شبكة ذي قار
عـاجـل










ليس من حق الحكومة بعد حوالي تسع سنوات من الاحتلال أن تبرر اخفاقاتها في برامجها إن كانت لها برامج، بانعدام الخبرة والتجربة لأنها في هذه الحالة عليها أن تسلم ملفاتها لحكومة أخرى ولأن الأصل في الحكومات أن تتعلم بسرعة قياسية، فالمعروف أن الحكومات في بلد الاحتلال اي في الولايات المتحدة لا يحق لها أن تعشعش في أبنية الدولة أكثر من ثماني سنوات وهذا أمر دستوري هذا في حال أن استطاع الرئيس أن يجدد لنفسه أربع سنوات ثانية، وقد يرد احد أما وجدت غير الولايات المتحدة لتقارن العراق بها؟ أنا لا أقارن العراق كمنظومة دولة ومؤسسات بالولايات المتحدة كمنظومة دولة ومؤسسات، وإنما أقارن الأفراد بالأفراد ليس في العراق وأمريكا فقط وإنما بين بني البشر في كل مكان، فكما أن من يحكم هناك يمتلك شهادة جامعية على الأقل، فإن الطاقم الحكومي الحالي يبلغ فيه عدد حملة الشهادات العليا على وفق ما يطرحون عن أنفسهم أمام الملأ نسبة لا تتوفر في أي بلد آخر في العالم، فإنهم كأفراد والحال هذه لا بد أن يتفوقوا على أوباما مثلا، لأنه لم يمارس عملا رسميا بل كان استاذا جامعيا وقبلها كان محاميا وبعدها عضوا في مجلس الشيوخ، وكل هذه الوظائف لا صلة لها بالعمل الحكومي، فهل يحق لأوباما أن يطلب من الشعب الأمريكي أن يمهله تسع سنوات على الأقل لكي يتقن العمل المناط به ويتقاضى عنه هو راتبا شهريا هو أقل من راتب عضو في مجلس النواب العراقي؟ وهذا ينطبق على جميع الدول التي يتم تداول السلطة فيها سلميا، فكم من وزير يتسلم حقيبته وبعد أقل من شهر لا يجد الموظفون فرقا في الأداء الحكومي، إلّا في عراق بول بريمر ومحاصصته، فلا أحد يتعلم لأن أنصاف المتعلمين هم الذين يمسكون بمقاليد الأمور، ألا تكفي تسع سنوات ليتحول الإنسان إذا كان مستقيما ونزيها وسويا إلى عالم في اختصاصه؟


فلماذا لا يتعلم من استولى على السلطة بعد الغروب كيف يدير المرفق الذي أخذه مقاولة عائلية أو وقفا ذريا؟ هل كان صادقا عندما انتحل لقبا علميا؟ أم أن التزوير الذي صدر قانون من مجلس النواب بناء على اقتراح من الحكومة بإعفاء مزوري الشهادات من المسؤولية الجنائية، بات سمة عامة تميز معظم ركاب السفينة التي تبحر وسط أمواج التضليل العاتية؟


هل كان من باب الاحتراز من البعض لأنفسهم أن استمات من دافع عن المزورين تحت لافتة أنهم يبحثون عن لقمة العيش الشريفة، وكأن لقمة العيش الشريفة لا تتوفر إلا عن هذا الطريق المعوج والملوث بالسطو على حقوق الغير، حسنا هل هي إجازة شرعية لكل عاطل عن العمل ولا يمتلك مؤهلا دراسيا أن يُزوَر شهادة دكتوراه بدون جهد ومعرفة ليأكل رغيفا مغموسا بالغش والتزوير، وليزاحم بشهادته المزورة، من جد واجتهد وسهر الليالي حتى حصل على الشهادة الحقيقية؟


أم أن قرار العفو مرتبط بقضايا السياسة والتحزب؟ لأن المزورين الذين تم الكشف عن حقيقة شهاداتهم وهم قلة من بين كم هائل ما يزال خلايا نائمة، ينتمون لتيارات قريبة من مراكز القرار.


خلال الأسبوع الماضي استجوب مجلس النواب (مع أن كلمة استجوب تزعج البعض فاستبدلوها بكلمة ضيّف) مسؤولي ملف الطاقة حول عقدين كانت وزارة الكهرباء قد عقدتهما مع شركتين وهميتين أحداهما كندية والثانية ألمانية، وكما كان متوقعا فإن السياسة دخلت على الملف من أكبر صفحاته وتم تبويس اللحى وقيدت الدعوى ضد مجهول بعد أن تم تبييض وجوه كل المشاركين في مراحل الحوارات الأولية حتى تم توقيع العقد، ونام العراقيون على زبد الوعود الجميلة عن صيف لا حر فيه هذا العام، وكما احتفلت وازرة الكهرباء بتوقيع العقد الذي سيكون نهاية لمعاناة العراقيين، فإنها وبعد صمت مداراة الفضيحة، أقامت المهرجانات احتفالا بالنصر الذي احرزته على الشركتين عندما فسخت العقدين معهما دون أن تتكبد ميزانية العراق دولارا أمريكيا واحدا نتيجة الخدعة التي وقعت فيها الحكومة واستدرجت إلى توقيع هذا العقد.


أبَعَدَ تسع سنين من التبجح الذي تطرح فيه الحكومة نفسها أمام الملأ تظهر على حقيقتها ضحية عارية لخديعة مزورين أيضا انتحلوا ملكيتهم لشركتين لا وجود لهما أصلا بمعنى أن من قام بالخديعة كان مزورا محترفا ويمارس وظيفته تحت عنوان متشابه الاختصاص مع كثير من المزورين في الداخل فكيف تغلب عليهم بهذه السهولة إن كان قد تغلب عليهم دون صفقة محسوبة يراد الآن طمس معالمها.


إن اكتشاف مثل هذا النوع من الأنشطة متاح للحكومات بيسر وسهولة بل ربما الحكومات بما تمتلكه من أدوات هي القادرة على ممارسة الخديعة ضد الشركات، ولكن ما يمنعها عن ذلك هو الضوابط القانونية والاخلاقية التي لا تستطيع الحكومات التخلي عنها في مجال التعاقدات والصفقات.


هل حصلت الحكومة في ولايتها الثانية على خبرة في حدها الأدنى بحيث تحصنها من الوقوع في مصائد المغفلين؟ أم أنها كانت مشغولة في الملف الأمني الذي يأخذ أولوية على توفير الخبز والتعليم والخدمات الطبية والكهرباء؟


لا أحد يجادل في أن أمن المواطن يحتل أولوية تتقدم على ما عداها، ولكن هل هو الأمن الذي يترك العراقي كما هو حال الصومالي الذي افترسه شيطان الجوع فألقاه على قرعة الطريق بقايا إنسان، أم هو الأمن الذي يعود بالعراق إلى عصر ما قبل الكهرباء على الرغم من أنه يمتلك أكبر احتياطي نفطي، وتبلغ مداخيله من تصدير النفط أرقاما فلكية لا أحد يعرف على وجه الدقة أين تذهب.


البعض يقول إن العراق يمتلك أكبر جهاز أمن داخلي تحت السلاح في العالم قياسا إلى عدد السكان، وهذا معناه أن جزء كبيرا من مداخيل البلد تذهب لتغطية نفقات هذا الجهاز ومرتبات العاملين فيه، وربما تقمع السلطة أي صوت معارض لهذا الإنفاق عندما تخيره بين برامج التنمية وخطط الأمن ولهذا لا تبدر منه إشارة إلى أي الأمرين، ولكن ألا يفترض مع فرق التدريب الأمريكية ومع هذا الإنفاق الهائل على الأمن المفقود، أن يلمس العراقيون بصيص أمل من وراء هذا الكيان الأمني المتضخم حد التخمة؟ أم أن الأزمة الحقيقية هي أزمة لا علاقة لها بالكم وإنما بنوعية العاملين فيه والبرامج المعتمدة من جهة، وبالجهد المبذول للخروج من الأزمة السياسية الناجمة عن الاحتلال وتداعياته ومخلفاته من جهة أخرى.


بين آونة وأخرى نسمع من المتحدثين الرسميين عن مستوى الاستقرار الذي وصله العراق والذي يتقدم على كثير مما تعيشه دول المنطقة، ولكننا ومع كل رسالة تخدير تدوي الانفجارات وتحصد المزيد من الأرواح، وخير ما عند الحكومة أن تقدم التفسيرات السهلة التي لا تحمي حياة العراقي، تكرر ( عبارة كنا نتوقع أو كانت عندنا المعلومات )، حسنا لماذا لم تتخذ التدابير اللازمة لحماية المواطنين إذا كنتم تعرفون تفاصيل عما وقع قبل وقوعه، تبقى الأسئلة حائرة على ألسنة الناس ولا تتمكن من دخول آذان المسؤولين، لأنها تعترضها عبارة طريق خاص ممنوع الدخول.


وبين القتل الأعمى الذي من أجل وقفه تقتطع الحكومة من أرزاق الناس الكثير من الأموال، وبين الفساد الذي يستنزف ما تبقى من موارد من بيع النفط، يتقلب العراقيون على جمر انتظار المجهول الذي قد يلوح فيه ضوء في نهاية النفق ولكنه انتظار ثقيل جدا على كل حال.

 

 





الجمعة٢٦ رمضـان ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٦ / أب / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة