شبكة ذي قار
عـاجـل










 

في مطلع العام الحالي وعن منشورات دار سنابل المصرية الذي شاركت به في معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي افتتح مطلع العام الحالي2012، صدر كتاب تحت عنوان ..من اوراق سعادة السفير، وهو من تأليف د. سامي سعدون الكاتب والباحث والدبلوماسي الذي شغل مواقع مختلفة اخرها سفير العراق لدى يوغسلافيا ( صربيا حاليا ) للفترة 1999ـ 2003.

 

الكتاب مغر للقارىء من عنوانه الذي يوحي بثراء مادته واهمية معلوماته وبالذات للذين يعرفون المؤلف وما عرف به من موضوعية واتزان وصدقية ونزاهة ويكفي انه اختار حياة الغربة وألام البعد عن الوطن والاهل والاحبة ، على ان يعمل مع حكومة في ظل الاحتلال الغاشم ، وكتابه لايمل لاسلوبه السردي الممتع لمحطات متنوعة ومنتخبة لذكريات واحداث ومواقف اختزنتها ذاكرة المؤلف خلال اكثر من خمسة عقود من حياته والتي شكلت مجموع حزم الاوراق الست التي تقع في 320 صفحة.. بدءاً من عالم البيئة الشعبية الثر، مروراً بفترة العمل الطويلة والمباشرة مع الانسان والقائد والسياسي اللامع الاستاذ طارق عزيز، ورحلة العمل الدبلوماسي في كل من كابل وبلغراد ،ومن ثم الفترة الحاسمة في تأريخ العراق والمنطقة عموماً منذ العقد الاخير من القرن العشرين، واخيراً الغربة وتداعياتها بعد احتلال وتدمير العراق الحبيب .

 

وحزمة الاوراق هذه ، هي بحق،وكما جاء في المقدمة ( تصوير واقعي وسرد امين لحكايات حقيقية ومواقف وأحداث واقعية وبنسق تأريخي متسلسل وبشخوص، شهود، حقيقيين مازال اكثرهم احياءً ) فحزمة الاوراق الاولى : تناولت البدايات وبساطة الحياة في كرخ بغداد الذي هو ( الوعاء الذي احتوى ذكريات وحكايات الطفولة والصبا ) وقد اورد العديد من الحكايات الطريفة باستذكار ابرز ماعلق في الذهن من احداث ومواقف وشخوص ومنهم اصدقاء طفولة ودراسة وزملاء عمل اذ تحدث عنهم الكاتب بكل ود وحب ووفاء وباسلوب قصصي يشد القارىء بقوة لما فيها من حلاوة وطرافة ومتعة متواصلة .

 

وفي حزمة الاوراق الثانية : يتناول الكاتب.. العمل الوظيفي والحياة الجديدة التي ابتدأت بالعمل في وزارة الثقافة والاعلام كمحرر في السكرتارية الصحفية المرتبطة مباشرة بالسيد الوزير الاستاذ طارق عزيز، وبعد مايقرب السنتين من العمل المشوق تم تفرغ الكاتب للعمل المبا شرفي مكتب السيد نائب رئيس الوزراء الاستاذ طارق بعد تركه وزارة الثقافة والاعلام ، وتعد هذه الفترة، الاهم في حياة الكاتب الوظيفية حيث التماس والتعامل اليومي مع الاستاذ طارق عزيز في مسيرة عمل استمرت لسنوات طويلة مع ( انسان وقائد عظيم )، وخلال هذه المسيرة الطويلة رافق الكاتب الاستاذ طارق في اغلب المهمات الى خارج العراق وقد نقل لنا العديد من المواقف والاحداث والانطباعات .

 

ولعل ابرز ما يسجل للمؤلف د. سامي .. وفاءه واحترامه واعجابه بالاستاذ طارق الذي افرد له مساحة كبيرة في مؤلفه تحت عناوين ابرزها ( مسيرة العمل المباشر مع الاستاذ طارق عزيز ) و ( طارق عزيز.. الانسان والقائد.. معرفة مشرفة ) اذ يعترف المؤلف (.. أنه محظوظ للتشرف بمعرفة هذا الانسان العظيم والعمل بمعيته ) فالاستاذ طارق كان ( .. المعلم والاب والقائد الوطني الاصيل والعربي النجيب الذي نهل من مدرسته الكثيرون ، فهو مدرسة في الاخلاق العالية ، وفي ثقافته الواسعة ، وكفاءته المتميزة ، وفي ولائه واخلاصه ووفائه للوطن والامة ، وفي تعامله الانساني الرائع والفريد ) واورد امثلة عديدة على شجاعة و براعة وتميزالاستاذ طارق كسياسي ودبلوماسي لامع في الدفاع عن العراق الحبيب والامة العربية، مستشهداً باعتراف الاعداء قبل الاصدقاء فهوـ كما جاء في الكتاب ـ " وطني حد النخاع وعروبي حتى قطع النفس " ولاخلاصه لوطنه ووفائه لقائده استهدفه المحتلون الاميركان وعملاؤهم ممن نصبوا على رأس السلطة في العراق ، مسفهاً التهم التي ألصقت به قائلاً:" ان من حكموا على الاستاذ طارق اليوم هم من استهدفوه في اكثر من محاولة اغتيال اجرامية بالامس ،احداها جريمة الجامعة المستنصرية في نيسان 1980 " مضيفاً " ان هؤلاء اليوم اكثر الحاحاً على التخلص من الاستاذ طارق ومن كل رجالات العراق الاصلاء ، ليس لاخلاصه ووطنيته فقط، وانما لموقفه الصلب والشجاع في الدفاع عن مواقف العراق ضد عدوان واطماع حكام ايران ابان حرب الثمان سنوات ،الى جانب ..الوفاء للقائد الفارس صدام حسين والاخلاص للوطن والامة، فقد ساوموه ومنّوه بالحرية و أغروه باختيار البلد الذي يرغب العيش فيه اذاما ايدهم واسيادهم الاميركان في اتهاماتهم واساءاتهم للقائد والرئيس صدام ، ورغم كبرسنه واعتلال صحته رفض بقوة بل دافع عن العراق والقائد صدام امام الملأ في اكثر من جلسة من جلسات محاكمهم المخزية ، فأ بى الاّ ان يقف الى جانب مبادئه وتعبيراً عن الوفاء والاخلاص واثباتاً لشيم الرجولة والشجاعة والوطنية الحقة " . وعن رجولته وشجاعته اورد اكثر من موقف وحدث، ويكفيه انه كان، "عندما يطأ طأ الجميع رؤوسهم امام جبروت الطغيان الاميركي ،كالاسد الهصور في المواجهة دفاعاً عن العراق"ولعل واحد من هذه المواقف لقاءه الشهير مع جيمس بيكر وزير خارجية الولايات المتحدة في عهد بوش الاب كيف واجهه بصلابة ورفض استلام رسالة بوش الى الرئيس صدام للغتها غير المؤدبة ؟، وقد امتدح بيكر في كتاب اصدره بعد عدوانهم على العراق عام1991 صلابة وكفاءة وشجاعة الاستاذ طارق في الدفاع عن قضية بلاده قائلاً في النهاية :" لقد صدقت نبوءة طارق عزيز فقد بقوا ونحن،يقصد بوش وادارته وحلفائه ثاتشر وميتران ، الذين خسرنا السلطة وخرجنا "، ثم يتحدث المؤلف ، من خلال مواقف ووقائع ، عن الاستاذ طارق كمفكر ومبدع، وعن انسانيته ومروءته وحبه للمساعدة.

 

وخصصت حزمة الاوراق الثالثة .. للرحلة الى بلاد الافغان للفترة 1982ـ 1989 حيث العمل الدبلوماسي في السفارة ،واكمال الدراسات العليا في الادب المقارن ( اللغتين والادبين العربي والفارسي ) ، وهذه الحزمة غنية بالعديد من المواقف والحكايات الممتعة اضافة الى التعريف بالعادات والتقاليد والاكلات والالعاب في هذه البلاد.

 

والحزمة الرابعة .. حملت عنوان " دبلوماسية الازمات " حيث شهدت فترة التسعينات من القرن الماضي احداثاً جسيمة في تأريخ العراق والمنطقة، اذ عمل المؤلف بعد عودته من كابل في مكتب نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية الاستاذ طارق عزيز والانتقال معه مديراً لمكتب نائب رئيس الوزراء بعد تركه وزارة الخارجية في الحكومة التي اعقبت عدوان عام1991 والاستمرار حتى تعيينه سفيراً في يوغسلافيا عام 1999 ،وقد حفلت هذه المرحلة بالعديد من الاحداث الهامة ، منها احداث الكويت في 2 اب/ اغسطس 1990 وما اعقبها من حصار ظالم استمر اكثر من 12 عاماً والعدوان الثلاثيني الغاشم على العراق عام 1991 وما اعقبه من تآمرواعتداءلت انتهت بتدمير واحتلال العراق، وقد رافق المؤلف الاستاذ طارق الذي وصفه بـ " رجل المهمات الصعبة" في المهمات خارج العراق وابرزها زيارة طهران في 9/9/1990 بعد حرب ضروس وماسبقها واعقبها من محادثات ، وحضور جلسات مجلس الامن الخاصة بالعراق، وزيارة العديد من العواصم بهدف رفع الحصار عن كاهل شعب العراق الصابر؟ وبالرغم من محدودية التحرك في نيويورك وقصر فترة الزيارات، الا ان المؤلف سجل بعض المشاهدات والانطباعات عن نيويورك وغيرها من العواصم الاخرى .

 

اما حزمة الاوراق الخامسة .. فقد حفلت بمختلف النشاطات والحكايات والمواقف والاحداث خلال فترة العمل كسفير للعراق لدى يوعسلافيا ( صربيا حالياً ) للفترة1999ـ 2003 مع التعريف بأبرز معالم الحياة في هذا البلد البلقاني ، وقد شهدت الاشهر الاخيرة انعقاد اخر مؤتمر للسفراء في بغداد اواخر شهر كانون اول/ ديسمبر واللقاء الاخير مع السيد الرئيس صدام حسين2002 اذ نقل المؤلف عن الرئيس قوله للسفراء.. ان العدوان على العراق لن يحصل؟" حطوا بطيخة صيفي ببطونكم " وفي تقديرالكاتب ".. ان الرئيس اراد ان يزيل القلق من النفوس، وان لا نضعف امام عدوان قادم؟".

 

وحزمة الاوراق السادسة هي الاخيرة .. تناول فيها الكاتب، الغربة وتداعياتها بعد تدمير العراق واحتلاله عام 2003 حيث فضل الكاتب.. البقاء هو وعائلته في بلغراد بعد ان رفض العودة والاستمرار في العمل في ظل سلطة الاحتلال، كما انه " لم يرد ان يختتم حياته باللجوء، ولكي لايظلم من ذوي القربى بعد ان تعاملت بعض الانظمة العربية مع العائديين من زملائه باجبا رهم على التوجه مباشرة الى الحدود ؟؟". وعن الفترة التي اعقبت الاحتلال جاء عن غرة الاوطان العراق ( لقد اعمل احفاد هولاكو وقمبيز والعم سام.. سيوفهم الحاقدة في رقاب ابناء العراق الخيرين والنجباء من علماء ومثقفين وصفوة من الضباط الشرفاء وكل ما هو حي ينبض بحب العراق ليطال التخريب رموز الحضارة من متاحف وآثار وشواخص تأريخية واماكن مقدسة ) وعن العملاء الذين جاءوا مع المحتل كتب.. ( ما هذه " الدمى الخزافية " ذات الوجوه الكالحة والملطخة بعار العمالة والخيانة التي تتربع على سدة الحكم تحت اقدام اسيادهم الاميركان وعلى بحر من الدم العراقي الطاهر الذي لم يجف .. )

 

ورداً على المتشككين والمتسائلين عن سرعة دخول قوات المحتل بغداد .. انتهى بعد تبديد الوهم والحيرة الى القول ( .. ان من قادته قدماه بكل جرأة وصلابة ورجولة الى اعواد المشنقة .. لم ولن يخون او يخاف او يستسلم ) وورد عن الغربة القاتلة ( .. نعم العراقي لايحتمل البعد عن العراق ، ولكنه قدرنا لهذا صبرنا وكابرنا وكظمنا ألمنا وعضضنا على جراحنا لايماننا.. بأن الفرج قريب وشمس حضارة وادي الرافدين لاتحجبها كل قذارات وجرائم المحتل وعملائه وبذاءات الشامت واحقاد الاعداء. )

 

اخيراً .. من اوراق سعادة السفير، كتاب لايمكن عند البدء بقراءته الاّ الاستمرار حتى النهاية، وربما تجديد القراءة للعديد من حكاياته واحداثه، فهو ممتع وشيق وذو اسلوب محبب يمزج بين السياسة والادب، فتجد الحدوتة الشعبية والمثل الدارج والشعر بمختلف ألوانه وكلها تنساب مع جريان الحكاية او الحدث ، واذا كان لي ان اسجل ملاحظاتي المتواضعة فيمكن اجمالها بما يلي :

 

1ـ الكتاب يمثل نموذجاً راقياً وحديثاً لما يسمى بالادب الدبلوماسي .. أرخ ووثق به الكاتب مسيرة اكثر من خمسة عقود، فكان الشاهد الامين والموضوعي على حكاياتها واحداثها الهامة مغلباً الطرفة الى جانب ماهو جاد لادخال البسمة والمتعة والبهجة مبرراً ذلك بما ثبته في المقدمة اذ قال صراحة ( لقد حرصت على ابراز مواطن الطرافة والبهجة والتشويق لتكون " ملح " هذه الحكايات بعد ان صار الفرح حلماً ضبابياً ، والفرج امنية سرابية في عراق محتل ومدمر حيث خلطت الاوراق بشكل مقصود في ظل زمن اسود طفحت على سطحه كل الشرور على حساب الخير والقيم النبيلة ؟ تطاول القاع حتى استقعرت قمم واستأسد الغي حتى استنوق الرشد )

 

الوفاء.. ابرز السمات التي يلحظها القارىء للوهلة الاولى ، فقد حرص الكاتب ان يكون وفياً لاحبته وبلاده واصدقائه، يضاف الى ذلك موضوعيته وصدقيته في سرد الا حداث والمواقف والحكايات مع الحرص على الاستشهاد بابطالها وشخوصها وغالبيتهم مازالوا احياءً.

 

3 ـ الشجاعة .. في سرد بعض الوقائع والحقائق التأريخية، وفي الاخلاص لوطنه وناسه والوفاء والحب والاحترام والاعجاب بشكل خاص بالاستاذ طارق عزيز هذه الشخصية المتميزة ليس على مستوى العراق وانما المستويين العربي والعالمي، انه شاهد منصف انبرى ، بشجاعة وموضوعية، ومن خلال ايراد مزايا وخصال ونضال هذا الانسان والقائد في الدفاع عن العراق وشعبه في مواقف موثقة، وفي هذا فضح لاحقاد وجرائم حكام بغداد وظلمهم لرجالات وقادة العراق العظام كالاستاذ طارق ورفاقه الاخرين.؟

 

4 ـ رغم ان عنوان الكتاب ( من اوراق ..سعادة السفير ) وكون مؤلفه سفيراً وسياسياً عرف بكتاباته السياسية، الاّ انه لايمكن تصنيف الكتاب على انه سياسي ، كما هو متوقع، ومع هذا لم يخل من سياسة.. اذ تضمن العديد من القضايا والمواقف والاحداث السياسية التي جاءت من ضمن النسق التأريخي المتسلسل لاحداث وحكايات الكتاب .

 

وعلى مايبدو ان الجانب السياسي البحت سيكون في مؤلف اخر منفصل، وهذا ما اشار اليه في المقدمة ، ونعتقد ان الفصل الخاص بالاستاذ طارق عزيز سيكون جزءاً من الكتاب السياسي القادم او ان يكون نواة لكتاب منفصل خاص بالاستاذ طارق.

 

5 ـ محتوى الكتاب ، بشكل عام،يؤكد.. بأن لدى الكاتب الكثير مما لم يقله وذلك بحكم المواقع الهامة التي شغلها ، وهذا ما يفهم من اشارته في المقدمة الى ان الاوراق التي ضمها الكتاب هي: ( منتخبات من خزين لذاكرة شاهد لاحداث من تأريخ العراق المعاصر وهي بالتأكيد ليست كل الاحداث ؟)

 

 





الاربعاء٢٦ جمادي الاول ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٨ / نيسان / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عرض : د. حسن العبد الله نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة