شبكة ذي قار
عـاجـل










( مصيبتنا أننا معتقلون بين مطرقة الاستبداد وسندان الفساد واستحمار العباد )

"الاستاذ ابراهيم مهيدات"



الجمعة 6/7/2012 ،لم تشهد ساحة المسجد الحسيني وسط عمان أي نشاط سياسي كما جرة العادة وعادت إلى طبيعتها التجارية المعتادة قبل شهور طويلة، وتم الاكتفاء باعتصام على الدوار الثامن لمجموعة من غير الإسلاميين واعتصام آخر للحركة الإسلامية في حي نزال.


أما باقي المدن فاختصرت الأردن على مدينتي أربد و الكرك، وتشهد الثانية استنساخاً معتاداً في كل يوم جمعة، ومدينة إربد لا تتجاوز مسيرتها بضع مئات لا يزيد عددها بالذروة عن ثلاث مائة،يتخللها كالمعتاد شتماً و انقساماً محدوداً بين مجموعة الشباب اليساريين والقوميين مع شباب الحركة الإسلامية وحلفائها، وطبعا ينتهي الحال بالصراخ بوجوه بعضهم البعض،وينسحب الجميع بعد الاسترضاء بكلمات نهاية النشاط.


كثيرة هي المقالات التي تحدثت عن الأردن لكننا نواجه دائما ذاكرة شعبية قصيرة ومبتورة، وأمام حراكيين لا يقرؤون و يتصرفون بردة فعل مبنية على جهل بحقائق الأمور تقودهم إلى الاصطدام بواقع الأردن الذي لا يصرفون أقل جهد ممكن في فهمه.


في مقالات سابقة تحدثنا كثيراً ومطولاً عن خطورة حراك بلا برنامج وعن قائد مغرور وجاهل، ومن أهم وأخطر سلبيات حراك بهذا الوصف هو إعادة الشعب بتفكيره الجمعي الذاتي إلى نقطة الصفر لفترة الأحكام العرفية دون تطبيقها،فالمواطن يرى أن رفع سقف الشعار دون تطور طبيعي ومنطقي يعني فقط إسقاط "السيناريو السوري" عليه، وهو الأمر المفروض شعبيا والذي يخشاه المجتمع بإجماع كافة الشرائح،لهذا تجد الحراك يفتقد لقاعدة شعبية واضحة أو امتداد جماهيري مؤثر، كما أن إغفال مكونات الشعب الأردني وعدم فهمها، وأخذ موقف مشوه و مسبق منها من خلال طرح شعار "حق العودة" حقُ يراد به باطل، فالأصل بطرحهم للشعار هو إعادة فهم المواطنة بما يتناسب مع نظرتهم العامة للمواطنة المبنية على فهم قطري خالص.من هنا نشأت ظاهرة تغيب وإقصاء للشريحة الأوسع تمدداً، وطبعاً تستفيد مراكز الحكم من هذا التغيب والتغييب.


المسألة الأخرى والأهم هي عدم وضوح الرؤيا في مهاجمة الفاسدين بصورة مباشرة والاكتفاء إما بالحديث عن شخصين تحديداً وهما من غير المنتمين للعشائر الشرق أردنية،أو مهاجمة القصر واستهدافه بصورة مباشرة.


والحكم في الأردن يخضع لتقاليد سياسية سيئة ،لكنها متجذرة، فالملك ليس الحاكم الرئيسي الوحيد، بل يحكم من خلال سيطرة مجموعة مراكز قوى "اقتصادية وسياسية واجتماعية".


وبعض شخوص هذه القوى يجمع صفتين مما ذكر، وهذه المراكز هي التي تحكم وتتدخل بأي قرار بالإضافة لوجود مؤسسات وطنية تحولت تاريخياً لمركز قوى،أنفرد بعضها كونه المركز الوحيد إلا أن ضعف مركز القيادة الرئيسي سمح بظهور مراكز منافسة جديدة لها.


فمراكز القوى هي المستعمر الفاسد الذي يسرق وينهب، والمراكز معروفة للجميع ولكن لم يهاجمها أحد ولم يقترب منها أحد، بل تركت تمارس فسادها كما تشاء وتعرض الملك للنقد الواضح وهو الفاقد أصلاً للامتداد الشعبي الحقيقي الذي يمكنه من التصدي لها، وهو ما حاول أن يقوله في أكثر من مناسبة وخاصة بعد تفجر الربيع العربي وسقوط ظلاله على الأردن، إلا أن الحراك بجموحه الغير مفهوم لم يدرك الأمر ولم يستطع التقاط الإشارة.


وقيادة الحراك من الحركة الإسلامية، لا تسعى لمهاجمة مراكز القوى بل تريد الدخول لنادي "المراكز الكبرى المؤثرة" وهذا هو ما تسعى إليه باجتهاد.


قبل سنوات وعلى أثر تحويل مدينة العقبة إلى منطقة اقتصادية حرة،تشاجر أقطاب مراكز القوى،على حجم الغنيمة التي أريد نهبها، وخرج "الملك"حينها في إفطار رمضاني وتحدث مع ضباط الجيش بقوله : "" هناك من تجاوز الخطوط الحمر،،، وسأعود و ألبس الفوتيك"".


وبعد العيد السعيد جاء اللقاء الثاني له في أحد معسكرات الجيش ليعتذر عن ما قاله :"" في ناس فكروا أني بهدد فيهم لما حكيت برجع بلبس الفوتيك"".
من يومها وهو يحاول مراراً وتكراراً التخلص من مراكز القوى، وهو بالفعل يريد حكومة برلمانية تحكم، لان الحكومة البرلمانية قادرة على إسقاط مراكز القوى جميعاً.
إلا أن الحراك لم يدرك ما حدث لأنه مغيب عن الواقع الحقيقي بمعارك (فيس بوكية) وهمية، يشعلها متى شاء ويعقد هدنتها متى أراد، وطبعا وهو يجلس على كرسيه الهزاز


في بيته ويأكل البطيخ صيفاً ويشرب (السحلب) شتاءً.


تكالبت مراكز القوى على الأردن نهبته وسرقته وأفقدت مؤسسة الحكم المقدرة على التواصل المباشر مع الجميع،ولم يستطع الحراك التحرك الايجابي بالتصدي لمراكز القوى الكثيرة والمعروفة.


وبين هذا كله تطل علينا جماعة الإخوان المسلمين بخلافاتها المعروفة والمشهودة و""حمائمهم"" الذين يريدون أن يصير "للحمامة" ناباً وهم المزاحمين ليكونوا أعضاء في (نادي الكبار)، وهم الذين تخاذلوا في أحد الأيام وتواطئوا لطرد حركة( حماس) وكبحوا جماح تيار "الصقور"، لصالح سيادة السيطرة الرجعية العميلة على عموم المنطقة.


وتعود "حماس "اليوم إلى عمان وهي مزهوة كونها بوابة العبور لقصور أنظمة عربية


بعضها نفطي مؤثر وبعضها ثقل سياسي وأخر ثقل نفطي فقط، تعود لتقدم الدعم لتيار "الصقور" برضا مراكز القوى، لإنهاء حلم "الحمائم" أن يتحولوا من ملف أمني بيد مراكز القوى الحاكمة إلى ملف سياسي يشارك بالحكم.


المشهد معقد في الأردن، وما نحن بحاجته اليوم هو عقد هدنة مع الذات و وضع برنامج مهمته صنع القاعدة الشعبية وخلق الامتداد الجماهيري والتصدي بحزم لمراكز القوى وتعريتها ومحاكمتها بعيداً عن (الشكسبيرية) في الخطاب والانفعالية الحمقاء.


بعد عام ونصف من الحراك ومع زخم النشاطات لم يقدم الحراك شيء جديد بل بقي دوماً معزولاً عن الشارع ولم يستطع تحقيق أي مطلب جماهيري حقيقي، بل أعطى فرصة لمراكز القوى المختلفة على توجيه ضربات قاسمة ضد خصومهم من المراكز الأخرى.


فإسقاط حكومة الرفاعي الابن المتحالف مع تيار الحمائم من جهة ومع "عبدالهادي المجالي"من جهة أخرى جاء نتيجة خصومة بينه وبين المؤسسة الأمنية وحليفه الديوان الملكي، المؤسسة الكبرى والبعيدة كل البعد عن "الملك" ، وإسقاط حكومة "البخيت" المحسوب على المؤسسة الأمنية أقوى مراكز القوى، جاء انتقاماً من تحالف "الرفاعي والمجالي" كرد على إسقاطه، وإسقاط حكومة " الخصاونة" هو إقصاء للمؤسسة العسكرية التي حاولت إخضاع جميع مراكز القوى لسلطة الدولة الشرعية.


ومحاكمة"الذهبي" هي نتاج انتقام جميع مراكز القوى وخاصة "الديوان الملكي" ولاعبه الرئيسي "باسم عوض الله"، بعد خصومة امتدت أعوام بين جميع المراكز و ( الذهبي الأمني والذهبي الحكومة ).


اللاعبين الرئيسيين في الأردن هم مراكز القوى، ومن أراد الإصلاح عليه مهاجمتهم وتعريتهم وكشف حقيقتهم ومحاكمتهم.


الحراك بشكله الحالي ، أمية قادته وجهلهم وانفعاليتهم، وافتقاده للقاعدة الشعبية والامتداد الجماهيري،أفاد مراكز القوى كثيراً، وهي اليوم ملت وجوده وتتجه نحو تصفيته وإنهاء وجوده، وهذا ما سيحدث بقمع سلمي ناعم.


نحن بأمس الحاجة إلى شباب وطني إصلاحي يعيد تقييم المشهد ويضع برنامجاً إصلاحياً نهضوياً معتمداً على فهم حقيقي لطبيعة الأردن وطريقة الحكم فيه.
أن إيجاد القاعدة الشعبية والامتداد الجماهيري هو الخطوة الأولى الصحيحة على طريق التغير.

 


Etehad_jo@yahoo.com

 

 





الثلاثاء ٢٠ شعبــان ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / تمــوز / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عبد الله الصباحين نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة