شبكة ذي قار
عـاجـل










الإسلام كعقيدة دينية عامة  تختزن قيم عليا تعج بالمعاني الإنسانية السمحة القادرة علي إنتاج كفاءات فكرية و اجتماعية مبدعة تفتح أبواب صياغات متنوعة لأديولوجيا سياسية متجاوزة لحالات الانغلاق التاريخي للمجتمع العربي عامة و المجتمعات القطرية خاصة ...غير أن الأسلمة السياسية "وحركة النهضة الإسلامية بتونس..حالة منها" كشفت و بالشكل الغير قابل للدحض أنها غير قادرة بل عاجزة علي تجسيد ذلك ..باعتبار كونها لازالت ضائعة بين الدين و السياسة (أنظر تصريحات نوابها داخل المجلس الوطني التأسيسي... الجبالي في حالة أولي في تقييمه للوضع المتردي بالبلاد و التلويح بشعار هيبة الدولةـ والصادق شوروـ في خطابه الاستفزازي أساسا  بصيغة الفتوي رغم أن الموضوع المطروح للنقاش سياسي صرف و لايوجد في النصوص المرجعية الاسلامية "القران والسنة" تشريعا للسياسي كما يجيب عبد الاله بلقزيز على ذلك بانه، اي المجال السياسي ترك لسلطة الاجتهاد وسلطة العقل، وليس لاحد ان يفتي فيه بحكم نهائي لفقدان الفتوى اسانيدها الشرعية التي ستقوم بها كسلطة.) ضياع  كشف رداءة مستوي تصديها في قيادة عملية التغيير لا فقط باعتبار ما كان قائما و إنما حتى مقارنة مع الأحزاب  الوطنية والقومية التي وجدت نفسها في هكذا موضع خلال عقود ما بعد الاستقلال في الواقع العربي بصيغة المقارنة العامة  ...فما هي العوامل المفسرة لذلك ؟ و كيف يمكننا تجنيب البلاد الانزلاق إلي المجهول ؟

 

ـ عوامل تدني مستوي التصدي و قيادة عملية التغيير :

يمكن تحديد جملة عوامل متفاوتة الأهمية أعمقها ما يرتبط بطبيعة تركيبتها و بنيتها العقائدية التي تعتمد المساومة في سبيل المصلحة الحزبية الضيقة علي حساب المصلحة العليا و هو ما عبرت عنه سلوكا و خطابا خلال المرحلة الانتقالية الأولي مستخدمة التهديد الأمني و  ما يجد تفسيره في طبيعة ظهورها(أنظر الحلقة السابقة) من ناحية و من ناحية أخري حواضنها التي مدتها  بالاستمرارية ...لكونها ليست بالحركة الثورية و لا  تؤمن بالتغيير... بقدر ما لعبت الصدفة التاريخية بفعل العامل الدولي الحاسم الذي وضعها في موضع القيادة للوضع القائم ...بالاشتراك و قوي ليبرالية البعض منها لم يكتمل بناؤه حتى  بصيغة الحزب(المؤتمر / التكتل) في أبجدياته العامة بقدر ما هو صورة مشوهة لما كان قائما قبل 14/01/2011 ..في انسجاما و ما تتطلبه الاستراتيجية الغربية (الأمريكية خاصة) منذ احتلال العراق أساسا ... حركة ليست مستثنية من الدعم والتصعيد المبرمجين منذ عقود للتيارات الاسلاموية من قبل الغرب، تحت غطاء محاربتها لفكر الشيوعية وعزل التيارات القومية والوطنية والقضاء عليها، استراتيجية تعتمد سياسة هادفة إلي تحقيق  عاملين بصيغة التصور و التوجيه و الفعل :ـ الأول : تدمير نواة المجتمع المدني التي نشأت نتيجة  النضال ضد الاستعمار والرجعية بقيادة القوى الوطنية والقومية التقدمية خلال عقود من المواجهة و ما راكمته من رؤى و تصورات لمفهوم المواطنة ، عن طريق دعم أو تشجيع التيارات الاسلاموية (سواء بصيغة الاحتضان أو توجيها بشكل التشاور...دعم توضحه اللقاءات التي جمعت هذه الأطراف مع الأمريكان المكشوف منها يؤكد ذلك ) تيارات تمثل العدو الأخطر والأكثر عدائية لكل شكل من إشكال المجتمع المدني، لان هذه التيارات تحدد وضعية المواطن في ضوء ديانته وطائفته السياسية في ظل المحاصصة المفعلة  وليس مواطنته، (تصريح الجبالي حول الخلافة السادسة...موقف شورو من مسألة الاحتجاجات و الذي لوح من خلاله ، بالحل التقليدي الجاهز لدى رجال الدين هو تصفية الطرف الآخر أو إخضاعه بالقوة المفرطة. دون أن تلاقي أي رد فعل من طرفي الترويكا "المرزوقي/المؤتمر و بن جعفر/ التكتل"المكملين لها بصيغة التصدي لقيادة المرحلة الانتقالية الثانية) مواقف و تصريحات مناقضة و متعارضة حد التقابل و فكرة المجتمع المدني إذ عندما يقدم الاسلاموي  الهوية الدينية علي أنها وحدها المقررة لقيمة ودور الفرد في المجتمع فانه يريد إلغاء الهوية الوطنية الجامعة الموحدة والمشتركة  التي يؤدي إلغاءها إلى جعل الفرد رغما عنه ابن دينه وطائفته الدينية أو السياسية الممثلة لهكذا خطاب  فقط وليس ابن وطن يجمعه مع غيره على قاعدة المساواة التامة خطاب عامل يؤسس لا بل يخلق حالة افتراق بين  المواطنين ،...ـ الثاني : عبر أدواته المحلية (صيغة الهياكل الحزبية الغير مكتملة التكوين و المشتركة في المحاصصة)  بالتوازي مع ما ورد في أولا  يدعو الغرب (أمريكا خاصة) وينشط بقوة لإقامة المجتمع المدني في وضع اجتماعي و سياسي متحركة و في ظل إعلام همه الأساس التسويق إلي نفسه إما مدفوعا لذلك أو بصيغة احتلال موقع دون اعتبار للمادة التي يعالجها و انعكاساتها...أدواة تلغي أي أساس لبناء مجتمع مدني، وتخلق حالة لا تؤدي إلا إلى الصراعات العدائية المستمرة بين الأطراف السياسية من ناحية و من ناحية أخري بين  مواطني القطر فيكون نتاج هكذا فعل طبيعيا هو الدفع إلي الفوضى العارمة وعدم الاستقرار، و هي أرضية خصبة لتنامي عقلية المنع الكلي لقيام أي شكل من أشكال المجتمع المدني! هل يعني  ذلك جهل بالواقع، سواء الطبيعي المتخلف أو بالحالة المصطنعة التي تنتج الصراعات، أم انه تجاهل متعمد ؟ انه التجاهل المتعمد و المقصود  من قبل الأداة المتصدية للقيادة و التغيير في هذه المرحلة الثانية من الانتقال الديمقراطي من ناحية و من ناحية أخري تجاهل متعمد من قبل حواضنها بما يجعل إستراتجيتها للمنطقة قابلة للتنفيذ... و يؤكد مدي التحالف المركب بين الأسلمة السياسية(المتصدية لقيادة  التغيير) و الامبريالية (كحاضنة طبيعية لها).

 

 أـ التجاهل المتعمد و المقصود من "الترويكا..النهضة أساسا" الأداة المتصدية لقيادة المرحلة :

تجاهل تؤشره جملة إجراءات  أهمها : ـ القفز علي الهدف الأساسي من انتخابات المجلس الوطني التأسيسي المتمثل في صياغة دستور يعد القاعدة الثابتة التي تنبثق عنه جملة قوانين تنظم علاقة المجتمع بالمؤسسات أو بين مكوناته بما يجعل الدولة تستعيد شرعيتها و هيبتها معنويا في الداخل و الخارج و بما يحدد واجبات و حقوق المواطنة من ناحية و من ناحية أخري يقطع مع الوضع الاستثنائي و يخلق الاطمئنان و يرسخه...إلي الاهتمام بما هو ثانوي بقياس المرحلة ممثلا في السلطة التنفيذية وزيادة حقائبها و توزيعها بصيغة تتعارض مع عنوان المرحلة المقر من أنها مرحلة "انتقالية" يحكمها التوافق ... مع التلويح بترك زمن الانتهاء من هذه المرحلة مفتوحا في تجاوز واضح لما كان عليه من توافق (مدة سنة) الذي علي أساسه تم انتخاب المؤسسة التشريعية "المجلس الوطني التأسيسي". ـ  التدخل في استقلالية الإعلام بصيغة التنصيب/الإملاء سواء السمعي البصري أو المكتوب  حالة تدخل تجاوزت في بعض مفاصلها ما كان نظام" بن علي" رغم استبداده المقيت يمارسه. ـ التلويح باستخدام الردع ...إجراءات مكشوفة المضامين لا تضع الوطن و المجتمع ضمن دائرة الاهتمام الأولي في ظرفية حرجة اجتماعيا و اقتصاديا في نظرها بقدر ما تضع مسألة تحصين مواقعها كأداة في استحقاقات السلطة بعد نهاية المرحلة الانتقالية الثانية كحالة أساسية...في نظرة دونية للآخر الناقد لها بلغت حد التخوين و التجريم  تحت ذريعة "هكذا هي شرعية صناديق الاقتراع"...صيغ تعمل علي تفجيرها إعلاميا وبشكل متواتر لا يخلو من تعمد قصد  الحشد علي نفس المنوال الذي سلكته في فترة ما قبل انتخابات المجلس الوطني التأسيسي من ناحية و من ناحية أخري بما يجعل من قدرة المواطن علي المتابعة تتضاءل تباعا و تقوده إلي شكل من أشكال الاستسلام الطوعي أو تدفعه لرد الفعل الغريزي بما يجعله محل انتقاد ... و هذا ما يردده الخطاب السائد الذي تروج له الترويكا بقيادة النهضة ... **اسمحوا لنا بالوقت الكافي و حاسبوننا لاحقا**.

 

ب ـ التجاهل المتعمد و المقصود من الحواضن(الغرب عامة و أمريكا خاصة) المغيبة سابقا خطابا و المكشوفة حاليا توجيها  و فعلا : الثابت واقعا و بشكل ملموس منذ احتلال العراق و ما ثبته و ما انكشف حد الآن من تجليات للحراك الشعبي العربي (الربيع العربي بمفهوم أمريكي) هو أن الغرب عامة و أمريكا خاصة هي التي وضعت التناقض المذكور عمدا لأنها لعبة مخابراتية في المقام الأول هدفها شرذمة كل قطر عربي وعدم بقاء أي ركن من أركان وحدته قائما ! فتفجير  الصراعات بأشكالها المتنوعة عامة و السياسية خاصة مع تنشيط الدعوة لإقامة مجتمع مدني  يشكل البيئة المثالية للضياع وتضييع الناس وإفقادهم بوصلة الوعي السليم نتيجة تركهم أسرى أحداث من المستحيل فهمها أو السيطرة عليها...بما يسمح لها بمزيد الاختراق للمجتمع و الأفراد و يجعلها مطمئنة من أن إستراتجيتها قابلة للتنفيذ...

تجاهل مركب يهدد البلاد بالانزلاق إلي المجهول فما هي حلول ذلك؟

 

ـ في الثوابت نجد الحـــلول :

إن الاستخدام المنحرف لنتائج الصندوق الانتخابي (تقديم السلطة علي الحلول) و التمسك بشرعية ترتيبية في وضعية متحركة و غير محسومة نهائيا من ناحية و من ناحية أخري في فترة عنوانها "مرحلة انتقالية"...مع خطاب سياسي إعلامي لم يقطع مع شماعة الأحقية النضالية و ما رافقها من مظلومية ...و اعتبار النقد عداء يرتقي إلي حالة التخوين مع التأكيد الضمني علي التعبئة المضادة باسم الدين و شعائره... و تحميل المنتقدين مختلف الفعاليات الاحتجاجية .. ** تلك المعارضة هي الفاشلة في الانتخابات. اغلبها يتمتع برعاية فرنسا و أمريكا و إسرائيل. ويتمتع بدعم إعلام لا يدرك من الثورة غير رحيل بن علي. المثير في بعضها إن برنامجها السياسي هو إفشال النهضة، من اجل حرية الإفطار في شهر رمضان. حرية التعري في شهر رمضان. حرية العهر بمعانيه كلها وفي الوقت كله. وعلى رأسه العهر السياسي الذي يقعون فيه دون إن يدركوه. تلك هي المؤامرة.** عوضا عن البحث الجاد علي حالة توافق تفرضها المرحلة خاصة و أنها من الناحية المعلنة محددة بزمن لا يتجاوز السنة في أعلي تقدير لها... مما يؤكد مسألة تحول السلطة إلي غاية حزبية ضيقة بمفهوم العودة إلي الوراء بدل أن تستخدم كوسيلة لإنقاذ الوطن من الانزلاق للمجهول انحراف مع خطاب استفزازي إملائي سهل للثورة المضادة الانتقال من حالة الاستسلام و العجز إلي تفعيل خطابها بصيغة البديل المهيأ للإنقاذ كما ورد في بيان إلي الرأي العام الوطني " دعوة إلي بديل يضمن التوازن السياسي بالبلاد" للباجي قائد السبسي الذي مارس الترويج الإعلامي  للترويكا و خاصة النهضة في فترة إدارته للمرحلة الأولي ...أي زيادة تعميق أزمة البلاد وإضافة عامل إرباك آخر للعوامل القائمة أساسا. مما يعني مزيد تضييع الناس و إفقادهم الوعي السليم بما يجب أن يكون من حلول لتجاوز المرحلة دون الانزلاق إلي الفوضى التي مؤشراتها بائنة واقعا...رغم أن ثوابت المرحلة الانتقالية الأولي تختزن الحلول ...كيف ذلك؟

 

أ ). المجلس الوطني التأسيسي :  كأعلى سلطة بالبلاد يفترض فيه : ـ التقيد التام بما أوكل له من هدف محددا بما وقع تداوله و إقراره قبل انتخابه و بصيغة توافقية  من زمن  ممثلا في صياغة الدستور ...و ما يتفرع عنه من قوانين تعد الركيزة الأساس لاستعادة الدولة لهيبتها التنفيذية و المعنوية...فالتلكؤ و ترك الزمن بصيغة مفتوحة مدخلا مفتوح لكل الاحتمالات سواء بالنسبة للمواطن المستقل أو السياسي المنتمي لخلق ما يراه من تصورات .ـ القطع مع صيغة الجمع بين مهامه و مهام ما أفرزه من سلطة تنفيذية هي المسؤولة عما تتخذه من إجراءات خاضعة لنقده توجيها أو إقرارا أو محاسبة ...بما يجعل من المواطن مطمئنا في أن ما كان سائدا قبل 14/01/2011 لم يصار إلي إعادة إنتاجه بصيغة ديكور ديمقراطي لا غير.

 

ب ). الحكومة : كسلطة تنفيذية في هذه المرحلة الانتقالية يفترض فيها المحافظة علي شعار التوافق و تفعيله ميدانيا من خلال :

* القطع و صيغة العمل التي يتداخل الحزب و الدولة فيها و العمل علي تنفيذ القطع مع هكذا صيغة انطلاقا من كونه أحد أبرز شعارات الانتفاضة/الثورة .

* القطع النهائي مع رموز النظام السابق توجيها و إدارة وتصريف للأعمال بصيغ انتقائية للمؤسسات .

* قضاء عادل مستقل مع تفعيل آليات المحاسبة و العدالة الانتقالية.

* إعلام نزيه تعددي دوره التوعية والتنبيه و النقد و التوجيه .

 

* ايلاء المسألة الاجتماعية والاقتصادية الأولوية في عملها بدل التسويق الإعلامي لأحقيتها في السلطة و ذلك لا يكون إلا من خلال طرح الحلول الجذرية واضحة و قابلة للتنفيذ حتى و إن كانت علي مدي متوسط بدل التعويل علي ساحات غير قطرية كما ورد في خطاب السيد الجبالي عند تقديمه لبرنامج حكومته.

 

* فتح قنوات حوار مع مختلف مكونات المجتمع المدني (منظمات و أحزاب) قصد صياغة رؤية يقع فيها إجماع علي جملة ثوابت غير قابلة للارتداد في صيغة ميثاق وطني يقطع مع حالة الشك و التصرف بصيغة المعلن كخطاب  غير المستهدف كفعل ميداني .

 

ج). الأحزاب السياسية الحريصة علي استكمال مهام الانتفاضة/ الثورة و انجاز أهدافها من خارج المجلس الوطني أو بداخله و من خارج السلطة: مطالبة بالانخراط في عمل جماعي مشترك يستجيب لمتطلبات المرحلة سياسيا واجتماعيا و اقتصاديا  و يستقري تفاعلات المستقبل في علاقة و تطلعات أبناء الشعب عبر التفاعل الايجابي الذي يرتقي إلي صيغة العمل الجبهوي ...الذي يبقي أرقي أشكال العمل لتجنيب البلاد مزيدا من الويلات و الضياع .

 

 





السبت٠٤ ربيع الاول ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٨ / كانون الثاني / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب يوغرطة السميري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة