شبكة ذي قار
عـاجـل










لا أدري لماذا قُدّر للعرب, خلافا لجميع شعوب الأرض, أن يدفعوا ثمنا باهضا من أجل نيل حريتهم وتحقيق البعض من طموحاتهم وإستعادة ما هدر من كرامتهم وإنسانيتهم. وغالبا ما لا يقتصر هذا الثمن على الدماء والخراب والدمار بل يتعدى الثروات والخيرات وإستقلال البلاد السياسي والاقتصادي والأمني. وتصبح الحرية, رغم إهميّتها العظمى لأي شعب ورغم التضحيات الجسام من أجلها, قيدا يطوّق معصم الجميع, حكاما ومحكومين. وعادة ما يحدث هذا عندما تجد الشعوب نفسها "مضطرّة" لوضع يدها بيد قوى خارجية كانت هي أصلا سببا في كل فساد وقمع وبطش النظام الذي يُراد التخلّص منه.


والمشهد في ليبيا هذه الأيام, رغم أن الصراع المسلّح ما زال مستمرا هنا وهناك, يوفّر لنا أكثر من دليل على أن حلف الناتو, الذي بدأ يعدّ العدّة لما بعد نظام العقيد القذافي, سوف يقدّم في الفريب العاجل فاتورة الحساب الى الثوّار الليبيين. فليس من المعقول, خصوصا والعالم يعيش أزمة إقتصادية حادّة, أن فرنسا وبريطانيا مثلا قامتا بكل هذا الجهد العسكري الحربي وبشكل مباشر ويومي من أجل سواد عيون الليبيين أو لوجه الله تعالى كما يُقال.


وسوف يكتشف الثوّار في ليبيا, وربما في سواها من بلدان العرب الثائرة الآن, أن ما تقدّمه أمريكا ودول الغرب, وعلى أي شكل أو هيئة كان, تُطالب بثلاثة أو أربعة أضعافه فورا, والاّ فانها مستعدّة أن تقوم, عن طريق أذرعها الأخطبوطية الشيطانية المنتشرة في أكثر من مكان, بتخريب كلّ ما تحقّق أو تمّ الاتفاق عليه.


ولحد هذا اليوم لا أحد يعلم قيمة أو حجم ثمن الحرية التي حصل عليها الشعب الليبي. ولو أن الحرية, بالنسبة لأي شعب لا تُقدّر بثمن. فاضافة الى آلاف القتلى والمُصابين, 50 ألف قتيل منذ بدء الانتفاضة في ليبيا حسب مصادر المجلس الوطني الانتقالي, وسلسلة طويلة من خراب ودمار وشلل في معظم المؤسسات والبُنى التحتية, رغم قلّتها أو عدم أهمّيتها كما يزعم البض, فان ثوار ليبيا سوف يُرغمون مرتين على تجرّع سمّ صداقة حلف الناتو ودول الغرب عموما.


المرّة الأولى عندما أرغموا بهذا الشكل أو ذاك على الاستنجاد والتعاون من حلف الناتو ومخابرات الدول الغربية, والمرّة الثانية عندما تحين ساعة دفع فاتورات الحساب وتقسيم الغنائم الكبرى وتوزيع الجوائز والمكافآت على المنتصرين, خصوصا النفط والثروات اللبية الأخرى. فبُعيد سقوط طرابلس العاصمة بساعات بيد الثواّر الليبيين سارع الرئيس الفرنسي ساركوزي الى الدعوة لعقد مؤتمر دولي للبحث في مرحلة ما بعد القذافي كما قال. وللتذكير فقط, وبناءا على تجربتي العراق وإفغانستان الفاشلتين جدا في كلّ شيْ, أن كثرة المؤتمرات الدولية وإتّساع رقعة المشاركين وتهليل وتطبيل وسائل الاعلام المسيّرة والمنحازة, تعني في نهاية المطاف فقدان اصحاب الشأن, الثوار والشعب الليبي في هذه الحالة, لزمام المبادرة والاتكال شبه الكلّي على أهواء ورغبات ومصالح بل ومنافسات الدول العظمى فيما بينها.


ومن المؤكد أننا سوف نسمع في قادم الأيام عن خطط ومشاريع ضخمة لاعادة إعمار ليبيا, فطائرات حلف الناتو لم تبقِ حجرا على حجرأ و قامت بقصف كل ما وقع تحت أعينها النارية. وهذا هو الهدف الاستراتيجي الغير مخفي طبعا من الحرب ضد نظام العقيد القذافي.أما الديمقراطية وحرية الشعب الليبي فهو قناع كرنفالي ملوّن. كما وسوف في قادم الأيام أيضا عن رصد مليارات الدولارات من أموال الشعب الليبي طبعا لكذا وكذا من المشاريع العملاقة المغرية, على الورق فقط, دون أن يعلم أحد عن كيفية صرفها وفي أي مجال ومتى ومع مَن؟
وكما حصل في العراق"الجديد" بعد إحتلاله وتدميره, وهذا ما لا نتمناه أبدا لآخوتنا في ليبيا, لا تستغربوا من أن تقوم الأمم المتحدة, والتي تعني أمريكا ودول أروربا التي شاركت في الحملة العسكرية وتحت حجج وأعذار مختلفة, بإدارة سؤون ليبيا بشكل مؤقّت أو إنتقالي, وإدخالها تحت فصل ما من فصول ميثاق الأمم المتحدة. .بل لا تستغربوا أيضا إن ظهرلنا في يوم ما "بول بريمر"جديد في طرابلس أو أحمد جلبي ليبي. خصوصا وأن الكثير من المحسوبين على ثوّار ليبيا كانوا يتواجدون لعدّة سنوات في أمريكا ودول الغرب. وهُم بالتالي أهل ثقة عند الدول التي رعتهم وإستضافتهم وتعبت عليهم.


بل لا تستغربوا أيضا إذا ما قامت فرنسا وبريطانيا, طبعا بحراسة وحماية قوات الناتو, ببناء "منطقة خضراء" تضمّ مؤسسات الحكم الجديد وبعض السفارات الغربية بحجّة أن الوضع الأمني في طرابلس ما زال هشّا وغير مستقر, وإن هناك عناصر"إرهابية" قذافيّة وقاعدية وسلفية ..ألخ, لا تريد الخير لليبيا ولنظامها الجديد. وبالفعل بدأت بعض الأصوات في الغرب, وكذلك في المنطقة العربية, تنادي بضرورة إرسال قوات عربية إسلامية, وأكيد بقيادة حلف الناتو وأمريكا من خلفه, لمساعدة النظام الجديد في ليبيا على حفظ الأمن والاستقرار.
ومن المؤكّد أننا سوف نكتشف, ولكن بعد خراب طرابلس وسيرت وسبها وغيرها, بأن البترول الليبي سيبدأ بالتدفّق في الأيام المقبلة الى دول حلف الناتو, فرنسا وبريطانيا وإيطاليا تحديدا, قبل وصول الكهرباء والدواء والماء الصالح للشرب الى بيوت الليبيين المحرّرين من نظام العقيد القذافي, فهؤلاء هُم آخر مَن يتذوّق طعم ونكهة الحرية. وليس مستبعدا أننا سنسمع بان الوزارة الوحيدة التي تعمل بفعّالية وبدون كلل أو تأخّر وبشكل يومي هي وزارة النفط في طرابس, طبعا تحت إشراف وحماية مباشرة من قوات حلف الناتو والشركات الغربية الكبرى.


mkhalaf@alice.it

 

 





الاحد٠٦ شـوال ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٤ / أيلول / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد العماري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة