شبكة ذي قار
عـاجـل










لم تخفِ أمريكا وجارة السوء إيران وبعض الدول العربية العميلة نواياها العدوانية في تفتيت وحدة العراق الجغرافية وتمزيق نسيجه الاجتماعي المتجانس منذ قرون, وتحويل شعبه الواحد الذي لم يُعرف عنه لا صراعات طائفية ولا عرقية ولا نزاعات حول أراضي"متنازع" عليها أو ما شاكل ذلك. لقد عاش العراقيون منذ الأزل كشعب واحد وتقاسموا أفراح ومسرات وهموم وأحزان ومآسي, شأن الكثير من شعوب العالم. وقد فرّقتنا السياسة في أكثر من مناسبة ومحطّة كما جمعتنا في مناسبات ومحطّات أخرى. وإختلفنا مع بعضنا البعض حدّ المواجهة بالسلاح وإستخدام القوة والعنف, لكن خلافاتنا وصراعاتنا لم تتجاوز حدود الخصام والخلاف والجفاء داخل العائلة الواحدة.


حتى جاء الغزو الأمريكي البربري عام 2003 ومعه رهط من العملاء "المتحضّرين" وخدم حوزات ومواخير وملاهي ليلية وأجهزة مخابرات مختلفة, مدفوعين باطنان من الأحقاد والضغائن الطائفية والعنصرية التي تكفي, لو تحوّلت الى مادة ملموسة, لملء ثلاثة أرباع الشرق الأوسط. تمّت ترجمتها عمليا الى مواد وقوانين وضعت في ما يُسمى بدستور العراق الجديد. ومن يطّلع على مواد ذلك الدستور الصهيوني الذي وضعه نوح فيلدمان لوجد أن كلّ مادة منه تخفي بين سطورها عشرات الألغام والقنابل الموقوتة الموضوعة بقصد وعناية فائقة. ولم يكن للعصابة الحاكمة في عراق اليوم بدّا, لأن أمرها ليس بيدها وهي مسيّرة من قبل أكثر من طرف, غيرالمصادقة عليه وتشريعه.


ومسألة الأقاليم هي واحدة من أكثر الألغام خطورة لا على العراق وحده ككيان وكوطن وكشعب واحد بل حتى على من يقف خلفها ويُطالب باقامتها مستندا الى "الدستور"المشؤوم. فالأقاليم تتشكلّ عادة في أوضاع طبيعية وبرضا جميع الأطراف وضمن وطن واحد متماسك ومتحّد من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه. ولا توجد أقاليم في أي مكان في العالم لها صوت يعلو على صوت الوطن الاّ في العراق الجديد, حيث يتمتّع ما يُسمى باقليم كردستان العراق بوضع دولة مستقلّة أو أكثر دون أن يتخلى عن سعيه المحموم بقضم وإبتلاع المزيد من أراضي العراقيين وحقوقهم.


لقد عجز العراق الجديد, بل فشل فشلا ذريعا في حلّ مشاكله بعدم وجود أقاليم مع كل ما توفّرت له من إمكانات مادية وتقنيات وخبراء أمريكان وإنكليز وصهاينة وغيرهم, وحظي بدعم الكثير من دول الغرب. فكيف يكون عليه الحال لو أقيمت فيه أقاليم يهدف كل واحد منها الى تحقيق مكاسب ومصالح وغايات متناقضة ومختلفة وفي تضاد مع الآخرين؟ خصوصا وإن دستور"العراق الجديد" صيغ بطريقة خبيثة وغامضة تسمح لكل طرف بأن يُفسّر مواده على هواه ووفق رغباته وأهدافه الضيّقة.


إن وجود أقالم أو مناطق تتمتع باوضاع وقوانين خاصة ليس أمرا غريبا أو جديدا في أي بلد, لكن في حال العراق المحتل يختلف تماما. لأنه أكثر وأخطر الشرور لسبب بسيط ضمن عشرات الأسباب هو أن دعاة الأقاليم يخوضون فيما بينهم حربا شرسة ومنافسة غير شريفة, مثل حاضرهم وماضيهم وشخوصهم, لتحويل العراق الى أمارات أو كانتونات طائفية أو قبلية أو مناطقية يتحكّم فيها أمراء حرب وسماسرة سياسة وعملاء لجميع الدول المجاورة. مما يجعل العراق مستقبلا ساحة إقليمية ودولية لتصفية الحسابات باستخدام جميع الوسائل بما فيها العسكرية, يدفع ثمنها بشكل مباشر الشعب العراقي من حياة أبنائه وثرواته وخيراته الطبيعية. فضلا عن ذلك, ثمّة إمكانية أن يصبح العراق ورقة مساومة من قبل عدّة أطراف أكثر مما هو حاصل اليوم خصوصا وإن حكّامه الجدد لا ينتمون اليه ولا تربطهم به سوى رابطة المصلحة الشخصية والحزبية والطائفية.


إن فكرة إقامة أقاليم تثير شهيّة أكثر من طرف ودولة. لأن هناك إجماع لا يُخفى على أحد بين الدول التي غزت وإحتلّت العراق وتلك الداعمة لها, خصوصا بعض الدول العربية, هو أن لا يبقى العراق بلدا موحدا وكيانا مترابطا وشعبا متجانسا متآخيا كما كان عليه االحال قبل الغزو والاحتلال. وما بدعة الأقاليم الاّ فصلا جديدا في "الكوميديا العراقية" التي خطّط لها الغُزاة الأمريكان وشركاؤهم في جارة السوء إيران التي تنتظر اللحظة المناسبة لتدفع بعملائها وطابورها الخامس ليعلنوا هُم أيضا عن إنشاء إقليم أو أقالم لهم في جنوب العراق بحجّة إن محافظة صلاح الدين ذات الأغلبية "السنيّة" تقدّمت بطلب في هذا الشأن.


إن صخرة صماء, كالعراق الأبيّ الصامد, لا تؤثر فيها ضربات مطرقة خشبية تمسكها يد خاوية مرتجفة ذليلة, كيد ساسة عراق اليوم. وستثبت الأيام والشهور القادمة إن الفشل الذريع سيكون مصير جميع محاولات عملاء إيران وإمارة الكويت الحاقدة وأفندية أمريكا في تحقيق أحلامهم الشيطانية وأهدافهم العدوانية في أن يروا العراق مقطّع الأوصال يتقاتل أبناؤه فيما بنهم. وسوف يُصابون بالعمى الأسود حسدا وكمدا وغيرة قبل أن يحصل أمرا كهذا.


وعلى جماعة العميل أياد علاوي وقائمته اللا"عراقية" ومنهم السيدد طارق الهاشمي, الذي أيدّ وبارك طلب محافظة صلاح الدين بان تصبح إقليما, ان يعوا إن عزّة وكرامة العراقيين هي في بقائهم شعبا متآخيا متّحدا متعاضدا كما كان منذ الأزل, وإن قوة العراق وشموخه وديمومته هي في وحدته لا في أقاليمه وكانتوناته الطائفية والعرقية والمذهبية. وما على هؤلاء الذين يدّعون ليل نهارأنهم ضد الطائفية ومبدأ المحاصصة ويطلقون التصريحات الرنانة والجُمل الخلابة حول دفاعهم "المستميت" عن حقوق الشعب العراقي, أن يفتحوا أعينهم وعقولهم على مصراعيها وأن يستيقظوا من سكرة المناصب ونشوة الكراسي الوثيرة وإن يدركوا أنه بعد الأقاليم لا شيء غيرالتقسيم. لا سمامح الله!


mkhalaf@alice.it

 

 





الخميس١٤ ذو الحجة ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٠ / تشرين الثاني / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد العماري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة