شبكة ذي قار
عـاجـل










لا يوجد قانون مطلق في عالم السياسية, وما تنتجه ماكنة سياسية في مكان ما من العالم هو ابن ظروفه الزمانية والمكانية ولا يصح بأي حال من الأحوال أن يفرض بصيغة الإكراه حتى لو كان المقتنعون به والمؤيدون له يمتلكون من القدرات العسكرية والاقتصادية ما يؤهلهم لفرضه بالإكراه لان للإكراه والقوة الغاشمة الحامية له زمنا مقننا غير قابل للديمومة والاستمرار إلى ما لانهاية. إن إنهاء عصر التشريع المؤسس على مواقف سياسية يرتبط بعوامل رد الفعل المضاد المقابل والتي قد تتمكن من تحقيق غرض التقويض الموكل إليها بصيغة الدفاع عن النفس في زمن اقل بكثير مما حسبته ماكنة القوة الغاشمة.

للاجتثاث والإقصاء السياسي المشرع بدستور أو قانون فرعي أو بتعليمات مدعومة بقوة ما وجهين أساسيين :

 

الأول : يتم الاجتثاث والإقصاء بحكم قناعات موضوعية مثبته بوقائع لا يرقى إلى ثباتها أي شك على الحزب أو الحركة السياسية التي يشرع ضدها الاجتثاث أو الإقصاء أو الحظر بكونها خطرة على الأمن الوطني والقومي بحكم ارتباطها بولاء أو أجندات خارجية يخشى من أن أو أن هناك دلائل قاطعه بخطورتها على الأمن الوطني و- أو القومي . وقد يكون الحزب غير وطني أصلا بحكم الولادة المشهودة له في أحضان بلد آخر يضمر العداء ويكن الأطماع للبلد أو النظام المشرع وبهذا يكون هذا الحزب بدليل قطعي هو يد أجنبية أو طابور خامس ان صح الوصف ولا مناص من حظره. إن الأسس التي تم على ضؤها حظر حزب الدعوة العميل في العراق تنبثق من أدلة قاطعة على انه حزب غير وطني بل عميل لمشروع طائفي ظل حبيس المعلومات الوثيقة عراقيا والتي أعلنت وما زالت تعلن عن نفسها جهارا بعد غزو العراق واحتلاله حيث أصبح هذا الحزب احد أهم دعائم الغزو واحد أهم اللاعبين في ساحة الواجهة السياسية المخابراتية الأمريكية الفارسية بعد الاحتلال .

 

الثاني : هو التشريع الناتج عن عوامل حقد عقائدي وثار بغيض ليس للحزب المرام تشريع حظره فقط بل للمنهج السياسي العام الذي تبناه الحزب وأنتج منه تفريخات وولادات شاخصة وطنيا وقوميا تتعارض مع أي نهج طائفي أو عرقي أو ميليشياتي تبناه عصر الاحتلال ومرحلة الإعداد للاحتلال. واجتثاث حزب البعث العربي الاشتراكي يقع ضمن هذا التوصيف لان وطنية البعث وقوميته لا جدال ولا غبار عليها وجاء الغزو والاحتلال دليلا مضافا عليها . 

 

قواعد الاجتثاث التي تبناها غراب الغزو الخائن احمد الجلبي ومعه ممثلي الطابور الخامس من حزب الدعوة الإيراني والمجلس ألحكيمي الطبطبائي كانت مشتقه  و ماخوذة بالقياس على تجربة اجتثاث النازية وربما أيضا من تجربة التقويض التحتي للشيوعية ونظمها الاشتراكية وهكذا قياس كما أسلفنا لا يعول عليه بحكم اختلاف الظرف الزمني والمكاني فضلا عن اختلاف جوهري في طبيعة العقيدة المستهدفة وجذور اتصالها العميقة بالواقع العربي . ولم يكن الاجتثاث الثأري الذي تبنت تنفيذه أميركا الغازية مقتصرا على المؤسسة السياسية ممثلة في قوتها الأساسية بحزب البعث العربي الاشتراكي بل تعداه إلى:

 

1. المؤسسة العسكرية لان اجتثاثها ضرورة حاسمة لحماية أو تقليص الخسائر المتوقعة على المدى الزمني الطويل في صفوف القوات المحتلة ولان لجيش العراق عقيدة وطنية وقومية لا تتوافق مع عقائد أدوات الاحتلال الحزبية ولا المليشياتية.

 

2. اجتثاث مؤسسة ديوان رئاسة الجمهورية لأنها منظومة حضارية متطورة جدا يقاس عليها في الإنماء والتطوير والكفاءة لكل مؤسسات الدولة الوطنية.

 

3. اجتثاث الإعلام وأجهزته المختلفة بدءا من الوزارة لأنها تتعارض وتتقاطع تماما مع العقائد السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تبناها الاحتلال وأدواته.

 

4. اجتثاث المنظومات الأمنية لأنها تعتنق عقائد دفاعية وهجومية منطلقة من العقيدة القومية التحررية الوحدوية وتمتلك إرثا ومعلومات خطيرة عن أدوات الاحتلال الطائفية والعرقية لا يمكن التعايش معها .

 

ورغم أن الاجتثاث قد اخذ هذه الأوجه المتعددة والتي لا يجوز إهمالها ضمن منظور النية المبيتة سلفا لتقويض الدولة الوطنية بكاملها لتحويلها إلى هياكل متناقضة متصارعة طائفية وعرقية وليبرالية إلا انه في محصلته الإجمالية موجه إلى العقيدة القومية التحررية الاشتراكية وطليعتها حزب البعث العربي الاشتراكي.

 

لماذا يشرع قانون للحظر ؟

يجري الحديث في الآونة الأخيرة عن قانون لحظر حزب البعث العربي الاشتراكي يسعى إليه برلمان الاحتلال والقوى الفاعلة فيه وفي مقدمتها حزب الدعوة الإيرانية. وأول دلالات اللجوء إلى هذا التشريع هو فشل قانون الاجتثاث الذي سنه بول بريمر الحاكم المدني وكان القرار الأول من القرارات التي أصدرتها منظومة الاحتلال المدنية . إن المتابع لحيثيات تنفيذ قانون الاجتثاث سيئ الصيت يعرف أن الاجتثاث قد صدر بدءا ليشمل كل أعضاء حزب البعث العربي الاشتراكي وهو أمر قد يؤشر خللا أو عدم مصداقية الإحصاءات التي قدمها الجلبي للأمريكان ليضمن قناعاتهم بان الحزب هو عبارة عن مجموعه صغيرة بالقياس إلى شعب العراق وان منظمات البعث في مجملها هي منظمات متطفلة على الدولة وليست هيكلا جوهريا فيها بمختلف قطاعاتها الخدمية والإنتاجية. ويبدو أن الخلل في قواعد المعلومات المقدمة من الجلبي وشلته الى بريمر قد اضطرته في خطوة لاحقة إلى إعادة تعريف المشمولين بالاجتثاث فاستثنى أعضاء الحزب وهم بالملايين ثم اضطر لاحقا هو ومجلس الحكم الذي عينه إلى إصدار لائحة استثناء لشريحة أعضاء قيادات الفرق الحزبية وهي أدنى عنوان قيادي في سلم العناوين في هيكل القيادة في الحزب حيث خيروا عن طريق استئناف لقرار اجتثاثهم بالتقاعد أو العودة للوظيفة شريطة أن يتم (إعادة تأهيلهم ) بدورات غسيل أدمغة مكثفه يديرها أعتى أعداء البعث وأكثر من خلقهم الله سوادا في نفوسهم وغلا في قلوبهم وحقدا في تكوينهم الحيواني الغرائزي المقيت. آلية الاستثناء اعتمدت وارتكزت على ضغط الحاجة الحياتية المعيشية لهذه الشريحة لأنها شريحة فقيرة أو متوسطة القدرات وليس لمعظم الخاضعين لعنوانها قدرة على العيش هو وعائلته بدون المرتبات التي يتقاضونها من الدولة.وفشل الاجتثاث أيضا في صيغته الثأرية الانتقامية الأولى لأنه لم يتوقف عند حدود التنفيذ السياسي الصرف بل امتد إلى اجتثاث جسدي طال مئات الآلاف من أعضاء وقيادات الحزب بل وحني بعض المؤيدين والأنصار مما أثار ردود أفعال عنيفة داخل المجتمع العراقي وأفضت إلى مشاكل خطيرة واجهها بريمر وتشكيلاته الاحتلالية المجرمة الأمر الذي برهن له وللإدارة الأمريكية إنها قد تورطت أخلاقيا وقانونيا في فعل يتعارض مع حقوق الإنسان وفي معاني التمدن والتحضر وأنها في واقع الحال لا تتعامل مع حالة مشابهة لحالة القياس الخاطئ التي اعتمدتها وهي النازية.

 

إذن قانون الحظر,,, قيد التشريع,, هو تعبير عن نهج الاحتلال الأمريكي الفارسي الذي لا يمكن لإنسان حر شريف أن يقتنع به أو يجنح إلى موضوعيته أو عدالته لأنه نهج عدائي محض ونهج نفعي لجهات الدول المحتلة وللأدوات الحزبية والمليشياتية التي نصبها الاحتلال. وهو تعبير عن إفلاس قانون الاجتثاث وعن إفلاس الحظر الدستوري وعن سقوط قانون المساءلة والعدالة التي جربت كلها لذبح كيان فكري عقائدي رسالي غير قابل للذبح وإفناء أهداف وطنية وقومية غير قابلة للفناء. انه تعبير عن جزع وهلع وقلق قاتل للقائمين على العملية السياسية من ما يمكن أن تأتي به قوادم الأيام بعد أن انتهت إلى الاستسلام بان اجتثاث البعث فاشل ومهين لمن سنه وتبناه وبان الدستور ليس سوى خنجر يذبح الوطن برمته وليس مخصص لذبح البعث لوحده وان قانون المساءلة والعدالة بعيد عن العدل والحرية وحقوق الإنسان ومحض مسلك لذبح احد أهم مقومات الديمقراطية الحقة . وقانون الحظر أيضا يأتي بعد أن سقطت إلى أسفل سافلين محاولات عزل البعث عن الشعب وعزل البعث عن قيادته التاريخية الفذة.

 

وإذا كان عملاء الدعوة الإيرانية يتبجحون بفشل الحظر الذي حجرهم في زمن حكمنا الوطني لأنهم طابور خامس وعملاء إيرانيين وموالين لإيران فإنهم يعرفون باليقين إن حظرهم العدواني الثأري الاجرامي للبعث الوطني القومي المؤمن سيكون وبالا عليهم والزمن هو الفيصل وعامل البرهان الأعظم.

 

 





الاربعاء١١ جمادي الاخر ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٢ / أيــار / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة