شبكة ذي قار
عـاجـل










ثمّة أنواع ودرجات مختلفة للعشق والغرام والحبِّ, بما فيها الحبّ العذري طبعا, الاّ عشق الكراسي والمناصب. فهذا النوع من العشق يقود صاحبه لا الى الجنون والتشرّد كما حصل لمجنون ليلى قيس بل إلى إرتكاب كل المعاصي والخطايا والذنوب الى درجة يتحوّل فيها, بعد أن يصيبه مسّ من جنون الغواية واالأدمان المَرضي على رؤية الحبيب "الكرسي" كلّ صباح والجلوس في حضنه الوثير, الى مجرم وفاسق ولصّ محترف بكل ما تعني هذه المفردات من مغزي ومعنى ظاهر وباطن. وكما يتمنّى الكثير من العشاق الحقيقيين الموت على أعتاب دار الحبيب ثمّة من المسؤولين الكبار والصغار مَن يتمنّى أن يتهالك ويخطفه مَلكُ الموت وهو جالس على كرسي السلطة.


رئيس وزراء المنطقة الخضراء "دويلة" نوري المالكي بذل جهودا حثيثة من أجل تقوية سلطته وهيمنته الطائفية على معظم المراكز الحساسة التابعة للحكومة منقادا بشكل أعمى الى عشقه وغرامه الجنوني بكرسي رئاسة الوزراء. ويبدو أنه إستطاع ,في الآونة الأخيرة, أن يُضيف نوعا جديدا من الأصماغ واللاوصق شديدة الفّالية, مصنوعة في إيران, لتبقى بصمات مؤخرّته )معذرة عزيزي القاريء( على قاعدة الكرسي لسنوات طويلة. فماذا فعل؟ لا شيء أكثر من فتح جبهة, غير مضمونة النتائج والعواقب, ضد شركائه في الكوميديا العراقية )العملية السياسية( كطارق الهاشمي صالح المطلك وأياد علاوي, قادة قائمة العراقية.


في ذات الوقت فتح "دويلة" العميل نوري المالكي باب مكتبه وقبله المشحون بالطائفية الى ميلشيات ما يُسمى بعصائب أهل الحق. وهذه العصائب, شأنها شأن مليشيات الدجال مقتدى الصدر وغيره هي ليست أكثر من مجاميع من المجرمين والقتلة "وعشاق كراسي ولا دين لهم ولا ورع" كما وصفهم "سماحة" الدجال مقندى بعظمة لسانه وهزّة لحيته. لكن المضحك, وكلّ ما يجري في عراق اليوم هو مضحك ومبكي في آن واحد, هو إن العبقري مقتدى الصدر لم يقل أو يصف وزراءه في حكومة نوري المالكي ونوابه في البرلمان بأنهم عشاق كراسي. فهل يعني هذا إن وزراء مقتدى الصدر يفترشون الأرض في إجتماعات مجلس الوزراء ! العلم عند الله.


وهناك نوع من "عشق الكراسي" يمارسه بل ويعاني منه جماعة أياد علاوي. ومعلوم إن قادة "العراقية"والمنظمّين تحت لوائها الغير خفّاق لم يستعملوا لحدّ هذه اللحظة الاّ أصماغا ولواصق منتهية الصلاحية ومعظمها فسد منذ مشاركتهم المخزية بما يُسمى بالانتخابات البرلمانية ومن ثم دخولهم بحكومة توافق أو شراكة أونياكة "معذرة مرّة أخرى عزيزي القاريء( وعلاقتهم بالكراسي كانت وما زالت متذبذبة وغامضة ليس لكثرة العواذل والحسّاد والواشين, فهؤلاء متواجدون في كل مفاصل وهياكل ومؤسسات عراقهم الجديد, بل بسبب شعورهم العميق بأن الحبيب المبتغى, أي كرسي السلطة, لا يبادلهم حبّا بحبّ رغم وصلات وحملات الغزل والتوسّل والمشاعر الجيّاشة التي يظهرونها علنا وفي أكثر من مناسبة.


وإذا أجرى أحدكم جردا دقيقا حول علاقة حكام العراق الجدد بكرسي السلطة فسوف يجد ان "عشّاق الكراسي" هم الأغلبية المطلقة حتى وإن برّروا وفسّروا غرامهم هذا وهيامهم بالكرسي بأنه من أجل خدمة الشعب والوطن ولا هدف آحر عندهم غير بناء عراق "ديمقراطي حرّ مستقرّ ومستقلّ وكامل السيادة" كما يدّعون زورا وبهتانا ليل نهار. والأغرب أن كل سكنة المنطقة الخضراء بما لديهم فرِحون. فالمعمّم مقتنع حتى آخر شعرة في احيته أو خيط وعمامته بأنه على صواب طالما لديه حبيب, أي كرسي ومنصب, مضمون ولا يشاركه فيه أحد. والأفندي منهم, علماني أو ملحد أو زنديق.. وهلّم جرّا ودفعا, هو الآخر متيّم حدّ الهيام ولسان حاله يقول "نعم أنا مشتاق - لكرسي السلطة - وعنديَ لوعة( هو أيضا مقتنع بانه أصلح وأفضل من سواه بمعانقة وضم الحبيي - الكرسي - الى صدره الأجوف


وهكذا تمرّ أيام وليالي العراقيين المبتلين بألف مصيبة وداهية وآفة فتّاكة, من الطائفية والعنصرية الى الأقاليم والمناطقية والقبلية, بين دجل صحاب العمائم ذات الأوزان الثقيلة )بالمناسبة عندي فضول كبير لأن أعرف كم تزِن عمامة الدجال مقتدى الصدر؟( وبين حُثالات بشرية وهواة سياسة فشلوا في جميع الاختبارت حتى قبل أن يتسلّموا مناصبهم ومسؤولياتهم في دولة المنطقة الخضراء.


وليس مستبعدا أن يستمرّ "عشّاق الكراسي" من "قادة" العراق الجديد في تبادل الاتهامات بكل أشكالها والتنابز بالألقاب ونصب الشر}اك والكمائن لبعضهم البعض طالما بقيَ الكرسي هدفهم الأسمى ووسيلتهم الأولى والأخيرة والوحديدة لنهب وسلب المزيد من المال العام والأثراء الفاحش اللامشروع, في الوقت الذي يعيش فيه أكثر من ثلث العراقيين تحت خط الفقر, كما صرّح قبل يومين أحد ساسة عراق اليوم, بينما يعوم العراق فوق بحيرة بل بحر من الثروات االنفطية الهائلة وميزانيته للعام الجديد تجاوزت الثمانين مليار دولار أمريكي!


mkhalaf@alice.it

 

 





الثلاثاء١٦ صفر ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٠ / كانون الثاني / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد العماري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة