شبكة ذي قار
عـاجـل










أن يقوم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بزيارة إلى جزيرة ( أبو موسى ) وهي كبرى الجزر الثلاث العائدة لدولة الإمارات العربية، فذلك ليس أسوأ فصل من مسرحية التمدد الإيراني، الذي بدأت عجلته بالدوران في عهد الشاه السابق محمد رضا بهلوي، حينما احتل الجزر الثلاث بعد انسحاب بريطانيا من شرقي السويس عام 1971، ومرد الصمت الدولي الذي قوبل به الاحتلال الإيراني، أن الشاه كان قد تقدم للتحالف الغربي بطلب لتعيينه شرطيا محليا لحراسة المصالح الغربية، كأقصى طموح انتقالي تصور إمكانية القبول به، وبذلك فُسر ذلك الاحتلال على أنه خطوة لتعزيز النفوذ الغربي في جزء حيوي من العالم، وهو منطقة انتاج النفط الرئيسة، ولكن الشاه حينما لبس حذاءً أكبر من قدميه، ومشى به في أرض لا يعرف تضاريسها، كان سقوطه بحجم طموحه وجهله معا، ولهذا سقط الشاه ولم يسعفه حلفاؤه في ساعة العسرة، حينما كان بأمس الحاجة إلى من يمد له قارب النجاة، من أجل انقاذ ملكه الذي جعل منه كلب حراسة محليا، لحماية المصالح الدولية، ورحل الشاه وجاء على أنقاض حكمه نظام حكم جديد، ولكن بشعارات متناقضة ظاهريا مع سلفه وإن كانت تتطابق من حيث الأهداف التاريخية ببعث الروح في جسد إمبراطورية كانت ذات يوم مركز الاستقطاب الدولي الثاني في عالم لم تنازعها النفوذ فيه إلا دولة الروم.

 

الاحتلال الإيراني

 

ربما الأسوأ من زيارة نجاد لجزيرة ( أبو موسى ) أن الاحتلال الإيراني لها ولأخواتها العربيات الممتدة من مضيق هرمز وحتى التقاء شط العرب بالخليج العربي، مستمر من دون أن تلوح بالأفق بوادر تراجع إيران عن سياستها التوسعية على حساب العرب، الذين ترى فيهم الخاصرة الرخوة التي تستطيع التمدد على حساب أراضيها ومياهها، بل على العكس من ذلك يلاحظ مراقبو السياسة الإيرانية أن طهران ترى في كل خطوة تنفذها وتحقق لها قفزة على صعيد الجغرافيا السياسية، إنما هي مجرد إقامة لرأس جسر لقفزة جديدة أكبر من سابقتها، ومن هنا كان لا بد للبحث عن لغة خطاب سياسي وميداني جديد مع إيران، كي تعرف أن هناك ثمنا كبيرا ستدفعه إن واصلت سياستها العدوانية تجاه العرب، ولهذا كان على المراقب أن يطرح سؤالا محددا، هل كان على دولة الإمارات العربية التي تحتل إيران ثلاث جزر منها أن تقيم معها علاقات دبلوماسية وعلى هذا المستوى الرفيع؟ حسنا يمكن أن نفترض أن لغة الحوار المستمر يمكن أن تسد الطرق على لغة التهديد بالحرب وأن العلاقات الدبلوماسية لا تعكس حقيقة المواقف السياسية للبلدان، ولهذا تمسكت الإمارات بسياسة الأبواب المفتوحة مع إيران، ولكن هل كان عليها أن تكون البوابة التي تستطيع إيران الالتفاف على العقوبات الاقتصادية؟ والتي قيل بأن دولة الإمارات تحتل في التجارة البديلة لإيران، أكثر من ثلثي الصفقات التي تؤمّن لها سلعا كثيرة ما كان لها أن تحصل عليها لولا دور الوسيط التجاري الذي تلعبه الإمارات، وهي سلع ومواد تدخل في برامجها العسكرية المثيرة للجدل؟ بحيث يبدو أن الإمارات تساعد إيران على أن تستقوي على العرب وعلى دولة الإمارات نفسها، ومع ذلك من حقنا أن نتساءل بتجرد عما إذا كانت هناك سياسة إماراتية واحدة تجاه ملف العلاقات مع إيران بكل جوانبه؟ أم أن لكل إمارة من الإمارات السبع سياستها الخارجية الخاصة بها؟ كما هو الحال بالنسبة للسياسات الاقتصادية والتجارية، فالسياسة الخارجية هي التي يجب أن تحدد مركزيا وتنسحب ظلالها على مواقف كل إمارة من الإمارات في تعاملاتها الخارجية، ثقافيا وتجاريا وسياحيا، فالموقف من احتلال الجزر وكيفية مواجهة ذلك لا ينبغي أن يخرج عن التصور المركزي الذي يقر في مجلس الدولة الذي يضم الأمراء السبعة، فلو أن دبي لوحدها التزمت بالعقوبات الدولية المفروضة على إيران، لكان بالإمكان زيادة حجم الضغط المفروض عليها، وعلى نحو يمكن التعرف على نتائجه من معرفة حجم التبادلات بين دبي وإيران وخاصة إعادة التصدير لكثير من السلع الاستراتيجية من دبي إلى إيران، عن طريق مئات التجار والشركات المملوكة لإيرانيين ينتشرون في كل دول الخليج العربي، ومثل هذا الالتزام لو تحقق فإنه سيعزز من خطوات الاستعادة السلمية للجزر، إن كان قد توفر بالقاموس السياسي الإيراني مصطلحٌ لتقديم ما تعتبره طهران أكبر تنازل عن مكسب حققته بالخديعة أو بالقوة أو بهما معا.

 

أسقطت إيران الخميني سياسات الشاه ما عدا تسمية الخليج العربي وسياسة التوسع

 

 

حرب الثماني سنوات

 

في بداية حرب الثماني سنوات بين العراق وإيران، كانت القيادة العراقية تضع ملف الجزر العربية الثلاث، بين النقاط التي تطرحها على المستوى السياسي أمام الدعوات المطالبة بوقف الحرب حينذاك، وطلب العراق من دولة الإمارات العربية إعلان موقف رسمي بشأن عائدية الجزر الثلاث لها، ولكن شيئا من ذلك لم يظهر إلى العلن على الرغم من عدالة القضية وأن العراق لم يطلبها لنفسه، وربما كانت وجهة النظر الرسمية للإمارات أن هذه القضية ثنائية بينها وبين إيران ولا تريد تعريبها، كي لا تدخل عليها تعقيدات إضافية فضلا عن أنها كانت ما تزال تحمل كثيرا من حسن الظن في السياسة الإيرانية التي لم تدخل معها في تجارب سابقة، وبالتالي ظنت الإمارات أن المشكلة ليست بالتعقيد الذي يستوجب توسيع دائرة ملفها فإيران ليست بحاجة إلى جهد مستحيل كي تعيد الجزر الثلاث، اعتقادا منها أن تعكير العلاقات الإيرانية الخليجية لا يساوي شيئا من مزايا علاقات مفتوحة من غير الحاجة لضم الجزر، أو أن الإمارات رأت في موقف العراق محاولة لتعبئة مواقف عربية جماعية وخاصة من دول الخليج العربي واعتقد أن وقوفه بوجه الهجمة الإيرانية يعد صدا لرياحها عن الوصول إلى الساحل الغربي للخليج العربي، إلى جانبه وهو يخوض حربا ضروسا مع إيران، يمكن أن تنتهي بصلح بين البلدين المتحاربين، وتبقى الدول المساندة لكل منهما في حرج شديد جراء مواقفها السابقة، ولهذا وعلى الرغم من أن الإمارات العربية ترى لنفسها حقا لا غبار عليه في الجزر الثلاث المحتلة ( أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغر ) ، إلا أنها وجدت في دخولها في حرب كلامية باردة أو ساخنة مع إيران تزامنا مع الحرب الملتهبة على حدود يبلغ طولها نحو ألف ومئتي كيلو متر بين العراق وإيران، خطوة قد تدفع بإيران إلى مزيد من التشدد تجاه هذا الملف، ولكن وبعد مرور أربعين سنة على احتلال الشاه لتلك الجزر، وإسقاط نظام الخميني لكل سياسات الشاه ما عدا تسمية الخليج العربي باسم زائف، وسياسة التوسع وضم أراضي العرب إلى الملكية الإيرانية، فقد اعتبرتها الحكومة الجديدة انجازا لا يجوز التفريط به بأي حال، وبات من السذاجة افتراض أن إيران يمكن أن تعطي باليد اليسرى ما أخذته باليد اليمنى.

 

عرش العمامة

 

لقد كان الشاه الثاني آية الله الخميني، والذي انتقل من عرش الطاووس في قصر نياوران، إلى عرش العمامة في جمران، فوجد في طموح سلفه تواضعا معيبا ومخلاً بقدرة الماكنة الإيرانية على إدارة نزعات التوسع ونزاعاته المتواصلة، والتي تمتد من بلاد المغرب العربي على شواطئ الأطلسي، إلى إندونيسيا على شواطئ المحيطين في أقصى جنوب شرق آسيا، فرسم الشاه الجديد مساراً لاستراتيجية بلاده على مستوى العالم أكثر طموحا وأكثر بريقا، وإن كان حظه بالنجاح على المدى النهائي يقترب من الصفر، وكما أن الولايات المتحدة ومن قبلها بريطانيا التي حملت اسم الامبراطورية التي لم تكن الشمس تغيب عن ممتلكاتها، كانتا تعتبران أن أمنهما القومي له جغرافية مطاطية تتوسع بقوة انتشار أساطيلهما البحرية ومصالحهما الاقتصادية القادرة على إنزال قواتهما حيثما اقتضت متطلبات التوسع والهيمنة، إلا أن مفهوم الأمن القومي تطور على وفق ما تحدده مصادر النيران التي بإمكان الصواريخ العابرة للقارات أن تصبه فوق رؤوس رافضي هذا المفهوم الجديد في العلاقات الدولية، لكنّ الزعامة الإيرانية الجديدة، والتي أرادات توظيف صواريخها المذهبية المتطرفة، القديمة والمعاد انتاجها حديثا، والعابرة للحدود والقارات باسم الإسلام، والتي تحركها عوامل قومية بالدرجة الأساس وبواجهات طائفية، من أجل استقطاب الأقوام غير الفارسية إلى جانب هذا المشروع التوسعي عن طريق إلباسه أردية دينية، كانت تضع لكل مرحلة من تحركها آليات جديدة، توسع من نطاقها الجغرافي مضيفة نتائج ميدانية سبق أن حققتها الزعامة الإيرانية القديمة، في مراحل مختلفة عندما كانت إيران جزء من منظومة التحالف الغربي، وبالتالي كانت الدول الغربية ولاسيما الولايات المتحدة تنظر إليها على أنها مكاسب أضيفت لرصيد استراتيجيتها الدولية، لتعزيز مكاسبها المنتظرة، حتى إذا تغيرت التوجهات المعلنة للسياسة الإيرانية، وتبدل الموقف السابق للدول الكبرى تجاه إيران، حينذاك سينقلب المشهد رأسا على عقب، فمن كان يشجع إيران أو يدفعها للتمدد على حساب أراضي الغير، سيجد في ذلك تهديدا لأمنه القومي ومصالحه الحيوية، أما الأطراف التي كانت تنظر بقلق إلى خطوات الشاه التوسعية، فإننا لن نلبث أن نراها وقد انتقلت إلى أكثر الأطراف انتفاعا نتيجة لتغير نظام حكم الشاه.

 

إن إيران ليست على استعداد لتقديم تنازل مهما كان صغيرا لأي طرف عربي، على الرغم من أنها لو ترى الأمور من نوافذ مفتوحة على كل الفضاءات وتحسبها بدقة، وخاصة من زاوية مصلحتها الخاصة على المدى البعيد، لاكتشفت أنها ستحقق مكاسب لا حصر لها على كل الصعد السياسية الاستراتيجية والاقتصادية والإعلامية، ولتمكنت من سحب البساط من تحت أقدام أعدائها الأيديولوجيين، وخصومها السياسيين على المستويين العربي والإسلامي، لو أنها تخلت عن عقدة التفوق المنطلقة من فراغ، وتعاملت مع العرب بطريقة أخرى فيها من التواصل الجديد بقدر ما كان فيها من القطيعة في الماضي، ولو أنها كفت عن استخفافها بالدور العربي إقليميا ودوليا، لكان ذلك أقصر الطرق لتفنيد ما يطرح ضد نواياها على مستوى الشارعين العربي والإسلامي، ولهذا فإن من قبيل إضاعة الوقت تمنية النفس بالأمنيات المستحيلة من جانب بالعرب، إذا ما استمرت المراهنة على أن إيران يمكن أن تفكر بإعادة الجزر الثلاث، فإيران التي تتطلع بشراهة لضم الجانب الآخر من الخليج العربي، وتتحين الفرص لإثارة الاضطرابات في الدول العربية، لا يمكن أن تفكر بإعادة شيء تنظر إليه على أنه حقها الثابت وغير القابل للمساومة، ولو أن إيران تمتلك تصورا عن التراجع عن احتلالها للجزر، لكفت عن المطالبة بضم البحرين إليها على الأقل، وتوقفت عن تجنيد المئات من العناصر التي تتحرك بناء على أوامر منها، وظلت تعبث بالأمن الداخلي في البحرين تحت لافتة المطالبة بالحقوق السياسية والمدنية، وربما يكون من قبيل التكرار الممل أن نقول إن من يطرح نفسه كجزء فاعل من القوى ذات التوجه القومي العربي، وخاصة أولئك الذين يصنفون أنفسهم جزءً من حركة البعث العربي، لا يمكن أن يتراصفوا مع المشروع القومي الإيراني، لأن أمرا كهذا لا يعدو عن كونه شيزوفرينيا فكرية وسياسية في غاية التعقيد.

 

إن عدم الانسلاخ عن فكرة التوفيق التلفيقية بين الفكر القومي العربي والاصطفاف مع نظرية ولاية الفقيه، لا يمكن وصفها إلا أنها محاولة لزرع نخلة في واحد من القطبين، كما أن ذلك سيعني اصطفافا طائفيا، لا يمكن الدفاع عنه ولا يستطيع أحد اكتشاف مسوغاته، مهما تم تزويقه بالألوان الزاهية، ولو كنا بحاجة إلى تقديم الدليل المضاد على هذا الانحياز الطائفي إلى جانب إيران.

 

قرن الهويات المتصادمة

 

وإذا جاز لنا التحدث بلغة ثقافة القرن الأمريكي، التي ركزت على تفعيل الهويات الفرعية ذات القابلية العالية للتصادم مع بعضها، والتي يراد لها النمو وافتراس الهوية الوطنية الجامعة، على خلاف ما هو قائم داخل المجتمع الأمريكي نفسه والذي يعد أكبر فسيفساء قابلة للكسر من منحدرات عرقية ودينية ومذهبية جمعت كل ما له وجود من أجناس بشرية فوق سطح الكرة الأرضية، وكان يمكن أن تتفجر هذه التركيبة لولا أنها ذوّبت بسطوة ماكنة النظام الاقتصادي والدور الهائل لأجهزة الإعلام الأمريكية التي جعلت من صورة المجتمع الأمريكي وكأنه مجتمع المدينة الفاضلة التي بشر بها الفلاسفة والحكماء على مر العصور، فانحسر صراع الهويات بقوة أسلحة لا تطلق النار في كل الأوقات، لصالح هوية أمريكية جامعة ولكنها في واقع الحال هوية ملفقة تماما، وهذا الشيء نفسه واقع التركيبة السكانية المتناثرة في إيران، ولكن الإمساك بحبات المسبحة يتم عبر أجهزة القمع التي ينهض بها الحرس الثوري المرتبط بالولي الفقيه ويحركه بين أصابعه كما يشاء، نعم لو جاز لنا التحدث بهذا المنطق، فربما كان جائزا القول إن العرب السنة في معظم الدول العربية، نجحوا في أول اختبار حقيقي للمفاضلة بين الهوية الوطنية والقومية، أو الهوية المذهبية، حينما حملوا السلاح ضد الدولة العثمانية، وكانوا أحد أسباب سقوطها، وهذا هو الذي ترك ضغينة ما تزال حبيسة الصدور وخاصة عند القوميين الأتراك المتعصبين، الذين أرادوا حينذاك ركوب موجة الإسلام لتحقيق أهداف قومية كما تفعل إيران في الوقت الحاضر، لكن المراقب سيلاحظ بوضوح أن هؤلاء القوميين الأتراك كانوا أشد نقمة على السلطة العثمانية من العرب أنفسهم، وإذا كان العرب قد قاتلوا الدولة العثمانية من مداخلها، فإن القوميين الأتراك هم الذين أسقطوا سلطتها من الدواخل، ولكن الصراع – أي صراع – حينما يأخذ طابعا عابرا للحدود، فإن الجميع يرتدّون إلى الولاء المختفي وراء الشعارات السياسية البراقة، لأنه ولاء غامض ولا شعوري في تعبيراته، فالقوميون الأتراك الذي حاربوا سلطة الدولة العثمانية داخل القصر السلطاني، كانوا يقفون مع دولتهم ضد تطلعات الشعوب الأخرى نحو الاستقلال، وخاصة العرب الذين حرصوا على نيل استقلالهم استنادا على أساس الهوية القومية، من دون أن يجدوا تصادما بين هذه النوايا المشروعة، مع التطابق المذهبي الذي يربطهم مع الأتراك العثمانيين، حتى ليحار المرء أحيانا في أسباب ترجيح ضغينة الحركة الطورانية على العرب بأكثر مما بقي في نفوس الإسلاميين الأتراك، وأكثر مما يحملون على الدول الأوربية التي بدأت بقضم أراضي الدولة العثمانية قبل نهضة العرب بعدة قرون، على الرغم من أن الدولة العثمانية ظلت تروج لفكرة أنها حكمت بموجب الرابطة الإسلامية.

 

الالتقاء بالنتائج

 

ولكن كثيرا من قادة الحركات السياسة في هذا الوقت بالذات، من العرب الشيعة بما فيها الحركات القومية، دخلوا في أكثر من اختبار جدي على طريق المخايرة بين الرابطة القومية أو الرابطة المذهبية، ولكنهم فضلوا في لحظة الفصل، الرابطة المذهبية مع أنها ليست داخل الأسرة العربية الواحدة، وإنما تحمل الولاء لإيران التي كان كثير منهم ينظر إليها على أنها التجسيد الحقيقي لحكم أهل البيت، وأنها الدولة المعبرة عن طموحات الشيعة وآمالهم والناطقة باسمهم والمزيلة لآلامهم والمظلومية التي علقت بهم منذ أربعة عشر قرنا من الزمن، وربما في هذا المقطع بالذات نجد التفسير المفترض لأسباب حرص الحوزات الدينية في قم خاصة والنجف بدرجة أقل، على أن يُحكم العراق من قبل سلطة شيعية، من أجل التخلص من ملاحقة فكرة أن ولاء الشيعة لإيران، لأنهم حينذاك سيجدون ملاذا أمنا في العراق العربي، الذي لن يكون عربيا حينما تطبق عليه نظرية الولي الفقيه الفارسية.

 

إن القوميين في البحرين والوطن العربي بمن فيهم البعثيون، مطالبون بوقفة تؤكد صدق الانتماء القابل للتطبيق على الأرض، بالوقوف إلى جانب عروبة البحرين وسائر الأراضي والمياه العربية، التي أشرت عليها إيران منذ زمن ملوكها الغابرين كلقمة يراد ابتلاعها على وفق ما تسمح به الظروف المحلية الإقليمية والدولية، وورثت دولة الولي الفقيه تلك الأطماع، ونزعت عنها رداء العلمانية وجعلتها أكثر إغراء بإلباسها رداءً إسلاميا، فالمعركة اقتربت من الجدران الداخلية للوجدان العربي، والمرحلة ليست بحاجة إلى ترف فكري يتم توظيفه في الجدل السياسي المحتدم حاليا أو المؤجل لأسباب فنية، فتحت لافتة نصرة المطالب الشعبية في البحرين بالإصلاحات الديمقراطية، تغذ إيران السير لتجنيد المئات من عناصر لم تجد ضيرا أو مانعا من الارتباط بالمشروع الإيراني التوسعي، والذي يتجه أصلا لسلخ البحرين عن جسدها العربي وإلحاقها بالإمبراطورية الفارسية الجديدة التي هي في طور النشوء، فالمحاولات الإيرانية للقضم والضم تحت ستار كثيف من دخان التضليل السياسي والإعلامي بالدفاع عن الشيعة العرب في بلدانهم، تعد جانبا من الخداع المقصود عبر تجزئة المطالب الشعبية وتحميلها لافتات تقسيمية، وعلى هذا يمكن النظر إليها على أنها الخطوة الأولى التي تريد إيران ومعها الولايات المتحدة وإسرائيل، حتى بفرض عدم وجود تنسيق مسبق مباشر، تحقيقها من أجل إضعاف الدول العربية، وإشغالها بحروب داخلية تعيدها إلى عصر الوصاية أو الحماية الدوليتين، فالالتقاء بالنتائج لا يقل خطرا عن الالتقاء بالتنسيق.

 

لغة الحوار

 

أتيحت لي فرصة اللقاء مع مفكرين ومثقفين يساريين شيعة من دول مجلس التعاون الخليجي، في مؤتمرات عربية غير رسمية، وكنت ألاحظ أن بعضهم يتحدث بلغة خطاب سياسي منحوت على الحجر ولا يقبل الحوار، كنت كلما أردت أن أوجه البوصلة نحو إيران ونواياها ومشاريعها في البحرين والكويت والإمارات العربية والمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، كنت أواجه بنص واحد، ( ارجع إلى البعثيين في البحرين، ستراهم أكثر الناس تحمسا لمطالب الإصلاح، وهم طرف أساسي في الاحتجاجات ) ، وكنت أرى في هذا الإقحام وكأن محدثيّ يريدون القول إن البعثيين الذين وقفوا مع العراق ومع الرئيس صدام حسين في الحرب مع إيران لمدة ثماني سنوات، هم أنفسهم الذين يساندون الاحتجاجات في البحرين، كنت أرد على محاولة توظيف موقف مفترض للبعثيين توظيفا سياسيا وهو موقف لا دليل لدي على صحته، بالقول إذا كان هذا حقا هو موقف البعثيين فهو موقف خاطئ من دون أدنى شك، خاصة وأن هناك معركتين الأولى تتعلق بمصير البحرين من خلال تأكيد انتمائها العربي وتتقدم على ما سواها مهما كانت وجاهة الحجج المطروحة، وهي تسبق أية معركة أخرى أيا كانت الدوافع، أما الثانية فهي معركة الإصلاحات السياسية في البلاد، وهي ليست معركة شيعية أو سنية على الإطلاق بل هي معركة البحرين ملكا وحكومة وشعبا ولا يحق لأحد أن يوظفها لصالح إيران كي تعبث في الداخل البحريني، ولا يجوز الربط بين القضيتين على هذه الصورة المبتسرة التي تريد خلط الأوراق على المواطن العادي وجره إلى معركة هي ليست معركته بل هي معركة قوى مرتبطة بإيران وترى سعادتها في تنفيذ إملاءاتها.

 

إن من يتحدث عن الإصلاحات، فلا بد أن يعي جيدا أن هذه القضية غير قابلة للتجزئة لعوامل مذهبية فهي قضية قومية بالمرتبة الأولى ولا تتفوق عليها أية قضية أخرى، فالاضطهاد الذي تتعرض له شعوب إيران وكثير منها هم من الشيعة، بل كانوا جزءً من مؤسسة الحكم التي جاءت مع الخميني مثل الإصلاحيين وتم استبعادهم حتى عن ترشيح أنفسهم للانتخابات، فهل يحق لإيران أن تدعم ما تسميه بالإصلاحات وهي التي قمعت الإصلاحيين من داخل مؤسستها الحاكمة، وكذلك ما يتعرض له العرب في إقليم الأحواز، فلماذا لا نجد صدى لكل ذلك في حركة الاحتجاجات التي تحركها إيران في البحرين والمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، لنجدة اخوتهم في الدين والمذهب والعرق داخل إيران نفسها؟

 

 





الاربعاء٢٦ جمادي الاول ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٨ / نيسان / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة