شبكة ذي قار
عـاجـل










لم يعرف العراق منذ إحتلاله وغزه عام 2003 وحتى اليوم الاّ موسما واحدا, خريفا مرعبا إختلطت فيه أمطار القتل والاختطاف والاعتقال على الهوية برياح القمع والتعذيب االمنظّم. وصاحبت هذه الأجواء وبشكل ثابت غيوم وعواصف ملّبدة بالحقد والكراهية الطائفيتين من قبل الحكّام الجُدد لكل ما هو عراقي أصيل وشريف, حتى لو كان إسم شارع أو قرية صغيرة. وفقد العراقيون ,في خضم هذا الخريف الكئيب الدامي, لون ورائحة المواسم والفصول الأخرى. لأن "الديمقراطية" الجديدة والحرية الآتيةعبر القتل والتدمير والخراب ضربت عليهم حصارا "ديمقراطيا"خانقا لكي تعزلهم عن بقية أخوتهم العرب, وتمنع عنهم حتى التمتّع بربيع الآخرين ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم.


وبالرغم من أن الكثير من المواسم تعيّرت في بعض الدول العربية وساد الربيع بحلوه و مرّه حياة المواطنين واصبح الناس في أكثر من بلد لا يبغون من مستقبلهم الاّ ربيعا زاهيا ومشرقا مهما كانت التضحيات, الاّ أن الشعب العراقي ما زال يصارع ويقاوم بكل وسيلة ضد جدران وحواجز وأسلاك شائكة, وجميعها من ثمار الديمقراطية الجديدة, ومن إبداعات نظام طائفي ضيّق النظر والأفاق, وهو الأكثر تخلّفا وفسادا وفشلا في العالم.


ولم تكمن المآساة في كون العراقيين لا يجدون عونا أو صديقاأو داعما, لا بين الدول "المتحضرة"ولا بين الأخوة العرب, شعوبا أو أحزابا أو منظمات مجتمع مدني وغيرها, بل في أن ما يُسمى بالجامعة العربية ودولة العام سام أمريكا ما زالوا يمنحون شرعية مجانية ودعما لامحدودا لساسة العراق وحكامه الفاسدين حتى النخاع, ويتعاملون معهم وكـأنّ عراقهم الجديد واحة للديمقراطية والحرية وحقوق الانسان, متناسين أو متجاهلين عشرات القتلى والجرحى يوميا جراء التفجيرات والمفخخات وكواتم الصوت, في جو من الرعب والخوف والقلق الدائم الذي أصبح قدر العراقيين وخبز يومهم!


وبما أن الأنظار والمساعي والمجاملات والتهديدات كلها تتّجه هذه الأيام نحو عقد القمة العربية في بغداد, فقد تكاثرت تصريحات وتلميحات وتمنّيات حكومة العميل نوري المالكي وعصابته الطائفية العنصرية حول هذا الموضوع. وكان التصريح الأكثر مهزلة ومدعاة للضحك والسخرية هو تصريح ما يُسمى بنائب رئيس الجمهورية خضر الخزاعي حيث قال جنابه التعيس "إن عقد القمّة في بغداد ضرورة... نظرا لأجواء الربيع العربي". ولم يفسّر لنا هذا الخزاعي الصفوي ما هي علاقة حكام المنطقة الخضراء بالربيع العربي؟ اللهم الاّ بكونهم غيوم سوداء كالحة قادرة على تحويل ربيع الشعوب العربية الأخرى الى خربف دامٍ مكفهّر, كخريف العراق الجديد.


وكعادة العملاء والمأجورين عندما يقفون بين أيدي أسيادهم, فقد أضاف خضر الخزاعي نائب "الرئيس الفدرالي" أمام السفير الأمريكي جيمس جيفري "إن إنعقاد القمّة العربية في بغداد خطوة مهمّة وضرورية ليس للعراق فقط بل للمنطقة كلّها" ولا أدري هل يوجد حمار أو أيّة دابّة أخرى تصدّق أو تقتنع بكلام هذا الخزاعي الأبله. فما هي حاجة المنطقة يا ترى إذا أن إنعقدت القمّة العربية في بغداد ؟ وهل بقيّ للجامعة العرية وقمّتها الغير موقّرة وجه يستحقّ النظر اليه ولو للفرجة والمسخرة؟ بعدما فقدت كل شرعيتها, الشحيحة والمفقودة أصلا, أمام الشعوب العربية, التي لم ترَ فيها غير ذراع سياسي وإقتصادية وإعلامي في خدمة المصالح والمشاريع العدوانية الأمريكية - الصهيونية في المنطقة.


أما صاحب الأمر والنهي وربّ البيت "العراقي", أي السفير الأمريكي في بغداد المحتلّة فقد صرّح من جانبه قائلا "إن بلاده تؤيّد عقد القمّة العربية في بغداد وتشجّع جميع الزعماء والقادة العرب - مع أن نصفهم لا زعماء ولا قادة ولا عرب - لحضورها لأن الأوضاع تحتاج لكل هذه اللقاءات بين قادة الدول العربية". وعلى القاريء الكريم, الذي تمرّس وإكتسب خبرة ومعرفة جيدة بالسياسة الأمريكية, أن يتخيّل نوع "التشجيع" الذي تمارسه أمريكا مع قادة وزعماء المنطقة. فهؤلاء جميعا, ودون إستثناء يُذكر, لا يملكون من أمر قممهم شيئا, وإن دورهم الثابت المرسوم لهم منذ سنوات من قبل أمريكا هو شرعنة ما هو غير شرعي والوقوف ضد ثورات الشعوب وخنق أحلامها وطموحاتها في المهد.


mkhalaf@alice.it

 

 





السبت٠٢ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٥ / شبــاط / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد العماري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة