شبكة ذي قار
عـاجـل










أختتمت أعمال مؤتمر قمة دول عدم الانحياز في دورتها السادسة عشر في طهران في وقت يشهد الوطن العربي خلافات وإنقسامات خطيرة تهدد ما تبقى من وحدته ضمن الإطار الجغرافي نتيجة تباين الآراء وتناقض المواقف التي تمخضت عن نتائج بلغت حداً من السوء يبشر بمزيد من الضعف والهوان بالرغم من إنجازات ديمقراطية مرحلية لم تتوضح معالمها الإيجابية بعد، والتي تنطوي على الكثير من التكهنات والتوقعات بين فريق مؤيد وآخر مناهض بسبب التداخلات الخطيرة في الواقع العربي المتازم خارجياً وداخلياً.

 

وكي نبتعد عن الدخول في متاهات الوضع العربي والتركيز على مجريات القمة، سنقوم بعرض نبذة مختصرة عن نشأة حركة عدم الانحياز وبعض مراحل تطورها وأبرز أهدافها، مع تقديم استعراض بسيط لمجريات هذه القمة من أجل فهم الرسائل الكامنة خلفها.

 

تأسيس حركة عدم الإنحياز

تأسست حركة دول عدم الانحياز خلال المؤتمر الافريقي الآسيوي في باندونج –اندونيسيا عام 1955، وتعتبر من بنات أفكار قادة الحياد في العالم جواهر لال نهرو وجمال عبد الناصر وجوزيف بروس تيتو.

 عقد المؤتمر الأول للحركة في بلغراد عام 1961، وجمع ممثلي 25 دولة عضوة في الحركة، ثم تعاقبت المؤتمرات حتى كان آخرها المنعقد في طهران للفترة 30-31 آب/أغسطس 2012، وصل عدد الدول الأعضاء في هذه الحركة 118 دولة، مع 18 دول مراقبة و 10 منظمات، ويعزى السبب في تأسيسها كحركة وليست منظمة إلى إن مؤسسيها لم يشاؤا تحولها إلى مجرد منظمة بيروقراطية في المستقبل.

 

في قراءة لخارطة الدول الأعضاء في الحركة وتصفح أوراق تأسيسها يتضح بأن أهم أهدافها برزت كنتيجة مباشرة للحرب الباردة بين أمريكا وحلف الناتو من جهة، والإتحاد السوفيتي القديم وحلف وارسو من جهة أخرى، والهدف هو النأي بالدول الأعضاء عن سياسات واستقطابات الحرب الباردة وصياغة مواقف الدول الاعضاء باستقلالية ومعالجة القضايا والصراعات الاقليمية ضمن الدول الأعضاء في الحركة.

 

المبادئ العشرة للمؤتمر التأسيسي في باندونج

* احترام حقوق الإنسان الأساسية، وأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.

* احترام سيادة جميع الدول وسلامة أراضيها.

* إقرار مبدأ المساواة بين جميع الأجناس، والمساواة بين جميع الدول، كبيرها وصغيرها.

* عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى أو التعرض لها.

* احترام حق كل دولة في الدفاع عن نفسها، بطريقة فردية أو جماعية، وفقًا لميثاق الأمم المتحدة.

   أ - عدم استخدام أحلاف الدفاع الجماعية لتحقيق مصالح خاصة لأيّ من الدول الكبرى. 

  ب - عدم قيام أي دولة بممارسة ضغوط على دول أخرى.

* الامتناع عن القيام، أو التهديد بالقيام، بأي عدوان، والامتناع عن استخدام القوة ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة.

* الحل السلمي لجميع الصراعات الدولية، وفقًا لميثاق الأمم المتحدة.

* تعزيز المصالح المشتركة والتعاون المتبادل.

* احترام العدالة والالتزامات الدولية.

 

الجدير بالذكر إن الدورة السابقة قد عقدت في شرم الشيخ عام 2009، وهو ما يبرر حضور الرئيس المصري محمد مرسي إلى طهران بالرغم من الرفض الشعبي المصري، فبروتوكول الحركة ينص على تسليم رئيس الدولة المستضيفة السابقة إلى الدولة المضيفة الحالية، لذلك لم ينتظر محمد مرسي حضور نقاشات المؤتمر حتى النهاية، بل غادر مباشرة بعد أن القى كلمة الأفتتاح التي حملت بين طياتها كلمات الدعم للشعب السوري مع تهديد واضح للنظام السوري، مما دعا ممثلي النظام إلى ترك القاعة لحين إنتهاء الكلمة وخروج الرئيس المصري.

 

عدم إنحياز أم عدم حياد!

وما دمنا نتحدث في إطار حركة عدم الانحياز وأهدافها ومفاهيمها، فحري بنا أن نتجرد من مواقفنا من القضايا المطروحة كي نكون حياديين في تقييمنا للأمور ودون إنحياز لطرف ضد آخر، والسبب في حياديتنا هنا يكمن في إننا لسنا أمام قضايا عربية إسلامية ضد التدخلات الغربية في الوطن العربي والإسلامي، أو الإحتلال الأمريكي للعراق، أو حتى الإستهداف العرقي لمسلمي الروهينجا في ميانمار! فعندها ستتغلب عواطفنا ووطنيتنا على حياديتنا لنصرة تلك القضايا، حتى قضية فلسطين التي تمثل قضية العرب والعالم الإسلامي الأولى خرجت المسودة النهائية التي صاغها وزراء خارجية الدول المشاركة في المؤتمر ببند ضعيف يدعو إلى إنشاء دولة فلسطينية ضمن حدود عام 1968، وهو مطلب مكرر تبنته منظمة التحرير الفلسطينية عام 1988، والذي لم يدخل حيز التنفيذ منذ ذلك الحين بسبب ضعف الأجماع العربي والتعنت الإسرائيلي وتجاهله لكل القرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية.

 

قراءة في الخطب الافتتاحية للشخصيات ورؤساء الدول  

 إن ما حملته رسائل المؤتمر وعبر الكلمات الإفتتاحية لرؤساء الدول بدت وكأنها مبيتة وغير قابلة للنقاش، وكأننا في حوار للطرشان، فقد حملت كلمة الإفتتاح للرئيس المصري رسالة محددة للنظام السوري وبلغة تهديد واضحة عدها البعض بإنها خارجة عن المألوف في هكذا مؤتمرات، حتى أعتقد البعض بأن محمد مرسي جاء للمؤتمر من أجل تسليم هذه الرسالة فقط ثم غادر، وهذه إشارة واضحة لعدم حياديته بغض النظر عن موقفنا من النظام السوري.

 

موقف آخر للأمين العام للأمم المتحدة بان  كي مون، فقد كان حضوره للمؤتمر مثيراً للإستغراب بعد أن أعتذر في وقت سابق من حضور المؤتمر، إلا إنه عدل عن قراره في اللحظة الأخيرة، ومرة أخرى نجد رسالته واضحة لإيران، فقد هاجم إيران وبرنامجها النووي محذراً من إحتمالية إندلاع حرب في المنطقة بسبب عدم إنصياعها لقوانين المنظمة الدولية، بل ذهب بعيداً في إتهام إيران بالتشكيك بوقوع محرقة اليهود، مشدداً على رفض قيام أي من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بتهديد الدول الاخرى ونعتها بأوصاف عنصرية في إشارة واضحة لإسرائيل، فهل حقاً هذا هو المكان المناسب لمناقشة هذه القضية دون الإشارة ولو من بعيد للتجاوزات اللاإنسانية لإسرائيل ضد الشعب الفلسطيني؟ ولم ينسى بان كي مون من تحميل الحكومة السورية مسؤولية العنف في سوريا داعياً الحكومة لوقفه فوراً.

 

أما إيران راعية المؤتمر، فهي المعنية الرئيسية في توجيه رسائلها الواضحة بالدفاع عن نفسها ضد ما تسميه بالإستهدافات الغربية لحقها في إستغلال الطاقة النووية للأغراض السلمية، والتأكيد على عدم استخدامها لهذه الطاقة في تطوير السلاح النووي، فقد هاجم خامنئي في خطابه مجلس الأمن الدولي متهماً أياه بالدكتاتورية من خلال دعم الولايات المتحدة لفرض هيمنتها وعنجهيتها على العالم، لكن خطاب خامنئي لم يتطرق من قريب أو  بعيد للقضية السورية التي تنطوي على الكثير من الإتهامات لإيران بسبب دعمها للنظام السوري في سياسته القمعية لشعبنا في سوريا! كما وجه الإتهام لأمريكا والدول الغربية بالعمل على اسقاط النظام السوري وإشعال فتيل العنف في سوريا.

 

يقول محللون مراقبون للشأن الإيراني بأن إيران ألتزمت الصمت في القضايا المختلف حولها في مقابل إيصال رسالتها إلى العالم حول البرنامج النووي وتأكيدها على حقها في أستخدام الطاقة النووية في الأغراض السلمية ومحاولتها كسر عزلتها السياسية والدبلوماسية والاقتصادية المتزايدة من الغرب.

 

خطأ فادح

تناقلت وكالات الأنباء الإعلامية الإيرانية عن خطا فادح أرتكبته الجهة المنظمة للقمة، وبالتأكيد لم يكن خطئاً عرضيا أو غير مقصود، بل من الواضح إنه خطأ مع سبق الاصرار والترصد وربما خطة رسمية إيرانية للتلاعب بكلمة محمد مرسي اثناء ترجمة خطابه للغة الفارسية وتزوير بعض الكلمات لتبدو تأييداً لوجهة النظر الإيرانية في القضية السورية التي كشفت عن مستوى ضحل للعقلية الإيرانية التي أختبرناها أيام الحرب الإيرانية العراقية وما قبلها، فقد حذفت اسماء الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان بداية الخطاب عندما صمت المترجم عن ترديدها اثناء الترجمة ثم عاد ليترجم باقي الخطاب، كما ترجم جملة "إن شعبي فلسطين وسوريا يناضلان من أجل الحرية" باستبدال كلمة السوري بالبحريني! وأستمر التزوير في مواضع عديدة في خطاب الرئيس مرسي، ويقول إعلاميون إيرانيون بان هذه الأخطاء الخطيرة قد اضعفت موقف إيران من خلال تزوير خطاب رئيس القمة لدورته السابقة، كما إنها أطاحت بكل ما حققته إيران من مكاسب سياسية ودبلوماسية جراء إستضافة هذا المؤتمر حسب ما نقلته وسائل الإعلام الإيرانية نفسها.

 

في الختام، ومن خلال قراءة مواقف الدول والمنظمات يمكن القول بأن الحركة في قمتها الحالية لم تقترب إلى أدنى مستوى لمفاهيم وأهداف حركة دول عدم الإنحياز التي آمن بها مؤسسيها، فأضحت تلك المؤسسة الحيادية منبراً لتبادل رسائل التهديد والوعيد على قضايا يفترض تكاتفهم فيها بدلاً من الإنقسام والتشرذم ومحاولة طرح القضايا ذات المصالح الضيقة، كيف لا والحركة تفتقد لقادة حقيقيين يؤمنون بالتحرر من الأستعمار والهيمنة الغربية، ويرجع هذا إلى تعدد القضايا المتداخلة التي أختلف عليها أطرف الصراع.

 

 وبهذا نجد مسودة البيان الختامي لمؤتمر طهران قد ركز فقط على أربعة قضايا من بين عشرات القضايا الخطيرة التي يعاني منها الوطن العربي والإسلامي، ومن بين البنود التي ركزت عليها مسودة البيان قرارأً بنزع اسلحة الدمار الشامل في الشرق الاوسط في إشارة واضحة للتسليح النووي الإسرائيلي، ويعلم الجميع بأن هذا القرار أخلاقي وليس إلزامي على إسرائيل، واقل ما يمكن أن يقال عنه بأنه قرار ولد ميتاً كغيره من القرارات السابقة.

 

 البند الثاني يخص القضية السورية، وينص على توجيه الدعوة للقاء أمريكي - سوري في محاولة لإيجاد الحلول للقضية السورية من خلال تقريب وجهات النظر، وهو قرار من المتوقع أن يتم رفضه أمريكياً بسبب مواقف وتصريحات سابقة بضرورة استقالة الاسد قبل بدء اي حوار محتمل، وأيضا في الملف السوري، دعا البيان إلى مساندة الجهود الدولية لإعادة السلام والهدوء إلى سوريا وفق المهمة الدولية للمبعوث الأممي-العربي الأخضر الإبراهيمي، كما شجب البيان العقوبات الأميركية والغربية على سوريا.

 

إذن يبقى هنالك بندين آخرين أحدهما يتعلق بالقضية الفلسطينية وقد تم ذكره آنفاً والآخر يتعلق  برفض العقوبات الاحادية من قبل الدول الغربية على بعض الدول الأعضاء في الحركة، وهذا البند جاء بمبادرة إيرانية في إشارة غير مباشرة للعقوبات الاقتصادية الغربية ضد إيران، بالإضافة إلى البنود الروتينية التي تظمنتها مسودة البيان الختامي كإنتخاب فنزويلا لرئاسة الحركة للدورة القادمة، وبهذا ينتهي مؤتمر قمة دول عدم الانحياز بنتيجة واحدة تصب في صالح إيران نسبياً في محاولة لكسر عزلتها الدولية على حساب الكثير من القضايا المقلقة الأخرى ، ربما اخطرها التدخل الإيراني في العراق وتحت نظر الوجود الأمريكي ونهجها في التغلغل الواضح في بعض الدول العربية من خلال إستغلال التداعيات الخطيرة في بعض دول الربيع العربي.

 

تعلم الوفود المشاركة في المؤتمر بنوايا إيران في محاولة تحسين صورتها أمام العالم لكنهم قلقون من ضعف الحركة وتواري تأثيرها، لذلك تحاول الدول الأعضاء دعم هذه الحركة بغض النظر عن الخلفية السياسية للدولة المستضيفة، وهذا ما يفسر حضور معظم ممثلي الدول الأعضاء للمؤتمر، ناهيك عن إن قرارات الحركة غير ملزمة وتحمل طابعاً رمزياً، خاصة وإن العالم اليوم أحادي القطبية.

 

 





الاثنين ١٦ شــوال ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٣ / أيلول / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المهندس وليد المسافر نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة