شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

توازن القوى الكونية حقيقة موضوعية تشترطها العلاقات على المسرح السياسي الدولي من أجل تمكين النظام الدولي الذي تحتاجه الشعوب لإرساء دعائم السلام والأمن والاستقرار في العالم .

 

وعلى الرغم من أن توازن القوى يقوم أساساً على توازن القوة، ليس في ركنها العسكري فحسب، إنما في كل مفاصلها التأثيرية، السياسية والاقتصادية والثقافية والحضارية والجغرافية، فضلاً عن المكون القيادي للدولة، فأنه من الصعب الحسم بأن القوة وحدها قادرة على أن تؤسس نظاماً كونياً قادراً على تحقيق ما تصبو إليه شعوب الأرض، إنما تأتي القوة في إطار التوازن لوضع الحدود للتجاوزات والانتهاكات وحماية الحقوق والدفاع عن النفس، وعدا ذلك فأنها قد تكون أداة عدوانية يتوجب أن تدخل في دائرة الإدانة لمن يستخدمها من القيادات.

 

انهيار التوازن الدولي، كما حصل حين سقط الإتحاد السوفياتي وانهارت المنظومة الاشتراكية  وتحلل حلف (وارشو) وأفلت الحرب الباردة، فسقط نظام القطبية الثنائية تباعاً .. عندها انفردت الولايات المتحدة قطباً أحادياً يتسيَد قرار العالم عن طريق القوة المفرطة التي تدخلت في الشؤون الداخلية لدول العالم وأشعلت نيران الحروب في كل مكان وفرضت مشاريع تتعارض مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان .

 

اختلال التوازن في القوى على المستوى الدولي يؤدي إلى اختلال في بعض مراكز موازين القوى الإقليمية ذات الأهمية الجيو- سياسية، وإذا انهار الميزان العالمي تداعت الموازين في مناطق إقليمية كالمنطقة العربية التي هي قلب ( الشرق الأوسط ).

 

والمعروف أن نظام القطبية الثنائية كان قد استقطب بعد الحرب العالمية الثانية دول العالم المختلفة وقواه السياسية ومنظماته الإقليمية ، فانقسم العالم إلى محورين أحدهما مناهض والآخر مؤيد لأي من هذين المحورين .

 

ومن المنظمات التي تأثرت بشكل قوي جامعة الدول العربية التي تأسست عام 1945بقرار بريطاني يستهدف منع قيام الوحدة بين أقطار الأمة العربية، وكذلك منظمة المؤتمر الإسلامي وحركة عدم الانحياز وغيرها من المنظمات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة .. فجامعة الدول العربية في ظل تفرد الأحادية القطبية قد زاد عجزها عن تحقيق مبادئ ميثاقها في صيانة الأمن القومي العربي، ومنع العدوان  والنهوض بأعباء الأمة . وكان النظام العربي الرسمي مخترقاً ساهم في العدوان على العراق عام 1991 وحصاره واحتلاله وتدميره عام 2003، وشرع في تفكيك الوطن العربي بما يتماشى مع مشروع الأحادية القطبية الأمريكية المهيمنة على مقدرات العالم .

 

ويبدو جلياً أن جامعة الدول العربية وطيلة تاريخها منذ عام 1945 ولحد الآن قد أبدت عجزاً مزمناً وفشلاً ذريعاً في تحقيق ما نصت عليه مبادئ ميثاقها واتفاقيات العمل العربي المشترك، وتناست اتفاقية الدفاع العربي المشترك، بل على العكس فقد باتت الجامعة العربية أداة تمتهن تدويل القضايا العربية من أجل فسح المجال للتدخل الأجنبي بكل صراحة ووقاحة مهينة للوجدان العربي الذي يرفض تبعات التدويل ونتائج التدخل جملة وتفصيلاً .

 

فبمثل ما بات عليه مجلس الأمن الدولي، قبل الفيتو الروسي والصيني، أداة فعالة من أدواة القطبية الأحادية، أصبحت الجامعة العربية، في هذا الفرز المؤقت والمشروط بمرحلة اختلال التوازن التي لن تستمر طويلاً، أداة ميدانية فعالة من أدواة القطبية الأحادية وهي تخطط لقضم مناطق الغاز والنفط والمعادن النادرة في بعض الأماكن وطرق تسويقها الإستراتيجية بأداة الدول المرتبطة بالمركز الأحادي وبالمنظمات الإقليمية كالجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي أللآتي يُشرعْنَ التدويل والتدخل وإشاعة الفوضى والدليل على ذلك :

 

- أين الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي من نتائج تدويل الأحداث لتغيير الأنظمة السياسية بالقوة وتفكيك الهياكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأمنية والعسكرية على وفق معايير التفرقة المذهبية والطائفية والعرقية والمناطقية والعشائرية .. بمعنى بلورة مكونات وهياكل من شأنها أن تخدم منهج التفكيك والتفتيت الأجنبي للواقع العربي- الإسلامي حصراً .. ويمكن تسليط الضوء على بعض الساحات العربية التي شملها التغيير :

 

التغيير حصل في تونس في ظل غياب المنهج البديل الموَحِدْ للشعب والقادر على بناء الدولة .. وبهدف إحلال الفوضى العارمة .. في وقت لم تتحقق مطالب الشعب المشروعة التي فجرت الساحة التونسية .

التغيير حصل في مصر في ظل غياب المنهج البديل الموَحِدْ للشعب والقادر على بناء الدولة .. وبهدف إحلال الفوضى العارمة .. في وقت لم تتحقق مطالب الشعب المشروعة التي فجرت الساحة المصرية .

 

التغيير حصل في ليبيا عن طريق الناتو وفي ظل غياب المنهج البديل الموَحِدْ للشعب والقادر على بناء الدولة .. وبهدف إحلال الفوضى العارمة .. في وقت لم تتحقق مطالب الشعب المشروعة التي فجرت الساحة الليبية .

 

التغيير حصل في اليمن في ظل غياب المنهج البديل الموَحِدْ للشعب والوطن القادر على بناء الدولة .. والهدف إحلال الفوضى العارمة .. في وقت لم تتحقق مطالب الشعب المشروعة التي فجرت الساحة الليبية .

 

لا أحد ينكر أن هنالك مطالب شعبية مشروعة .. ولا أحد يستطيع أن ينكر أن صراعاً حاداً بين الشعب في تلك الساحات وسلطات الأنظمة العربية القمعية .. ولا أحد ينكر أن الأنظمة العربية كانت عاجزة وفاسدة وبعضها متواطئ مع الأجنبي .. ولا أحد ينكر أن النظام الرسمي العربي كان خاضعاَ لرغبات وسياسات الأجنبي خوفاً وارتباطاً عضوياً .. هذا الواقع المزري قد استغل أبشع استغلال من لدن الخارج الذي له خطط وسيناريوهات حتى بات بكل وقاحة يعلن تسليح عملائه من أجل تفجير الداخل ورهانه انصب على هذا الهدف .

 

التغيير حصل في السودان بطريقة تختلف وبالتقسيم المباشر، وإشاعة أجواء الاقتتال والتمزق من أجل التقسيم من جديد .. في ظل عدم وجود منهج بديل.

الاحتلال حصل في العراق عن طريق القوة المفرطة الغاشمة .. ومنهج الاحتلال هو التدمير والتقسيم والتفتيت، الذي ينشأ الاقتتال ويعمق أجواء الفوضى .. من أجل عدم تكوين عناصر قوة العراق من جديد .!!

 

التغيير يجري بطريقة الانشقاق الأفقي لتهديم القمة في سوريا واختبار صراعات القوى الدولية، في ظل غياب المنهج البديل الموَحِدْ للشعب، وإشاعة أجواء الاقتتال والفوضى العارمة .

التغيير في هذا المجرى مستمر في أماكن أخرى على نار هادئة، في الخليج على وجه الخصوص، والحبل على الجرار كما يقال !!

 

أين ميثاق الجامعة العربية، وأين ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامية من كل ما تقدم ؟!  ، واليقين لا أحد من هذين المكونين الإقليميين يستطيع أن يجيب على هذه التساؤلات، طالما تحولت هاتان المنظمتان إلى أداتين فاعلتين من أدوات التغيير القسري لصالح ( الناتو ) والمركز الرأسمالي العالمي .

 

-  قد يتبادر إلى الذهن التساؤل الآتي : هل أن البريطانيين الذين أنشئو الجامعة العربية بقرار منهم عام 1945، وهم يعرفون الأنظمة العربية التي تشكلت منها، وهي مختلفة ومتناقضة ومتصارعة، ويصعب النهوض بميثاقها والالتزام بمبادئه وبنوده ولوائحه وبالتالي مسؤولياته .. الأمر الذي جعل من هذه النشأة ( لغماً ) بريطانياً تحول إلى أداة أمريكية استخدمت بعد أكثر من خمسين عاماً على تفجير المنطقة برمتها تبعاً لتلك التناقضات، التي كانت تختبئ خلف أجندات الدول العربية في تمثيلها ؟!

 

- كما يتبادر إلى الذهن التساؤل التالي : هل أن التفجير في المنطقة من خلال أداة الجامعة العربية يكفي لوحده  - حسب الناتو-  أم العمل على استثمار الكتلة الجماهيرية العربية الواسعة في ساحاتها عن طريق استغلال تناقضاتها وصراعاتها مع الأنظمة العربية القمعية الفاسدة، والعمل على وضع الحراك الشعبي العام في متاهات تغيب فيه برامج التغيير الثورية التي تؤسس بما يوحد الشعب ويبني مستقبله في وحدته ووحدة ترابه الوطني وحريته وعدالته الاجتماعية ؟!

 

الغرب يخاف الشعب العربي ولا يخاف من سياسات الأنظمة العربية المرتبطة به.  وإن من مصلحته أن يغيَر تلك الأنظمة، ولكن من الصعب عليه أن يسيطر على الشعب كل الشعب العربي في ساحاته ويقوده صوب أهدافه .. الأمر الذي اضطره إلى تبديل الأنظمة العميلة له في تونس ومصر، وتدمير الدول الأخرى بإشاعة الفوضى العارمة حتى وإن بلغ الأمر الحرب الأهلية .

 

بهذا الأسلوب حقق الغرب الاستعماري هدفين في آن واحد . الأول :  جعل الجامعة العربية أداة للناتو ، والثاني : فرض قيادات من الخارج معروفة الولاء لأجندات غربية مع بعض المسيسين، إسلامويين وغيرهم الذين طالما عبروا عن فعالياتهم واحتجاجاتهم وتظاهراتهم عن عجز أنظمتهم وتواطئها وفسادها وطغيانها وضياع فرص تطورهم التاريخي ليقودوا الحراك الشعبي العام صوب القبول بتدويل الموقف وبالتدخل الخارجي دون اعتبار للنتائج الكارثية التي تحيط بشعبهم وبكيان أمتهم وإرثهم الثقافي وبنائهم الحضاري ذو العمق التاريخي .

 

فهل يعي شعبنا العربي وقواه السياسية الوطنية والقومية والإسلامية حقيقة ما يحصل على الأرض وحقيقة ما يحصل وراء الكواليس .. أم أنها ما تزال تراقب وتحلل وتستنتج في إطار (ردود الأفعال) ، أم أنها باتت تعي وتخطط من أجل حماية الشعب وحماية الأرض والهوية العربية الإسلامية ؟! 

 

اختلال التوازن الدولي، واختلال التوازن الإقليمي، هل هما السبب الأساس والوحيد الذي جعل الجامعة العربية أداة من أدواة الناتو؟ ، أم أن الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي كانتا تحملان بذور الفرز، قبل اختلال التوازن وبعده، إضافة إلى عوامل أخرى موضوعية ؟!

 

الجامعة العربية، كما أسلفنا، كانت وما تزال تحمل بذور التناقضات والاختلافات في كيانها وسياساتها منذ نشوئها وحتى الآن، ما دامت عناصرها التمثيلية مرتبطة بأجندات أجنبية منذ عام 1945 .

الخلاصة :

 

- إن ما يسمى بالربيع العربي قد فشل فشلاً ذريعاً .. والمحصلة هي النتائج الكارثية التي حلت في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، وقبلها العراق والسودان .

- الجامعة العربية قد كشفت كل أوراقها السوداء ولم تعد مقنعة لا في قراراتها ولا في وجودها، وإن عملية تجميدها خير وسيلة لإيقاف نفث سمومها على الشعب العربي .

- النظام العربي الرسمي، الذي كان في ردهة الإنعاش بات لا وجود له إطلاقاً.

- تحولت الجامعة العربية إلى أداة من أدوات العولمة، كما هو مجلس الأمن والبنك وصندوق النقد الدوليين وبعض المنظمات المتخصصة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة وخاصة منظمات ومؤسسات حقوق الإنسان.

 

- تعمل أطراف الناتو على تكريس أمن الخليج العربي الذي يرتبط بمقررات مؤتمر الناتو في أنقرة حيث أوكل لقطر عام 2010 القيام بدور الأداة المسيِرة للجامعة العربية حتى تنفيذ المشروع الأمريكي الصهيوني بجعل منطقة ( الشرق الأوسط ) مفككة سياسياً لإعادة تشكيلها على وفق مرحلة ما بعد ( سايكس - بيكو ) .

 

- الرهان القومي والوطني الوحيد ، هو القوى الوطنية والقومية والإسلامية، التي عليها مسؤولية تاريخية جسيمة لوضع خطوط العمل المشترك من أجل الوقوف بوجه المشروع الإمبريالي الصهيوني الصفوي والعمل على إجهاضه بكل الوسائل الممكنة والمتاحة في ضوء خطة عمل مشترك تراعي ظروف كل ساحة عربية ، لأن الحالة الراهنة تستوجب التدخل السريع لـ :

 

أولاً - فض التشابك الذي قد يستهدف الفرز الطائفي والمذهبي والعرقي .

ثانياً - تكريس عوامل الوحدة الوطنية في عموم الساحات العربية .

ثالثا ً- إشاعة روح المواطنة الحقيقية التي تحترم وحدة الوطن أرضاً وشعباً بعيداً عن التحزب والتمذهب .

رابعاً - مجابهة البؤر التي تنبعث منها مخططات الخارج في صيغة أفراد وشل حركتهم وتقييدها وفضح أهدافها وأساليب عملها بغية قطع جذور ارتباطاتها مع الخارج .

 

إنها الوسيلة الوحيدة، التي من شأنها أن تحافظ على خط التماسك الوطني والقومي ومنع تدهور الأوضاع واتساعها .. فليس لدى القوى الوطنية والقومية والإسلامية متسعاً من الوقت للانتظار !!

 

 





الثلاثاء٠٥ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٨ / شبــاط / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة