شبكة ذي قار
عـاجـل










على غير العادة أثناء الخدمة، ومن دون مقدمات خلع قائد الأسطول الأمريكي في الخليج العربي بزته العسكرية، واستعار دورا ظنته الشعوب قد انتهى منذ أكثر من ستة عقود من الزمن، وهو دور غوبلز وزير دعاية أدولف هتلر، مع فارق بسيط جدا، وهو أن خطط غوبلز كانت تثير الهلع في قلوب أعداء ألمانيا أيام الحرب العالمية الثانية، أما قائد الأسطول الأمريكي، فيبدو أنه أراد أن يقوم نيابة عن إيران العدو المفترض للولايات المتحدة بهذا الدور، وإدخال الرعب في قلوب سكان المنطقة الإقليمية، وكذلك لإهارة معنويات جنود الأسطول الأمريكي نفسه، بحديث بالغ فيه كثيرا عند استعراضه لقدرات إيران العسكرية، والتي صورها في حديثه على أنها رامبو إقليمي وقادر على أن يشعل النار فوق مياه الخليج العربي من رأس البيشة شمالا، إلى النهاية السفلى لمضيق هرمز جنوبا.


لا أحد يعرف على وجه الدقه مرامي قائد القوات البحرية الأمريكية في الخليج العربي من حديثه هذا، وعما إذا كان متطابقا مع تقرير الإيجاز الإستخباري الأمريكي المقدم له، أم أنها مبالغات مدروسة بعناية فائقة مطلوب طرحها إعلاميا كي تتقمصها إيران، لاسيما ما جاء في حديثه عن قدرات زوارق الانتحاريين الإيرانية السريعة، على تنفيذ عمليات لضرب أهداف العدو؟ وكذلك إنزال إيران لعدد إضافي من الغواصات وقطع الأسطول القادرة على إرباك القوات الأمريكية، فهل هو تضخيم مقصود لدفع الزعامة الإيرانية إلى انتفاخ أجوف لبالونها، بحيث تظن في نفسها قدرة أسطورية على فعل الأعاجيب، ثم توريطها في موقف تم تصميمه بدقة من قبل الولايات المتحدة؟ ذلك يبدو أمرا مستبعدا كثيرا في ضوء الاستراتيجية الجديدة لأوباما بإعطاء الاهتمام لشرق آسيا.


أم أن قائد الأسطول الأمريكي أراد إرسال رسالة إلى الطرف العربي، لإشعاره بحجم التهديد الذي ينتظره في حال فرضت عليه المواجهة الإيرانية من دون أن تتوفر قوة حماية خارجية؟ والمقصود بالقوة الخارجية هنا هي القوات الأمريكية، التي لا تحتاج إلى تبرير لتعزيز وجودها في مياه المنطقة، حتى تساءل وزير الدفاع الإيراني بسذاجة عن أسباب تحويل الخليج العربي إلى بركة تسبح فيها الحيتان من كل الأصناف والأنواع والجنسيات، ويبدو أن وزير الدفاع الإيراني نسي من أن سياسة بلاده وتهديداتها الغبية،كانت من بين أهم الأسباب التي استدعت الوجود البحري الأمريكي.


صحيح أن النفط ملك للدول المالكة لمكامنه، إلا أن الصحيح أيضا أن ماكنة الاقتصاد العالمي يمكن أن تتصدع في حال توقف صادرات النفط من منطقة الخليج العربي، وهذه الحقيقة تعيها إيران جيدا ولكنها توظفها على خلاف تلك المعرفة، حينما تهدد على مدار مناسباتها الدينية والسياسية بإغلاق مضيق هرمز، وكأنه بوابة القصر الجمهوري في طهران، تفتحها متى تريد وتغلقها حينما تشاء.
إبراهام لنكولن في مياه الخليج العربي مرة أخرى


على العموم لم يتأخر قائد البحرية الإيرانية كثيرا حتى ابتلع الطعم الأمريكي، والتقط من عرش الطاووس الذي أداه محمد رضا بهلوي، ريشه سريع الانتفاش، وراح يستعرض قدرة بلاده في مواجهة العالم مجتمعا والقانون الدولي، وكيف أنها ابتكرت أسلوبا جديدا ومؤثرا في إغلاق مضيق هرمز، فقال إنها ستعتمد أسلوبا ذكيا لتحقيق هذا الهدف، وربما ظن القائد الإيراني أن العالم كان ينتظر منه هذه المكرمة الطيبة، كي لا تعتمد أسلوبا غبيا في غلق المضيق قد يترك تأثيرات على مدارك المراقبين، ويبدو أنه لم يكن منتبها إلى أن العالم ينظر إلى النتيجة النهائية للتعامل مع هذا الملف، وليس إلى الأسلوب المتبع في تحقيقه، لكن رئيس الاركان العامة للقوات المسلحة الايرانية اللواء حسن فيروز آبادي، ذهب بعيدا في تهديداته، حينما قال إن العدو سيواجه صفعة قوية للغاية لو تقدم خطوة نحو ايران، ولكن المسؤولين الإيرانيين على ما يبدو نسوا أنهم حذروا الولايات المتحدة من مغبة عودة حاملة الطائرات إبراهم لينكولن إلى الخليج العربي، ولكنها عادت ولم تتلق حتى اللحظة الصفعة الإيرانية المنتظرة.


على الرغم من أن تكرار التهديدات الإيرانية تعكس قلقا كبير في الأوساط السياسية والدينية والعسكرية الإيرانية، من هواجس مجهولة المدى، والتي تفوق في مداها قلق الأطراف الأخرى من خطوة كهذه وخاصة دول الخليج العربي، لأن الاقتصاد الإيراني أخذ يترنح تحت وقع العقوبات المتزايدة مع الوقت، ويعاني أوجاعا أخرى لا تظهر أثارها بصورة فورية، ولكنها أخذت تفرض ظواهر داخل المجتمع الإيراني، لا تسمح بالاستنتاج بأن طهران قادرة على تجاوزها مهما ناورت على النهايات البعيدة، ومهما تقشفت وضغطت على المواطن، لاسيما وأن الشارع الإيراني بدأ يحصد الثمار المرة لما زرعته السياسات الخاطئة التي اتبعها حكام إيران في مغامراتهم التي لا يبدو أنها تعرف حدا لتقف عنده، ولا تستجيب لتطور وعيه باتجاه بناء دولة مدنية تأخذ بقدر ما تعطي بلا ضغوط أو ابتزاز للآخرين.


ومع أن إيران كشفت عن أن جمهورية أذربيجان المستقلة عن الاتحاد السوفيتي سابقا، والتي ينتمي معظم سكانها إلى المذهب الشيعي من دون إعتراف بولاية الفقيه، كانت محطة للتعاون مع الموساد الإسرائيلي لتصفية علماء الذرة الإيرانيين، وهو ما حدا بوزير الخارجية الإيراني لاستدعاء سفير جمهورية أذربيجان (لتوبيخه) على وفق النص الذي وزعته وكالة ايرنا للأنباء، والتي ذكرت بأن الخارجية الإيرانية سلمت للسفير مذكرة طالبت فيها باكو بوقف نشاطات الموساد في أراضي جارة إيران الشمالية، ونقلت الوكالة عن وزارة الخارجية قولها في تلك المذكرة إنه "في اعقاب تحركات الارهابيين التي شملت اغتيال علماء ايرانيين في جمهورية اذربيجان والتسهيلات الممنوحة لهم للذهاب الى تل ابيب بالتعاون مع شبكة تجسس "موساد"، فقد استدعي سفير اذربيجان في ايران جافانشير اخوندور الى وزارة الخارجية" وتم توبيخه على سلوك بلاده، حسنا إذا كانت هذه هي مواقف أذربيجان تجاه إيران فلماذا لم نسمع بأن إيران حولت بوصلة اهتماماتها صوب الشمال؟ سواء في خطط الانتشار العقائدي، أو في محاولات الإحتواء السياسي، وظلت تركز على منطقة الخليج العربي؟ فكل الشروط تتوفر في أذربيجان للتحرك الإيراني، إلا إذا كانت خشية الولي الفقيه من أن هذا الملف يمكن أن يقود إلى سلخ إقليم أذربيجان الإيراني وإلحاقه بجمهورية أذربيجان لعوامل قومية يمكن أن تترك ذيولا لا تتوقف عند هذا الحد.


الدب الروسي يقلق في نهاية الشتاء
والعم سام يبعث برسائل تطمين


بعد أن ظلت إيران ومنذ ما يزيد على عام، تقدم قراءتها لما يوصف بالربيع العربي، على أنه استنساخ عربي لصفحة ما شهدته طهران ومدن إيرانية أخرى في خريف عام 1978 وامتد حتى 11 شباط 1979، بدأت صورة التفاؤل الإيراني تتراجع تدريجيا، على الرغم من أن هناك ثنائية وانتقائية في التعامل مع ملف الربيع، بحيث بدت الزعامة الإيرانية وكأنها تجعل من نفسها شاقولا لاستقامة البناء الشرق أوسطي، وبوصلة لكل من يريد أن يرفع الأذان في المنطقة.


واقع الحال له قراءة ميدانية أخرى، فرياح التغيير التي اقتلعت بعض الطغاة والمستبدين، وهي في طريقها لتفعل ذلك في مناطق أخرى، بدأت تطرق الأبواب الداخلية في إيران من وراء الستار الحديدي، وبات من واجب النظم الخائفة على نفسها أن تحترز من وصول الربيع إلى المدن التي تجمدت سياسيا وفكريا تحت درجة الصفر المئوي نتيجة المناخ السائد، فالمتلقي العربي على طول الوطن العربي وعرضه، لاسيما في المشرق العربي، والذي كان يُقدم في صالات العرض على أنه عديم الإبداع وأنه تابع بالفطرة والبناء النفسي والتربوي، وأن عليه انتظار الإلهام القادم من وراء الحدود، وخاصة من إيران حيث من يريد احتكار الحكمة والقدرة على تحريك الجماهير لنفسه، هذا المتلقي تحول إلى صانع للأحداث وفاعل مؤثر في صياغة سلوك الجماعات حتى خارج حدوده الجغرافية حتى عادت المنطقة العربية لتحتل الصدارة في اهتمامات الصحافيين والساسة على حد سواء، وربما استرد المتلقي العربي صنعة ظلت مسجلة باسمه على مر التاريخ، ليس على المستوى الإقليمي فقط، وإنما على الصعيد الدولي أيضا.


المخاوف من انتشار رياح التغيير، انتقلت إلى روسيا والصين وربما كانت مخاوفهما أكبر من مخاوف الذين لا يخسرون شيئا إذا قدموا تنازلات لشعوبهم قبل ضياع فرصة العودة للحكمة، هذه المخاوف التي تلتقي فيها إيران أيضا لاسيما مع وجود تطابق في العناصر المؤدية لإستثارة أسباب النقمة، من قمع ومصادرة للحريات وسياسة تجويع وإفقار نتيجة الانشغال ببرامج تسليح ومشاريع توسعية في مختلف دول العالم، تعكس حقيقة واحدة وهي أن خيار التجاوب مع المطالب الشعبية هو أقصر الطرق لتجنيب المجتمع أثمانا تفوق في حجمها ما تتكبده من خسائر عن عناد غبي وممانعة عمياء.


ماذا أعجب المعارضة البحرينية في التجربة الإيرانية ؟


الاحتجاجات التي تشهدها إيران على فترات متفاوتة، تعكس أولا عمق الأزمة البنوية التي تواجهها إيران بعد ثلاثة وثلاثين عاما من سقوط الشاه، ذلك أن التقلب بين الخيارات السياسية والفكرية التي تم صبها كقوالب جامدة لكل مرحلة من عمر التجربة، أوجد أزمة هوية وانتماء حقيقيين في إيران لم تستطع الخروج منها، فالتشيع السياسي أوجد صداما حادا مع التيارات القومية التي ما تزال تحتفظ بكثير من قواعد قوتها الخفية في المجتمع الإيراني، وعلى الرغم من محاولات الزعامة الإيرانية الحالية المستمية لتأكيد أصالتها ومصداقيتها، من خلال تصدير وهج التجربة للخارج، وتوظيف الدعم الخارجي الشعبي الذي يحمل سذاجة عالية، والذي تعامل مع شعاراتها البراقة ولم يكتوي بنيرانها، للتأثير على قناعات الداخل، فوجدت الزعامة الإيرانية بالكتل والأحزاب التي أعطت ولاءها المطلق لنظرية الولي الفقيه مثل حزب الله في لبنان والبحرين والعراق، أقصر الطرق حسب ظنها أنها قادرة على تخدير الداخل سياسيا، والمخدر أصلا بعشرات الأصناف من المخدرات، وتعكس ثانيا وصول مشروع الثورة الإسلامية لنهايتها، بسبب ما تركته من مآس وكوارث إنسانية طحنت المجتمع الإيراني تحت دواليبها حتى فقد كل ما لديه من ثقة بمصداقية شعاراتها.


فهل هناك شيء يوجب الاعجاب بالتجربة الإيرانية وخاصة في مجتمعات تعيش رفاهية اقتصادية وحرية سياسية وصحفية لا يتوفر واحد بالمئة منها في إيران؟ وهل يجوز عقلا أن المفلس السياسي والأيدولوجي قادر على تصدير بضاعة لا وجود لها عنده؟ ألا يبدو أن هذا الأمر يشبه إلى حد بعيد عملية زرع قلب لم يراع فيه الانسجام في صنف الدم والتوافق الفسلجي، حتى إذا تمت العملية بدأ الجسم الذي زرع القلب أو عضو آخر فيه بمقاومة هذا العضو، فتفشل العملية وربما حينها ستكون الخسارة مركبة.


هناك عقول قاصرة تحاول تلفيق آصرة بين ما يحصل في دول ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي، وما يجري في البحرين، على الرغم من الاختلاف البيّن بين الحالين، لأن الاحتجاجات لا بد أن تتوفر أسبابها الموضوعية من قمع وتمييز طبقي أو عنصري أو طائفي، وجوع وتدنٍ في مستوى العيش واستئثار أقلية بالامتيازات وحرمان الأغلبية منها، وانعدام التكافؤ في فرص الحصول على التعليم والتوظيف والخدمات الطبية وغيرها من أوجه الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطن وتعتبرها من صميم واجباتها، فلو كانت المطالب في هذا المجال، وتمت الاستجابة لها، حينذاك لن يكون هناك داع للمضي في خيار الاحتجاج، غير أن المطالب السياسية التي تخفي أجندات خارجية، لا تستطيع معرفة النقطة التي عليها أن تتوقف عندها، لأنها أصلا لا تعرف الدوافع التي تحتج من أجل معالجة الخلل فيها، ولأنها تتحرك بناء على إملاءات خارجية تسعى لإحراج الحكومة، ومن لا يمتلك الشجاعة على طرح برنامجه ووجهات نظره بالوضوح الكامل، ليس جديرا بان يطرح نفسه ممثلا لمجموعة سكانية مهما صغر عددها، وعندما ينوب عن قوى خارجية لها أهدافها الخاصة فهو فاقد لشرعية الإداء، وسيعد ذلك تدخلا خارجيا مستكمل التوصيف القانوني لهذا المفهوم، ما ينطبق على البحرين يصح على المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، لكن ما يدعو للتساؤل الملح، هو تبني الولايات المتحدة الأمريكية سياسيا ودبلومسيا وصحفيا، للحركات التي تعرف واشنطن أنها تصب كل ما في يدها من ماء في حوض إيران الولي الفقيه، وكأن درس إلعراق لم تستوعبه مراكز الدراسات الأمريكية، وكأن الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبتها الولايات المتحدة في العراق يراد استنساخها ويراد لها أن تتكرر في أكثر من بقعة عربية، في نفس الوقت الذي ترتفع في كل مكان شعارات التصدي للمشروع التوسعي الإيراني.


جاء الربيع مع شهر بهمن ( الثلج )


مع خروج تظاهرات الاحتجاجات في مدن إقليم الأحواز العربي خاصة، وفي مدن إيرانية أخرى، وخشية من انتشارها إلى سائر المدن الإيرانية وخاصة الكبيرة منها، واحتمال خروجها عن السيطرة، قام الرئيس الإيراني الفخري محمود أحمدي نجاد، بحركة استعراضية لحرف الانتباه عما يجري حاليا أو يمكن أن يحصل مستقبلا في إيران عندما يلتقي الربيعان، ربيع الاحتجاجات إن أبينا تسميتها بالثورة، مع ربيع نوروز المقدس عند الإيرانيين، فقد أعلن في خطاب تم ترتيب مناسبته مع احتفالات إيران الرسمية بذكرى 22 بهمن والذي هو كلمة فارسية تعني الثلج، أن بلاده ستعلن عن انجازات كبرى في برنامجها النووي، ربما انشغلت مراكز البحث في دراسة الاحتمالات التي سيتم الكشف عنها، وتبين فيما بعد أن هذا الانجاز يتلخص بأن مركز البحوث النووي في نطز، سيعمل بقضبان نووية تم تخصيبها في مراكز التخصيب التي أقامتها إيران تحديا للأسرة الدولية والوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويبدو أن هذا الحدث لم يغير من مسار الاحتجاجات التي توقع نجاد أنها ستهتف للإنجاز الجديد، بدلا من التنديد بنظام الولي الفقيه، ولا من شعاراتها المرفوعة والتي لم تدخل بينها اعتبار خطوة نجاد وكأنها انتصار على الاستكبار العالمي، بل على العكس فإن صور مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله روح الله الموسوي الخميني، وكذلك صور خلفه علي خامنئي، قد تم نزعمها عن مواضعها وتمزيقها، بخطوة شجاعة وغير مسبوقة منذ احتجاجات الاصلاحيين السابقة والذين يتهمهم الإيرانيون بأنهم أخروا انتفاضة الشعب الإيراني لعدة سنوات، ربما يقول الرسميون الإيرانيون بأن عدد المحتجين كان متواضعا، هذا يعطي للاحتجات طابع التحدي القابل بالتضحية، وهناك عادة نوعان من التظاهرات التي لا يصح اعتبارهما مقياسا صادقا لتوجهات الرأي العام، وهما التظاهرات التي تخرج بدفع السلطة الحاكمة، والتظاهرات المعادية لسلطة قمعية والتي يحسب من يريد المشاركة فيها احتمال تعرضه لخطر الموت.


اللافت أن إعلان نجاد لم يمر من دون أن يحقق شيئا من أهدافه الخارجية، فلأول مرة تبدي روسيا قلقها من تطور المشروع النووي الإيراني، على الرغم من أن بعض المراقبين يذهبون في تفسير الموقف الروسي على أنه محاولة لإضفاء شيء من المصداقية على ما اعلنه المسؤولون الإيرانيون، عن مدى التطور الذي وصله برنامجهم النووي في إثارة مخاوف دول المنطقة، التي تنظر بقلق مشروع من نوايا هذا البرنامج الذي يتعدى حدود البحث العلمي ويدخل في نطاق تهديد حدود الجغرافيا السياسية لمنطقة الخليج العربي والشرق الأوسط.


ولكننا إذا انتقلنا إلى الموقف الأمريكي فإننا سنلاحظ أنه تعامل مع الإعلان الإيراني بأعصاب باردة جدا على خلاف ما كانت متوقعا، فقد رأى فيه حالة استعراض مبالغ فيها تريد أن تقول بأن العقوبات الدولية لم تتمكن من ثني إيران عن مساعيها للإنتماء للنادي النووي الدولي، وربما يلتقي الموقفان الأمريكي والروسي في انهما لم يعبرا عن حقيقة موقف الدولتين، وإذا مررنا سريعا على الموقف الروسي، الذي لا بد أن يستشعر خطورة جدية من احتمال امتلاك إيران للسلاح النووي تحكمه جغرافيا الجوار والتشاطئ المشترك على بحر قزوين، المنطقة المرشحة لتكون منطقة استقطاب وصراع إقليمي ودولي في المستقبل للعثور على مصادر آمنة للطاقة لأوربا والعالم بديلة لمنطقة التوترات الإقليمية المزمنة في الخليج العربي، فسنكتشف أن روسيا لم تتعلم من خطر وجود جار قوي يمكن أن يربك خططها على الدوام.


أين تسقط أول قنبلة ذرية إيرانية ؟


خطر إيران النووية ناتج عن عدم وجود كوابح سياسية ونظام ديمقراطي في إيران يتعامل مع هذا السلاح بمسؤولية قانونية وأخلاقية، وهذا ما يمكن أن يمثل عامل ابتزاز إيراني مستمر للدول المجاورة لها، طالما ظلت قدرتها على إيصال قنابلها النووية إلى مناطق بعيدة، محفوفة بصعوبات سياسية بسبب قدراتها الصاروخية التي ما تزال تحبو، لكننا لا يمكن أن ننظر بالطريقة نفسها مع الموقف الأمريكي، ذلك أن الحرج الذي مرت الولايات المتحدة إزاء هذا التطور الدراماتيكي والذي لم يكن أمرا قابلا للأخذ والرد وإنما هو موقف رسمي أعلنته إيران على لسان رئيسها.


كان هذا الموقف الذي يعيد إلى الذاكرة الموقف الأمريكي من العراق والذي لم يتوفر عنده هذا القدر من التطور المعلن في برنامجه النووي لانعدام تدفق المعلومات المستمرة كما يحصل الآن مع البرنامج النووي الإيراني، ومع ذلك فقد بنت الإدارة الأمريكية موقفها من العراق على تقارير عملاء المخابرات المركزية الأمريكية من حملة الجنسية العراقية، فجيشت لجيوش العالم لشن الحرب عليه، ولكن روسيا والصين، على ما يبدو لم يمتلكا سن الرشد حينما وقفتا موقفا شائنا وهما يريان العراق يذبح ولم تتحرك فيهما إنسانية القانون الدولي الذي أصبح سلعة اليوم توفر فائضا في ميزانهما التجاري مع الرأي العام العالمي.


الولايات المتحدة واستنادا إلى مواقفها المعلنة، لا بد أن تفرض عليها الإلتزام بالموقف الذي سبق للرئيس باراك أوباما أن أعلنه وألزم بلاده بألا تسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي، عليها أن تتصرف بطريقة تبدو فيها ذات مصداقية، ولما كانت روسيا قد أعربت عن قلقها من هذا التطور، وهي التي لها دورها المؤثر بالبرنامج النووي الإيراني، وتعرف بعض صفحاته السرية، وخاصة ما قاله وزير الخارجية الروسي لافروف، بأن هذا الانجاز سيقلص من تعاون طهران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وما يمثله ذلك من جرس انذار للوكالة الدولية نفسها ولمجلس الأمن الدولي بشأن كيفية التعامل مع الملف الإيراني برمته، هنا لا بد أن يطرح المراقبون السياسيون والصحفيون سؤالا واقعيا عن الخطوة الأمريكية المحتملة، لاسيما وأن أوباما علق كل مغامرات الولايات المتحدة المرجحة على شماعة انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة في نوفمبر المقبل.


إقليميا ومما يلفت النظر ويدعو إلى التساول أن أحمد دواود أوغلو وزير خارجية تركيا، ومهندس عودتها الدبلومسية إلى المحيط العربي والإسلامي بعد رحلة تغريب طويلة، يصرح بمناسبة ومن دون مناسبة عن رفضه القاطع للتعامل بمنطق التهديد والقوة مع الملف النووي الإيراني، معتبرا ذلك بأنه الكارثة بعينها، فهل لدى أوغلو معلومات عما يتم التحضير له في الولايات المتحدة أو في مناطق أخرى لتوجيه ضربة استباقية لإيران لوقف طموحها النووي كي يغسل يد تركيا من مسؤولية ذلك ويجنب بلاده غضب دولة الولي الفقيه؟ أم أن أوغلو يعرف جيدا أن هذا الأمر مستبعد تماما من الأجندات الدولية والإقليمية، ولكنه أراد توجيه رسالة نفاق سياسي واقتصادي لإيران في هذا الظرف، في تحرك تركي يعطي الوعود لجهات العالم الأربع من دون أن تتحول وعوده إلى رصيد حقيقي في الحسابات السياسية الميدانية؟

 

 





الثلاثاء٠٥ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٨ / شبــاط / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة