شبكة ذي قار
عـاجـل










تزداد قناعتي يوما بعد آخر بانه لا توجد مؤسسة إقليمية بحاجة الى تغيير جذري, إن لم نقل ألغاء تام لعدم جدواها وصلاحيتها, أكثر من مؤسسة الجامعة العربية. فمنذ تأسيسها الى يوم الناس هذا لم يصدر أو ينتج عن هذه الجامعة, البعيدة كل البعد عن إسمها, شيء يستحق أن تحتفظ به ذاكرتنا الجمعية كعرب ونفتخر به أمام الأمم الأخرى. وعلى مدى تاريخها الطويل جلبت للعرب, شعوبا وبلدا وأنظمة, من أسباب الفرقة والخصام النزاعات والتناحر ما يملأ كتبا ومجلدات. وعجزت ليس في تأدية واجبها أزاء الشعوب العربية وخذلتها في أكثر من منعطف, بل حتى في إصلاح ذات البين بين دولة عربية وأخرى.


وبغض النظر عن إصل وإنتماء من ترأسها لعبت جامعة الدولة العربية جميع الأدوار المشبوهة ضد الشعوب العربية أولا وأخيرا, حتى أصبحت, شأن الأنظمة العربية كافّة, مكروهة ومحتقرة ولا يثق بها أو بقرراتها حتى المجانين. وخلافا لجميع المؤسسات الاقليمية التي تشكّل عاملا مساعدا في دعم الدول والشعوب وتقدّم العون اللازم في حلّ النزاعات والمسائل المستعصية, تحوّلت الجامعة العربية الى مصدر ليس فقط لتمرير وتبرير أي مشروع أو خطة أو مبادرة مناقضة ومخالفة ومنافية لحقوق الشعوب العربية, بل أصبحت بحدّ ذاتها مصدر نزاع وخلاف ودوخة راس للجميع.


والأخطر من كل هذا هو ليس إن الجامعة العربية صارت رمزا واضحا لتخاذل وهوان وإنهزامية الأنظمة العربية, وإنما في تحوّلها الى إداة طيّعة في يد أمريكا والدول الغربية. ومع إن هذا الأمر ليس جديدا أو غريبا على جامعة إستجدت باذلال وخضوع الكيان الصهيوني عبر ما يُسمى بمبادرة السلام العربية, الاّ إن هذه الجامعة, خصوصا في العقدين الأخيرين, إنتقلت كليّا الى حندق أعداء الشعوب العربية وإنحازت, رغم إستحدامها أقنعة مختلفة الأوان, الى جانب سادة البيت الأبيض في واشنطن وخلفهم قادة الكيان الصهيوني الغاصب. ولم يبقّ للجامعة العربية الذليلة غير إعطاء الضوء الأخضر لأمريكا والغرب باحتلال وغزو وتدمير الدول العربية الواحدة تلة الأخرى وقتل وجرح الآلاف من الأبرياء.


بل إن الغرب عموما لم يجد مطبخا أكثر كرما وطيبة وخبرة من مطبخ الجامعة العربية لتقديم المأكولات الأمريكية السريعة المغموسة بكل أنواع السموم. ولذا فان شهية دولة العم سام مفتوحة دائما للحروب والعدوان والتدخلات المباشرة على أي بلد عربي يغرّد خارج عن السرب الأمريكي. وهكذا ساهمت الجامعة العربية, وهي مستمرّة في هذا النهج الخطير, في غزو وإحتلال العراق وتدميره وتفميم السودان وحرب"الناتو"على ليبيا وإحتلالها أيضا. ثمّ جاء الدور على سوريا, حيث أبرزت الجامعة العربية كل عضلاتها, التي لا يراها أحد في التعامل مع الكيان الصهيوني , مع نظام بشار الأسد.


وبغض النظر عن طبيعة الأنظمة العربية, وغالبيتها أنظمة قمعية فاسدة ومتعفّنة, الاّ أن الجامعة العربية, ولكونها تمثّل أنظمة لا شعوب , ما زالت برأيي المتواضع تشكلّ عائقا في مسيرة الثورات العربية وحجرعثرة على طريق التغيير المنشود. وقد آن الأوان لكل مّن نزل ألى الشارع وتظاهر وناضل وقاتل وشارك من أجل تغيير نظام عربي قمعي دموي مستبد, أن يُطالب باعلى صوته بالتغيير الجذري لمؤسسة الجامعة العربية, أو على الأقل بتجميد عملها ووضع حدّ لتدخها السافر في شؤون الشعوب العربية الثائرة. فليس من الحكمة أو المنطق أن تتغيّر بعض الأنظمة وتبقى الجامعة العربية, التي هي جامعة أنظمة وليست جامعة شعوب, على حالها وكأن شيئا لم يكن.


وإذا كان ثمّة مبرّر حقيقي لبقاء الجامعة العربية فهو بالتأكيد حاجة أمريكا والغرب لها. فهي, أي الجامعة الحارس الحقيقي, من خلال بعض أعضائها, على سلامة وأمن الكيان الصهيوني, ومشرّع ومنفذ أمين لكل مشاريع أمريكا العدوانية في الوطن العربي. وما كان باستطاع أمريكا أن تغزو وتحتلّ العراق وتحوّل بعض الدول العربية المجاورة له الى قواعد عسكرية ضخمة لولا الضوء الأخضر من الجامعة العربية, بل والمشاركة الفعّالة من بعض الأنظمة المنخرطة فيها. وقد دلّل سلوك وتعامل كل مّن ترأس هذه الجامعة أو قادها أنه كان, وما زال الأمر على حاله, يتلقّى الأوامر والطلبات من قبل واشنطن وتل أبيب حتى في أبسط الأمور. فمتى تهبّ رياح "الربيع العربي" على جامعة الأنظمة العربية؟


mkhalaf@alice.it

 

 





الاحد٢٤ ذو الحجة ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٠ / تشرين الثاني / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد العماري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة