شبكة ذي قار
عـاجـل










هنالك مسئلة بالغة الاهمية بالنسبة للأحزاب الثورية وخاصة فيما يتعلق تحديد هويتها النضالية,وهي قضية التمييز بين الوعي للاهداف العامة التي تمثل مصالح الجماهير والتي يتبناه الحزب الثوري وبين نظرية الثورية للحزب,بإعتبار أن أهداف و تطلعات الجماهير لاتعرف التفاعلات بين العوامل المصنعة للحدث سواء كانت هذه العوامل ذاتية أو موضوعية,وايظاً لا تقبل بالمرحلية للوصول للاهداف فهي تعتبر الزخم الجماهيري كفيل بتحقيق الاهداف أما مسئلة السياسات والخطوات التكتيكية أو الستراتيجية فهذه لا تكون ضمن حسابات النضال الثوري لها(حركةالجماهير),وأما النظرية وكل ما يحيط بها من سياسات او تفاصيل فهذه مهمة في نضال الحزب الثوري وخاصة فيما يتعلق بوعي القيادات والقواعد لاصول ومبأدئ النظرية الثورية  .فمن المهم و الظروري وأولاً أن يكون كل المنتمين للحركة الثورية أن يمتلكوا وعياً كاملاً عن طبيعة الواقع الذي تعيشه الحركة الثورية وايظاً فهماً دقيقاً لنوعية التطور التأريخي للمجتمع وإستيعاباً كاملاً لتطور الهدف الجماهيري من مرحلة لاخرى,وثانيا أن يكونوا على درجة عالية من الوعي والاستيعاب الصحيح للنظرية الثورية التي يتعاملون بها ومعها.أي أن مجموع المنتمين واللذين يشكلون الحزب الثوري لابد من أن يحملوا الوعي للواقع المتحرك الجماهيري والذي يالتالي تمكنهم من أن يعبروا عنه بالوعي النظري وهذا ضروري جداً يكون في بدء الصياغات الاولية للنظرية الثورية.لان هنالك حقيقة تعترف بأن الجماهير لا تستطيع أن تدرك النظريات الثورية لوحدها إلا بجهود والمثقفين الثوريين اللذين صاغوا او شاركوا في صياغتها أو اللذين إستوعيوها إستيعاباً كاملاً,لان الجماهير قد تحصل على نوع من هذا الفهم أو الوعي النظري المحدود عبر التجربة أو الممارسة النضالية.ويبقى دور المثقفين الثوريين في بلورة النظرية بالمزاوجة مع ما يزقه الواقع اليومي للحركة من معطيات جديدة تفيد في تطوير النظرية الثورية نفسها.وهذه الحقائق ترتبط بموضوع الحفاظ على العقيدة ومبأدئها وهذا هي الظرورة الاولى لوجود المثقين الثوريين,وهذا التأثير والفعل لا يتكامل إلا بالتنظيم الثوري وبالنتيجة يعني وجود الحزب الثوري الذي يمثل طموحات الجماهير عموماً,وايظاً وجود العقلية الثورية ضرورياً ايظاً في توجيه مسيرة الحزب ووفق المبأدئ والقيم التي تقوم عليها النظرية الثورية,وأيظاً وجود الفئة المثقفة الثورية هو الذي يتيح لنا مثلاً إقامة التحالفات مع الايديولوجيات الاخرى أو الحركات والاتجاهات على الساحة العربية وتوجيها وليس الظرف الموضوعي أو حتى الذاتي فقط أي يكونون بمثابة البوصلة لتأمين التطابق بين اساسيات النظرية الثورية وبين أيديولوجيات الاخرين. ومن يؤمن  بغير ذلك بُضيع على نفسه وعلى حركته الخصوصية النضالية للحزب أو الحركة وحتى تأريخه النضالي, ويَقبل بدور اقل من إستحقاقه النضالي.والامر الاخر الذي يلعب دوراً محورياً في إقامة التحالفات أو الجبهات ايظاً المعرفة العددية والنوعية في نقاط الالتقاء الايديولوجي أيظاً.كل ذلك يوضح الهوية والهدف في آن واحد ولكي نكون أيظاً واضحين في هذه الرؤية المستقبلية والمحافظة على النهج الثوري للحزب,ولكي لا نغرق في المجردات بإختيارنا لنوعية التحالفات والسير بإتجاه الانتقائية في بناء علاقاتنا مع الايديولوجيات المختلفة وخاصة التي تتداخل معنا في بعض العقائد كالقومية أو الاشتراكية أو العلاقة مع  العقائدالدينية,وسيكون علينا لزاماً دوماً أن نراجع منطلقاتنا النظرية التي بنيت على معطيات تأريخنا العربي والاسلامي وبتفحص دقيق للقواعد التي بنيت عليها هذه المنطلقات ومن ثم أن نعود وباستمرار إلى واقعنا الحي الذي نعيشه اليوم ونتفحصه مرة أُخرى بل ولمرات ومرات ومن جوانبه ونستكشف كل القوى الفكرية التي تؤثر في تطورفلسفة الحياة العربيةالجديدة ومن هذه المعاينة لمعطيات الواقع وإفرازاته وتفحص بنود التركيبات النظرية وبمفاعلة موضوعية وليس تبادلية أو إحلالية مع  الايديولوجيات الاخرى وعلى ضوءالحركة اليومية للواقع ,فهو أمر يجعلنا بل يؤهلنا لكي نكون كهنة في زواج الفكر بالواقع ويمنحنا شهادة صادقة وحية بأننا ثوريون حقيقيون,لان هذه المزاوجةتمنحنا الواقعية التي يتشدق بها البعض وهم مكبلون بقيود نظرية تحولت الى تحفة فكرية تأريخية يُستفاد منها لظرورات محددة كالنقاشات السفسطائية وحوارات في دواوين موجودة لغرض واحد هو تصريف الافكار والنظريات التي تحتضر في ظل عالم يشهد إنقلابات فكرية وأخلاقية سريعة,وهذه المزاوجة أيظاً تعطينا البصيرة الحقيقية لحركة الجماهير وتنقلنا من مشاركتها في نضالها لتحقيق أهدافها الى أن نكون بحق في الادوار القيادية لنضالات الجماهير,وايظا تعطينا هذا المزاوجة معرفة تامة بعوامل المؤثرة في تطور مجتمعاتنا فنكون منظرين واقعيين وحقيقين لاهداف الجماهير,فالعوامل التي كانت مؤثرة في القرن الماضي هي غير التي تؤثر اليوم,وهذه القوى أو العوامل نفسها هي في حالة تغير, فالكثير من الافكار التي تعلقت بالايديولوجية العربية الثورية وحتى الايديولوجيات الاخرى والتي تحتاج في بعضها اليوم لعملية إستصأل  لبعض ما كان أساسياً منها, واليوم اصبح عالقاً يُثْقِلُ الفكرو المسيرة ,وبعضها يحتاج الى تجذيبها لكي تتكيف لكي تصبح مثمرة أكثر وذو فعالية أكبر,وأن هذين الفعلين الثورين لا يمكن أن يكونا  بالدقة المطلوبة ما لم يكونا مشفوعين بغيرة وحب وتفاؤل للعقيدة ذاتها,وكذلك إستخدام منصف وعادل لنصل العقيدة العربية الثورية نفسها في الاختيار بينهما وتحديد شدة الفصل والتقديم والتأخير بينهما,وهذا سيمكننا بعد ذلك أن نرى بوضوح كامل ما حققناه وما أنجزناه  وفي نفس الوقت نتبين ما بقي علينا أن نتابعه وننجزه بضمير مرتاح. هذا العمل أو العملية مطلوبة في حزبنا اليوم أكثر من أي وقت مضى لان الواقع العربي يقرأ متداخلات فكرية كثيرة وخطابات إنتهازية و ملونة عديدة .فالمهمة يتحملها من يمثل الارادة العربية الحقيقية ويهدف بحق لخلاص الامة من واقعها المشتت وفي الوقت نفسه سيحتاج الى تحالفات مبدئية مع الاخرين وتحالفات مرحلية تتناسب مع ظروف الحزب ذاتيةً كانت أم موضوعية والى جانب حساب البعد أو القرب في الجانب الايديولوجي, وأن  تكون هذه التحالفات ليس بإتجاه الغاء او إقصاء من نختلف معه بل بصيغة الجذب الى المبأدئ الصحيحة والحقيقية وطنية كانت أم قوميةوبغيرهذين المقياسين(الوطنية والقومية)واللذين يحملان بالتأكيد في مضامينها مبأدئ إنسانية. ولايجوز أن تقام  أي تحالفات ومهما كانت قساوة الظروف وشدتها على حساب المبأدئ الاساسية للفكر والعقيدة والتي تُعَرف بها الحركة أو الحزب و بعكس هذا الايمان والتصرف سنكون قد وضعنا الخطوة الاولى على طريق مغادرة المبأدئ والقيم في العقيدة البعثية.أي أن قوائم البناء الذي نتشارك به مع الاخرين لا يمكن أن يكون إلا على التي بُنيت عليها المصلحة العربية ومن مصلحة الشعوب والامم الاخرى والتي تشاركنا في هذا الكوكب.


 وقد يكون أكثر الايديولوجيات التي تتداخل اليوم مع الايديولوجية العربية الثورية في هذا اليوم هي مجموعة الايديولوجيات الدينية والتي يتشكل منها تياراً دينياً قوياً في الوطن العربي ولكنه ينقاد بمجموعة من الافكار بينها المتطرف والوسط والمعاصر وهذا بالاساس يعتمد على التكوين الايديولجي او الثقافي للمرجعية التي تقود هذا الفكر. والملاحظ اليوم ليس كظاهرة بل حقيقة أن هنالك تراجعاً كبيراً للايديولوجيات الثورية وحتى بعض الاتجاهات الدينية المعتدلة امام التطرف الديني ليطرح نفسه بديلاً عن الاخرين وليس مشاركاً لهم..و اليوم يتمدد التطرف الديني في الحياة العربية,بحيث أصبح من الجرءة أن يطالب بربط الدين بالدولة وفي وقت نعيش في بدايات القرن الواحد والعشرين!ومتخطياً كل التغيرات التي حصلت في حياة الجنس البشري في بناء أنظمته السياسية والاجتماعية والاقتصادية و في ما حصل من تغيرات في الوطن العربي نفسه كفلسفة لبناء النظام السياسي والاجمتاعي, وأن إرتفاع مثل هذه الدعوات المؤيدة لهذا التياروالتي تلاقي صدى إيجابياً وتجاوباً من بعض الاوساط الجماهيرية البسيطة في ثقافتها وخاصة في الأوساط التي تعيش حالة من الاحباط بالقوى الثورية مهد الطريق لمعاودة ظهور هذا التيار بشكل ملحوظ في الساحة العربية ومنذ العقد الاخير للقرن الماضي وبهذه القوة وفي تقديري يعود لسببين رئيسين وما تمخض أو سيتمخض عنهما من تفرعان سببية لتصب في هذين السببين الفاعلين في هذه المرحلة التي تشهد تقلبات وإعادة تحالفات غريبة :


أ-: تراجع تأثير وجماهيرية القوى أو الاحزاب الثورية في مقاومة حالات الاضطهاد والاجحاف التي تعيشه هذه الجماهيروبالاخص تلك المحدودة الدخل والفقيرة أيظاً.ويتعلق بعدم نجاح الفكر العربي الثوري في تثوير الحالة العربية الى المستوى الذي يكون الشعب العربي قادراً على إزاحة كافة العوائق لمعالجة قضايا الامة المصيرية وفي مقدمتها فلسطين,فالانتكاسات العربية توالت على العرب منذ 1948 بتقسيم فلسطين وقيام كيان صهيوني فيها,وجاءت ثورة 23تموز في القطر المصري وقيام نظام عربي ثوري فيها خطوة محدودة في إتجاه الرد العربي الايجابي على الانتكاسات,وكان فشل وحدة القطرين المصري السوري في عام 1961  شكلت إنتكاسة قوية للفكر العربي الثوري ولتطبيقاته التي تتعلق بمصير العرب. وجاءءت نكسة 1967 لتضيف  الى الاحباط العربي إضافة قوية ولتزيد من تراجع المد الثوري العربي بهذا النصر الامبريالي الصهيوني والتي فقد فيها العرب الجزء المهم من فلسطين كقضية وأرض ولم يتحرك العرب سواء على مستوى الفكر أو النضال في معالجة هذه النكسة الكبيرة إلا بقيام البعث بثورته الجبارة عام 1968 وما نتج عن هذه الثورة العملاقة من إنجازات قومية كبيرة,وبالرغم من عدم تبني الاتجاهات الفكرية والنضالية العربية لمبأدئ هذه الثورة بل أن الامر وصل في بعض الاحيان الى محاصرة الثورة سواء في الموقف من توجهات الثورة نحو بناء قاعدة ثورية عربية متينة للعرب في القطر العراقي,قاعدة إقتصادية وسياسية وإجتماعية وعسكرية,وقد تبين ذلك في إخفاق الكثيرمن المفكرين العرب في نصرة الثورة وفكرها في العراق في الحرب الدفاعية ضد إيران من تأشير المسببات الحقيقية لهذه الحرب والتي كانت في حقيقتها,صراع بين ايديولوجية ثورية قومية تقدمية وإشتراكية وبين أيديولوجية دينية طائفية عنصرية متخلفة وهذا الامر كشف عن تخلف الفكر العربي عن حركة الجماهير فالجماهير العربية كانت تعتبر هذه الحرب العدوانية ضد الوجود العربي بدليل إنها(أي الجماهير) تغنت بتسميتها (بالقادسية الثانية), في حين غالبية المفكرين العرب لم يرتقوا الى مستوى هذا الحدث إذ لم نقل أن البعض كان يقف موقفاً نقدياً سلبيا من حقيقة هذه الحرب.أو في مسئلة الكويت والتي بتدبيرمشترك بين الامبريالية العالمية الصهيونية والرجعية العربية صَورت هذه المسئلة بأنها قتل للتضامن العربي وهي في حقيقتها أبتدئت بمؤامرة للرجعية ضد الثورة وقابلتها الثورة برد ثورياً قد يكون إنفعالياً في بدايته ولكنه إنتهى بمحاولة لقتل النموذج العربي الثوري وبالرغم مما صاحب هذا الفعل من أخطاء إلا إنه لم يكن بالشكل الذي روجت له الامبريالية عبر أقلام وإعلام عربي باع نفسه بالرخيص بالمواقف أمام أنانية ومادية بسيطة. وحتى في مسئلة غزو العراق في عام 2003.إنه إخفاق للفكر العربي بل تقصير تجاه المبادئ التي يُشَيع لها في الوقوف أمام هذا الغزو الذي بدء في عام 1991 ومروراً بسنوات الحصار ومن ثم كانت الخطوة العسكرية في عام 2003 واليوم يدخل مرحلة إزالة الوجود العسكري للاحتلال امام ضربات وضغط المقاومة العراقية البطلة ليستمر بعد ذلك تبعات الاحتلال من نظام سياسي طائفي وإقتصاد متهرء و واقع قلق أمني بسبب تصارع القوى فيه بحكم أطماعها وأنانيتها.


والى جانب ذلك هنالك مواقف نشئت عن هذا التقصير في تشنج للموقف الرسمي العربي(سواء بعض الانظمة العربية أوفي موقف الجامعة العربية) ضد هذه التجربة وهو الامر الذي هئ الارضية الاساسية للهجوم الامبريالي الصهيوني على تجربة العراق.إن سكوت بل إصطفاف بعض الاقلام والعقول المفكرة العربية مع الامبريالية وتعاون بعض الانظمة العربية بل مشاركتها في تقديم كل أنواع الدعم اللوجستي والعسكري للادوات الامبريالية في حربها ضد العراق جعلت الامر يبدوا كانما تفنيد لفكرة الوحدة العربية على مستوى الفكر وفشل اي صورة من صور التضامن العربي .وهذا المواقف تسبب في تهيئة الكثير من النفوس في هذه الامة للتوجه نحو السماء أملاً في إيجاد الخلاص ,وفي نفس الوقت كان هنالك تمددأ لنوعية الفكر المتطرف الاسلامي في الواقع الاسلامي الغير العربي والذي صُدِرَ الينا فكانت كل المناخات العربية (في المجتمعات العربي)مهيئة للقبول بها الحل,والسبب الرئيسي الاخر الذي أتاح لهذا الفكر المتطرف بالتمدد في الساحة العربية هو إنشغال الكثير من القوى العربية الثورية( قومية أو ماركسية ) بتبني لغة الصراع بدلاً من الحواروأسلوب تبادل التهم وتقاذف مسببات الانتكاسات ايظاً, وتحميل كل طرف مسؤولية ذلك الوضع الخطير الذي عاشته وتعيشه الامة بدلاً من تحليل أسباب النكسات والتوجه لتوحيد الجهود لغرض المعالجة للوضع المتردي. 

 

 





الخميس١٢ محــرم ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٨ / كانون الاول / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سمير الجزراوي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة