سكان إيران. والأسوأ من هذا لم يرشقها أحد، ممن تاهت أمامهم الرؤى عن حسن نية أو سوئها، بوردة.

 

بعد التذكير بالاعتراف الإيراني بالمشاركة بالعدوان على العراق واحتلاله وبالتالي تجريم مشاركتها، ننتقل إلى تبيان الجرائم الأخرى التي لا يجوز أن تسمح لإيران ليس أن تتبوَّأ رئاسة مؤتمر ( حركة عدم الانحياز ) فحسب، بل أن لا تسمح لها أن تكون عضواً بتلك الحركة أيضاً. وإذا كانت شبابيك الدول الأخرى المشاركة بالمؤتمر من زجاج، جاؤوا ليرشقوا شبابيك الآخرين بالحجارة، نذكِّر بتلك الحقيقة، لكننا سنحصر مقالنا بمحاكمة مدى التزام إيران بمبادئ الحركة على الساحة العراقية، لنعدد جرائمها، بحيث سنسند أحكامنا بنصوص مبادئ حركة عدم الانحياز، وهي التالية:

 

-نص المبدأ الثاني: احترام سيادة جميع الدول وسلامة أراضيها.

وهنا نتساءل: هل كانت مشاركة إيران لأميركا باحتلال العراق احتراماً لهذا المبدأ؟ وهل أميركا، كما يزعم البيان، تعمل على إلغاء نظام القطبية الواحدة فجاء النظام الإيراني، كونه يزعم بأنه من الحريصين على حركة دول عدم الانحياز، لمساعدتها على تنفيذ ذلك القرار في مواجهة العراق؟

 

-نص المبدأ الرابع: عدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول الأُخرى أو التعرّض لها.

وهنا نتساءل أيضاً: هل الملاك الإيراني، رئيس مؤتمر الحركة، يدفع الغالي والنفيس من أجل طرد أميركا المحتلة من العراق لمنعها من التدخل بشؤون العراق الداخلية، وبالتالي يُعدُّ هذا الملاك نفسه للخروج منه، تائباً من فعلة مشاركته ( الشيطان الأكبر ) باحتلاله، تاركاً أهله يعالجون شؤونهم الداخلية؟

ولماذا تجاهل بيان الدول غير المنحازة مشكلة احتلال العراق؟

أليس احتلاله تدخلاً سافراً ووقحاً بشؤونه الداخلية؟

ولماذا تجاهل المؤتمر التدخل الإيراني الذي ما يزال مستمراً حتى هذه اللحظة؟

ألم يوجد بين من حضروا المؤتمر من يقول لإيران أنك تخالفين مبادئ الحركة؟

 

-نص المبدأ الخامس: احترام حقِّ كلِّ دولة في الدفاع عن نفسها، بطريقة فردية أو جَماعية، وفقاً لميثاق الأُمم المتّحدة.

ونتساءل أيضاً وأيضاً، إذا كنا لن نطلب من إيران أن تقاتل إلى جانب العراقيين، أو مساعدتهم على ممارسة هذا الحق تطبيقاً لمبادئ حركة دول عدم الانحياز، فنسألها من هو الذي يمنع المقاومة العراقية من ممارسة حقها في تحرير أرضها المحتلة؟

 

لم يكتف عملاؤها بالدخول إلى العراق على متن الدبابات الأميركية، دبابات ( الشيطان الأكبر ) ، بل هم قاموا بحمايتها، وبالنيابة عنها راحوا يلاحقون كل عراقي يعترض على الاحتلال أو يحمل بندقية للدفاع عن بلده.

 

أما إيران فلم تكتف بالسكوت عن جرائم عملائها في العراق الذين لم يتعاونوا مع المحتل فحسب، المحتل الذي أراد من احتلال العراق أن يثبِّت نظام حكم العالم بقطبية واحدة، بل ساعدتهم بأجهزة مخابراته ( الباسيج ) وبإغداق السلاح عليهم أيضاً. كل ذلك ليس من أجل حماية عميد القطبية الواحدة فحسب، بل أيضاً من أجل ملاحقة مقاومي الاحتلال واجتثاثهم بواسطة السجون أو بواسطة القتل.

 

وإذا كانت إيران قد ضربت عرض الحائط المبادئ: الثاني والرابع والخامس، من مبادئ حركة دول عدم الانحياز، فإنها كانت ضربت عرض الحائط أيضاً بالمبدأين السابع والثامن، والتي تنص على التوالي على ما يلي:

 

-نص المبدأ السابع: الامتناع عن القيام، أو التهديد بالقيام، بأيّ عدوان. والامتناع عن استخدام القوّة ضدّ السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأيّ دولة.

 

وذلك عندما أجاز النظام الإيراني لبعض من أيَّد ( الثورة الإسلامية ) من شيعة العراق أن يتمردوا على دولتهم، في أيام نظام حزب البعث، لا بل حرَّضت قيادة النظام الإيراني عملاءها ووفَّرت لهم الإمكانيات اللازمة، وهؤلاء بدورهم قاموا بالعديد من أعمال التخريب، والاغتيالات، بحيث استكمل نظام الخميني تلك الأعمال باعتداءات متكررة على الحدود العراقية، خلافاً لكل ما بثته أجهزة الإعلام المعادية لنظام حزب البعث في العراق.

 

وتدليلاً على ذلك يكفينا أن نعيد للأذهان مبد ( تصدير الثورة ) الذي قامت عليه ( الثورة الإسلامية ) واتخذته دليلاً ومرشداً لتصدير نفسها إلى الوطن العربي. والأخطر من ذلك شكَّل ذلك المبدأ أمراً إلهياً لا تجوز المناقشة فيه. ومن أهم وسائل تطبيقه أن تصديره يقوم على ( قوة السيف ) حسب القاعدة الفقهية التي تقول ( إما الإسلام وإما السيف ) .

 

وبناء على هذا المبدأ، الذي لا يعترف بالاستقلال السياسي لأي دولة، كان قرار خرق الحدود السيادية للعراق هو الأول لتصدير ( الثورة ) إليه لأكثر من اعتبار من أهمها الجوار الجغرافي وتواجد أضرحة أئمة الشيعة فيه.

 

وهنا نقول لكل من ناقش، أو سيناقش، أسباب الحرب الإيرانية – العراقية على أسس غير أساس مبد ( تصدير الثورة ) سيغرق في متاهات ديماغوجية وسيضلُّ سواء سبيل الوصول إلى الحقيقة.

-نص المبدأ الثامن: الحلّ السلمي لجميع الصراعات الدولية، وفقاً لميثاق الأُمم المتّحدة.

 

وحسب هذا المبدأ، ولنفصل أسباب العدوان الإيراني على العراق من أصوله الإيديولوجية، ولنتجاوزها، فنقول افتراضاً إن الحرب قد بدأت من دون أن نحمِّل أي طرف مسؤولية البدء فيها، وإنما وقعت فعلاً. فحسب المبدأ الثامن من مبادئ حركة دول عدم الانحياز، كان من الواجب أن يلجأ المتحاربان لحل النزاع بينهما على قاعدة ( الحلّ السلمي لجميع الصراعات الدولية، وفقاً لميثاق الأُمم المتّحدة ) . ومن أجل ذلك صدرت عدة قرارات عن مجلس الأمن تأمر الطرفين بوقف إطلاق النار، فرفض الطرف الإيراني. ودليلنا الأكثر وضوحاً على ذلك عبارة مشهورة قالها الخميني حينذاك، أي عندما أعلن قبوله بقرار مجلس الأمن، في آب من العام 1988، قائلاً: ( إنني أقبل القرار كمن يتجرَّع السم ) .

 

وأخيراً نقول: إن إدانتنا لهذا المؤتمر هي أنه بدلاً من أن يناقش مدى شرعية عضوية إيران في مؤتمر الحركة، ومحاكمتها على قواعد خرقها لمبادئها العشرة، فإنه قدَّم لها جوائز الترضية وكأنه يشجعها على متابعة سياستها التي تهدد أمن دول وأقطار الوطن العربي، ويأتي في المقدمة منها جريمتها في إدامة احتلال العراق وتدخلها السافر في شؤونه الداخلية وتمزيق وحدته الوطنية وتقسيمه على أسس مذهبية وعرقية.

 

وقبل أن نعتذر عن متابعة فضح جرائم النظام الإيراني في أقطار عربية أخرى، نخاطب الرئيس المصري الذي كان من أبرز المشاركين العرب في المؤتمر، ذلك الرئيس الذي جاء ( ليكحِّل ) المؤتمر بحيادية موضوعية، كما يقولون ( فعماه ) نتيجة عدم تصديق نفسه بأنه سيتبوَّأ زعامة مصر بعد انقضاء زمن ( الفحول البيض ) ، فنقول: رحمك الله يا جمال عبد الناصر لقد سلَّمت هؤلاء البشر مبادئ لا يعرفون كيف يوظفونها لمصلحة الأمة العربية.

 

 

 





الثلاثاء ١٧ شــوال ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٤ / أيلول / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب حسن خليل غريب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة