شبكة ذي قار
عـاجـل










تتصاعد هذه الأيام و بوتيرة لا تخلو من اصرار عديد الأصوات بصيغة الكتابات أو الأسئلة اما نتيجة الصدمة التي أفرزها التصعيد المتعمد للأسلمة علي خلفية الحراك الشعبي العربي في أكثر من قطر عربي بصيغة تسليم "المفاتيح" المغلف بما أفرزته صناديق الاقتراع المغلفة بأكثر من لغم (مالي / اعلامي/أمني) ...يمثلها شق حريص قطعا علي حقيقة يحسها داخليا و يتجسدها حلما قابلا للتحقيق ... كما يمثلها شق أخذته العزة بذنب ما اقترفه من ولاء لرؤية غير الرؤية التي يتجسدها المواطن أملا بما يبرر به هذا الذنب و يجعله حقا يريحه نفسيا و يمكنه من التمادي في الهروب الي أمام ... كتابات أو تساؤلا ت تتمحور حول تسفيه الفكر العربي الثوري و فشل تجاربه و تعدد السلبيات مما يعني موته بالنسبة للشق الثاني ...و المطالبة باعادة صياغة المشروع تسمية و أهداف بالنسبة للشق الأول ... مما يفرض الاجابة علي ذلك بصيغة تعريف الفكر أولا و تسفيه هكذا كتابات ثانيا ...



I ـ في تعريف الفكر عامة :
الفكر أساسا إنما ينضح من المعاناة، ولا يمكن للمعاناة إن تنفصل عن التجربة الحية للواقع اليومي الذي يعيشه الإنسان، وفي الوقت نفسه، فان الفكر يمتد إلى المستقبل، ليسبق الواقع ويكون المرتكز الأساسي لتغييره، اذن الفكر يكون منفصلا ومتصلا بالواقع في وقت واحد، منفصلا، بمعنى انه يسبق الواقع في التحليل وتصور المعالجات. ومتصلا، بمعنى إن عينات الواقع المرئية هي مصدر الإلهام الرئيسي وهي الدليل الأساس لان ينضح الفكر من موقعه إلى أمام..فالواقع اليومي يتضمن فكرا، والفكر يتقدم على واقع الحركة اليومية في المجتمع بالتصور، وهو بحاجة إليه، كي يلامس أرض الواقع لإغراض - أولا الفهم العام لحركة المجتمع أو التفاعلات القائمة عالميا وذات التأثير المباشر علي المجتمع الذي نحن جزء منه أوـ التطبيق ثانيا اذا كان الأمر متعلقا بمن هو في دائرة القدرة علي نقل التصور الي حالة ميدانية... اذا ما أخذنا هذا التعريف و طبقناه علي ظهور الفكر العربي الثوري سنري تطابقا علميا يتجاوز مسألة القول بالقدسية باعتبار المقدس حكم نهائي غير قابل للتغيير و ان كان قابلا للتفسير و ما يقترن به من اختلاف التي تقرها المدارس و المذاهب التي نراها قائمة في مختلف العقائد المقدسة من ناحية و من ناحية أخري يقر من أن الفكر العربي الثوري نضح عقلي بصيغة الرؤية التي قرأت الواقع العربي بما فيه من اجابيات و سلبيات (مرتكزات و عوائق) لتخلص الي وضع جملة من الأساليب و الأدوات لبلوغ مجموعة أهداف تري من أنها قادرة علي الانتقال بالأمة العربية من حالة التخلف و الجمود و الاتكالية المستسلمة للآخر الي تفعيل قدرها بإمكاناتها تحقيقا لواقع مارسته حضاريا بصيغة الابداع في جوانبه المادية و الأخلاقية الانسانية ...النتيجة ظهور الفكر العربي الثوري (البعث ) الذي هو محصلة تراكم نضالي و معرفي بمفهوم البحث علي الطرق و الأداة القادرة علي النهوض بالأمة و الخروج بها من دائرة التخلف و التقسيم و العجز عن الفعل الانساني الذي راكمه تاريخها الي دائرة التحرر و المشاركة في صياغة الفعل الانساني في جوانبه الخيرة ...أي رد علمي جدلي علي الاستهداف الخارجي الذي أسست له الأطراف الاقليمية نتيجة سقوط الدولة العربية الاسلامية و أعني به العثمانيون و استغله الغرب في صعوده الاستعماري ... رد يستند علي ما هو اجابي ناصع في تاريخ الأمة و الذي يمثله البعث الأول باعتباره من صاغ موقع الأمة بشكليه الحضاري و الانساني عالميا لذلك قرن البعث بين العروبة و الاسلام قائلا " البعث العربي الاشتراكي يعني بكل بساطة العروبة التي روحها الاسلام " و من هنا كان شعاره "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة " قارنا هذا الرد بتحقيق النموذج المحمدي الذي يقطع مع السلبيات التي لحقت بالعربي في ظل ما عايشه من انحطاط علي مستوي استخدام العقل و من حيث السلوك مؤكدا علي تحقيق " الانقلاب " علي الذات و علي الواقع المتردي للأمة العربية و الذي يفسره البعض من أدعياء الفكر و السياسة "بالانقلاب الهادف السلطة " علما من أن البعث يري السلطة أداة لا غاية ...أداة علي طريق تحقيق أهداف الأمة العربية في التحرر و الوحدة و اقامة المجتمع العادل


من هنا يحق للفكر العربي الثوري و الهيكل المعبر عنها أن يتسمي بالبعث الثاني للأمة العربية بعد بعثها الأول الذي مثلته ثورة الاسلام ... بناء علي أن البعث في هكذا نظرة ينطلق من ماضي الأمة المشرق و يدرس حاضرها الذي لا يعبر عن امكاناتها بسيمته المتردية مقرا بأن حلوله تكمن في الوحدة و الحرية و الاشتراكية كما فسرها و أطرها بصيغة الرأي و ليس بمفهوم المقدس ... أهداف عندما طرحها الفكر العربي الثوري في الأربعينيات من القرن الماضي كانت محل رفض و انتقاد بل نقد بلغ مستوي التشهير بمنطق التصنيف و التموقع ... و لكن هل صمد الانتقاد أمام ما أفرزه الواقع العربي في تطوره سواء المادي أو الثقافي المعنوي أمام هذا الاستقراء العلمي الجدلي للفكر العربي الثوري ؟ قطعا لا باعتبار أن هذه الأهداف أصبحت أهداف الشارع العربي بمختلف مكوناته الاجتماعية و يحلم بتحقيقها خاصة الكادحين سواء انتموا للهيكل المعبر عنه أو كانوا في هياكل أخري أو مواطنين عاديين ... و لكون البعث يستهدف الأمة قاطبة فتحول شعاراته الي شعارات تحلم بها الفئات الكادحة و تعتبرها حلولا لأزمتها يسجل له و لا يحتسب علي أنه رؤية سلبية ... و يسفه مسألة الأصوات الداعية الي مراجعة الفكر العربي الثوري أطروحاته و جملة ما صاغه من أهداف ... و هي أصوات يمكن تقسيمها الي صنفين ...أ) صنف متأثرا الي حد ما بالتجربة الاشتراكية و تعثرها و ما أفضت اليه من تراجعات استخدمت فيها مفهوم المرونة الليبرالية حتي علي مستوي الفكر ... و المرونة الليبرالية سلسلة من التراجعات تنتهي دوما الي مغادرة الرأي و القبول برأي آخر بديل ... و هو ما تسجله الامتدادات الفكرية و التنظيمية لهذه التجربة علي مستوي الساحة العالمية و العربية خاصة ...ب) صنف الأعداء بفرعيه ... الأول ـ العدو الخارجي ممثلا في الامبريالية و تطورها الي مرحلة العولمة و ما تقتضيه بحكم طبيعتها المعتمدة علي الاقتصاد الريعي (الوسيط/الربح) و ما يفرضه من تعميم الفردانية أي مجتمع الشركات التي تخصص جزء من ربحها لتحقيق أرباح مضاعفة بهدف ادامة الاستهلاك و المحافظة علي قوة الانتاج (المساعدات التبرعات للمؤسسات أو الدول أو مراكز البحث العلمي ) الذي يعادي مفهوما المجتمعات المتضامنة التي تعمل علي التوزيع العادل للثروة و الحد من ظاهرة الاستغلال ... الثاني ـ العدو الداخلي الذي يري في مفهوم الأمة العربية من الناحية الفكرية حالة متعارضة مع نظرته القدسية المتقيدة بما هو عام فيها دون تحليل لمضمونها باعتبار نفسه ممثلا لها في جانب و في جانب ثاني تقيده بمسألة الخلافة كمرجعية لمفهوم الدولة أولا و ثانيا المتفق مع العدو الخارجي من حيث الرؤية الاقتصادية (مسألة الربح و ارتباطه بالتجارة فقط ـ الوساطة ـ) ذات الطبيعة الريعية في أبسط أشكالها و ثالثا و ان كان يطرح مفهوم المجتمع المتضامن فهو يحيله الي شكل من أشكال المؤسسات المختلفة شكلا عن تلك التي تطرحها العولمة و المتفقة مضمونا معها ( جمعيات خيرية ... البر و الاحسان ...الخ ) ... مما يجعل من كل هذه الأصوات عبارة عن خطاب سياسي يهدف فيما يهدف اليه قطع الطريق أمام الأسبقية الفكرية للفكر العربي الثوري في قراءته للواقع و ما يمثله تصوره من حالة مستجيبة لطموحات الشعب العربي


II ـ متي تصبح النظرية أو الفكرة محل نقاش أو اعادة صياغة أو حتي تغيير :

علميا اذا وضعت النظرية أو الفكرة موضع التجربة و أدت الي نتائج معاكسة لما كان متوقعا منها هذا في العلوم الصحيحة تصبح النظرية محل نقاش للبحث علي الخلل ليعاد صياغتها أو تغييرها ...فما بالك بالعلوم الانسانية باعتبار الفكر حالة و ان كانت سابقة للواقع فهي مستندة في تكونها الي ما بداخل هذا الواقع و ما يسجله من متغيرات ... و باعتبار ذلك فالفكر العربي الثوري لم يكن بمعزل عن ذلك نظرا لاعتماده الجدلية العلمية ... فهل وضعت نظرية البعث موضع التطبيق بمداياتها حتى تقول هذه الأصوات بما تقوله ... قطعا لا و ان وضعت بصيغة محدودة في قطر واحد الذي هو العراق و بالرغم مما أحاط التجربة من عداء متعدد الأوجه و حالات حصار ... هل يستطيع أي من هذه الأصوات انكار ما حققته التجربة بقياسات الزمن من انجازات ... و هل ينكر أي من هذه الأصوات من أن استهداف العراق بالصيغة و الشكل الذي عايشناه لا يقع في اطار منع هذه التجربة من الامتداد الأفقي عربيا ... البعث لا ينكر من أن فعله انساني و كل فعل انساني لا يخلو مما هو سلبي مهما حاول الفاعل التقليل من ذلك و لكن عند التقويم لهذا الفعل يجب أن ننظر في محصلة الفعل عامة و ليس بمفهوم التفصيل ... و علي هذه الأصوات أن تستوعب الدرس من القصة المتعلقة بالبحث عن الصورة الجمالية المثالية ... فالصورة الجمالية لا تتكون من الجمع بين ما تحتويه مواقع متتعدة (تجارب) جميلة و لصقها الي بعضها البعض ...فعندها ستحصل علي أبشع صورة ... و انما في النظر الي المعطي الجمالي في موقعه و تعديل ما يحيطه بما ينسجم و المنظر العام للوحة.


تثار مسالة القوميين و بشكل مصطنع في كونهم استلموا السلطة في الوطن العربي ... بصيغة مجانبة للتاريخ بهدف تحميلهم تبعات الانهيار و تأهيل الأرضية لغيرهم ممن هم مكشوفون ولاءا و تصورا ...فهل فعلا استلم القوميون السلطة ؟ و هل كان استلامهم للسلطة بمعزل عن الضغط الخارجي و التخريب الداخلي .؟


1) اذا ما استثنينا تجربة عبد الناصر في مصر و تجربة البعث في العراق ... و كلايهما تؤكد الدراسات أو حتي الوثائق الآن أسباب اسقاطهما ... هل يمكن لأي كان أن يحدد لنا أين اعتلي القوميون السلطة ؟ قطعا لا باعتبار أن ايديولوجية الفكر العربي الثوري تضع من الضوابط لمسألة التقييم للتجربة في بعدها القومي ما يكفي للفرز ...فلا يجب الانخراط في هكذا طرح ...اذ ليس من يقول بوحدة العرب هو قومي و اليوم نري كم هي الأطراف التي ترفع هذا الشعار ... حتي أنظمة الخليج العربي تقول به و لكن بصيغتها ... و الحركات المتأسلمة تتبناه الآن و لكن تحت مفهوم معين بنظرتها ... فهل فشلت تجربة عبد الناصر أو البعث من ذاتها و بفعل داخلي أم تحت الضغط الخارجي الذي وصل حد التدمير و الاحتثاث في العراق و لا زال قائما ... كلا التجربتين اعتمدتا المركزية ... في البناء لتكوين الخيمة الوطنية المنفتحة علي بعدها القومي ... فهل خالفتا منطق الواقع و التاريخ ؟قطعا لا و تجارب التاريخ دليل علي ذلك ...


2) ) كل التجارب الانسانية بما في ذلك تجربة بناء الدولة عند العرب المسلمين منذ عهد أبي بكر مارست المركزية ... علي حساب الديمقراطية ... استقرار أهداف الثورة الفرنسية لم يكن الا بعد أن أخذت المركزية أبعادها واقعا معاش من عهد نابليون الأول الي نابليون الثالث أي من 1798 و حتي سقوط الامبراطورية الثانية 1875 ...تكون ألمانيا علي يد بسمارك ...ايطاليا علي يد غاريبلدي و الملك ايمانويل ملك لمبارد يا ... تكون الولايات المتحدة هل نسينا الحرب الأهلية الأمريكية ؟...أم أن شعارات الديمقراطية أخذت بتلابيب فكرنا ... و حولتنا الي راقصين علي أنغام التنغو الافريقي بعزف أمريكي ...؟ نعم الحرية مطلب لا بل حق طبيعي و أساسي و لكن هل تستقيم الحرية مع الجوع و الفقر و التباين الاجتماعي الفاحش (اقطاع مقابل خماسة ـ العامل الذي يعمل مقابل حصوله علي خمس الانتاج الفلاحي ـ أي عمال في صيغة أقنان ) و هيمنة الوعي الاتكالي المرتبط بالمجهول ... قطعا لا و من يقول بذلك فهو يستهدف احلال الفوضي و النتائج بائنة حاليا و ان كان احتلال العراق قد بشر بها و لم يتفطن لذلك الا القلة القليلة من أبناء الأمة .



d.smiri@hotmail.fr

 

 





الاثنين ١٦ شــوال ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٣ / أيلول / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب يوغرطة السميري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة