شبكة ذي قار
عـاجـل










الكتل المرتبطة بإيران في العراق تفتح النار على البحرين لصرف الأنظار عن حرائق ممتدة من مشهد شرقا حتى بغداد غربا


يوم الجمعة من كل أسبوع يشهد المصلى المركزي في باحة جامعة طهران، خليطا من الناس والأفكار التي تطرح على الملأ، فبعد خطبتي الجمعة اللتين تلقيان باللغة الفارسية، من قبل خطباء يتعاقبون على هذه الوظيفة الرسمية كل أسبوع، يقرأ الخطيب كلمة مكتوبة ومعدة من جانب مكتب خطيب طهران الرسمي، والذي ما زال يشغله مرشد الثورة الإسلامية علي خامنئي منذ الأيام الأولى لمجئ آية الله الخميني إلى الحكم وحتى اليوم، تتناولان أمور الدين والدنيا والدولة والسياسة والبرنامج النووي وتصدير الثورة والمناورات السياسية والعسكرية، ثم تأتي الخطبة العربية الموجهة لمخاطبة الإنسان العربي لوحده، في برنامج عمل مخطط له من قبل الزعامة الدينية والسياسية الإيرانية، لتطرح فيه أفضل ما عندها، بهدف التأثير على أفكار المتلقين العرب، على قلة من يتابع ما يرد في تلك الخطب، وفي خطبته ليوم الجمعة الماضية تحدث آية الله خامنئي بزهو عال، عن تأثير الثورة الإسلامية الإيرانية على أحداث الربيع العربي، لكنه وكما لاحظ المراقبون قلص من أشهرها الطويلة، وربما حذفها من صورة المشهد وهو يحاول تقديم عرضه للأحداث، كما مطّ كثيرا من أيامها المحدودة ليجعل منها حديثا طويلا لخطبته وأضاف ألوانا حمراء إلى الصورة لتستدر عطفا زائفا وتستنزل دمعة حزن مضافة، وهو ما جرى في البحرين، وهنا سقط خامنئي في فخ سوء النية التي لا يستطيع لا هو ولا بقية الزعماء الدينيين الإيرانيين المحسوبين على مبدأ ولاية الفقيه التحرر من قيودها.


لا أحد يدري كيف تأثرت الجماهير العربية بالثورة الإيرانية، فنزلت إلى الشوارع والميادين مطالبة بالحرية والكرامة وبحقوقها السياسية والمدنية؟ ألا يجدر بالتجربة التي يراد لها أن تشع، أن تكون الأكثر التصاقا وتعبيرا عما يريده الشعب؟ فأين الثورة الإسلامية من هذا إن كان مقدرا لها أن تكون ملهمة لغيرها من الشعوب؟ وهل تستطيع طرح أفكار جديدة كما فعلت الثورة الفرنسية فغيرت وجه أوربا والعالم في بضعة عقود؟ وهل يمكن تصديق أن العرب على استعداد لتبديل قيودهم المحلية بقيود مصنعة في إيران؟ وماذا حل بمفكريها ومثقفيها وصحفييها الذين وقفوا ضد الاستبداد وطالبوا بالتغييرورفع الظلم والقهر؟ بل ماذا حل بكبار قادة الثورة التي جاءت بالخميني إلى الحكم من رجال دين وسياسيين؟ وكم منهم من لاحقه رجال الحرس في المنافي؟ أو من الذين غيبتهم محاكم التفتيش الجديدة؟  


إن من يرد التأثير في المحيط الدولي يجب أن يكسب الداخل قبل أن يفكر بتصدير بضاعته، فالثورات كالسلع الصناعية، ما لم تتأكد جودتها وقدرتها على المنافسة فإنها تبقى حبيسة جدران أربعة لن تمتلك قدرة القفز فوقها من دون رافعات، وهل يمكن أن تستطيع إيران القفز فوق كل تاريخها المعاش والذي لم تستكمل صفحاته بعد وتنتقل خارج حدودها؟


لقد حملت إيران إلى وعي المنطقة الذي لم ينم، مئات الآلاف من صور القتلى الإيرانيين، في ميادين المواجهات بين أجهزة القمع والمحتجين على الطغيان والاستبداد، أو بمقصلة حجة الإسلام صادق خلخالي، أو ورثته الذين ما زالوا يرسلون سنويا بآلاف أخرى إلى العالم الآخر، فهل تتوقع الزعامة الإيرانية أن تجارب مرة كهذه قابلة للتسويق خارجا من دون عناء؟ إلا إذا اعتبرت دور فيلق القدس وهو جناح العمليات الخارجية في الحرس الثوري، أهم وأكثر صور تصدير الثورة الإسلامية إشراقا وألقا، فالذين عاشوا تفاصيل الربيع العربي واندفعوا على طريقه، أرادوا منه الخبز والحرية وكرامة بلدانهم وسيادتها وليس ارتهانها لنظرية الولي الفقيه.


ربما نستطيع الجزم بأن الربيع العربي هو الذي سيؤثر في الداخل الإيراني الذي يعاني من ظلم يسحق بدواليبه الملايين  ظلما وقهرا وتجويعا، وللأسف باسم الدين الإسلامي، ويؤدي إلى إحداث تغييرات جوهرية في الساحة الإيرانية السياسية والدينية، ومن هنا يمكن أن نفهم لماذا تصر إيران على أن تنسب لنفسها الفضل المزعوم في الحركة التي شهدتها المدن العربية، ولكن أن يعطي خامنئي كل هذا الاهتمام لما يصفه بالاحتجاجات الشعبية المطالبة بالتغيير في البحرين، فذلك أمر ينطوي على مغالطة كبرى، فهو يعرف قبل غيره أن التغيير أمر داخلي وليس بمستورد، وإذا ما لامسته فكرة أو يد خارجية فإنه يتحول إلى كابوس مرعب، يعبر عن تدخل خارجي في الشؤون الداخلية، ولكن السؤال الملح هو لماذا التركيز على البحرين وبهذا الشكل المبالغ به وكأن الحديث ينم عن وصاية إيرانية على شعب يعتز بخصوصيته وتاريخه وتميزه،  ولماذا تجاهل خامنئي ساحات أخرى إن كان يريد أن يكون مقنعا للآخرين؟


لماذا خطبة باللغة العربية ؟


غير أننا لن  نغادر رقعة شطرنج منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط قبل أن نتعرف عن قرب على الدوافع والنوايا التي دفعت بإيران إلى خطوتين كانت قد أقدمت عليها بعد سقوط الشاه، وهما تعليم اللغة العربية في مختلف مراحل الدراسة، وتخصيص خطبة باللغة العربية بعد خطبتي الجمعة باللغة الفارسية؟


من أجل إعطاء إجابة دقيقة عن السؤال ربما يكون المرور على التركيبة القومية للسكان في إيران أمرا مهما، فمعروف أن هناك تقاربا شديدا في عدد السكان من القوميتين الفارسية والتركية بحيث أن بعض الآذريين يصر على أن عددهم يفوق عدد الفرس ولكن السيطرة التي أخذ الفرس صولجناها على إيران تتأتى من وجود الحوزة العلمية في قم، والتي تسعى بقوة دفع لنقل المرجعية من النجف العراقية إلى قم، ثم يتوالى ثقل المكونات القومية في إيران، فهناك القومية البلوشية والقومية الكردية والقومية العربية، وبجردة سريعة سنكتشف من دون عناء، أن الفرس في إيران أقلية صغيرة تسخر الدين والمذهب لفرض القومية الفارسية كتوجه عام للدولة الإيرانية، وربما كان دور الترك الآذريين في الثورة على الشاه جزءً من الرد على الاضطهاد القومي الذي تعرضوا لها، وكذلك الحال بالنسبة للقوميات الأخرى التي عانت من اضطهاد مركب، طائفي وعرقي، فلماذا لم تقرر الزعامة الإيرانية إلقاء خطبة ثالثة في جمعة طهران باللغة التركية، لاسيما وأن هناك ثقلا تركيا كبيرا جدا في طهران؟ ثم أن علي خامنئي ينحدر من أصول آذرية ولكنه ممنوع من التفكير بلغته القومية، بسبب السيطرة الفارسية على مفاصل الدولة الإيرانية، ولكون القمع المذهبي يفرض عليه سلوك هذا الطريق الضيق، وربما نجد تحت هذا الكم الهائل من التناقضات المعروفة والخفية، واحدا من الخلافات القوية التي نشبت بين الولي الفقيه ومحمود أحمدي نجاد، الذي حاول أن يطرح برنامجا سياسيا فيه تقليص لدور إيران الخارجي واعطاء اهتمام أكبر للقضايا المعيشية التي تعصر المواطن الإيراني بقوة ضغط الالتزامات التي فرضتها ولاية الفقيه لما تسميه بدعم حركات التحرر في العالم.


الاهتمام الظاهري باللغة العربية لا ينم عن احترام لها أو لأنها لغة القرآن الكريم، فالمعروف أن الفرس وخاصة الطبقة المثقفة تنظر بازدراء للعرب ولغتهم، ولو رجعنا على سبيل المثال إلى الشاعر سعدي الشيرازي وهو يحب أن يشار إليه على أنه إسلامي التوجه، فإنه يصف العرب بأنهم حفاة عراة ثبتت أبيات على قاعدة تمثاله في طهران يخاطب العرب ويقول فيها ( ....  عليكم وعلى دينكم ) أما الشاعر حافظ الشيرازي فلا يقل غلوا عن سعدي، ولو عدنا إلى الوراء وذهبنا إلى مهيار الديلمي، فلن نجد منه اعترافا للعرب بشيء إلا دينهم حينما قال ----- ( فجمعت المجد من أطرافه    سؤدد الفرس ودين العرب )، أما الخيام فإن اسمه هو الذي ركنه في زاوية الاهمال الأدبي.


إذن فالفرس لم يهتموا باللغة العربية اعترافا لها بفضل نقلهم من جاهلية الكتابة المسمارية التي اقتبسوها من العراقيين القدماء إلى الأبجدية العربية التي حلقت عاليا بالشعوب حيثما استقرت في مجتمع، ونقلتها من ظلمات الجهل إلى عالم المعرفة الرحيب، الفرس إنما حاولوا التسلل إلى المجتمع العربي عبر ما تسميه الحوزة القمية، بالدعاة الدينيين شرط أن يكونوا من الفرس، ليكونوا صلة الوصل بينها وبين الشارع العربي بهدف إحكام السيطرة عليه وهذا الأمر يعكس بجلاء انعدام الثقة بين الدعاة المنحدرين من أصول عربية وبين حوزة قم وضمان تدفق الخمس بإشراف مباشر من عيونها الميدانية، وكذلك إعداد الصالحين للهجرة إلى مناطق طلب العمالة الأجنبية وخاصة منطقة الخليج العربي، ليكونوا أدواته الجاهزة للتحرك لتنفيذ مخططاته المعدة لإحكام السيطرة الميدانية على مناطق تواجدهم، وكذلك الحصول على الجنسية في البلدان التي يحلون بها، تمهيدا للخطوة التالية بإقامة دولة الولي الفقيه الممتدة من طهران وتعبر الحدود الحالية ومياه الخليج العربي إلى ضفته الغربية.


ومع ذلك وحينما يتحدث واحد من الطاقم الحاكم في قم وطهران عن هذا الموضوع فإنه يعتبر الثورة الإسلامية متفضلة على العرب حينما أقرت تعليم اللغة العربية في مدارسها، وهذه مغالطة ساذجة تماما، فهل يحق للهند على سبيل المثال أن تأخذ ثمنا سياسيا من المملكة المتحدة، لأنها تفرض اللغة الانكليزية حتى على مستوى الشارع؟ فأي منطق هذا؟


تحريك الأدوات الإيرانية في المنطقة إيذان بحقبة قلقة ستترك المنطقة  تحت ضغط المفاضلة بين الخيار الصعب والخيار الأصعب


حينما تحركت أدوات إيرانية الأصل والمنشأ بموجب شهادة الميلاد، أو بوثيقة الانتماء لمدرسة ولاية الفقيه، وتتحمل في الوقت الحاضر مسؤوليات رسمية خطيرة في العراق، فقد ظن كثير من مؤرخي التاريخ الطبيعي للمنطقة، أن ذلك تم لتركيز الأضواء على أحداث الفتنة التي افتعلتها حركات شقيقة لها في البحرين، بعد أن ضخمتها أكثر مما ينبغي، ونفخت فيها صورا مخادعة عن انتماء زائف لما يطلق عليه بالربيع العربي، وهي ليست أكثر من محاولة لجر البلاد إلى حالة من الاحتراب الداخلي لو تمكنت من ذلك، لتبرير مد الأصابع الإيرانية في الشأن البحريني الداخلي، على الرغم من أن تلك القوى العراقية منها والبحرينية على حد سواء، باتت تشغل السراديب المهملة في متحف التاريخ السياسي للمنطقة، لأن برامجها لم تعد قادرة على استقطاب ذي بصيرة.


إن تحريك إيران لهذا الاحتياطي الضخم والذي كانت تعده ليوم أكثر سوادا، يعد دليلا مؤكدا على إفلاس إيران الذاتي وعجزها عن التحرك المباشر، أو عبر التشكيلات والأحزاب التي سجلت في شهادة المنشأ أنها إيرانية الوجه واللسان، مثل الحركات التي امتلكت خبرة قديمة في تنفيذ العمليات الإرهابية نيابة عن إيران، كلما شعرت الأخيرة بالحاجة إلى تنفيس احتقان محلي أو إقليمي أو دولي، وفي مقدمة هذه التشكيلات يأتي حزب الله اللبناني الذي ركب موجة مقاومة إسرائيل، وبعد أن حقق رصيده المفترض حول سلاحه لقهر الشارع اللبناني، ومع ذلك ما زال يصر على تسويق الحديث عن المقاومة، حزب الله الذي نفذ نيابة عن إيران في عقدي الثمانينات والتسعينات عمليات تهريب للمخدرات إلى أوربا، دعما للميزانية الحربية الإيرانية وخاصة أثناء الحرب العراقية الإيرانية، ونفذ عمليات ذات طابع عسكري للحصول على وجاهة الموقف السياسي، من أجل تكريس الصورة الظاهرة للحزب على مستوى الشارع العربي كقوة معادية لإسرائيل.


 كما حركت قيادة الحرس الثوري خلاياه النائمة والموزعة على أنحاء الجزيرة العربية، لتنفذ الصفحة البديلة من خطة التحرك الإيراني، لأن الأحزاب القديمة استهلكت وأصبحت مكشوفة أكثر مما ينبغي في تبعيتها لإيران، مما سيؤدي إلى تقليص فعاليتها وتأثيرها، في حاضنتها الشعبية وكونها تخضع لرصد كامل وسط محيط معاد لها، أو لآن إيران تريد الاحتفاظ بقوة تلك الحركات كإحتياطي استراتيجي تزج بها في أية معركة تفرض عليها ولا طاقة لها بها، إذا ما ساءت أوضاعها أكثر مما هي عليه في الوقت الحاضر، ومن هنا فقط يمكن أن نفهم لماذا تحركت أرقام مهملة لزمن طويل، من مواضعها في معادلة التدخلات الأجنبية، وتحركت في أوصالها حياة مفاجئة بعد أن ظن المهتمون بأوضاع المنطقة أنها أعلنت افلاسها من زمن طويل.


وتأتي تدخلات الكتل الطائفية بالشأن البحريني، لتؤكد صحة التوقعات التي كانت مراكز الدراسات قد أشرتها، بأن امتداد النفوذ الإيراني إلى العراق، سيزج بقدرات الحركات والأحزاب والمليشيات الطائفية في العراق والمرتبطة بإيران عبر إيمانها بولاية الفقيه وتبعيتها لمركز التوجيه هناك، وما ستمتلكه إيران من مرونة ميدانية لتحريك قواها للعبث بأمن البحرين خاصة والخليج العربي عامة، وإلا فما معنى التركيز على قضايا صغيرة ولا تكاد ترى بالعين المجردة، مما يمكن أن يحصل في أي مجتمع، ومن حقنا هنا أن نسأل بسلاح من سقط الضحايا في أحداث البحرين؟ ولتعطى طابع تحرك شعبي للمطالبة بحقوق مزعوم هضمها من طرف الحكومة البحرينية؟ وما معنى أن تسلط أضواء كاشفة على أحداث لم يكن ممكنا الحديث عنها لو أنها حصل أضعافها في أصغر مدينة عراقية، من مدن أولئك الذين ظلت غيرتهم نائمة لتسع سنين من احتلال إيران بالأمر الواقع لمعظم مدن جنوب العراق، ولماذا لم تتحرك غيرة الصدر والجعفري والمالكي والجلبي حينما حصدت قوات الحكومة المؤلفة في معظمها من شيعة، أرواح المئات من شيعة العراق في الزركة؟ ألا يدل ذلك على استهانة بدماء العراقيين، الذين وصل عددهم نحو مليوني قتيل عراقي؟ وإطالة الحديث بليْ اللسان، عن أشخاص سقطوا في البحرين، بفعل جرائم ارتكبها مقلدو الولي الفقيه في طهران ضد أبناء جلدتهم، لأنهم لم يتطابقوا معهم في زاوية النظر إلى ما يجري في العراق والبحرين، وأعتبره البحرينيون الرافضون بقوة للتبعية الإيرانية، مجرد محاولة بائسة لتحويل البحرين إلى حديقة صغيرة ولكنها عظيمة في موقعها الاستراتيجي للتحكم في مسار الأحداث في منطقة الخليج العربي، ومتى كان أولئك أكثر حرصا من البحرين ملكا وحكومة على شعب البحرين العربي؟ أم أن أدعياء حرية البحرين وحقوق شعبه، مدفوعون بنية الانتقام من الشعب البحريني الذي خذلهم في الوقت الذي توقعوا فيه أنه على وشك تحقيق قفزة نوعية ثانية بعد العراق؟


إن سجل مصدري بيانات الاستنكار أو حملات التضامن مع البحرينيين من الذين اصطفوا ضد شعبهم مع أعدائه، حافل بالقتل وتجربة العراق قبل الاحتلال وبعده، تؤكد أنهم إرهابيون مع سبق الإصرار، وأنهم لم يرتووا من دماء العراقيين فأرادوا توزيع قتلهم بعدالة على جميع العرب، وخاصة تلك البلدان التي خذلت نوايا الشر الإيرانية، صحيح أن الشعب البحريني اختار الاستقلال ورفض أي شكل من أشكال الارتباط بإيران في زمن الشاه، إلا أن العقدة الفارسية هي التي تتحرك في عروق آيات الله الذين خلفوا الشاه في حكم إيران، وأرادوا تغيير اللافتة التي يقف تحتها نظام الحكم، من نظام مدني إلى نظام ديني مزعوم، ولكنه عندما لبس العمامة، فإنه احتفظ بكل الأفكار التي حملها الشاه وحاول تنفيذ مشروع الامبراطورية الفارسية، فأرادوا استبدال الخطاب التحديثي بخطاب ديني متمذهب، ظنا منهم أنهم قادرون على تحريك أدوات كانت تجد مصدات قوية، من هنا نتفهم عمق الحقد الإيراني على البحرين، التي قال شعبها لا لإيران وخططها التوسعية، ومن حق البحريني أن يسأل بتجرد، هل يمتلك حرصا على البحرين من قادة المليشيات الطائفية في العراق ممن لا تزال آثار قتلهم لمواطنيهم في أرشيفات المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية شاهدا على همجيتهم ودمويتهم؟


البرنامج النووي  الإيراني وخطة المخادعة الجديدة
مع المجتمع الدولي


ومن أجل أن تستكمل صورة المشهد السياسي للمنطقة والذي تظن إيران أنها قادرة على تحريكه كيفما تشاء ووقتما تريد، فقد أشغلت العالم بعد انتهاء مناوراتها البحرية والبرية في لعبة جديدة، من أجل تشتيت الاهتمام عن ساحات ساخنة إلى ساحات سباق الجري إلى الوراء، من دون قصد أو هدف إلا امتصاص زخم الضغط الدولي وكسب المزيد من الوقت، وترك الرأي العام العالمي في يتساءل عن مصداقية إيران من عدمها في عرض التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حتى إذا تجمّع الاهتمام في مكان واحد انسلتت إيران وتركت المراقبين معلقين على مشجب الزمن في انتظار ممض.


لعبة شد الحبل بين المجتمع الدولي ممثلا بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، والحكومة الإيرانية التي مارست أعلى درجات التضليل، سواء ما يرتبط بالمبالغات الإعلامية على مستوى المنطقة والمقصودة من جانب الحكومة الإيرانية، عن المدى الذي وصلت إليه في بحوث الطاقة النووية، أو ما يتصل بالحديث عن الاتهامات الدولية لإيران حول حقيقة نواياها من برنامجها النووي، والتي تتهم إيران فيها العالم بأنه هو الذي يروج الأكاذيب المضللة عن طبيعة برنامجها النووي، على الرغم من أن الوكالة الدولية للطاقة لا تبني مواقفها على أساس ما تعلنه الدول من مواقف بتصريحات علنية، بل تبني مواقفها على أساس المعطيات التي تحصل عليها من مصادرها المتعددة.

 

إيران تريد أن توهم العالم وبشكل خاص منطقة الخليج العربي، بأنها على وشك انتاج القنبلة الذرية وتشاركها هذا التوجه وصلات إعلامية غربية تبالغ في الحديث المستوى التقني الذي وصلت إليه إيران في مجال استخدامات الطاقة النووية، بهدف تبرير فرض المزيد من الضغوط الاقتصادية على إيران، ويبدو أن الحكومة الإيرانية شغوفة بمثل هذا الحشد الإعلامي، في محاولة لكسر إرادة شعوب المنطقة وقبولها بالخضوع طوعا وعن طريق إيهامها بامتلاك طهران لقوة الردع الاستراتيجي، والتي تريد توظيفها في بناء الإمبراطورية الفارسية الجديدة، فالعقلية التي تحكم إيران تريد ممارسة أكبر قدر من الابتزازالسياسي بالتلويح بعصا غليظة لم تمتلكها إيران حتى اليوم، للحصول على تنازلات سياسية إقليمية ودولية.


بالمقابل كانت إيران تؤكد في تقاريرها للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بكل ما تملك من طاقة وقدرة على المخادعة، على سلمية برنامجها وعدم نيتها بامتلاك السلاح النووي، وتستند في دعم هذه الادعاءات بفتاوى دينية أعدت على عجل  وأصدرها بعض آيات الله العظام وغير العظام، عن حرمة امتلاك هذا السلاح المدمر.


وفي خطوة يمكن أن تفسر على أنها محاولة إيرانية بالانحناء أمام العاصفة التي أثارتها فوق مياه الخليج العربي، وتحديها المستمر للأسرة الدولية بالمضي قدما ببرنامج تخصيب اليورانيوم، بنسبة 20 بالمئة، والتي أثارت شكوكا جدية حول نواياها الحقيقية من درجة التخصيب العالية، والزائدة عن حاجة مراكز البحوث الزراعية والطبية، أو تشغيل محطات الطاقة الكهربائية، ومن أجل استكمال هذا السيناريو، فقد دعت إيران مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لزيارة مؤسساتها من دون استثناء على ما تدعي، والإطلاع على طبيعة الأنشطة التي تثير تساؤلات الوكالة وشكوكها، على الرغم من أن الحكومة الإيرانية نفسها هي التي ادعت مرارا بأنها نقلت منشئاتها المهمة إلى أماكن سرية ومنيعة في تحصيناتها، وتمتلك قدرة هائلة على الحماية الطبيعية الذاتية التي تحول دون الوصول إليها مهما كانت نوعية الأسلحة المستخدمة متطورة لأنها أقيمت في مناطق جبلية وعرة.


فهل تعد القفازات الحريرية التي يلبسها النظام الإيراني حاليا، سقفا للموقف الحقيقي أم هو هو محاولة القفز إلى المجهول؟
في كل الأحوال لن تستطيع إيران خداع العالم كل الوقت.

 

 





الاربعاء١٥ ربيع الاول ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٨ / شبــاط / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة