شبكة ذي قار
عـاجـل










القضاء هو الفصل في الدعوى بما يكفل التطبيق السليم للقانون وصولا الى الحكم

العادل والعمل القضائي ذو هدف أنساني واجتماعي يتولى القاضي إقامة العدل بين الخصوم بتطبيق حكم القانون في المنازعات المرفوعة إليه وإقرار حقوق المواطن اذا أنكرها الغير او اعتدى عليها والحكم بالقوبة المقررة في القانون على الجاني فالعمل القضائي لا يقوم على المعرفة بالقانون بل هو اشمل من ذلك انه إيجاد الخل العادل لمشكلة إنسانية فالقانون لا يضمن كل الحق إنما العدالة هي التي تؤدي الى انتصار الحق بتطبيق القانون وليس الى خسران الحق باسم القانون .

 

تمر الدعوى بالمراحل التالية :

1 – مرحلة وقائع الدعوى بعد ثبوتها وفقا للقانون .

2 – مرحلة التكييف القانوني لوقائع الدعوى .

3 – مرحلة تطبيق القانون على الوقائع الثابتة في الدعوى.

4 – الآثار الإنسانية والاجتماعية للحكم القضائي .

 

وقد أمر الحق تعالى في محكم كتابه بالعدالة في آيات كثيرة :

(( وإذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل )) و(( وإذا حكمتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى ))

و(( وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط ان الله يحب المقسطين )) و(( ان الله يأمر بالعدل والإحسان )) و((ولا يجرمنكم شنآن قوم على ان لا تعدلوا , اعدلوا هو اقرب للتقوى )) .

 

 وقال الرسول عليه واله وصحبه أفضل الصلاة والسلام :

(( القضاة ثلاثة : قاض في الجنة وقاضيان في النار فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ورجل عرف الحق وجار في الحكم فهو في النار ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار ))

(( اذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وان اجتهد فاخطأ فله اجر واحد)) و(( ان الله مع القاضي ما لم يجر فإذا جار تخلى عنه ولزمه الشيطان ))

 

وكتب الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الى أبي موسى الأشعري رسالة :

(( أما بعد , فان القضاء محكمة وسنة متبعة فافهم اذا أدلي إليك وأنفذ اذا تبين لك فانه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له , آس بين الناس في مجلسك وفي وجهك وقضائك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك ,البينة على المدعي واليمين على من أنكر والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا احل حراما أو حرم حلالا ومن ادعى حقا غائبا أو بينة فأضرب له أمدا ينتهي إليه فأن بينه أعطيته بحقه وان أعجزه ذلك استحللت عليه القضية فان ذلك هو ابلغ للعذر واجل للعمى , ولا يمنعك قضاء قضيت فيه اليوم فراجعت فيه رأيك فهديت فيه لرشدك ان تراجع فيه الحق , فأن الحق قديم لا يبطله شيء ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل والمسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجربا عليه شهادة زور او مجلود في حد او ضنينا في ولاء او قرابة فان الله تعالى تولى من العباد السرائر وستر عليهم الحدود إلا بالبينات والإيمان , ثم الفهم الفهم فيما أدلي إليك مما ورد عليك مما ليس فيه قرآن ولا سنة ثم قايس الأمور عند ذلك واعرف الأمثال ثم اعمد فيما ترى الى أحبها الى الله وأشبهها بالحق , وإياك والغضب والقلق والعجز والتأذي بالناس والتنكر عند الخصومة فان القضاء في مواطن الحق مما يوجب الله به الأجر ويحسن به الذكر , فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفأه الله ما بينه وبين الناس , ومن تزين بما ليس في نفسه , شأنه الله , فان الله تعالى لا يقبل من العباد إلا ما كان خالصا , فما ظنك بثواب عند الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته والسلام عليك ورحمة الله . )) .

 

وكتب الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه الى الاشتر ألنخعي  :

((ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك بما لا تضيق به الأمور ولا تمحكه الخصوم ولا يتمادى في الزلة ولا يحصر من الفيء الى الحق متى عرفه ولا تشرف نفسه على طمع ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقضاه , أوقفهم في الشبهات وأخذه بالحجج , واقلهم تبرما بمراجعة الخصوم , وأصبرهم على كشف الأمور , وأصرمهم عند اتضاح الحكم ممن لا يزدريه إطراء ولا يستميله إغراء وأولئك قليل ثم أكثر تعاهد قضائه وأفسح له في البذل ما يزيل علته وتقل معه حاجته الى الناس وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك فيأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك ))وهذه الرسائل بحق هي دساتير القضاء فالقاضي في الفقه الإسلامي كان يتمتع باستقلال عن السلطة التنفيذية وعن كل ما يمس استقلاله من السلطان او ذوي النفوذ او الأقرباء فاختصم رجلان الى إبراهيم بن اسحق القارئ قاضي مصر سنة 204 هجرية من قبل لأمير مصر السري بن الحكم في خلافة المأمون فقضي على احدهما فشفع الوالي فأمره السري ان يتوقف في تنفيذ الحكم فجلس إبراهيم في منزله فركب إليه السري فسأله الرجوع فقال لا أعود الى ذلك المجلس أبدا , ليس في الحكم شفاعة . فالقاضي هو الذي يمسك الميزان بين المتخاصمين فيحكم بينهما بالعدل تطبيقا للقانون وعليه التسامي والتجرد من شوائب الغرض او هوى وان يكون ذا إنسانية والإحساس بحق غيره والإحساس بالمشاركة الوجدانية مع الناس يرحم ولا يقسو ويلين ولا يغلظ ويحترم كل فرد مهما كان مركزه دون النظر الى الجنس او اللون او الدين او النسب والحسب ولا فرق عنده بين غني او فقير او قوي او ضعيف فالجميع سواسية أمام القانون , وان يكون مثقفا ومتفقها في القوانين فهما واستذكارا عالما باللغة العربية صادقا مع نفسه والآخرين , أمينا بعيدا عن الريبة مأمونا في الرضا والغضب , ذا تفكير سليم وذهن صاف دقيق الملاحظة ذا ذاكرة قوية وان يكون شجاعا في إبداء رأيه واسع الصدر متواضعا نزيها مستقيما ذا قوة على مقاومة أهوائه ذا شخصية وأنيقا وحددت المادتين 7و8 من قانون التنظيم القضائي العراقي رقم 160 لسنة 1979 واجبات القاضي وأهمها محافظة القاضي على استقلاله وعدم تحيزه مستقلا عن سائر الهيئات الحكومية فليس لأية هيئة ان تملي على القاضي ما يقضي به بعيدا عن التأثر بأي مؤثر او أي تدخل فسلطان القضاء احترام القانون والتزام حدوده وأحكامه محايدا يمكن الاطمئنان الى حكمه وان لا يقضي اذا كانت له مصلحة شخصية او صداقة او عداوة او خصومة وان يساوي بين الخصوم فلا يحاب ولا يظلم أحدا فعن الرسول الكريم صلوات ربي وسلامه عليه وعلى اله وأصحابه : (( اذا ابتلي أحدكم بالقضاء فليسوا بينهم في المجلس والإشارة والنظر ولا يرفع صوته على احد الخصمين أكثر من الآخر )) .

 

اعتمد مؤتمر الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين في ميلانو من 26 آب / أغسطس الى أيلول 1985 وأقرت بقراري الجمعية العامة 40/32 في 29 تشرين الثاني / نوفمبر 1985 و40/146 في كانون الأول / ديسمبر 1985المبديء الأساسية لاستقلال السلطة القضائية بتهيئة ظروف يمكن في ظلها ان تسود العدالة واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية دون تمييز والمساواة أمام القانون وافتراض البراءة والحق في محاكمة عادلة وعلنية أمام محكمة ونزيهة  ومشكلة وفقا للقانون كما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يضمن الحق في المحاكمة دون تأخير بغير موجب وإدارة شؤون القضاء في كل بلد على هدى هذه المبادئ وتمكين القضاة من التصرف بموجبها حيث ان القضاة مكلفون باتخاذ القرار الأخير بشان حياة المواطنين وحرياتهم وحقوقهم وواجباتهم وممتلكاتهم :

 

1 – تكفل الدولة السلطة القضائية وينص عليه دستور البلد او قوانينه ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية .

 

2 – تفصل السلطة القضائية في المسائل المعروضة دون تحذير على أساس الوقائع ووفقا للقانون ودون اية تقييدات او تأثيرات غير سليمة او إغراءات او ضغوط او تهديدات او تدخلات مباشرة كانت او غير مباشرة من اية جهة او لأي سبب .

 

3 – تكون للسلطة القضائية الولاية على جميع المسائل ذات الطابع القضائي كما تنفرد بسلطة البت فيما اذا كانت اية مسالة معروضة عليها للفصل فيها تدخل في نطاق اختصاصها حسب التعريف الوارد في القانون .

 

4 – لا يجوز ان تحدث اية تدخلات غير لائقة او لا مبرر لها في الإجراءات القضائية ولا تخضع الأحكام القضائية المحاكم الى إعادة النظر ولا يدخل هذا المبدأ بإعادة النظر القضائية او بقيام السلطة المختصة وفقا للقانون بتخفيف او تعديل الأحكام التي تصدرها السلطة القضائية .

 

5 – لكل فرد الحق في ان يحاكم في المحاكم العادية او الهيئات القضائية التي تطبق الإجراءات القانونية المقررة ولا يجوز إنشاء هيئات قضائية لا تطبق الإجراءات القانونية المقررة حسب الأصول والخاصة بالتدابير القضائية لتنتزع الولاية القضائية التي تتمتع بها المحاكم العادية او الهيئات القضائية .

 

6 – يكفل مبدأ استقلال السلطة لهذه السلطة ويتطلب منها ان تضمن سير الإجراءات القضائية بعدالة واحترام حقوق الأطراف .

 

7 – من واجب كل دولة عضو ان توفر الموارد الكافية لتمكين السلطة القضائية من أداء مهامها بطريقة سليمة .

 

ترتبط هذه المبادئ ارتباطا لا انفصام لها مع الحقوق الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (( المواد الثانية والخامسة  والسابعة والثامنة والتاسعة والعاشرة والحادية عشر )) ومن أهمها المادة الخامسة التي نصت على :

 

(( لا يعرض أي إنسان للتعذيب او المعاملات القاسية او الوحشية او المحطة بالكرامة )) .

وترتبط أيضا بالحقوق الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (( المواد 2 و 5 و6 و 7 و10 و 14و 15 )) ومن أهمها المادة ((7)) التي نصت على :

(( لا يجوز إخضاع احد للتعذيب ولا للمعاملة او العقوبة القاسية أو اللاانسانية أو الحاطة بالكرامة وعلى وجه الخصوص لا يجوز إجراء أية تجربة طبية أو علمية على احد دون رضاه الحر . )) والعراق طرف في هذه الصكوك الدولية وملزم بتطبيقها .

 

ونص الدستور العراقي لسنة 2005 في الباب الثاني منه على الحقوق والحريات ومنها استقلال القضاء ومبدأ افتراض البراءة والمعاملة العادلة في الإجراءات القضائية  كما نصت المادة ((37/أولا/ج )) على :

((ج – يحرم جميع أنواع التعذيب النفسي أو الجسدي والمعاملة غير الإنسانية ولا عبرة بأي اعتراف انتزع بالإكراه أو التهديد أو التعذيب وللمتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي أصابه وفقا للقانون .)) .

 

ونصت المادة (( 7/ ثانيا )9 من قانون الادعاء العام رقم ى159 لسنة 1979 المعدل على :

 

(( على الادعاء العام القيام بما يأتي :

ثانيا – تفتيش المواقف وأقسام دائرة إصلاح الكبار ودائرة إصلاح الأحداث وتقديم التقارير الشهرية عنها إلى الجهات المعنية )) .

وجاء في الكتاب الثاني – الباب الأول – المادة ((29) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971 المعدل تسمية أعضاء الضبط القضائي واختصاصهم وهي نص لا مساغ للاجتهاد في مورده ولا يجوز منحها لغيرهم إلا بقانون كما جاء في الباب الثاني منه ((المادتين47و48)) الإخبار عن الجرائم وبموجب المادة ((52)) منه يتولى قاضي التحقيق القيام بالتحقيق في جميع الجرائم بنفسه بواسطة المحققين وله أن ينيب احد أعضاء الضبط القضائي لاتخاذ إجراء معين .

 

كما نصت المادة ((123)) منه على استجواب المتهم من قاضي التحقيق أو المحقق خلال أربع وعشرين ساعة من حضوره ... الخ)) ونصت المادة ((127)) منه على عدم جواز استعمال أية وسيلة غير مشروعة للتأثير على المتهم للحصول على إقراره ويعتبر من الوسائل غير المشروعة إساءة المعاملة أو التهديد بالإيذاء أو الإغراء والوعد والوعيد والتأثير النفسي واستعمال المخدرات والمسكرات .

 

تطالعنا كل يوم عشرات التقارير من منظمات دولية معتبرة وصور عبر وسائل الإعلام لعشرات المعتقلين وقد تعرضوا لأبشع صنوف التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان خلافا للصكوك الدولية والقوانين العراقية المحلية دون تدخل من السلطة القضائية أو سكوتها عليها دون وجه حق بينما تتدخل هذه السلطة في إبداء الرأي في القضايا السياسية وهنالك نصوص دستورية معطلة لم يتخذ القضاء العراقي حيالها إجراء مثل ازدواج الجنسية لدى شاغلي المناصب السيادية في الدولة فهل القضاء العراقي يطبق المعايير الدولية والدستور والقوانين الوطنية بعدالة ونزاهة وحياد اترك الجواب للقارئ الكريم وفق الشواهد والممارسة .

 

 

 

 

المصادر :

فن القضاء – الأستاذ ضياء شيت خطاب .

موقع الأمم المتحدة .

دستور العراق 2005- قانون التنظيم القضائي العراقي – قانون الادعاء العام العراقي – قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي .

 

 





السبت٢٦ رجــب ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٦ / حزيران / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي ودود فوزي شمس الدين نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة