شبكة ذي قار
عـاجـل










للأمس القريب جداً ، كانت سورية العربية ملاذاً امناً يحجٌ إليها العراقيون طابورا طابوراً هرباً من وضع بغداد المتردي والانتكاسة الأمنية اليومية والوضع المعيشي البائس والإرهاب اليومي .
وكان العراقي يتنفس الصعداء وهو يعبر الحدود ويرفع كفيه إلى السماء شاكراً ربه على نجاته وأسرته من الموت وحياة الذل التي كان يعيشها في بغداد بفضل الديمقراطية ( المسلفنة ) التي جلبتها لنا أمريكا مستعينة بالحثالة من عملائها وعملاء إيران ..


كانت سورية الحبيبة التي كنا نقصدها آمنة هادئة، ينام فوق بساطها الأخضر الشعب بأكمله وزوارّ سورية من العراقيين والعرب .. ولم نكن نسمع عن ديكتاتورية بشار الأسد ولا عن ظلمه ولا عن اضطهاده .
وفجأة ، وبلمح البصر،وبين ليلة وضحاها ، صار بشار الأسد قاتل الأطفال ، ومجرم حرب ، وراعي إرهاب ، يقتل شعبه ، يفجر بيوتهم ، يقتلهم في الشوارع ، يرسل الطائرات لقصف المدن ، يرسل العصابات لنهبهم وسحلهم في الشوارع .. وصار بشار سبب بلاء هذا الشعب المسكين المغلوب على أمره وصارت أمريكا شريفة وفرنسا حريصة على حقوق الشعب السوري ، وبريطانيا تبكي بكل دموعها وأمير قطر يلطم على السوريين ، وملك المغرب انتكست حالته الصحية حزناً على ما آل إليه وضع أحبائه في سورية ولم يبق لاوردغان وتركيا مشكلة سوى إزاحة النظام السوري وإنقاذ السوريين من بشار الأسد..
وحتى الأمس القريب جداً ، حين كنا نهرب من مصيرنا المجهول في بغداد ونلجأ إلى سورية ، لم نسمع عن انشقاق سفير ولا عن انشقاق طيار ولا عن تمرد نائب ولا عن ثورة شباب..


ماذا حصل؟
هل نزل الوحي على هذا الشعب وأيقظه من سباته الطويل أم أن هناك أيادي خبيثة أيقظت الفتنة وأججته ( والفتنة كانت نائمة واللعنة على من أيقظه ) ..؟؟
هذا الانقلاب المشاعري في سورية حدث بعد ثورات تونس ومصر وليبيا وأحداث اليمن واحتلال العراق .. فهل كانت الثورة ( الربيع العربي كما يحلو للبعض أن يسميه ) عدوى وانتقلت إلى سورية أم أن تسلسل سورية في مسلسل المؤامرات والإسقاط والتدخل الداخلي كان هكذا .. اسم سورية كان مدرجاً وداخلاً في القائمة التي كان العراق يشكل الرقم 1 فيها باعتباره جمجمة العرب والسد المنيع والبوابة الشرقية لحماية الوطن العربي والقوة الخارقة التي لن تتمكن أمريكا ولا أية دولة من استهداف دول عربية أو رئيس عربي دون استهداف هذة القوة .


لكن مايثير الاستغراب والدهشة ، أن أسلوب إسقاط الرئيس السوري هو الأسلوب ذاته الذي استخدم للإطاحة بالنظام الوطني في العراق ، أسلوب إلصاق العنف والإرهاب والقتل والاضطهاد بشخصية الرئيس وأركان نظامه .. فأمريكا خصصت مليارات الدولارات لتشويه صورة الرئيس صدام حسين في أعين شعبه والشعوب الأخرى _ صدام دموي وصدام دكتاتور وقاتل الأطفال والمقابر الجماعية ،وفي الوقت ذاته صرفت ملايين الدولارات لتجعل من أمريكا راعية حقوق الإنسان ومحبة للشعوب العربية المضطهدة وساعية كريمة لتحريرها من أنظمته ( الغير مرغوب بها من قبل أمريك ) ..الأنظمة التي ظلت مصرة على عدم الاعتراف بإسرائيل واصرارها على تحرير فلسطين والحفاظ على الهوية العربية وصيانة الكرامة العربية .


والقذافي سقط بالأسلوب نفسه والسلاح ذاته .. قتلته ايضاً وصنعت منه أسطورة عظيمة من أساطير الشهادة..
لكننا امة لا تتعظ ولا تستنبط الدروس من ماضيها مع أننا نبكي ليل نهار ماضينا ونتغنى بتراثنا وحضارتنا .. نؤلف الآلاف من المجلدات لنحكي قصة الحضارة والتراث لأجيالنا ومع ذلك لا نأخذ العبر ولا الدروس من مصائب هذه الأمة التي ابتيلت ومازالت بالاستعمار الأجنبي وكانت محط مؤامرات على مدار تاريخها..


لست هنا بصدد الدفاع عن الرئيس السوري ، ولا التدخل في الشأن السوري ، ولا اسلب حق الشعب في الثورة والسعي لنيل شهادة الديمقراطية من المدرسة الأمريكية كما نلناها نحن العراقيين وتوظفنا بموجبها ، متنا من جرائها ، وكسبنا ثرواتنا من جرائها ، خسرنا كرامتنا وصحتنا وفقدنا أماننا وإنسانيتنا ..


لكن الذي يحز في النفس أننا نعلم الحقيقية لكننا نتجاهلها .. نعلم ُ أن الأيادي الخبيثة التي حولت العراق من حديقة آمنة مزدهرة بالورود إلى مقبرة تضطجع فيها الأموات بقلق ورعب هي نفسها التي تعبث بأمن سورية وجمالها وهدوئها واستقرارها واتخاذ ( الرئيس الدموي الدكتاتور القاتل للأطفال ) شماعة للاحتلال والتواجد العسكري ..


ولأننا شعوب تلهث خلف السيارات الفارهة التي صارت تغزو أسواقنا وتأخذنا ماركاتها وموديلاتها الحديثة .. شعوب ( العمرة بالتقسيط ) وشعوب اللهاث خلف طلبات اللجوء إلى بلاد الضباب والثلوج والنساء الشقراوات – شعوب اختلطت عليها المفاهيم والمفردات وأضاعت البوصلة ..


تركنا سلاح المقاومة ضد المحتل الغاصب لنحمل سلاح الثورة ضد حكامنا .. صارت أنظمتنا هي عدونا الرئيسي وصار عدونا صديقنا ومنقذنا والمدافع عن حقوقنا ..
أن الشعوب التي لا ترفع سلاح المقاومة ضد عدوها الحقيقي ( معروف لنا جميع ) شعوب يذلها الله ويسخط عليها ويبتليها بشر البلاء .


فإذا كان إسقاط بشار الأسد سيجعل السوريين يرفعون سلاح المقاومة ويمنعون عنها الاحتلال والتدخل الدولي السافر في شؤونها من قبل الأعداء .. وإذا كان إسقاط القذافي وقتله بتلك الصورة البشعة سيجعل من الليبيبن ابطالاً وميامين يتقلدون السلاح ويتجهون صوب فلسطين المحتلة لتحريرها ..
ليسقط كل الحكامّ إذا كان في سقوطهم منفعة وصلاح لهذه الأمة ..
وإذا كانت سقوط الأنظمة سيفتح لنا جبهة مقاومة ضد أعدائنا الذين يتربصون بنا فليسقطوا جميعاً ..


وإذا كانت الحكومات التي ستنصب تحت خيمة الديمقراطية حكومة وطنية سترفع شعار المقاومة والتحرير فلتسقط الحكومات السابقة وليذهبوا إلى الجحيم .
لكن على الشعوب أن تنتبه إلى أن الحكومات التي تنصب تحت ستار الديمقراطية يجب أن لا تكون حكومات شبيهة بالحكومة العراقية ( سيئة الصيت ) ، تدين بالولاء لإيران وتطبعّ مع إسرائيل وتنام تحت جناح أمريكا ..
ماذا نفهم من صحوة الشعوب ضد أنظمتها هذه الصحوة الفجائية ؟ هل هي صحوة لإزالة أنظمة رجعية وصلت بالأمة إلى وضعها المتردي فأصبحت من جراء ضعفها وهوانها امة مسلوبة الإرادة والقوة يتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب ، أم أنها حكومات وطنية حاولت أمريكا وحليفاتها التخلص منها باستخدام ورقة ( اضطهاد الشعوب ) والدكتاتورية والعنف وسلب حقوق الشعوب الإنسانية ؟


إذن هل نفرح بسرب الأنظمة الجديدة التي نصبتها أمريكا لنا ؟ هل نتأمل منهم الخير والعطاء والبذل.. هل نتأمل منهم تربية جيل فالح صالح يرفع سلاح المقاومة لتحرير ما أضعناه من أوطاننا ؟ وكرامتنا وسيادتنا ..
فإذا كان من يضع يديه بيد المحتل و يتسبب في احتلال وطنه ويتخذ من إسقاط الحكومة ذريعة لجريمته اللانسانية واللاخلاقية –يصلح أن يكون حكومة وطنية تفتخر بها الشعوب فبئس الحكومة هذه .


لقد أن الأوان لتستيقظ الشعوب وتصحو على نفسها وتتدارك نفسها ووطنها وتتحرك حركة صحيحة .. إذا كان لابد من إسقاط الأنظمة بالحجج المشار إليها فلتسقط لكن مع تدارك أن الحكومات التي تنصب بمباركة أمريكا وإيران حكومات لاتصلح لأن تقود إسطبل خيول لا أوطانا ً وشعوباً كريمة عزيزة لا تقبل بالذل ولا بالهوان.


ولنبدأ بالعراقيين الذين كانوا كبش الفداء ولان العراق كان جمجمة العرب .. فالخطوة الثانية بعد المقاومة المسلحة التي أدت إلى انسحاب أمريكا وتمركزها في قواعد هنا وهناك ، واختفائها من الشارع – هي خطوة تحرير العراق من الحكومة الحالية التي جاءت بمباركة أمريكا وإيران وتدين بالولاء الكامل والشامل لهما وهي خطوة تأخرت كثيراً وطال صمت الشعب العراقي عليها وهذا ما يثير الاستغراب والدهشة فالعراقيون معروفون بنفاد صبرهم إزاء حكوماتهم الرجعية والتاريخ شاهد أن ما من نظام دام حكمه وبطشه كل هذه الفترة ! .


خطوة ننتظرها بفارغ الصبر من المقاومة العراقية –القائد الشرعي لعملية تحرير العراق . فهل ياترى سيطول صمتها ويطول انتظارنا ؟

 


كلشان البياتي
كاتبة وصحفية عراقية
Golshanalbayaty2005@yahoo.com

 

 





الثلاثاء ٢٧ شعبــان ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٧ / تمــوز / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب كلشان البياتي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة