شبكة ذي قار
عـاجـل










بسم الله الرحمن الرحيم

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا ) النساء 71

صدق الله العظيم

 

 تمهيد :-

قبل أكثر من عام وبالتحديد في 9/12/2010 بدءنا بنشر سلسلة بحوث معنونة باسم "هل فشلت القيادة العراقية بتحرير العراق" ، تناولنا خلالها جملة من الحقائق والوقائع والأحداث والقضايا الهامة التي مست وما تزال تمس حياة المواطن العراقي والقيادة العراقية في الصميم ، وبطريقة دائبنا دوما أن تكون واضحة وصريحة وبعيدة عن المجاملات والغموض وضبابية الموقف . مثلما دائبنا لان تمثل هذه الدراسة بجوهرها وبمضمونها الإجابة الواضحة والصريحة لجملة من الأسئلة التي ُطـِرحت وما تزال تـُطرح علينا من الأصدقاء قبل الأعداء. تلك الحقائق والوقائع والأحداث والقضايا والأسئلة التي نعتقد بأنها لم تأخذ فرصتها المناسبة والمطلوبة من البحث والدراسة والتغطية الإعلامية .

 

فقد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم مثلما يتبادر إلى ذهن أي عراقي أصيل وأي عربي ومسلم محب لامته وللعراق ، سؤال كبير ومهم جدا إلا وهو : هل فشلت القيادة العراقية في تحرير العراق ..؟؟!!!

وفي الحقيقة فان كل ما تضمنته دراستنا هذه قد جاء لتوفير الإجابة الوافية والتامة لهذا السؤال ،فبينا من خلال الجزء الأول بان القيادة العراقية لم تفشل في تحرير العراق ، ولكن وبنفس الوقت فلم تنجح نجاحا تاما في تحقيقه أيضا . أي وبمعنى أوضح فان الإجابة هنا نسبية ، فهي لم تنجح كليا ولكنها لم تفشل أيضا في ذلك . فأما النجاح فقد تمثل في إنهاء الاحتلال العسكري ، وأما الإخفاق أو الفشل فيتمثل في عدم قدرتها ولحد الآن على إنهاء بقايا ومخلفات الاحتلال والمتمثلة بالعملية السياسية التي أنشئها الاحتلال نفسه والتي أنتجت لنا ما يسمى بحكومة نوري المالكي . فهذا الحال والذي أسميناه بمأزق المشروع الجهادي ، هو ما أثار في الحقيقة حاجتنا لوضع دراسة جديدة مكملة لدراستنا هذه ، حيث سيتم نشر الدراسة الجديدة خلال الأيام القادمة بعون الله سبحانه وتعالى تحت عنوان "هل نجحت المخابرات الأمريكية في تجنيد الشعب العربي برمته" حيث سنتطرق إلى جملة من القضايا والأحداث الهامة في محاولة منا للتعرف عن حقيقة مأزقنا وأسبابه وطرق علاجه وعدم تكرار حدوثه مستقبلا .

 

وبالتالي فان كل ما تلا الجزء الأول من دراستنا هذه هو في الحقيقة للتأكد عما أذا نجحت القيادة فعلا في تحقيق انتصارها الجزئي ، هو أيضا بمثابة مراجعة للإحداث التي شهدها العراق في العقود الأربعة الأخيرة ولحكم البعث وتوجهاته وأفكاره وسياساته وللإنسان العراقي بحد ذاته ولمنجزات القيادة العراقية ومؤسساتها وعما أذا أدت عملها ومسؤوليتها بنجاح وتفوق أو بتقصير وخلل .

 

هكذا وعلى اثر ما قد ينتاب القارئ الكريم من أسئلة أو مشاعر ، فقد تناولنا مواضيع معينة دون غيرها ، وهكذا فقد جاء تسلسل هذه الدراسة ليوفر هو الأخر الإجابة الوافية لما قد يتبادر إلى ذهن القارئ من سلسلة من الأسئلة والاستفسارات المهمة والجوهرية. هكذا تناولنا المخابرات في الجزء الثاني لنجيب على سؤال القارئ المتوقع عما أذا كان للقيادة العراقية جهاز مخابرات مخلص وكفوء قادر على رفدها بالمعلومات المطلوبة وتحقيق النصر الحاسم على العدو الغازي الأمريكي . وهكذا انتقلنا إلى الجزء الثالث لنوفر الإجابة على سؤال المتوقع الآخر عما أذا نجحت القيادة العراقية في فهم ووعي السياسة الأمريكية . وهكذا انتقلنا إلى الجزء الرابع لنوفير الإجابة عما أذا فقد الجيش العراقي أرادة القتال . ثم انطلقنا في الجزء الخامس نحو مراجعة منجزات القيادة العراقية وعما أذا فشلت أو نجحت في بناء الإنسان الجديد . ثم عدنا في الجزء السادس لنجيب على ما سبق وأثرناه في الأجزاء السابقة وبالتحديد عما أذا استعدت القيادة العراقية فعلا لحرب العصابات أم لا . لنتناولنا في الجزء السابع القدرات الحقيقة للقيادة العراقية في هذا الوقت . وأخيرا فقد حاولنا في الجزء الثامن أن نجيب عما أذا تحققت وحدة فصائل المقاومة والقوى المناهضة للاحتلال أم لم تتحقق وسبب ذلك وأين نجحت وأخفقت ولماذا . 

 

فمن اجل أن يطلع القارئ الكريم على خلاصة هذه الدراسة وحتى لا نتعبه كثيرا في الاستنتاج ويفهم سبب تطرقنا إلى مواضيع معينة دون غيرها ويتعرف على مسار بحثنا ، فقد قررنا أن نكتب خلاصة شاملة ومترابطة للأجزاء الأربعة الأخيرة وعلى النحو الأتي :-

 

الجزء الخامس/ هل أخفقت القيادة في الإعلام وبناء الإنسان العراقي الجديد:-

على اثر ما تم تناوله والتطرق أليه في الجزء السابق – الجزء الرابع ، وعلى اثر القدرات والإمكانيات السياسية والاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية الهائلة التي يتمتع بها العدو وعلى اثر الدعايات المغرضة والمعلومات المضللة التي تطلقها الماكنة الإعلامية العملاقة للعدو وعملاءه والتي استهدفت وما تزال تستهدف أولا وقبل كل شئ تدمير الثقة بالنفس .

 

فقد يراود القارئ الكريم ما راود الكثيرين من أبناء امتنا إلا وهو الشعور بالنقص والإحساس بالذنب والتقصير ، فيلجئ إلى جلد الذات للتهرب مما حل به من مآزق – جمع مأزق- وظروف صعبة ونكسات وهزائم سواء مستوى الشخصي أو على المستوى العام للمجتمع والوطن والأمة. فيعتقد بان الإنسان العربي والعراقي دون الإنسان الأوربي أو الأمريكي ، ويتصور بان مهما عمل الإنسان العربي والعراقي وحاول التحرر والاستقلال وتطوير اقتصاده وصناعاته ومؤسساته التعليمية وقدراته التكنولوجية والعسكرية فان مصير عمله هذا كله الفشل ، ومهما استبسل وطاول وصبر وصمد في القتال فان الهزيمة واقعة لا محال . فخلل الإنسان العربي والعراقي هنا خلل بنيوي لا يمكن معالجته إلا تبغيير مفاهيمه وطريقة تفكيره جذريا . أو بمعنى أوضح ، قد يعتقد البعض أو قد يشعر بان سبب تلك الكوارث والإخفاقات ناتج عن توجهات القيادة العراقية نفسها أو عن طبيعة الفرد العراقي ذاته ، أو كلاهما..؟!!!

 

فنظرا لمدى خطورة وأهمية هكذا أطروحات ومدى خطورة ما ينتج عنه من تضليل وتشويه بحق العرب والعراق وبحق القيادات العربية الأصيلة وبحق القيادة العراقية المجاهدة . فقد تناولنا في هذا الجزء وعلى مدار حلقتين ، تناولت الأولى دور الإعلام في بناء الإنسان ، بينما تناولت الحلقة الثانية عما إذا أخفقت القيادة العراقية في بناء الإنسان المواطن العراقي كمثال على دحض الأطروحات المسمومة والخبيثة والتي تنتقص من الإنسان العربي.

 

الحلقة الأولى/ دور الإعلام في بناء الإنسان:-

أوضحنا في هذه الحلقة بان دور الأعلام في بناء الإنسان حسب مفهومنا الثوري ، هو الوسيلة التي تعمل على تجميع إنتاج الأمة وبثها بطريقة تحفز الشعور بالمواطنة وتفعم  حياة المواطنين بالحب والحماس وبقوة الانتماء للوطن وللأمة ، فيخلق روح ثورية قادرة على فهم ووعي وإدراك عقيدة قيادته الوطنية لتجاوز المحن و الصعاب ولتحدي الخطوب التي قد تعترض طريقه .. طريق انجاز برامج قيادته الوطنية . فمهمة الإعلام الأولى هي خلق الإنسان المواطن الجديد .

 

أي وبمعنى أوضح فان مهمة الإعلامي الثوري الناجح تنطوي في استغلال أي حدث أو تطور ذات بعد حقيقي فاعل في الحياة استغلالا دعائيا يقوي روح الانتماء الفرد للمجتمع وللوطن وللأمة وللتمسك بقيادته الثورية .

 

وهنا فقد أكدنا ونبهنا على ضرورة أن يكون ذلك الحدث أو التطور الذي سيتم استغلاله دعائيا نقول أن يكون ذات بعد حقيقي وفاعل في حياة الفرد والأمة معا ، بمعنى أوضح فلا نأتي على حدث عابر أو تطور نسبي وننشد له الأناشيد والأغاني الوطنية الحماسية أو المقالات والبحوث الرنانة أو الملصقات التي يكون ثمن طبعها اكبر من جديتها ومضمونها .

 

وهنا أيضا فلابد لنا أن نبين مسالة في غاية الأهمية إلا وهي تحديد معنى البعد الحقيقي والفاعل في الحياة فقد يغفل الإعلامي حدث أو تطور معين فلا يستغله دعائيا ظننا منه بان ذلك الحدث أو التطور ليس سوى حدث أو تطور عابر .

 

وبالتالي فلابد أن تكون للأعلام الثوري مؤسسة متكاملة منسجمة من أرقى الخبراء الإعلاميين ومن أرقى واحدث الأبنية والمعدات وباقي الوسائل المادية التي يتطلبها العمل الإعلامي ، ومن أرقى القيادات الإدارية التي تتفهم توجهات القيادة العليا وبرامجها وخططها فتطبقها على ارض الواقع ، والأفضل أن تكون قيادة مؤسسة الأعلام من قبل القيادة الثورية نفسها حتى يكون الانسجام والتوافق على أعلى وأفضل صوره فلا تقع هذه المؤسسة الحيوية تحت طائل الروتين والعمل التقليدي أو التخوف والتلكوء أو يتم اختراقها امنيا أو فكريا .

 

أما بالنسبة لفهم معنى الأعلام الدعائي فان دراسة الأعلام النازي كفيلة بتعرفنا على هذا المفهوم الحيوي ، فالأعلام النازي نجح نجاحا باهرا منقطع النظير في عمله الدعائي . حيث تم استخدام النشيد والأغنية والكلمة والمقالة والصحف والمجلات والملصقات والتلفاز والراديو والسينما والمسرح والبحث الأكاديمي والاشاعات والطابور الخامس جنبا إلى جنب مع كل سلاح جديد يتم تصنيعه ومع كل جهاز كهربائي مدني أو قطعة أثاث يتم أنتاجها ومع كل معركة دفاع أو هجوم عسكري تشنه القوات الألمانية مع كل طريق أو جسر أو نفق يتم افتتاحه مع كل بناية أو قاعة يتم تشييدها ومع كل طابوقة تدق وكل حبة قمح تزرع .

 

فالمقصود هنا بإنتاج الأمة كل ما يتم أنتاجه من قبل الشعب سواء كان أنتاج عسكري أو مدني ، صناعي أو زراعي ، خدمي أو استثماري ، مادي أو معنوي ، علمي أو أدبي ، نوعي أو كمي .

 

وفي الحقيقة فان الدعاية النازية استخدمت أنتاج الأمة الألمانية بكل تفاصيله جنبا إلى جنب مع خطب الزعيم أدولف هتلر نفسه ووزير دعايته الدكتور جوزيف غوبلز ووزير الإنتاج المهندس البرت شبير اللذان فهما جيدا توجهات قيادتهما وبرامجها حتى في اختيار الألوان والرسوم والديكور والميداليات والنصب والتماثيل . فكانت النتيجة كما يعرف كل متابع بان أصبحت مصلقات الدعاية النازية أكثر رواجا في شوارع أعداءها من شوارع برلين نفسها ، حتى بعد عشرات السنين من خسارة ألمانيا للحرب واحتلالها وتقسيمها .

 

وهو الأمر الذي أدى إلى أبراز أهمية الأعلام ودوره في بناء الإنسان عند بقية الأمم والشعوب والحكومات والأنظمة ، والتي لم يكن الإنسان العربي والعراقي بعيد عنها. ففي عام 1968 نجح حزب البعث في الوصول إلى السلطة في العراق عبر ثورته البيضاء وسرعان ما انطلق لتجسيد أفكاره وبرامجه من اجل النهوض بواقع العراق سياسيا وعسكريا وامنيا واقتصاديا وعلميا وثقافيا ورياضيا وفنيا وإعلاميا لمستوى متقدم ومتطور، فوضعت واحدة من أضخم ستراتيجيات البناء والأعمار والتنمية والقائمة على أسس علمية حديثة وبما يلائم المجتمع العراقي ويلبي أهم حاجاته وبما يتناسب وقدرات الدولة العراقية حينئذ .

 

فتوجهت القيادة العراقية أولا نحو تأميم الثروات النفطية والفوسفاتية والكبريتية والغاز الطبيعي ، كما باشرت بتطوير الواقع الزراعي لتحقيق الأمن الغذائي القومي ، ثم توجهت نحو المجال التعليمي ونفذت واحدة من أهم واكبر وانجح ستراتيجية التربية والتعليم وعلى مستوى الوطن العربي والعالم الثالث  ، وأقامت العديد من المشاريع المتعلقة والداعمة للنشاط التجاري فتم بناء مجمعات تجارية ضخمة سبق العراق بها دولة المنطقة بأسرها لسنوات عديدة ، كما وفرت القيادة العراقية العلاج الطبي المجاني للمواطن العراقي ، ودعمت القطاع الصحي بمليارات الدولارات ، وباشرت أيضا بتنفيذ سلسلة من المشاريع الخدمية فشقت الآلاف الكيلومترات من الطرق المعبدة وأقامت عشرات الجسور والأنفاق ، كما شيدت العديد من المطارات وزودت شركة الخطوط الجوية العراقية بأسطول من عشرات الطائرات الحديثة ، بينما حال العدواني الخميني الذي استمر لثماني سنوات من تطوير قطاع النقل البحري بما كانت تخطط له القيادة العراقية ، والتي استعاضت عن موانئ العراق البحرية المغلقة بسبب الحرب بموانئ أقامتها في الدول المجاورة للعراق كما هو الحال في ميناء ينبع وجيهان والعقبة فضلا عن ميناء البكر العميق . كما تم بناء مئات المعامل والمصانع كما دخل العراق في مجالات التكنولوجيا المتقدمة جدا والتي لم يعهد على دول العالم الثالث الولوج فيها كالتكنولوجيا النووية والليزرية والالكترونية والكيماوية والتكنولوجيا العسكرية حيث تمكن مجاهدو هيئة التصنيع العسكري ووزارة الصناعة والمعادن ووزارة الزراعة ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي وهيئة الطاقة الذرية العراقية ، من أنتاج العديد من أنواع الصواريخ البالستية والأنبوبية والصواريخ الناقلة للأقمار الصناعية حيث امتلك العراق  برنامج فضائي متطور تمكن من إنتاج أول قمر صناعي عربي اسمه "الطائر- Bird" . بالإضافة إلى تطوير قدرات الجيش العراقي ، وخلق جهاز مخابرات كفوء ، وفي بسط الأمن والسلام في ربوع العراق خاصة بعد توقيع اتفاقية الجزائر مع إيران الشاه . وبالتالي حل القضية الكردية وأعطت للإخوة الأكراد حقوقهم المشروع تلك المشكلة التي أرهقت الدولة العراقية وحرمت جزء كبير ومهم من الشعب العراقي من حقوقهم المشروعة لعقود طويلة.

 

أن النجاحات التي حققتها القيادة العراقية في تجسيد جزء كبير ومهم من أفكار ومبادئ وأهداف حزب البعث العربي الاشتراكي خلال العقدين الأول والثاني من عمر ثورة تموز 1968 ، قد آثرت المنظومة الإعلامية للدولة العراقية بالعديد من المواضيع والإحداث والتطورات التي رسخت لدى الفرد العراقي شعوره بالانتماء للوطن وخلقت فيه روح حماسية لتنفيذ خطط وبرامج قيادته الوطنية فكانت الحملة الشعبية لبناء المدارس مثالا على بناء الإنسان المواطن العراقي الجديد . كما استحدث القيادة العراقية أساليب جديدة في التربية الوطنية وفي كسب الشباب لضمان المستقبل حيث  شكلت منظمة الطلائع والفتوة ومعسكرات التدريب الرياضي والعسكري للطلبة . مثلما أنتعش اتحاد الشباب وأقمت له مئات المراكز فازدهرت حياة العراقيين عامة وحياة الشباب خاصة وملئت بالحماس وروح الثورة الخلاقـّة حتى بات المجتمع العراقي يعيش واحدة من أبهى عصوره الذهبية.

 

ومن بين أهم ما استحدثته القيادة العراقية وأثرَت به الإعلام العراقي وعلى طريقها الخاص في البناء ، هو تطبيقها لبرامج مهم جدا أعاد الحياة لعشرات المواقع الأثرية والتاريخية وعلى رأسها مدينة بابل العظيمة . كما شيدت بانوراما القادسية الأولى في قضاء سلمان باك قرب إيوان كسرى الفرس المجوس . فالستراتيجية الإعلامية للقيادة العراقية لم تنحصر في جزء معين بل استثمرت كل انجازات ثورة البعث لتدعيمها بالدليل الملموس. فبالإضافة إلى الوسائل الإعلامية الغير تقليدية ، فقد رعت القيادة العراقية الوسائل الإعلامية التقليدية كالصحف والمجلات وقنوات التلفاز ودور السينما والمسرح والعروض الفنية والشعبية والمؤتمرات الشعرية والأدبية ولاسيما مهرجان بابل الدولي والمربد الشعري وأصبحت بغداد قبلة العلماء والشعراء والفنانين من جديد . وعلى الرغم من العدوان الخميني الحاقد على عراقنا العظيم فقد استمرت القيادة العراقية في مشاريعها ، لا بل قد دفعت القيادة العراقية نحو المزيد من العطاء والإبداع فتم تنفيذ مشاريع مدنية وعسكرية ،علمية واقتصادية عملاقة لم تعهد الدول النامية على الدخول بها ، وفي تنفيذ واحدة من أروع وأرقى ستراتيجيات الإعلام في العالم . وغصت بغداد في عشرات الأناشيد الوطنية التي كانت لها اكبر الأثر في دعم صمود المقاتل العراقي على الجبهة وهو يدافع عن أرضه وعرضه وماله ودينه مثلما كان لها وقع ٌ عظيم في نفوس كافة العراقيين وليومنا هذا .

 

وبالتالي فقد كانت الحلقة الأولى من هذا الجزء مخصصة للرد على افتراءات العدو ووسائل تضليله وتشويهه للعقل العراقي والعربي والمسلم عموما . وتناولنا وبالدليل وبكل صراحة ووضوح مدى تمثيل القيادة العراقية لشعبها ومدى رقي بناء مؤسساتها السياسية والإعلامية والاقتصادية ومدى انجازاتها الفعالة التي انعكست على حياة المواطن العراقي انعكاسا مثل خير رد لحرص القيادة على مصالح شعبها وحقوقه .

 

الحلقة الثانية/ مأزق القيادة في الإعلام وبناء الإنسان:-

تناولنا في هذه الحلقة عما إذا أخفقت القيادة العراقية في بناء الإنسان المواطن العراقي الجديد ، فمن حرب شرسة دامت ثماني سنوات ، خرج العراق قويا سياسيا وعسكريا واقتصاديا واجتماعيا وإعلاميا وعلميا منتصرا على الخميني . وبانتصار العراق فقد قضت مضاجع الصهيونية العالمية في الصميم وحقق العراق توازنا للرعب في المنطقة .. حقق أهم انجاز لأمة العرب وللمسلمين عامة.. حقق نهوض حضاري بما للكلمة من معنى ودلائل بالغة . فأثبتت القيادة العراقية للعالم بأسره مدى سخافة الصورة التي رسمتها الصهيونية العالمية للعرب وللمسلمين عبر شركة الإنتاج الإعلامي التابعة لها .. عبر هوليود الوقحة .. فلم تعد صورة العربي والمسلم في الغرب خصوصا .. صورة الإنسان المتخلف الجاهل القذر الغبي المليء بالحقد والكراهية والمتحمس للعنف والدماء وإزهاق الأرواح البريئة .

 

إلا إن العراق لم يهنئ بهذا الانتصار ، فقد حيكت للعراق مؤامرة اخطر من سابـِقاتها. وللأسف الشديد فقد شارك في هذه المؤامرة الأخ قبل الصديق والصديق قبل العدو وساهموا في تدبير واحدة من أقذر مؤامرات الصهيونية العالمية ، هكذا بدأت فتنة أزمة عام 1990. وهكذا وضعت حكومات الكويت والإمارات والسعودية ومصر نفسها وقدرات أقطارها العربية المسلمة في خدمة المؤامرة الصهيونية الخبيثة . وكانت النتيجة أن حاربوا العراق اقتصاديا لإرغامه على التراجع عن خطط وبرامجه التنموية العملاقة ، فلم يكن أمام القيادة العراقية غير السير قدما في خيارها الوحيد ، في استرجاع جزء العراق قد أصبح وكرا من أوكار الخيانة والتأمر والجريمة ، وفي فرض قوانينه على الطاولة رغما عن انف المتآمرين مهما بلغت قوتهم وخبثهم الشيطاني ، لقد قررت القيادة العراقية تحرير الكويت من أيدي الخيانة والجريمة. وقد قيل ما قيل عن تلك الأزمة ورغم إننا نحاول أن نسموا فوق جراحها الغائرة في جسد العراق وفي ذاكرة أجياله وضمائر أهله ، إلا أن أهم ما يمكن أن نقوله على تلك الأزمة أن القيادة العراقية دخلت الكويت وهي تعرف تماما حجم التأمر المحبوك لها في واشنطن ولندن والقاهرة والرياض والكويت.

 

فشنت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها عشرات الدول عدوانها الخبيث وألقيت على العراق من زاخو حتى الكويت ما يعادي 7 قنابل نووية ألقيت 142 مليون كيلوغرام من شتى أنواع المواد المتفجرة . دمر العراق وسحقت مئات بل وآلاف المعامل والمصانع والمشاريع والجسور وطرق النقل والمواصلات وسكك الحديد والموانئ والمطارات ومخازن الدواء والغذاء ، وشبكات الماء والمجاري وشبكات نقل الطاقة الكهربائية وخطوط أنابيب نقل النفط ، ودمرت محطات تنقية المياه ومحطات توليد الطاقة الكهربائية والمجمعات الصناعية العملاقة ، دُمرت قطعات الجيش العراقي المنسحب من الكويت وهو الشرط الذي طالب مجلس الأمن الدولي تحقيقه. تفحم جثث إبطال القادسية وصهرت آلياتهم ودباباتهم ومدرعاتهم عليهم وهم إحياء ودفن أكثر من 8000 مقاتل مشاة عراقي من اسود القادسية تحت رمال الصحراء العربية بالمجنزرات الأمريكية ، أزهقت أرواح 600 عراقي بين شيخ وشاب بين رجل وامرأة حتى طبع طفل رضيع وأمه الماجدة على جدران الملجئ من شدة العصف والانفجار .. تلك هي جريمة قصف ملجئ العامرية بصواريخ أمريكية صنعت خصيصا لاختراق الخرسانة المسلحة .. تلك هي الهولوكوست الحقيقية .. تلك هي حكاية المحرقة الأمريكية التي دفعت تكاليفها أقطار عربية مسلمة .

 

وكعادتهم الموروثة منذ الآلاف السنين ، غدروا أحفاد كورش يهوياكيم واستغلوا انشغال القيادة العراقية بسحب فيالقها العسكرية من الكويت - وفي ظل الظروف الذي مر به الجيش العراقي وهو يستعد لأكبر معركة دبابات بعد الحرب العالمية الثانية لمنع تقدم قطعات العدو الأمريكي البريطاني الفرنسي الايطالي وللأسف الخليجي والمصري أيضا - فدخل العراق قرابة 33،000 عنصر مسلح من حرس خميني يمدهم الآلاف الخونة من غسيلي الدماغ وفاقدي الكرامة. نعم لقد غدر الخمينيون بأهل العراق كما غدر ابن ملجم بقائد الدولة العربية الإسلامية .. بأمير المؤمنين .. بفاتح باب خيبر  .. علي رضي الله عنه وأرضاه .. وأعانهم من داخل العراق من تضررت مصالحه الشخصية الضيقة وأنانيته العدوانية وعقليته المريضة ..  فعاثت هذه المجاميع فسادا وتخريبا بأهل العراق وارض العراق وحجر وشجر العراق .. احرقوا الأخضر قبل اليابس .. دمروا ما لم تصل إليه صواريخ وقذائف الغربان الأمريكية وحلفاءها . قتلوا عشرات الآلاف العراقيين .. أبادوا عوائل برمتها .. سلخوا جلود البشر .. قطعوا الناس أربا .. مثلوا بجثث الشهداء .. انتهكوا الإعراض .. أطفئوا سجائرهم القذرة في رؤوس الأطفال .. احرقوا الوثائق الحكومية والشخصية نهبوا المال والآثار وكتب العلماء .. حطموا حتى زجاج المدارس .. اتخذوا من مساجد الله مراكز اعتقال وتعذيب .. نصبوا فيها المشانق للنساء والأطفال قبل الشيوخ والرجال .. دنسوا كتب القرآن .. فما من حرمة إلا وانتهكوها وما من حق حتى سلبوه ..

 

إلا أن أحفاد نبوخذنصر محطم مملكة يهوذا .. وأحفاد عمر رضي الله عنه وأرضاه محطم عرش كسرى .. وأحفاد علي رضي الله عنه وأرضاه فاتح باب خبير .. كانوا بانتظارهم فاستعادوا مدن وبلدات العراق من سيطرة مجاميع القتل والتخريب وجرى محاسبة الخونة ليكونوا عبرة لمن اعتبر . ولكن وعلى الرغم من صفحة الغدر والخيانة لم تدم سوى بضعة أسابيع ، ورغم قيام المؤسسة الإعلامية العراقية بتغطية إخبارها بشكل جيد وفضحت بالصوت والصورة والوثائق والاعترافات الجرائم التي أسموها أصحابها بالانتفاضة الشعبانية ، ورغم عودة الأمن والاستقرار لتلك المدن والبلدات التي شهدت جرائم الخونة والغادرين ، إلا إن العراق قد أوقدت فيه نار الفرقة والفتنة وان كانت نارا خافتة . لقد استغلت عمائم الدجل والشعوذة في قم وطهران ومن وراءها حاخامات اليهود وتجار الموت هذه الصفحة فيما بعد استخداما خبيثا ما زال خبثها وخطرها قائم لهذه اللحظة .. بل ومن المتوقع إن يستمر لسنوات أخرى ..!!

 

انقشع غبار المعارك وانطوت صفحة الغدر والخيانة ، وباشر أهل العراق في إعادة أعمار ما دمره العدوان تحت شعار أطلقه القائد المنصور بالله صدام حسين المجيد "تبا للمستحيل .. عاش المجاهدون .. والله اكبر" ، في حملة أعمار تاريخية لقنت امهر الشركات والخبراء دروسا في الأعمار والبناء ، وأعطت للإنسانية تجربة حية على إرادة شعب أعاد الحياة لوطنه. وسرعان ما انتبهت الصهيونية العالمية لإبداع العراقيين هذا فقررت الاستمرار بفرض أسوء حصار عرفه تاريخ الإنسانية فجاء رد القيادة العراقية وبما يتناسب وواقع وإمكانيات العراق وشرعت العديد من القوانين والقرارات التي تنضم سير الحياة في العراق واستحدث مئات الطرق لتلافي نتائج الحصار القاسية على المواطن العراقي .

 

أن صفحة الحصار هذه والتي لا يمكن وصفها بالأحبار .. فالمعاناة والآلام هي وحدها من تقدر ذلك ، قد حققت ما لم تحققه صفحات التأمر والعدوان التي سبقتها وشكلت نتائج وتأثيرات في غاية الخطورة على قدرة القيادة العراقية لتجسيد أفكارها وتوجهاتها وبرامجها العملية ، فقوضت ستراتيجية البعث للتنمية الثورية إلى نحو خطير . فالمنظومة الإعلامية لم تقم بدورها مثلما كانت تقوم به من قبل ، فلم تستطيع التصدي لأكاذيب العدو لاسيما الأكاذيب التي أطلقها أعلام العدو حول حلبجة والدجيل والأنفال وسواها . كما ضعف إنتاج العراق حتى وصل إلى مستوى منخفض خطير جدا مس حياة المواطن العراقي اليومية في كل تفاصيلها . كما إن أعداء العراق لم يدخروا جهدا إلا واستثمروه لإيذاء أهله فكحال السياسة والاقتصاد والجيوش فقد زج أعداء العراق بمؤسساتهم الدينية في صراعهم هذا . واستغلوا التنوع الديني والطائفي والمذهبي في العراق عنصرا مساعدا لهم ، وخلو العراق من مؤسسة دينية خاصة به زاد الأمر سوءا على الرغم من محاولات القيادة العراقية لخلق تلك المؤسسة الهامة إلا أنها لم توفق في مسعاها فقد استمر العراق بالتأثر في المؤسسات الدينية لدول الجوار ، ولولا نجاح القيادة العراقية في إطلاق ما يمكن أن نعتبره بديلا عن إنشاء مؤسسة دينية عراقية مستقلة إلا وهي الحملة الإيمانية لأحبط المشروع الجهادي من أساسه.

 

إن فرض الحصار الشامل وبخبثه ووطئته على الدولة العراقية قبل المواطن البسيط ومع استمراره لسنوات طويلة ، ومع النتائج السلبية التي خلفتها حرب 1991، ومع النتائج المتراكمة لمؤامرات قـُـم ، ومع صعوبة تطوير الستراتيجية الإعلامية للقيادة العراقية بما يتناسب وتطورات العالم في العقد الأخير من القرن العشرين ، ومع الموارد البشرية والفنية والتكنولوجية الهائلة التي تمتعت بها ستراتيجية العدو الإعلامية والغير الإعلامية ، فقد وضعت القيادة العراقية أولا ً ومن ثم الشعب العراقي ثانيةً في مأزق بالغ الخطورة والأهمية .. مأزق الذي نتج عنه خلل في بناء الإنسان العراقي وهو الأمر الذي مازال يلقي بضلاله وأثاره السلبية على واقع العراق وعلى واقع الأمة ليومنا هذا.


 

الجزء السادس/ هل أخفقت ستراتيجية القيادة لحرب العصابات:-

لقد مثل هذا الجزء محور مهم من محاور دراستنا هذه ، ومن خلاله سنجيب على العديد من الأسئلة التي سبق وان ذكرت هنا وهناك كما سنوضح عبارة حرب العصابات الثورية والتي ذكرت هي الأخرى في عدة مناسبات في دراستنا هذه . فقد ذكرت هذه العبارة في الجزء الأول واستمر ذكرها في الجزء الثاني بينما كانت خلاصة الجزء الثالث والرابع تقوم عليها . أما في الجزء الخامس ونظرا لكوننا قد خصصناه لدراسة دور الأعلام في بناء الإنسان فان عبارة حرب العصابات لم يتم التطرق أليها. ولهذا فقد خصصننا هذا الجزء للتعرف على حرب العصابات ومستلزمات وشروط قيامها ونجاحها .

 

فإذا كان من غير المعقول أن تستخدم القيادة العراقية ستراتيجية حرب الجيوش النظامية وإذا كان من غير المعقول أيضا استخدام ستراتيجية حرب المدن ، فكيف أذن ستواجه القيادة العراقية هذه الحرب وكيف ستدافع عن أرضها وكيف تؤدي مسؤوليتها السياسية والأخلاقية والتاريخية تجاه العراق . ثم هل أن حرب العصابات هذه هي الطريقة الأمثل لمواجهة الغزو الأمريكي أم قد يصار استخدامها ضربا من ضروب الجنون هي الأخرى أيضا .

 

أن التعرف على مفهوم حرب العصابات قد يعطي للقارئ الكريم نبذة مختصرة على معنى هذا المصطلح ، ويبين له مدى الفرق بين هذه الحرب وغيرها من الحروب . فما دامت حرب العصابات تتكون من مجموعات قتالية مسلحة بتسليح أقل عددا ونوعية من تسليح الجيوش النظامية ومادامت هذه المجموعات تتبع أسلوب المباغتة في قتالها للجيوش المعادية ومادامت تختار ظروف معاركها تلك بما يلائهما وبما لا يلائم الجيش النظامي المعادي ، فمقاتلوا حرب العصابات يتفادون الالتحام في معركة مواجهة مع الجيوش التقليدية المعادية لعدم تكافؤ الفرص ، فيلجأون إلى عدة معارك صغيرة ذات أهداف ستراتيجية يحددون هم مكانها وزمانها بحيث يكون تأثيرها موجع للخصم ، فان فرص الطرف الأضعف والذي يعتمد على هذا النوع من الحروب ستكون أكثر نجاحا مما لو اعتمد على أسلوب الحرب النظامية أو حرب المدن .

 

وهكذا فإذا ما أرادت القيادة العراقية تواجه الولايات المتحدة الأمريكية عسكريا فان ستراتيجية حرب العصابات ستكون الأمثل والأفضل من غيرها . ولكن وعلى الرغم من هذا فان حرب العصابات هي الأخرى تتطلب مستلزمات خاصة لقيامها ونجاحها حيث تتطلب عناصر مدربة تدريب راقي وقيادة سياسية عسكرية واحدة ومكتب إعلامي وأخر مالي وثالث امني كما تستلزم توفر تضاريس معقدة تمثل الملاذ الآمن للجماعة وحاضنة شعبية تمدهم بالمال والمقاتلين وتتطلب أيضا أعداد نفسي ودعم دولي وأخيرا فتتطلب حرب العصابات في البلدان الإسلامية وجود هيئة دينية خاصة تقوم بواجبات الإفتاء شرعي .

 

وفي الحقيقة فان إعداد مستلزمات ومتطلبات حرب العصابات تأخذ وقتا طويلا نسبيا ، وهذا هو سبب تأخر ثوار فيتنام بشن حرب عصابات ناجحة خلال السنوات الخمس الأولى من الاحتلال الأمريكي وهو أيضا ما يفسر سبب تأخر حركة طالبان في تنفيذ حرب العصابات ضد قوات الاحتلال الأمريكي لخمسة أو ستة سنوات . وهو أيضا ما يفسر سبب سرعة قيام حرب عصابات في العراق بعد أيام قلائل من غزو القوات الأمريكية لبغداد ، حيث أعدت القيادة العراقية مستلزمات حرب العصابات قبل الحرب بسنوات عديدة . فلولا استعدادات القيادة العراقية المبكرة لحرب العصابات ولولا طريقتها الخاصة والبارعة فيها ، لاستغرقت المقاومة العراقية سنوات أطول في إعداد مستلزمات القتال ، أن لم تنعدم فرصة لقيامها أصلا .

 

فقد اعتقد العديد من الخبراء والباحثين والمحليين السياسيين والعسكريين بان قيام حرب عصابات في العراق هو أمر مستحيل ، فتضاريس العراق الخالية بمعظم مساحته من الجبال والمستنقعات والغابات ، والعداء والتأمر الذي بذلته جل الدول المجاورة للعراق على أهله ، مع الظروف التي أحاطت بهم من حصار شامل ومن أعلام ماكر وتضليل وتشويش وتشويه كبير للحقائق مع التشوه الخطير الذي لحق ببناء الإنسان المواطن العراقي الجديد ، وتفجير النعرة الطائفية والعنصرية بين أبناء الشعب العراقي وإقحام الدين سلبا في القضية إلى الحد الذي اصدر فيه رجال دين أو هذا ما يسموا أنفسهم به العديد من الفتاوى التي تحث المواطنين على التعامل الايجابي مع "القوات الصديقة" وعلى اعتبار يوم التاسع من نيسان يوم نيل "الحرية والتحرر" وعلى ضرورة الانخراط في العملية السياسية التي يدعمها هؤلاء "الأصدقاء" الجدد وعلى المشاركة في الانتخابات بل إن عمائم الدجل والشعوذة لم تتوقف عند هذا الحد فقط بل وتجاوزته إلى حث أبناء هذه الطائفة أو تلك لتصفية أبناء الطائفة الأخرى لاسيما الدعوات التي انطلقت من محمد باقر الحكيم ومقتدى الصدر وتنظيم القاعدة ومن يشابههم في الفكر والانحراف والرذيلة. مع القوة العسكرية التي تمتع بها العدو الأمريكي وقدراته الإعلامية والنفسية والمالية والأمنية الهائلة . فان أي محاولة للتفكير .. مجرد التكفير في قيام حرب عصابات عراقية ضد العدو الغازي كانت تنسف مباشرة ومن اللحظة الأولى عند أولئك المحللين وكل من يستمع لهم  .

 

فما بالك أن تنطلق حرب عصابات عراقية فريدة من نوعها وان تستمر وان تنجح وترغم العدو على الانسحاب..؟!! أذن فنحن حينما نقول أن قيام حرب العصابات الثورية في العراق كان انجازا سياسيا عسكريا امنيا وتقنيا تفردت القيادة به بعد أعطت للعالم درس كبير ومهم يستحق بكل جدارة وفخر أن يعتبر مثال على قوة الإيمان والإرادة والوعي والإدراك والصبر والذكاء الذي حققه الإنسان العربي عامة والعراقي خاصة . فنحن لا نبالغ أو نجامل قيادتنا بل هو واقع معاش واستحقاق تناله القيادة العراقية المجاهدة وكل من وقف معها وجاهد في سبيل الله لإحقاق الحق وإزهاق الباطل . نعم كان من المستحيل أن يشهد العراق حرب عصابات تقليدية وكان من المستحيل على أهل العراق ومن جاهد معهم أن يجاهدوا لولا الهبة التي منحها الله عز وجل لقيادة العراق وألهمها الحكمة والصبر فأعدت للمقاومة عدتها من قبل الغزو بسنوات عديدة ومن ثم استطاعت أن تواكب تطورات الإحداث برد مناسب بدا فعلا أكثر منه من مجرد رد فعل .. نعم إن ما شهده العراق لم تكن مجرد حرب عصابات أو مقاومة مسلحة بل كانت جهادا مقدسا لما للكلمة من معنى .

الجزء السابع/ ستراتيجيات القيادة للإعلام الجهادي - بين التعتيم والانفتاح ، أين أصبح الحرس الخاص وجهاز المخابرات:-

في الحقيقة فقد حاولنا في هذا الجزء استقراء ما قد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم وهو يقراء الأجزاء السابقة وبالأخص الجزء الأول والثاني والرابع والسادس حيث كنا قد تطرقنا إلى طبيعة الحرب القائمة بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية تلك الطبيعة الغامضة والمعقدة والبالغة التطور والتكنولوجيا . فقد يتسأل القارئ الكريم عما أذا هيئت القيادة العراقية فعلا مستلزمات حرب العصابات وتمكنت من مواصلة القتال رغم احتلال بغداد ورغم قيام حكومة جديدة في البلاد مثلما قد يتسأل عن مدى حقيقة تمتع القيادة العراقية بقدرات سياسية واستخبارية وعسكرية وتكنولوجيا فائقة الأهمية والتطور ، وقد يتسأل أخيرا عن مصير القوات المسلحة العراقية وبالأخص عن الحرس الجمهوري المعروف بقدراته القتالية الجيدة وعن مصير جهاز المخابرات الوطني عماد قوى الأمن القومي ..؟!!

 

فمن اجل توفير الإجابة الوافية للقارئ الكريم وبشكل واقعي مدعم بالأدلة والإثباتات وبعيد عن الخيال والتمني ، فقد تناولنا في هذا الجزء أحداث ميدانية محددة ثبت للجميع وبما لا يقبل الشك حدوثها . كما هو الحال في تناولنا لتفجير قاعدة الاناكوندا في أواخر عام 2006 ، وفي عمليات القصف الجوي التي شنتها طائرات الشبح القاصفة لعدد معين ومحدد من الأهداف داخل الأراضي العراقية في مطلع العام 2008 ، وكما هو الحال في تناولنا للعمليات العسكرية التي تبناها جيش رجال الطريقة النقشبندية باعتباره أهم فصيل مسلح للقيادة العراقية المجاهدة والتي سبق وان تم عرضها بالصوت والصورة خلال السنوات الثلاثة الأخيرة . وبينا أيضا سبب عدم تبني القيادة العراقية لبعض هذه العمليات بشكل رسمي والذي أطلاقنا عليه مصطلح التعتيم الإعلامي وسبب تبنيها للبعض الأخر والذي أسميناه بالانفتاح الإعلامي النسبي للقيادة العراقية.

 

فالقيادة العراقية المجاهدة ورجالها ومؤسساتها والتي اعتمدت وتعمدت الاختفاء من الأنظار لم تختفي فعلا من الوجود ومن ساحة التأثير والفعل الخلاق ، فضرباتها وعملياتها تدلل وبما لا يقبل الشك على استمرار وجودها ووجود قواتها . وخير من يعرف هذه الحقيقة هو من يتلقى تلك الضربات التي تحمل بصمات القيادة العراقية ورجالها الأفذاذ ، فالحقائق لا تختفي من الوجود لمجرد غيابها أو تغييبها في الأعلام.

 

فعملية قصف قاعدة الصقر (فالكون)Camp.Falcon/ في جنوبي بغداد وبالتحديد في منطقة الدورة والتي حدثت بتاريخ 10/10/2006 والتي تضمنت واحدة من أسرار المقاومة العراقية الباسلة حيث سحقت القاعدة سحقا وتطايرت أجزاء بناءها والمعدات والأسلحة التي كانت فيها لمسافات بعيدة ، تعطي أدلة مادية على حقيقة قوة وفاعلية المقاومة المسلحة التي رعتها وفجرتها ونمتها القيادة العراقية المجاهدة ورجالها المخلصين ومؤسساتها الجهادية .

 

كما أن استعانة العدو الأمريكي بالطائرات القاصفة الستراتيجية من طراز الشبح البي 1 و2 والقاصفة الثقيلة من طراز بي 52 لقصف أهداف محددة بدقة في بعض مناطق العراق الثائرة كمنطقة عرب جبور جنوبي بغداد والتي التي أعلن عنها العدو الأمريكي رسميا ، لا يمكن أن تمر علينا دون تمحيص ونكتفي بتصديق الرواية الأمريكية . مثلما لا يمكن أن نصدق بان استعانة العدو الأمريكي لطائرات ذات تقنيات عالية جدا كانت لمجرد قصف بيوت طين أو مخابئ أسلحة فردية تقع على بضعة أمتار من سطح الأرض فهكذا مهام يمكن إيكال تنفيذها إلى مروحيات الاباتشي ودبابات الابرامز وقد تساندها طائرات ألاف 16 إن دعت الحاجة .

 

وفي الحقيقة فان أهمية هذا الحدث قد أوصلتنا إلى الاستنتاج الصحيح ، ودفعت بنا للقيام بجولة تحري في تلك المناطق ، وهو ما استطعنا أن نوفر له جملة من الأدلة الميدانية فعلى الرغم من مرور عدة سنوات إلا إن آثار القصف الجراحي والدقيق للعملاق واضحة للعيان وهي تدلل بما لا يقبل الشك عن مدى قوة الصواريخ التي أطلقت على الهدف والتي لم تحفر الحفر المهولة فحسب بل أحيانا وكأنها اقتلعت جزء من سطح الكرة الأرضية ورمته رأسا على عقب .

 

كما استطعنا الحصول على ايفادات بعض أهالي تلك المناطق حيث ذكر لنا احد شهود العيان خبر لم يتم تسريبه حتى هذه اللحظة لأي وسيلة إعلامية رغم أهميته وخطورته وهو الحدث الذي سبق وتسبب في القصف الأمريكي لتلك المناطق . فقبل أسابيع من القصف توغل رتل عسكري أمريكي مكون من عشرات الآليات من بينها دبابات الابرامز ومدرعات البرادلي وعربات الهمر والهمفي وبضعة آليات برمائية في منطقة عرب جبور والغريب في الأمر أنها دخلت ولم تخرج ولم يعرف سكان المنطقة أين اختفت ، وعند سؤالنا وتحرينا على الأمر عما إذا كان الرتل قد توزع على عدة دوريات وخرجت الواحدة تلو الأخرى من مناطق متفرقة أكد لنا شاهد العيان بان الرتل بعد توغله في أحدى مواقع المجاهدين والبعيدة عن عيون السكان والمارة قد تمت إبادته على بكرة أبيه تماما .

 

وعند سؤالنا لأحد الأصدقاء من الذين عملوا في معسكرات الجيش العراقي الباسل في جنوبي بغداد أكد أن ذلك ليس بالمستبعد لان تلك المنطقة مليئة بالسلاح الثقيل والعتاد والمخازن والمخابئ والأقبية والحصون وهي أشبه بمتاهة من الأنفاق المحصنة . وبالتالي فان اختفاء هكذا رتل فضلا عن عمليات مسلحة نوعية أخرى قام بها المجاهدين في أوقات سابقة مع صعوبة السيطرة على الأرض بل أن الكمائن التي وقعت فيها مروحيات الاباتشي وسواها جعلت تحليق المروحيات هناك أمر محفوفا بالمخاطر ، كل هذه الأسباب أرغمت العدو الأمريكي على الاستعانة بمجموعة من احدث وأضخم طائراته القاصفة الستراتيجية لتدمير كل ما من شانه أن يمثل خطر على العدو والياته وطائراته.

 

أما عن سبب استخدام العدو الأمريكي للطائرات القاصفة الستراتيجية الشبح البي 1 و2 وعدم استخدام طائرات ألاف 15و16 و18و22 فقد تناولناه في الجزء السابع بالتحليل والتفصيل المفيد . وكل النتائج تشير بما لا يقبل الشك أو التأويل أن الجهة الوحيدة التي تمتلك هكذا قدرات مرعبة للعدو الأمريكية هي بلا أدنى شك القيادة العراقية المجاهدة ورجال الحرس الجمهوري العام والخاص والأمن الخاص ووحدات منتخبة من فدائيو صدام.

 

أن كان المحورين أعلاه "عملية قصف قاعدة الاناكوندا وعرب جبور" قد وفرا الأدلة المادية على حقيقة المقاومة العراقية وحقيقة دور وأهمية القيادة العراقية ولكن بشكل غير معلن رسميا من قبل القيادة نفسها فان التقرير العسكري الثاني المرئي الذي أعلن عنه جيش رجال الطريقة النقشبندية بتاريخ 1/1/2009 أقوى فصيل جاهدي في جبهة الجهاد والتحرير والخلاص الوطني وهي الجبهة التي تمثل القيادة العراقية المجاهدة ورجالها المخلصين وحلفاءها الأوفياء ومؤسساتها الجهادية البطلة ، نقول فان التقرير العسكري الثاني المرئي والذي أعلن عنه رسميا قد تبنى ما هو اكبر واهم مما تناولناه في المحورين أعلاه . 

 

فمن بين أهم ما أعلن عنه جيش رجال الطريقة النقشبندية هو تنفيذ مجاهدوه لعملية استهدفت نائب وزير الدفاع الأمريكي اليهودي الصهيوني بول ولفوتيز عبر قصف فندق الرشيد الكائن فيما يعرف اليوم بالمنطقة الخضراء يوم  26/10/2003 حيث كان الوغد بول ولفوتيز ينزل فيه ، وقد اتخذت صواريخ الكاتيوشا من هيكل مولدة كهرباء منصة لإطلاقها بعد أن تم تحويرها بشكل ممتاز بحيث لم تجلب انتباه علوج العدو إليها وانطلقت الصواريخ بشكل تلقائي عبر مؤقت خاص لإطلاقها ، وهذه العملية قد وثقت بالتصوير الفديوي وتم عرضها لاحقا .

 

كما أعلن جيش رجال الطريقة النقشبندية رسميا عن خطة استهدفت اسر الجنرال جون أبي زيد قائد القيادة الوسطى في جيش العدو الأمريكي ، حيث وصلت معلومات استخبارية لقيادة الجيش من مصادرها الخاصة داخل جيش العدو الأمريكي وبالتحديد من قبل احد ضباط العدو الذي تم تجنيده من قبل هيئة استخبارات جيش رجال الطريقة النقشبندية ، وقد نفذ بالفعل مجاهدو الجيش البواسل عملية اسر جون أبي زيد حينما مر موكبه بالقرب من الفلوجة يوم  12/2/ 2004 وبالفعل تم إيقاع موكب القائد الأمريكي بالكمين وانقض مجاهدو الجيش على الموكب بشتى أنواع الأسلحة إلا أن وصول تعزيزات من قبل قوات العدو وعملاءه لمنطقة الاشتباك حال دون نجاح العملية حيث تمكن جون أبي زيد من الهروب كالجرذ المرعوب ، وقد أعلن جيش رجال الطريقة النقشبندية عن مسؤوليته عن هذه العملية في تقريره العسكري الثاني المرئي بتاريخ 1/1/2009 .

 

كما خطط ونفذ هذا الجيش المبارك لعمليتي قصف نوعية استهدفت الأولى دك قاعدة العدو الأمريكي في مطار صدام الدولي يوم 8/2/2004 بـ((750)) صاروخ ما بين الطارق والكراد الكاتيوشا ، أما العملية الثانية والتي استهدف نفس القاعدة فقد دكت بـ((45)) صاروخ ارض ارض متوسط المدى نوع طارق يوم 22/2/2004 ، والعمليتين قد وثقت بالتصوير الفديوي وتم عرضها لاحقا .

 

ومن الملاحم الجهادية التي فجرها جيش رجال الطريقة النقشبندية ضد قوات العدو الأمريكي ما جرى على ارض الفلوجة الطاهرة الأبية الباسلة .. بمعركة الفلوجة الأولى التي بدأت فجر يوم 5 / 4/ 2004 حيث فجر مجاهدو الجيش براكين من غضب العراقيين الأباة وحمم ملتهبة من فوهات بنادقهم وقاذفاتهم ومدافعهم ولقرابة الثلاثين يوما من القتال المتواصل المستمر ليل نهار ، فلقن جيش العدو دروسا قاسية في حرب العصابات وبينما زج العدو الأمريكي كافة أنواع أسلحته من دبابات ومدفعية وطائرات قاصفة ومروحية ، فقد دك مجاهدو قواطع العمليات التي شكلتها قيادة جيش رجال الطريقة النقشبندية ومن عدة محاور من داخل مدينة الفلوجة وخارجها قواعد العدو الأمريكي بــ ((3000)) صاروخ ارض ارض من طراز الرعد وأبابيل والطارق وكراد فضلا عن صواريخ الكاتيوشا و((800)) من قذائف الهاون عيار 60 و82 و120 ملم ومئات العبوات الناسفة وتم نصب عشرات الكمائن أو ما يعرف بمصائد المغفلين . وقد أعلنت قيادة جيش رجال الطريقة النقشبندية عن تفاصيل معركة الفلوجة الأولى في تقريرها العسكري الثاني المرئي بتاريخ 1/1/2009.

 

وبهذا الواقع المعاش والملموس ماديا ، وبهذا البحث والاستقصاء عن الحقيقة المغيبة ، وبهذه الأدلة الرسمية فان دور وأهمية القيادة العراقية المجاهدة ورجالها المخلصين وحلفاءها الأوفياء ومؤسساتها الجهادية المباركة أصبح واضحا وجليا لكل من يريد تقصي الحقائق . ونحن حينما نقول ونشدد القول على مدى أهمية ودور القيادة العراقية المجاهدة ومؤسساتها ورجالها المخلصين في اندلاع المقاومة المسلحة وفي استمرارها ونموها وتحصنها فأننا ننطلق من وكما قلنا من واقع ملموس ، وان كان البعض أو بالأحرى الآخرين لا يرون الشمس فهذا لا يعني أبدا إن الشمس قد اختفت من الوجود. ونحن حينما نقول هذا فنحن لا نصادر جهد وجهاد عشرات الآلاف من العراقيين والعرب والمسلمين الذين انخرطوا في المشروع الجهادي لأهل العراق وقيادتهم المجاهدة ، بل نحن نحي كل من وقف وقفة عز ومجد وحمل سلاحه أو حتى توجه بالدعاء لنصرة المجاهدين في العراق أو مدهم بالمال أو بالسلاح أو بالمعلومات.

 

نعم كان هناك ألاف المجاهدين الصادقين ممن تفضل الله عليهم بالجهاد وأمسوا اليوم أما شهداء أو معتقلين أو مهمشين ، ولربما لم يكونوا على اتفاق معنا فكريا أو سياسيا أو لربما غابت حقيقة البعث ومجاهدوه وقيادته عنه أو لربما عملوا بجهدهم الفردي أو عبر تنظيماتهم الخاصة ، إلا أن كل هذه الجهود ما كان لها أن تستمر في فعلها المؤثر وما كان للمقاومة المسلحة أن تستمر وترغم العدو على الانسحاب من ارض العراق العظيم لولا الدور المهم الذي اضطلعت به القيادة العراقية المجاهدة ورجالها من أبطال الجيش العراقي والحرس الجمهوري والحرس الخاص والأمن الخاص والمخابرات وفدائيو صدام وجيش القدس رجال البعث في التنظيمات المدنية من عقول جبارة أمدت المشروع الجهادي بإمكانيات فاقت العدو الأمريكي رغم الموارد المادية والتقنية التي توفرت له.

 

فالنجاحات التي حققتها القيادة العراقية المجاهدة في ستراتيجية التعتيم الإعلامي وستراتيجية الانفتاح النسبي الإعلامي مع الستراتيجيات العسكرية لها وبوجود حكمة وذكاء والنية الصادقة المخلصة الجادة للقيادة نفسها ولمجاهديها البواسل ، مع وعي وذكاء العراقيين النجباء ، شكلت وستشكل لاحقا أيضا أهم عناصر النجاح لستراتيجية بناء الإنسان المواطن العراقي الجديد ، خاصة وان العدو الغازي وعملاءه لم يأتوا أصلا للعراق لبناء الإنسان أو المواطن بل أوغلوا كرها وحقدا وانتقاما بالعراقيين . وان كان العراقيين من السنة قد وقع عليهم الحمل الأكبر والأذى الأكثر من غيرهم فهذا لا يعني أن أهل الجنوب أو الشمال من الإخوة الشيعة أو الأكراد يعيشون في نعيم بل هم الأخر يكوون يوميا بنار العملاء وربما تجاوز ما وقع على أهل النجف ما وقع على أهل صلاح الدين ، فإما أن توالي العملاء المزدوجين لإيران وأمريكا وإما أن تلحق بطوابير العاطلين والمعتقلين والمهمشين . فسياسة الحقد والانتقام التي اتبعها العدو الأمريكي والبريطاني والإيراني وعملاءهم ضد كل ما هو عراقي .. إن كان بشرا أو حجرا أو زرعا ، لم ولن ينتج عنها بناء اي قيم لمواطن عراقي جديد كما يزعم العدو وعملاءه ، فجولة بسيطة في شوارع بغداد أو الموصل أو البصرة أو في تكريت والرمادي والنجف وكربلاء كفيلة لان يتعرف المرء على قدر الألم التي جلبها الغزاة وعملاءهم وكفيلة لان يتعرف على مدى الفرق بين شعبية البعث وقيادته ومنجزاته وبين شعبية الغزاة وعملاءهم والتي لا تعدو سوى مجموعة من الأوغاد القتلة اللصوص أراذل القوم ورويبضاتهم.

 

الجزء الثامن/ هل فشلت القيادة في توحيد المقاومة العراقية:-

كما نعرف ويعرف الجميع فقد شهدت ساحة المقاومة العراقية العديد من الفصائل المسلحة والقوى المناهضة للاحتلال ، والتي أعلن بعضها وبشكل رسمي وفي أكثر من مناسبة عن عدم ارتباطها بالقيادة العراقية وبحزب البعث العربي الاشتراكي ، بل راح بعضها إلى ابعد من ذلك فنفى وجود أي فصيل مسلح تابع للقيادة العراقية أو لحزب البعث . وهذا ما قد يوقع القارئ الكريم في حيرة من أمره بل قد تراوده شكوك كبيرا في صحة ما ذكرناه في الجزء السابق ، والذي تناولنا فيه توضيح حقيقة قدرات المقاومة التي تمتلكها القيادة العراقية المجاهدة .

 

ولذا فقد خصصنا هذا الجزء لتوضيح هذا الغموض وإزالة تلك الشكوك والحيرة ، حيث حاولنا في هذا الجزء رسم خريطة واقعية جديدة لفصائل المقاومة العراقية ولجهود توحيدها والنتائج وطرق ذلك التوحد المفترض ، وعما أذا نجحت تلك الجهود أو فشلت وأسبابهما ، وهو ما سيؤدي بالنهاية إلى بيان حقيقة دور وتأثير القيادة العراقية في المشروع الجهادي ، أو وبمعنى أوضح سيبين موقع القيادة العراقية في خارطة المقاومة العراقية .

 

أن أهم ما تطرقنا أليه في هذا الجزء - الجزء الثامن ، هو ما جاء في معرض حديثنا على واقع فصائل المقاومة المسلحة والقوى المناهضة للاحتلال. فالمشروع الجهادي الذي أعدت له القيادة العراقية عدته سياسيا وعسكريا وامنيا وفنيا وإداريا وإعلاميا وماليا من قبل وقوع الغزو الأمريكي بسنوات طويلة ، وخلال مسيرته الكفاحية الشاقة والتي قاربت من تسعة سنوات .. قد شهد العديد من الإحداث الجسام ومر بأزمات حادة وواجه تحديات خطيرة وتعرج سيره يمينا ويسارا مثلما شهد ولادة العديد من القوى والتيارات والفصائل المسلحة والمناهضة للاحتلال وتنوعت أطروحات وبرامج وسياسات وتوجهات المشاركين فيه بغض النظر عن طبيعتهم أن كانت سلبية أو ايجابية . فان كانت ولادة المقاومة العراقية قد جرت على يد القيادة العراقية فان نموها قد شاركت وأثرت فيه قوى أخرى بعضها على نقيض من مبادئ وأفكار وأطروحات وبرامج وتوجهات وسياسة القيادة العراقية .

 

ولهذا فان كانت المقاومة العراقية في انطلاقتها الأولى واحدة موحدة فإنها بعد سنوات لم تعد كذلك ، مما دعا القيادة العراقية لإعادة تكوينها ثانية وإعادة حسابات مشروعها الجهادي برمته وهذا ما نتج عنه ظهور القيادة العليا للجهاد والتحرير إلى جانب القيادة العامة للقوات المسلحة - أمانة السر . كما قامت بقية القوى التي دخلت في المشروع الجهادي وساحة العمل المسلح ، بإعادة حساباتها وتوزيع خلاياها وهذا ما نتج عن ظهور تكتلات مسلحة جديدة كجبهة الجهاد والإصلاح وجبهة الجهاد والتغيير وجبهة الجهاد والخلاص الوطني وما تسمى بدولة لعراق الإسلامية ولواء اليوم الموعود والممهدون .. الخ .

 

وبينما جرى اختفاء وذوبان بعض الفصائل المسلحة ، سواء تلك الإجرامية كجيش المهدي ودولة العراق الإسلامية  ، أو المقاومة للاحتلال كعصائب العراق الجهادية وحماس العراق ، فان نشاط كتائب ثورة العشرين والجيش الإسلامي وأنصار السنة وجيش الراشدين وهي من الفصائل المسلحة التي ذاع صيتها وكانت تشكل ذات يوم القوة الفاعلة والأساسية للمقاومة العراقية قد كاد ينتهي . وبين هذا وذاك فقد أضحت جبهة الجهاد والتحرير والخلاص الوطني بفصائلها الستين وبالأخص بجيش رجال الطريقة النقشبندية ، هي الجبهة الوحيدة الفاعلة سياسيا وعسكريا وامنيا وإعلاميا كما أوضحنا ذلك في الجزء السابع والثامن ، فالآلاف العمليات المسلحة المصورة التي أعلنت عنها هذه الجبهة المباركة مع تنظيمات حزب البعث العربي الاشتراكي والتي غطت كل محافظات العراق من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ويمتلك خزين شعبي ضخم في المناطق الوسطى من العراق فقد استحقت هذه الجبهة وبجدارة أن تمثل المقاومة العراقية والمشروع الجهادي التحرري ، كما إن فتح باب التوحد مع هذه الجبهة المباركة حتى آخر يوم قبل التحرير أعطاها هو الأخر زخم سياسي وإعلامي واعتباري مضاف إلى الزخم العسكري والأمني والسياسي الذي تحقق من قبل.

 

كما توصلنا إلى أن أهم أسباب الإخفاقات التي سقطت بها بعض فصائل المقاومة والمناهضة للاحتلال ، كانت في الحقيقة أما أسباب فكرية أو عقائدية أو أسباب أخرى ذات صلة بالواقع والتكوين الفكري والعقائدي لتلك الفصائل والقوى . فعلى الرغم من توفر المال والإعلام والمقاتلين والقادة والسلاح والعتاد وما يمكن اعتباره بالملاذ الأمن ، فقد فقدت بعض الفصائل مكانتها ودورها وتأثيرها وحتى جماهيرها فتلاشت بحكم الواقع والملموس ، ولم يتبقى منها سوى الاسم بل وأحيانا حتى الاسم لم يعد له ذكر مطلقا . وهو ما قادنا إلى التعرف على حقيقة نود تكرارها هنا مرة أخرى ، وهي دور وأهمية الوعي والإدراك في حياة الأحزاب والحركات والفصائل وبالتالي دور وأهمية الفكر والعقيدة ، فكثيراً ما فشلت أحزاب وحركات ومنظمات وفصائل مقاومة ومناهضة للاحتلال في العالم وليس في العراق فحسب وتم اختراقها وتدميرها عبر اختراق فكرها وعقيدتها ذلك الاختراق الأكثر غموضا وأهمية وخطورة .

 

أذن فالحفاظ على المبادئ والثوابت ، لا تمثل اليوم ، مجرد موقف بطولي وقضية أخلاقية أو ترف قيمي ومبدئي . بل تمثل اليوم وبجدارة تجربة عميقة وصراع محتدم وقتال ملحمي ضد اعتى قوة عرفتها البشرية ، نقول تمثل اليوم الدرع الواقي للقيادة العراقية ومجاهدوها البواسل من ضربات الأعداء ومؤامراتهم ومحاولاتهم الخبيثة للنيل منها ومن مجاهديها أهل العهد والوعد ، لذا نوجه نصيحة لكل من يبحث عن النجاح والنصر بان يراجع حساباته ويتأكد من مدى سلامتها وتناسبها وتوافقها مع مبادئ وقيم وثوابت عقيدته .. وبدون هذا فلا النجاح أين كان ميدانه ولا النصر أينما طلب ودعت الحاجة إليه سيتحقق له .

 

وهو ما يؤكد لنا مرة أخرى مدى حكمة القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق رحمه الله واسكنه فسيح جناته حينما قال وبالحرف الواحد "بان اتحاد العقل النير مع الساعد المفتول مع الصلاة كفيلة بتحقيق النجاح والنصر" قد أثبتت الأيام على مدى صحتها وسلامتها .

 

هكذا بدائنا سلسلة بحثنا هذا وهكذا سنختمه بأذن الله عز وجل ، بدائنا في الجزء الأول بالحديث عن مأزق المشروع الجهادي الذي أصاب أهل العراق وقيادتهم المجاهدة وعن سبب ذلك المأزق .. ومررنا خلال الأجزاء السبعة التي تلته بالعديد من القضايا الهامة والتي كما قلنا آنفا مست وما تزال تمس حياة المواطن العراقي والقيادة العراقية في الصميم  وسنختمه بالانتقال إلى لدراستنا الجديدة والتي سيتم نشرها تحت عنوان "هل نجحت المخابرات الأمريكية في تجنيد الشعب العربي برمته"في غضون الأيام القليلة القادمة  إن شاء الله حيث سنتطرق إلى جملة من القضايا والأحداث الهامة التي شهدتها وما تزال تشهدها العديد من أقطار امتنا وليس العراق فحسب بل والتي من المتوقع أن تشهدها أرجاء أخرى من ارض المعمورة ولاسيما في روسيا والصين والهند و فنزويلا و نيجيريا وحتى ألمانيا في محاولة منا للتعرف عن حقيقة المأزق الذي نمر به وطرق علاجه ومنع تكرار واستمرار حدوثه مستقبلا .

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الرفيق رأفت علي والمقاتل النســـر

بغداد الجهاد

١٠ / ٠١ / ٢٠١٢

 

 





الاربعاء١٣ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٧ / أذار / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الرفيق رأفت علي والمقاتل النســـر نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة