شبكة ذي قار
عـاجـل










التجديد في الفكر الاسلامي


يحمل التجديد في الشكل بعدا مفاهيميا جميلا ,ولكن ماذا يقصد به في المضمون والهدف ؟ هل عودة الى تجديد نظرتنا في تراثنا وافكارنا وماضينا ؟ ام هو انقلاب على هذا الماضي وهدمه وللاجابة على هذه التساؤلات نقول التجديد هو مقاربة الافكار ولا تولد تلك من العدم او الاشيء بل هي سياقات يتحكم فيها الزمان والمكان وتحكمها الثوابت في العقيدة والاحكام والاسلام كرسالة خاتمة للرسالات السماوية يدعوه البشرية الثوابت في العقيدة والاحكام , والاسلام كرسالة خاتمة للرسالات السماوية يدعو البشرية للانفكاك من القيود التي تعيق وتمنع حركتها نحو التقدم ويهيب بالانسان ان ينفتح على الاراء والافكار المختلفة لكشف الافضل منها اذا ما احتاج اليها مع مراعات مشروعيتها .


( الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه) 8 والاسلام يذم عقلية الركود وحالة الجمود , لانها تنتهي بالانسان الى التخلف عن ركب الحياة , وقد ورد في رواية عن الامام جعفر الصادق عليه السلام ( من اعتدل يوما فهو مغبون ومن كان في غده شرا من يومه فهو مفتون ومن لم ينفعه النقصان من نفسه دام نقصه ومن دام نقصه فالموت خير له )9


فالتجديد روح وحالات داخلية قبل ان يكون ظروفا وامكانيات خارجية فاذا سرت هذه الروح في جسد امة بعثت فيها حركة ونشاط ولذلك يركز القران الكريم على اهمية تغيير ما في النفس واعتباره الشرط الاساسي لتغيير الواقع الخارجي . فالانطلاق يبداء من داخل الامة والانسان , من النفوس يقول تعالى ( ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) 10.


والعلاقة بين حركة التطور وحرية التفكير قائمة ووثيقة لا يمكن ان يتم تجديد او تحديث او تطوير في حالات الارهاب الفكري والقمع والتهديد فأذا قمعت حرية العقل رهبة او رغبة وسادت اجواء الكبت والارهاب الفكري ولم يعطى الانسان فرصة الطرح والمناقشة حين ذاك تتعطل مسيرة التجديد وتنعدم اية امكانية او سبيل للتطور .


ان حرية الفكر والرأي حق اساسي ومن اهم حقوق الانسان بها ان يشعر الانسان بأنسانيته ويستثمر اعظم نعمة وهبها الله تعالى له وهي نعمة العقل وعبرها يتمكن من تسخير الكون واعمار الحياة ٍحيث اراد الله منه ذلك واذا كان الدين يأمر بالتفكير واعمال العقل فلا يرضى بمصادرة حرية الرأي ولكن هناك ضوابط لحرية الفكر والعقل وتقع المسؤولية على العابثين والمغرضين الذين يسيئون استخدام هذه الحرية في حال تحولها الى مأرب وغايات قد تمس بالدين والعقيدة , وتعاليم الاسلام . لقد واكبت العلوم الشرعية الحياة ولم يقتصر اهتمام علماء الاسلام على العلوم التي بدأوا بها كالتفسير والفقه بل تناولت نشأة العلوم فنشأة علوم العربية وعلوم القران وعلوم اصول الفقه والسياسة الشرعية والجدل والمناظرة وفلسفة التاريخ .


فالتجديد مفهوم يضيق بقدر ما يتسع , ومحاكات العصر وتمثله على صعيد الحياة من فكر وثقافة واجتماع وتراث وحضارة ينبغي ان يبقى ضمن اطر واسس حضارتنا وثقافتنا الاسلامية وتطلعاتنا ٍوكل تجديد مبني على هذا الاساس هو حياة الامة واعزاز لها .


ان محاولة الدخول في مفهوم التجديد وضرورته يفرض علينا ان نحدد اولوياتنا من خلال علاقاتنا بالعصر , فالتجديد محكوم بالشريعة والعقيدة والاعراف والزمان والمكان والتاريخ , اذا ضرورة التجديد هي ضرورة مرتبطة بالقوانين الالهية في الفكر الاسلامي وبمصلحة الامة ودرء المفاسد . والتجديد لا يأتي من العدم ولا يكون بناءا على الرمال انما هو تواصل وارتباط وليس انقطاعا او غربة والحاجة الى التجديد قائمة ( لان الحياة متطورة والحياة تسير بسرعة ,واحوال الامم والشعوب وعاداتها وتقاليدها واعرافها يعتريها الكثير من التغير والتحول وليس بالطبع يتفق كل ذلك التغير والتبديل في اوضاع المجتمعات وعاداتها وتقاليدها واعرافها من الحكم الشرعي الذي شرعه الشارع ونهجه للامة فقد يطرأ على العرف والعادات بحكم التطور , والتجدد والاندثار بحكم الكون والفساد , كما يعتري الامم والشعوب نفسها الكثير من التقدم والتأخر والازدهار والانحطاط وتبعا لذلك تتضاعف الحاجة الى حكم الشرع فيما استجد من امور . وقديما قال الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ( تحدث للناس اقضية بقدر ما احدثوا من الفجور ) . وبالتالي تبرز ضرورة الاجتهاد والتجديد 11 .


ويشير الدكتور عيسى بن عبد الله بن مانع الحميري في بحثه الموسوم (التجديد في عرض علوم العقيدة )الى ( ان الاصلاح او التجديد انما يكون في طريقة عرض العقيدة وبيانها لا في جوهر العقيدة ذاتها لانها ليست فكرة بشرية يعتريها التغيير والتبديل كما هو حال ما يسمى بالتقاليد والاعراف , لان التقاليد انما هي نماذج فكرية لشعب من الشعوب او امة من الامم اما عقيدة الاسلام فهي منبثقة من نصوص قرآنية واحاديث نبوية لا مجال للفكر البشري في انشائها وابداعها وانما ينحصر دوره في اختيار الاسلوب الامثل في بيانها وعرضها والتجديد في عرض وبيان علوم العقيدة يكون لاستخدام جميع انواع السبل المستحدثة كأستخدام الوسائل المتاحة , السمعي فيها والبصري ( اشرطة مسموعة او مرئية ) 12.


ان تساع الرقعة الاسلامية وتعدد اجناس الداخلين فيه يصدق قوله تعالى ( وما أرسلناك كافة للناس الا بشيرا ونذيرا ولكن اكثر الناس لا يعلمون ) 13. فأذا كانت رسالته رسالة عامة للناس جميعا فأن احكامه وتشريعاته عامة لجميع الناس ايضا وليست لفئة دون اخرى , بل لكل الناس وفي كل زمان ومكان اذا لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم ولا شرع بعد شرعه فهو دين الانسانية كافة الى قيام الساعة وهذا من اهم اسباب التجديد حتى يساير جميع الاعصار والامصار ليحتوي التشريع الاسلامي كل الداخلين فيه وتسير على نهجه كل الشعوب المتعدده وتجعله هد يها تستنير بنوره وتستهدي بهديه وليس المراد ان هذه الشعوب الداخله بالاسلام ان يصبح معها الاسلام وتخضعه لاعرافها وتقاليدها, ولو كانت تنافي تشريعه وتصادم تعاليمه كلا بل المراد ان ينضوي هؤلاء الداخلون تحت احكامه وتشريعه , واذا كانت هناك اية مشكلة يتعرض لها هؤلاء الناس فأنهم سيجدون الحلول الكافية الشافية دون مساس بتعاليم الدين الثابتة والقطعية هذه الحلول لا يتعرض اليها الا من لهم القدم الراسخة في العلوم الشرعية والكفاءة المعترف بها قال تعالى ( فسألوا اهل اتلذكر ان كنتم لا تعلمون )14 وقوله عز من قائل ( ولو ردوه الى الرسول واولي الامر منهم لعلم الذين يستنبطون منهم ) 15 فا التشريع الاسلامي انما هو لجلب المصالح ودفع الضرر عن الناس قال تعالى ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون ) 16 وقال صلى الله عليه وسلم ( لا ضرر ولا ضرار) اخرجه ابن ماجة واحمد .

ومما تقدم نرى الحاجة الى التجديد والاجتهاد في حدود تسمح بها الشريعة وضمن ما اشرنا اليه من القيود ةالضوابط اصبح اليوم ضرورة ملحة وعلينا واجب الانتباه اليوم كمسلمين من الذين يهدفون لتحقيق مصالحهم من خلال استغلال الدين غطاءا لنواياهم . ان الاختلاف في المسائل الاجتهادية امر طبيعيا ولكن الممنوع هو التنازع المؤدي الى الفرقة والتكفير والتضليل وكذلك تجنب الافتاء ببعض الاقوال الضعيفة او المخالفة للاجماع دون بيان الاسباب والدواعي التي حملته على ذلك ثم محاولة بعض المؤسسات اتباع اساليب الاسنيعاب الفكري .
 

 

 





الاحد١٦ جمادي الاول ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٨ / نيسان / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب حجي حمد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة