شبكة ذي قار
عـاجـل










بدأت سماء أصدقاء ليبيا تهطل دولارات بالمليارات بعد أن قرر "كرماء" الغرب إطلاق سراح الأموال الليبية المجمّدة ورفع الحظر عنها, لأنهم إقتنعوا بان عصرا جديدا أخذ يشقّ طريقه في في هذا البلد رغم أن أزيز الرصاص ما زال يُسمع في أكثر من مكان, وأن رأس العقيد القذافي, المطلوب الأول لديهم ما زال بعيد المنال. ثمّ أن حلفاء النظام اللليبي الجديد في عجلة من أمرهم, والثوار في ليبيا مُطالبون, من أكثر من جهة, بان يُثبتوا أنهم قادرون على تحمّل مسؤوية ما بعد حكم العقيد معمر القذافي, وأن لا يخيّبوا ظنّ, وهذا هو الأهم بالنسبة للبعض, الدول التي ساهمت بكل ثقلها العسكري والدبلوماسي والمالي في وصولهم الى طرابلس وبدء مرحلة أو عهدا جديدا.


لكن ليس جميع الأصدقاء, ومنهم بلا شك "أصدقاء ليبيا" لهم نوايا حسنة أو وأهدافهم إنسانية نبيلة, ويهمّهم حقّا حال أو وضع المدنيين. فالنسبة للكثير من دول الغرب "المتحضّر" ليس جميع المدنيين سواسية ويتم التعامل معهم بنفس المعيار. لأن مبدأ الكيل بمكيالين, الذي تتمسك به أمريكا وحلفاؤها بشدّة وغطرسة, يجري تطبيقه على جميع البلدان والشعوب والحكومات إذا كانت "المصالح العليا" للغرب تقتضي ذلك. بمعنى آخر إن المدنيين, رغم أنهم أبرياء مما يقوم به الحكام, يختلفون من بلد الى بلد, ومن نظام الى نظام آخر, ومن منطقة جغرافية الى أخرى. ولا حاجة لذكر أمثلة أو أدلّلة, ويكفي القاريء الكريم إلقاء نظرة على المنطقة العربية وما جاورها.


وهناك مدنيّون, وفق فلسفة الدول الغربية, من الدرجة الأولى ولا يمكن تجاهلهم أبدا. بل يتم تجييش الجيوش وإصدار القرارات الدولية وتجميد الحسابات المصرفية وتعبئة العالم من أجل حمايتهم والدفاع عنهم. وهناك مدنيون, يحملون نفس صفات ومقاييس وطباع البشر, يموتون بشكل يومي وأمام أنظار العالم. وقبل أيام أصدرت "الأمم المتحدة" تقريرا قالت فيه أن أكثر من ثلاثة ملايين صومالي, وهؤلاء عزيزي القاري مدنيّون أيضا, معرّضون للنزحوح والتشرّد والضياع بسبب المجاعة والجفاف. أضف الى ذلك مئات الصوماليين الذين ماتوا, وما زال البغض الآخر يصارع الموت بلا لأمل ولا عون أو نصير.


لا بأس ولا خلاف من أن تقف دول معيّنة, ولو باسم صداقة زائفة, مع دولة أو شعب في حالة ثورة ضد نظامه, وأن تمدّ له يد المساعدة لكي يقف على قدميه خصوصا وأن هؤلاء "الأصدقاء"سبق لهم وأن دمّروا بصواريخهم وطائراتهم كل ما كان يمكن الاسافادة منه لاحقا, كالمؤسسات والدوائر الحكومية والمعسكرات والأسلحة ومخازن الذخيرة وغيرها. لكن الشك والريبة, وثوار ليبيا أدرى بشعاب طرابلس وبنغازي, هو سيّد الموقف. وعلى أي ثائر وفي أية بقعة عربية أن يتذكّر ما دأبتُ على تكراره دائما, وهو أن لا أصدقاء ولا حلفاء لأمريكا ودول الغرب سوى الكيان الصهيوني.


وبالتالي, فمن الضرور أن تكون عيون الثوار, في ليبيا أو في سواها, مفتوحة على مدار الساعة مثل الرادارات. ولا يغرّنكم أيها الأخوة ما يصرّحه هذا الوزير الغربي أو ذاك, عن رفع الحظر عن كذا رقم من المليارات الليبية المجمّدة. فهؤلاء كانوا, قبل بضعة أشهر, يتعاملون وبحميمية مريبة مع نظام العقيد القذافي. وهؤلاء أنفسهم, الذين لا يرون في مأساة الصومال مثلا سوى قضاء وقدر أو ما شابه ذلك, مستعدّون لأبادة ثلثي البشرية من أجل حماية الكيان الصهيوني اللقيط ومواطنيه الذي يُعتبرون بشر من الدرجة الممتازة. ففي الصومال وغزّة المحاصرة مثلا, يموت المدنيون جوعا وعطشا وحصارا وقهرا وإذلالا. فلا أصدقاء ولا حلفاء ولا قرارت دولية لحمايتهم.


لقد أجتمع ممثّلو أكثر من ستين دولة ومنظمة ومؤسسة دولية في باريس, وكلّهم أصدقاء ليبيا الجديدة, تحت نفس الذريعة التي سبق وأن إستخدمت في أكثر من بلد تعرّض لغزو أو إحتلال مباشر أو ثورة مدعومة من قبل قوات أجنبية, ألا وهي مساعدة البلد على الانتقال الى مرحلة الديمقراطية المزعومة وبناء دولة المؤسسات وحقوق الانسان وغير ذلك. بينما عجز جميع هؤلاء, بما فيهم أمير قطر ورئيس دولة الامارات العربية, من رفع الحصار الظالم عن غزّة ولو جزئيا. ولم تكن مساعداتهم المالية والعينية الى شعب الصومال المنكوب الا من باب رفع العتب أو ذرّ الرماد في العيون. فهناك لا شيء يسيل له لُعاب أصحاب الضمائر "الحيّة" والمشاعر الانسانية "الرقيقة"من أمثال ساركوزي وكاميرون والفاسق سيلفو برلوسكوني .

 


mkhalaf@alice.it

 

 





الاثنين٠٧ شـوال ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٥ / أيلول / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد العماري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة