شبكة ذي قار
عـاجـل










المبحث الثالث

بداية حصاد الاستبداد

 

أولاً : ضريبة الغوص

 كانت الحكومة تأخذ ضريبة تسمى " غواصة الحكومة " لحماية الأمن من الداخل في المدن والقرى أثناء موسم الغوص، وقدرت قيمة الضرائب التي يجمعها الشيخ سنوياً عن الغوص نحو (65) ألف روبية، شكلت دخلاً للحكومة التي تنفق جزءا بسيطاً منه على إجراءات الأمن ويذهب الباقي إلى جيوب الشيوخ. (1)

 

ثانياً : الجمارك         

كانت إدارة الجمارك تعد نوعاً من الامتياز الخاص يمنحه الشيخ لأحد الأشخاص الذي يقوم بدوره بفرض ما يراه مناسبا من الرسوم على البضائع والمسافرين بإسم الشيخ على أن يدفع المال المحصل سنويا إليه بعد أن يأخذ جزء منه نظير عمله، وكان معظم دخل الجمارك الذي هو في ازدياد منذ التنقيب عن النفط سنة عن سنة يذهب للشيخ.(2)

 

ثالثاً : حصص الأزمة الاقتصادية  

الأزمة الاقتصادية في قطر لعامي (1930-1931) بسبب ضآلة كمية اللؤلؤ ازدادت ورخص سعره لاكتشاف اللؤلؤ الصناعي، نتج عنها أوضاع صحية صعبة وفقر البيئة وجعل المنطقة من أكثر جهات العالم طرداً للسكان، إضافة للحياة الشاقة والأوبئة والمجاعات، لدرجة أن أوعية التمر كانت تؤخذ وتبل بالماء ليذوب ما علق بقاعها وأطرافها من بقايا التمر، ثم يشرب العصير حتى يعينهم على تحمل الجوع،  وتميز النظام السياسي بالمركزية الشديدة، فكانت كل السلطات بيد الشيخ ومعاونيه، الذي كان يسعى وإياهم إلى تدعيم مركزه السياسي، اشتكى العاملين بالغوص للشيخ عبدالله ضد النواخذه، فجمع الشيخ النواخذه وتعهد أن يمدهم بالمال اللازم للقيام بعمليات البحث عن اللؤلؤ من ماله الخاص، وأن يسدد ديونهم المتأخرة والمستحقــة عليهم لبعض التجار، على أن تحصَل فائدة مقدارها ( 12%) عند إعادة السداد.(3)      

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ج.ج لوريمر، دليل الخليج، القسم الجغرافي، الدوحة ، الديوان الأميري، ج6، ص 46-94.

(2)  Political Diaries of the Persian Gulf, Vol.9, 1930 – 1931, p. 303

(3) Political Diaries of the Persian gulf, 1868-1958, Vol.9, 1930-1931, Archive   Editions, 1990, P.163 

 

وتجددت الآمال بانفراج الأزمة لوجود بوادر لاكتشاف النفط عام (1939)، إلا أن ظروف الحرب العالمية الأولى حالت دون استغلاله فور اكتشافه، وللحد من هذه الضائقة المالية للمنطقة وضعت الحكومتان البريطانية والأمريكية نظام للدعم الاقتصادي وتوزيع الغذاء من عام (1941) إلى (1943) عرف بإسم مركز تموين الشرق الأوسط، وكانت المؤن ترسل من الهند إلى قطر مباشرة للحكام لتوزيعها على الناس على شكل حصص الذي عرف بنظام الكوتة،(1) ولكن أسيئ استخدام هذا النظام، وظهر نشاط التهريب بسرية وساعد ذلك في تكوين ثروات هائلة لهم، وبدلاً من توزيعه للجياع بشكل عادل كانت تحدث عملية إعادة تصدير المخصصات الغذائية والأقمشة، حذرت بريطانيا حاكم قطر، ولم يحدث شيئا وظل الإجحاف في التوزيع، فحصت قطر مثلا من السكر (200) كيس، يتم تهريب نصفها، والنصف الآخر (100) كيس يأخذ الشيخ عبدالله (25) والشيخ حمد (25) و (6) للوكرة     و (6) للخور و (38) لكل سكان قطر ومنهم من لا يصله شيئا بحجة أنهم فقراء لا يشربون الشاي(2)، ومن القماش فإن الأنواع الرديئة منها وهي لا تكاد تكفي ثوبا واحدا، هي التي توزع فقط، وكذلك الحال مع التمر والأرز والقمح...الخ.(3)

 

رابعاً : صناعة النفط والحكومة

تعود بداية الاهتمام بالنفط القطري إلى أوائل العشرينات وكانت معاهدة الحماية  (1916) تقيد حرية شيخ الدوحة في منح الامتيازات للتنقيب عن النفط إلا بموافقة بريطانية. (4)، وفي عام (1926) منح الشيخ عمل المسح الجيولوجي لشركة النفط الأنجلو- فارسية بموافقة بريطانيا، ولم يكن الشيخ متحمساً كثيراً لأعمال التنقيب لأن من شأن ذلك فتح الباب لتجار اللؤلؤ الهندوس ليتوافدون إلى البلاد مما يضعف مركزه الاحتكاري في هذه التجارة، ليكون أكبر موزع للؤلؤ في قطر.(5)

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عبد العزيز المنصور، التطور السياسي لقطر، 1916-1949، منشورات ذات السلاسل، 1976، ص 73.

(2)   R/15/2/143, Report by Jassim, 16-9-1944, pp.13-1

(3) موزة سلطان الجابر، التطور الاقتصادي والاجتماعي في قطر، جامعة قطر ، مركز الوثائق والدراسات الإنسانية، الدوحة، 2001 ، ص 53 وما بعدها.

(4)   Hassan Mohammed Saleh, Labour, Nationalism and Imperialism in Eastern Arabia, Britain, the Sheikhs and the Gulf Oil Workers in Bahrain, Kuwait, Qatar, 1932-1956, (University of Michigan, 1991, P.49.  (5

 R/15/626/ letter No. 44S, from F.P Prideaux Political Resident in the Persian Gulf to Foreign Secretary to the Government of India, Delhi, 4th February 1926, p.35.

 

ولوضعه المالي السيئ لتدهور صناعة الغوص وإدراكه مؤخراً للأهمية الاقتصادية لاتفاقية منح الامتياز وما تحققه من مكاسب مادية تم منح حق امتياز استغلال النفط للشركة الأنجلوفارسية عام (1935) لمدة (75) عاما، مقابل الاعتراف بابن الشيخ وليا للعهد، ومقابل تلقي الشيخ مبلغ (400,000) روبية عند التوقيع ثم يعقبه مبلغ   (100,000) روبية سنوياً لمدة خمسة سنوات ثم مبلغ (300,000) في نهاية السنة الثالثة من تاريخ التوقيع إلى نهاية الامتياز، وعند اكتشاف النفط تدفع الشركة للشيخ (3) روبيات للطن الواحد.(1)،  و ذكر أحد المصادر بأن الشيخ لم يوافق على التوقيع لامتياز النفط قبل أن يرى المال الذي سيدفع له، وفي نفس الوقت طلب زيادة عدد البنادق التي كانت تقدم له سنويا لتقديمها لحرسه.(2)

 

وبهذا حقق الشيخ مكاسب مادية وسياسية فقد ضمن الشيخ اعتراف بريطانيا بحكمه وبابنه وليا للعهد، وضمن الحماية من المخاطر الخارجية، وضمن موارد مالية كبيرة يتعامل معها وما زال وأسرته باعتبارها دخلاً شخصياً لهم فقط، وضمن قوة نفوذه الداخلي وأحدث ذلك تغيراً في طبيعة العلاقات بينه وبين مجتمعه كما سيتضح لاحقاً، فله الآن مصدر ثابت من الأموال .      

 

 في عام (1949) تم شحن أول ناقلة نفط (3) فطلب الشيخ عام (1951) زيادة رسوم الامتياز تدريجيا حتى أخذ بمبدأ مناصفة الأرباح بين الشركة والحكومة عام  (1952)  هذا أدى إلى ظهور تناقض بين الشركة والشيخ فدارت بينهما مفاوضات اكتنفتها مرحلة شاقة وطويلة، فمطالبات الشيخ بالضغط على شركة النفط لزيادة حصته ليفي بمتطلبات الأسرة الحاكمة تزداد سنة بعد سنة، وكذلك زيادة الإنتاج من النفط، وكانت الشركة ترد متأسفة بعدم تحقيق طلبه حتى لا يتأثر الاحتياط، وبضغوطه عليها كان الإنتاج يزيد تدريجياً.(4)

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وثائق التاريخ القطري، من الوثائق البريطانية والعثمانية، 1868 – 1949، قسم الوثائق، مكتب الأمير، الدوحة، 1979، ص 30 – 31.

(2) إبراهيم محمد إبراهيم شهداد، تطور العلاقة بين شركات النفط ودول الخليج العربية، منذ عقود الامتياز الأولى حتى عام 1937، الطبعة الأولى،  مطابع قطر الوطنية، الدوحة،1985،ص 142.

(3) Records of Qatar, Vol.7, 1944 – 1960, p 55    

(4)( Records of Qatar, Vol.7, 1944 – 1960, p 696

 

ونتيجة لوقوع صناعة النفط تحت سيطرة الشركات الخاصة زادت حدة الصراع بين الدول المنتجة للنفط والشركات أسفر عنه ولادة منظمة الأوبك (1960)، وظلت سياسات تسعير وإنتاج النفط تحكمها العلاقة غير المتكافئة وبالتالي خدمة الدول المستوردة أكثر من الدولة المنتجة وهذا يعود إلى الطبيعة الاستبدادية لحكومة الدولة المنتجة التي جعلتها أكثر رضوخا للضغوط الخارجية, لأن الأسر الحاكمة كانت وما زالت ترى في القوى الخارجية, وليس شعوبها مصدر حماية لها.(1)

 

ففي عام (1976) وقعت الحكومة القطرية متمثلة في أسرة آل ثاني اتفاقاً مع شركة نفط قطر خولها السيطرة الكاملة على النفط القطري حتى الآن، أدت إلى حدوث فجوة بين الطفرات في أسعار النفط وبين التنمية التي ظلت تلهث وراءها بأنفاس متقطعة.(2)

وهذا يعتبر تعبيراً صريحاً على إصرار هذه الأسرة على حماية مثلث: الوراثة و النفط و القوى الأجنبية.(3)

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) يوسف خليفة اليوسف، يناير 2011، مرجع سابق، ص 15.

(2) أحمد العناني، الإسلام والبترول والقبيلة، من كتاب المعالم الأساسية لتاريخ قطرن الطبعة الأولى، الدوحة، مؤسسة الشرق للعلاقات العامة والنشر والترجمة، 1984، ص 13.

(3) يوسف خليفة اليوسف، يناير 2011، مرجع سابق، ص 17.

 

خامساً : السكان في قطر من الغوص إلى العمل في شركات النفط

جاء النفط ليحل محل الغوص فأنقذ به الله العباد من كارثة اقتصادية، واستقطب العمالة المحلية القطرية من رعايا الشيخ ومن يوافق عليه حيث لا يوجد قانون سائد أو نظام يحكم سوق العمالة خارج نطاق الشيخ ومعاونيه، وذلك للعمل بالأعمال الشاقة من شق الطرق وحفر خطوط الأنابيب..الخ.

 

وكانوا جميعا يقعون تحت بند العمالة اليومية براتب لا يتجاوز الروبيتين (فئة التعاقد اليومي الذين ليس لهم أي امتياز)، وكان معظم المقيمين في أكواخ من القطريين بحجة أنهم عمالة غير ماهرة ومؤقته رغم عدم توفير التجهيزات التعليمية والتدريبية لهم من قبل الشركة، وكانت الأكواخ (الباراستي) عبارة عن مساكن (وصفها الملحق العمالي في المكتب البريطاني للشرق الأوسط بأنها مزرية للغاية ولا تصلح للسكنى) يتم تشييدها بواسطة أوراق طويلة ومجففه توضع فوق بعض حول إطارات من سيقان وفروع الأشجار، وهي من القذارة والرداءة ما يحزن، فالكوخ الواحد يضم ثمانية أشخاص للطبخ والنوم والأكل مع الفئران والحر والآيلان للسقوط دفع معظمهم للنوم خارجها.

 

 في حين يسكن غيرهم من الأوروبيون والهنود والباكستانيون مساكن مناسبة جدا، وكانت كمية المياه المقدمة للقطري قليلة نصف جالون يوميا، كما كان الطعام قليل بالإضافة إلى تعرض العمال للفصل دون وجود مسببات قوية تدعوا لذلك، تلويحا بأن الشركة تستطيع الاستغناء عنهم متى أرادت.(1)

 

فأصبحت الإضرابات منذ بداية الخمسينات تشكل إحدى السمات الأساسية لتلك الفترة لتدهور أحوال العمال. (2) فأول إضراب للعمال المحليون كان عام (1950- 1951) في دخان ومسيعيد، فذهب الشيخ أحمد ابن الحاكم إليهم ووعدهم فقط بالاستجابة لمطالبهم دون تنفيذ، مع ترهيبهم من عواقب الإضراب، في حين أوعزت بريطانيا إلى الشركة بتحسين علاقاتها بالعمال.(3)   

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) (1) F.O.371/9998465, Copy of Extract from letter No. 21/10/52, from political Agency Doha, 30th July 1952- And Records of Qatar, op.cit, 182.

(2) كلثم الغانم، التحضر والتحولات في التركيب الطبقي، الدوحة، مؤسسة النور للدعاية والإعلان والنشر، 1989، 125.

(3) F.O.371/114577/, Monthly Report of Events in the Persian Gulf of August 1955, September 9, 1955, pp 6, 7.  

 

وتتالت الإضرابات (1952 و 1953) استمرت بعدها سياسة الشركة التعسفية ضدهم، وفي عام (1955) استطاع الشيخ خليفة بن حمد إقناعهم بصعوبة للعودة للعمل شريطة أن تحظى مطالبهم باهتمام الحاكم، وأن يرد عليهم بعد أسبوعين، إلا أن هذه الوعود لم تأخذ سبيلها إلى التنفيذ وجاء رد الشركة على الشيخ مخيبا لآمال العمال فكان ضعيفا وغير منصف ويتصف بالإجحاف.(1)

 

مما أظهر علامات السخط على العمال، فجرت إضرابات (1956) التي برز فيها تحسن العلاقات بين الشيخ والشركة بدليل موافقة الحاكم على الإجراء الذي اتخذته الشركة ضد عمالها، وهو حرمان المضربين من أجورهم عن أيام الإضراب مما أجبر العمال إلى التفاوض مع الشركة بدلاً من الإضراب.(2)

 

 ولسوء الحال حدث إضراب (1957) رفضت فيه الشركة مطالبهم وكان مختلفا عن ما قبله من إضرابات حيث لم تكتنفه أعمال عنف، واستطاع رجال الشرطة الحصول على العون من الحاكم، مما مكنهم من السيطرة على الموقف كما كان لرفض الشيخ أحمد تقديم العون للقطريين الأثر الأكبر في إنهاء الإضراب.(3)

 

وبدأ الشيخ في انتهاج سياسة حازمة إزاء شكاوى العمال المتكررة، وفي (1960) أمكن احتواء الإضراب بسبب الموقف الحازم للشيخ في مواجهته للقطريين المضربين في الدوحة، وقيام حرسه الخاص من البدو المسلحين (الفداوية) بقيادة السيارات الحكومية بأنفسهم وسجن خمسة من المضربين.(4) ومنذ ذلك العام لم تعد المتاعب العمالية تمثل عقبة أمام الشركة نتيجة تعاون الحكومة والشيخ ضد المضربين.(5) 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 F.O. 1016/433, Leteer from General Maneger , Dukhan , to Ruler of Qatar , Doha , 17th October , 1955, pp 29,30. (1)

(2)   F.O. 371/120541, No, 10101/46/56, Persian Gulf Monthly Diary August 1956, Bahrain, September 17, 1956, p 114.

(3)  F.O. 371/127021, Despatch No. 10- 1531/57G – From Carden Political Agency , Doha, Qatar , to Burrows Political Resident in the Persian Gulf,November, 30, 1957.

(4) F.O.317/149182/Leteerfrom A.F.Wavd Political Agency, Doha, to M.C.G.Bahrain, October 9, 1960 .  

(5)   F.O. 371/140302, Annual Review for yaer 1960, December 12, 1960, p. 9

 

وبعد أن تولى الشيخ أحمد الحكم كان أكثر من أبيه في فهم وتقبل وجهة نظر الشركة في عدم الاستجابة لمطالب العمال، خاصة في ضوء إدراكه للمخاطر التي قد تحدث في حال الإذعان لمطالب العمال، ومنذ تلك الفترة بدأ الحاكم يتصرف بحزم أكثر إزاء مطالب العمال بل وأصدر بياناً شديد اللهجة وأعطى الشركة تعليمات صريحة باستخدام القوة ضد المضربين، مما كان له الأثر في استمرار إنتاج النفط، وعودة العمال إلى عملهم دون شرط.(1)

 وعندما انتهت أعمال القطريين كعمال لبناء البنية الأساسية للشركة سرحوا منها.

 

سادساً: الدخل السنوي

اعتمد الدخل السنوي في مرحلة ما قبل النفط على الإيرادات التي كان الشيخ يجمعها عن طريق الضرائب (التي كانت مفروضة على السفن والغواصين والسيوب وبقية البحارة) والرسوم الجمركية وغيرها من الرسوم التي كان السكان يدفعونها مقابل حمايتهم.

 

وبسبب كساد تجارة اللؤلؤ اعتمد الدخل السنوي بعد توقيع اتفاقية الامتياز النفطية عام (1935) على الدفعات أو الرسوم السنوية التي كانت الشركة تدفعها مقابل حقوق الامتياز، وعلى إيرادات الجمارك، ولكن الوضع تدهور خلال الحرب العالمية الثانية، حتى استئناف الشركة عملها عام (1946) وبدأت مرحلة ما بعد النفط واختلف الوضع، حيث شكل النفط وعوائده أهم مصادر الدخل السنوي، إضافة لإيرادات الجمارك، وأرباح معمل التكرير والغاز ومتحصلات الدوائر الحكومية.(2)

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)  Recorder of Qatar, op, cit,p 689

(2) عبد البديع صقر، تقرير عن معارف حكومة قطر، وزارة التربية والتعليم، قسم التوثيق التربوي، الرقم المسلسل 416، 9/11/1984، 1376، ص 16.

 

سابعاً : موازنة عائدات النفط       

لا توجد رقابة مالية على عائدات النفط فقد دأب شيوخ قطر على اعتبار الدخل العام ملكا خاصا لهم. وخلق ذلك عدم التزام الأسرة الحاكمة بالقواعد المالية الصحيحة، وزادت مخصصات الأسرة, والتي ليست على استعداد لتقبل أي تخفيض في حجم نفقاتها الشخصية، مما أدى ويؤدي إلى إهدار كثيرا من دخل قطر السنوي دون جني أي فائدة تذكر،(1) إلا للإفراط في التبذير غير المعقلن في النفقات، بل وخلقت منها شريحة متميزة، وبقيت وما تزال الأسرة الحاكمة تتسلم مخصصات ليس لها نسبة ثابتة من خلال الميزانية، لا بل تطورت آليات توزيع الحصص حيث ظهرت آلية أخرى للتوزيع على أفراد هذه الأسرة من خلال الوظائف الحكومية التي ظهرت مع تضخم الجهاز الإداري للحكومة، ومنح امتيازات مفرطة، بما يساهم في ترسيخ اللامساواة والفساد الإداري، وسوء استخدام السلطة العامة، وتحول المواطنون وفقا لذلك من موظفين لدى الدولة يتمتعون بحقوق قانونية، إلى موظفين لدى النخبة الحاكمة الذين سيطروا على الدولة بطرق تبدو في ظاهرها أنها شرعية.(2)

 

ثامناً : توزيع الأراضي                                     

منذ أوائل الستينات ومن خلال سعي بريطانيا لتنظيم الموازنة في قطر عن طريق توزيع الأراضي، واكب عملية توزيع الأراضي تنفيذ برامج الإسكان الحكومي مع إتباع سياسية توزيعية موسعة، وتم إزالة المساكن القديمة عن طريق التثمين، حيث قامت الحكومة بشراء الأراضي بأسعار تزيد على الأسعار الحقيقية لها، الأمر الذي شجع أفراد الأسرة الحاكمة والملتفين حولها إلى إدعاء ملكية مساحات واسعة من الأراضي،(3) وكذلك استفادت العائلات التجارية البارزة في الدول من ذلك، حيث كان بمقدورهم الاطلاع على خطط الحكومة بشأن شراء الأراضي، ومعرفة الأماكن التي ترغب الحكومة في شراء أراضيها، فيقومون بشرائها من أصحابها بأسعار متدنية ومن ثم يبيعونها للحكومة بأسعار عالية.(4)

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) F.O. 371/140159, Letter from J.C. Moberly Political Agency, Doha, to A.R. Walmsley Arabian Department Foreign Office, Desember 16, 1959. 

(2) فتحي عفيفي، الخليج العربي، مرجع سابق، ص 54.

(3) خلدون النقيب، المجتمع والدولة في الخليج والجزيرة العربية، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، بيروت، 1987، ص 124.

(4)  Political Diaries of the Persian Gulf, vol.18, 1948-1950, P.468. 

 

تاسعاً : التجارة

استطاعت الأسرة الحاكمة منذ أواخر الخمسينات تحقيق مكاسب اقتصادية ومالية كبيرة بمساعدة الحاكم الدائمة لهم بما يخدم مصالحهم، في اشتغالهم بالتجارة وإعطاءهم امتيازات تجارية خاصة، والغلبة على كل منافس. كما استفاد أفراد الأسرة الحاكمة أيضا من التوكيلات والاستشارات التجارية من خلال تمثيلهم الشركات الأجنبية التي كانت تقدم المناقصات للحصول على عقود حكومية، وقد أكسبهم هذا النشاط عمولات ضخمة خاصة في مرحلة السبعينات، ولكن مع شريك محلي أو شركة وطنية بصورة فعلية أو اسمية، وغالبا ما كانت هذه الشركات المحلية لها علاقة بأحد أفراد الأسرة الحاكمة، الذي يشارك فقط في رأس المال والأرباح ولا يشارك في إدارة أي مشروع تجاري، واستعانت هذه الأسرة بالخبرات العربية والأجنبية الوافدة في إدارة مؤسساتها، واستطاعت توسيع دائرة أعمالها بصورة أكبر في مرحلة السبعينات عن طريق تأسيس شبكة من العلاقات التجارية مع الشركات العالمية الكبرى، وأصبحت وكيلة لها داخل قطر، كما دخل البعض كمساهمين في هذه الشركات التي كان يتم تداول أسهمها في أسواق المال.(1) 

 

عاشراً : النشاط السياسي في الدوحة

1- نادي المكتبة الإسلامية عام (1953) ألقيت فيه محاضرات اتخذت طابع النقد للأوضاع السياسية في قطر والإصلاحات التي يتعين على الحكومة اتخاذها، لهذا أغلق من قبل السلطات المحلية عام (1956).(2) 

 

 2- نادي الطليعة عام (1959) ظل حينها الاتجاه القومي الداعي للوحدة العربية هو السائد في المدارس ولم يلقى هذا الاتجاه قبولا من السلطة الحاكمة ولا لدى المستشار البريطاني لتحريضه ضد بريطانيا ودعوته للحرية والديمقراطية والوحدة العربية، وتأثر الطلبة القطريين بتلك الأجواء فشكلوا ناديا ثقافيا وجه نشاطه ضد السلطة ويدعوا للإصلاح والتطوير، الأمر الذي أدى إلى إغلاقه عام (1961) من قبل السلطات المحلية وإيداع مؤسسه السجن.(3)

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سعد الدين ابراهيم وآخرون، المجتمع والدولة في الوطن العربي، الطبعة الأولى ، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1988، ص 284.

(2) محمد فارس الفارس، صفحات من تاريخ الإمارات والخليج، قراءة في الوثائق البريطانية، الجزء الأول، الأهلية للنشر والتوزيع، الأردن، 2009، ص 35.

(3) موزه الجابر، مرجع سابق، ص 393.

 

وإذا كان الحاكم قد استطاع أن يحتوي الأسرة الحاكمة ويوحدها عن طريق زيادة المخصصات وإشراكهم في مسئولية الإدارة، وإذا كانت بريطانيا قد تعهدت بتقديم المساندة في حالة نشوء خطر يهدد مركزه في البلاد،(1) إلا أن موجة الاستياء الداخلي استمرت وشكلت تراكماً، فجرت أحداث أبريل (1963) بانطلاق المظاهرات، والتي تؤيد إعلان قيام الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق، وأثناء المظاهرة اعترض عبد الرحمن بن محمد بن على، ابن أخ الحاكم المتظاهرين بسيارته، ودخل في نقاش حاد معهم، ثم أطلق النار عليهم مما أدى إلى مقتل أحد المتظاهرين، وكان هذا الحادث بداية قلاقل اجتماعية، فقد تداعت كافة الفعاليات التجارية والعمالية والقبلية إلى الاجتماع والإعلان عن تشكيل جبهة الاتحاد الوطني، التي ضمت عناصر قبلية وتجارية وعمالية وسائقي العربات،(2) تحت زعامة قطبين تجاريين كبيرين هما ، ناصر المسند وهو أحد أعيان الخور وابن زعيم منطقة الخور، الذي يرجع تاريخهم في المعارضة إلى أوائل الخمسينات، عندما وجد والدة أن الحكومة قد أغفلت دوره التاريخي كونه زعيما محليا لقبيلة المهانده، وحمد العطية الذي كان يشغل وظيفة مسئول المالية والديوان عندئذ.

 

ولم تستجب السلطة لمطالبهم في خفض الامتيازات الضخمة لأسرة آل ثاني، والوجود الانجليزي في الحكومة، وتنمية الخدمات الاجتماعية، تسديد ديون التجار، انتخاب مجلس بلدي ممثل لجميع فئات المجتمع، وضع ميزانية للدولة، وغيرها من الامتيازات أسوة بشعب الكويت من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وتم سجن حمد العطية، ومات في سجنه عام  (1966)، وتم نفي ناصر المسند بعد سنتين من الحادثة، مما خلق تذمرا للقبائل، التي طالبت رؤسائها بإطلاق سراح المعتقلين، وهددوا بمغادرة البلاد، فغادرت قبيلة المهاندة للكويت عام (1964)، وبقيت هناك سنتين ثم عادت بعد تدخل جامعة الدول العربية وعدد من الحكام العرب لإقناع الحاكم بضرورة إطلاق سراح ناصر المسند وعودة قبيلته للبلاد.(3) 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)    F.O. 371/126995, Letter From Burrows Political Resident in the Persian Gulf, Bahrain, to Shaikh Ali Bin Abdullah Al Thani The Ruler Of Qatar, October 20,1957.   

(2) فريد هوليداي، النفط والتحرر الوطني في الخليج وإيران، الطبعة الأولى، دار ابن خلدون للطباعة والنشر، بيروت، 1975، ص 70.

(3) سعيد سيف، النضال الديمقراطي منذ الستينات وموقف النظام من المطالب الشعبية، مجلة الجزيرة العربية، العدد 20، لندن، سبتمبر 1992، ص 31. علي خليفة الكواري، تنمية للضياع أم ضياع لفرص التنمية، مقابلة أجراها: محمد مالكي، المستقبل العربي، العدد 348، السنة الثلاثون، فبراير 2008، 128.

 

الحادي عشر : الصحافة     

خضعت لقوانين الرقابة على المطبوعات والنشر ولا يمنح تصريحا إلا لمن يوثق بهم من قبل السلطة، لمنع المساس بشخص الحاكم والأسرة الحاكمة وتقييد حرية التعبير بحجة أن القانون ينص في النهاية إلى حماية النظام العام والسلطة بما يجعل الصحافة تدور في فلك الحكومة والنظام بما يعيق دورها في تطوير المجتمع،(1) فقد ظلت المؤسسات الإعلامية بأنواعها مؤسسات الولاء التي تنطق بالزور.(2)

 

الثاني عشر : التطور الإداري والسياسي

عندما طلبت السلطات البريطانية عن طريق المعتمد السياسي من الشيخ قيام إدارة محلية، أرجأ الشيخ هذه المسألة لحين تصدير النفط، في الوقت الذي بدأ فيه بحث مسألة طلب دفعة جديدة من عوائد النفط من الشركة، ولكن بضغط من بريطانيا تخلى عن هذا، لأنها اشترطت عليه في مقابل ذلك القيام بإعداد ميزانية حكومة قطر، وأن يتولى المعتمد السياسي الإشراف على الإنفاق الحكومي ومراقبته، ونتيجة لذلك رأت بريطانيا أنه من الأفضل الاستفادة من نفوذها في الضغط على الشيخ من أجل الإصلاح الإداري، لما لها من نفوذ وسيطرة على الحاكم.(3)

 

 ومنذ ذلك الوقت بدأت السلطات البريطانية في العمل لتغير الموقف من أجل إدخال الإدارة الحديثة، واتخذت بريطانيا إجراءات تحد أو تقلل من:

1- حصول الشيخ على دفعات من شركات النفط دون علم بريطانيا ودون وجه حق، ومطالب الأسرة الحاكمة لزيادة مخصصاتها من المال العام على شكل رواتب من دون عمل، لصرفها على الإسراف والبذخ،(4)  وهو أهم وجوه الهدر في إنفاق الإيرادات النفطية.(5)   

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عزت علي عزت، الصحافة في دول الخليج العربي، مركز التوثيق الإعلامي لدول الخليج العربية، بغداد، 1983، ص123.

(2) يوسف خليفة اليوسف، يناير 2011، مرجع سابق، ص 14.

(3)   F.O 371/74938, Summary, of events in the Persian Gulf for the month of November 1949, p. 5.  

(4) يوسف خليفة اليوسف، 2011، مرجع سابق، ص 18، علي خليفة الكواري، مرجع سابق، ص 136.

 F.O. 371/148896, Despatch No. 13 Annual Review for year 1960, Doha,   December 12, 1960, p.3, 4   (5)

 

 

2- استثمار عوائد النفط لمصلحة الشيخ الخاصة والاهتمام بالإنفاق في المشروعات الخاصة بالبنية التحتية والمرافق العامة, وهي مشروعات لم يهتم بها الشيخ إلا تحت الضغط.

 

ووضع حدود وفروق بين العوائد العامة والعوائد الخاصة، وتخصيص ربع الدخل لصندوق الاحتياطي المالي،(1) حيث لم يكن لبريطانيا أي سلطان في ظل أي معاهدة أو اتفاقية لضبط الأموال المتدفقة إلا بالضغط على الحاكم.

 

3- الاستفادة من الرسوم الجمركية بتحويل إدارة الجمارك بإشراف المستشار  البريطاني، وأصبح المديرون مسئولين أمامه وليس أمام الشيخ،(2) ونجح المستشار المالي البريطاني عام (1952) بإرساء النظام المالي الجديد، بالرغم من الصعوبة  نتيجة مطالب الأسرة الحاكمة المتلاحقة.

واستتبع ذلك ظهور نواة لجهاز الإداري.(3) الذي أصبح بعد استقلال قطر يتصف بعدم الكفاءة وبالفساد, نظراً إلى هيمنة الأسرة الحاكمة عليه.(4)

  

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) موزه الجابر، مرجع سابق، ص 419.

(2) F.O. 371/82047, Economic Report on Qatar by H.J. Evans, British    Residency, Bahrain, 3rd, June 1950, pp.5,6 

(3) Records of Qatar, op.cit, p.621.  

(4) يوسف خليفة اليوسف، يناير 2011، مرجع سابق،  ص 17.

 

الثالث عشر : تأسيس البنية الأساسية والخدمات الاجتماعية والحقوق المدنية

ظلت عملية التخطيط والبناء تتم بضغوط بريطانية، حتى تستطيع شركات النفط القيام بعملها، حيث لم يكن من المحتمل لدى بريطانيا أن يسهم الحاكم وأسرته بأي إسهام فعال في تطوير البلاد وتنميتها.(1) لعلم بريطانيا بأن البيت الحاكم لم يرث أي تقاليد تتعلق بشئون الحكم وإدارة الحكومة،(2) فظهرت الإدارة الحديثة في أواخر الخمسينيات وكانت الإدارة بريطانية أكثر من كونها قطرية، وتشكلت من المستشارية والجمارك والقضاء والمحاكم و التعليم والأمن والصحة العامة والأشغال العامة والبلدية والنقل، ورأس معظم هذه الإدارات المديرون الإنجليز، وكان يعاونهم مجموعة من الخبراء والفنيين الإنجليز أيضا، وكانت الإدارة مستقلة عن السلطة التقليدية للحكم، بما يقضي على التخبط الإداري.(3)

 

 وقد تابع التطور الإداري تطورا قضائيا، وكلاهما قائمين على أسس تقليدية، جعل القوانين لا تطبق وعادة ما تصدر الأحكام من خلال تعليمات السلطة العليا، ومع كل هذه القوانين والتشريعات الجديدة إلا أن إرادة الشيخ بقيت وما زالت هي القانون المطبق.(4)

 

في يناير (1992)، قدمت (54) شخصية بارزة من المواطنين عريضة إلى الأمير تنتقد الافتقار إلى حرية التعبير في وسائل الإعلام، وعدم وضوح القوانين فيما يتعلق بالمواطنة والتجنيس، كما طالبوا بإنشاء مجلس شورى جديد ذي سلطة تشريعية وتحقيقيه واسعة، ويمكن عبره توفير المشاركة السياسية الفعلية، وتفعيل حق المواطنين في إدارة شئون بلادهم، ودعا واضعو العريضة أن تعد هذه الهيئة دستوراً جديداً يضمن تأسيس الديمقراطية، ولم تـؤدي العـريضة إلى نتـيجـة برفـض الشيـخ خليفـة بن حمد أي تـحرير للنـظام، واعتبرها بمثابة خروج يستوجب العقاب إذا لم يعتذر من قدموها، وتم سجن اثنين منهم ومنع ثلاثة آخرون من السفر للخارج لرفضهم الاعتذار.(5)

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) F.O. 371/98330, Qatar by C.M.Rose.

(2) F.O.1016/63, Copy of an extract of copy Diary for the Period 21 st April to 20th May 1950, p.2                                                                                                

(3)Records of Qatar, Vol, 7, 1949-1960, P.468.                                                 

(4) موزه الجابر، مرجع سابق، ص 450.

(5) F. Gregory Gause III, Oil Monarchies: Domestic and Security Challenges in the Arab Gulf States, New York: Council of Foreign Relations, 1994)   ،       

 

 تولى الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الحكم بتاريخ 27/ يونيو/ 1995، بعد قيامه بالاستيلاء على الحكم أثناء غياب والده الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني في سويسرا والذي كان أمير قطر آنذاك.(1) وهو يعتبر من أثرى أثرياء العالم، إذ أصدرت مجلة فوربس (Forbes) الأمريكية في نشرة لها حول قائمة بأغنى ملوك العالم نشرت في 2010، وكان لافتا فيها أن الملك السعودي وأمير قطر وحدهما شهدت ثرواتهما النمو خلال العام، إذ ارتفعت ثروة الملك السعودي مليار دولار، لتصل إلى 18مليار دولار, فيما ارتفعت ثروة أمير قطر من 400 مليون دولار إلى 2.4 مليار دولار ليحتل بذلك المرتبة السابعة في القائمة.(2) وهذه صورة عملية تطبيقية لثقافة الثراء السريع المتجاوز للقيم والقانون وحتى للقدرات البشرية. وتجدر الإشارة هنا إلى بأنه سبق اتهام والد الأمير الحالي من قبل ابنه بسرقة واختلاس الأموال العامة.(3)

 

ومنذ توليه الحكم، عمل على تحديث مؤسسات الدولة، وفي هذا الإطار أصدر قرارا أميريا في 12/ يوليو/ 1995، بتعديل المادة (12) من النظام الأساسي، تنص على أن الحكم وراثي في أسرة آل ثاني، ولقد تغيرت دولة قطر كثيرا من حيث الشكل الخارجي، بل وأخذت بكل أسباب الحداثة، ولكنها ظلت عصية عن التغير من الناحية السياسية، ولا تزال في طور دولة الرعاية، ولم تنتقل إلى دولة الشراكة.(4)

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) كريم فكري، (10) حكام من الخليج في الماضي والحاضر، مركز الراية للنشر والإعلام، القاهرة، 2010، ص 300) ( ارتبط تاريخ آل ثاني بانقلابات البلاط والانقلابات المضادة، فقد استولى الشيخ حمد على السلطة من والده في عام (1995) ، وحاول الوالد المخلوع مرارا القيام بانقلاب مضاد، ووقعت أكثر هذه المحاولات إثارة في عام (1996)، وأدت إلى اعتقال عشرات المتآمرين والمتعاطفين في صفوف القوات المسلحة والأسرة  الحاكمة، ومن المواطنين، وهذه الانقلابات والانقلابات المضادة لا تمثل انحرافا في التاريخ السياسي لقطر، بل إن كل حكامها منذ (1949) تولوا السلطة بعد إكراه الحاكم السابق على التنحي عن الحكم. عبد الهادي خلف، قواعد الخلافة والمشاركة السياسية في دول مجلس التعاون الخليجي، الإصلاح الدستوري والمشاركة السياسية في الخليج، مركز الخليج للأبحاث، ، الفصل الثاني، دولة الإمارات العربية المتحدة، 2007، ص 54.

 (2) موضوع نشر في جريدة القبس الكويتية، العدد 13331، بتاريخ 9/7/2010.نقلا عن مجلة فوربس لشهر تموز2010 قائمة لأغنى 15 ملكاً (حاكما) في العالم.

(3) Qatar from Wikipedia, Qatar Country Profile, BBC,           .en.Wikipedia.org/wiki/Qatarزيارة الموقع بتاريخ 15/2/2011.

 وانظر أيضا، عادل حموده، مقالة بعنوان: ملف الفجور السياسي في الدوحة، موقع شبكة المنتدى، بتاريخ 9/1/2003، زيارة الموقع بتاريخ 14/2/2011.

www.montada.com/showthread.php?t=1777577&page=1 

 (4) ابتسام الكتبي، قضية المواطنة في دول الخليج، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، الخليج العربي بين المحافظة والتغير، الطبعة الأولى، 2008، ص 87.

 

 وبتاريخ 8/2/1996، تأسست قناة الجزيرة التلفزيونية بموجب مرسوم أميري، وتبنت قناة الجزيرة خطاً مضاداً لأمريكا، للتغطية على وجود القواعد العسكرية في قطر، والقاعدة التي بدأت تتكشف في العالم العربي، هي أنه كلما زاد ضجيج إعلام أي دولة ضد أمريكا، فإنها في الغالب مرتبطة بالولايات المتحدة ارتباطاً عضوياً.

 

أي أن قطر أعطت المهبط الجوي للأمريكيين والموجات الهوائية للإسلاميين والقوميين العرب. "الجزيرة" للشارع العربي والقواعد العسكرية للأمريكيين، هذه هي معادلة الأمن لقطر أو بالأحرى للنظام الانقلابي (الجديد).(1) تحقيقاً لمقولة "الإعلام - السلطة - المال: مثلث النفوذ وخطاب الصورة.(2)

 

ولكن لو دققنا في منظومة الإعلام الخاص الذي انتشر عبر الفضائيات المتعددة, لوجدنا أنها ليست بعيدة عن التأثير الرسمي من حيث التمويل أو الإدارة, والأصح أن يطلق عليها الإعلام شبه الرسمي عموماً. وهذا ما يفسر تحسن العلاقة بين حكومة قطر والسعودية، بعد أن خخفت قطر من انتقاد العائلة المالكة السعودية على قناة الجزيرة، وذلك يعد استخداماً للقناة كورقة للمساومة في السياسة الخارجية.

 

عام (1998)، تقدمت مجموعة من الإصلاحيين السلفيين بمطلب إلى رئيس مجلس الشورى يقضي بعدم انخراط المرأة في الحياة العامة مراعاة للعادات والتقاليد، وحتى لا تأخذ من فرص الرجال في التوظيف، بما يخل بتوازن المجتمع القطري، فألقت السلطات القبض على (الذي قد يكون متزعم المجموعة عبدالرحمن بن عمير الجبر النعيمي) وقضى (3) سنوات في السجن دون محاكمة.(3)

 

 وتم إقرار الدستور الدائم في دولة قطر في عهد الشيخ حمد بن خليفة بعد التصويت عليه في 29/ أبريل 2003، وأجريت أول انتخابات للمجلس البلدي فضلا عن انتخابات غرفة تجارة وصناعة قطر، إلا أن الدستور بنفس الحال الذي لقيته القوانين والتشريعات فالدستور شبه معطل بالرغم من تضمنهم لمواد قد تكون هي الأكثر مثالية وأفضلية مما يريده أي مواطن ويتمناه.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مأمون فندي، حروب كلامية، الإعلام والسياسة في العالم العربي، ترجمة: تانيا ناجية، الطبعة الأولى، دار الساقي، 2008، ص 109-113.

(2) منذر سليمان، الإعلام - السلطة – المال: مثلث النفوذ وخطاب الصورة، المستقبل العربي، السنة الثالثة والثلاثون، العدد 383، يناير 2011، ص 53.                                 

(3) فتحي عفيفي، الخليج العربي، التعددية السياسية، مرجع سابق، ص 57.

 

تتركز السلطة والثروة في يد أسرة واحدة, على أساس الوراثة وليس على أساس الجهد والكفاءة, وهذا يعني عدم وجود مواطنة موحدة يتساوى في ظلها جميع أبناء المجتمع, وإنما مواطنة من الدرجة الأولى لأبناء الأسر الحاكمة, وهناك مواطنة من الدرجة الثانية لبقية أبناء المجتمع. وهذه الازدواجية في المواطنة تقننها مواد الدستور الحالي التي تنص على أن الحكم هو حكر على هذه الأسرة.(1)

 

تنظر الأسرة الحاكمة إلى الحكم ليس كتكليف من قبل الشعب كما هو يجب، بل أن الحكم أصبح بالنسبة إليها أقرب إلى الغنيمة،(2) التي هي ملك متوارث لها، وبالتالي فلا بد أن تكون جميع السياسات موجهة للحفاظ عليه، وكل ما يتم التنازل عنه لأبناء المجتمع أصحاب كل الحق هو عطية ومكرمة.

 

 وعلى ما سبق يتضح لنا محاولة الأسرة الحاكمة تحقيق الاحتكار لمصادر القوة والسلطة في المجتمع، ومن ثم منع ارتقاء من هو خارج إطار السلطة إلى داخل دائرة السلطة، إلا من ضمن نظام شبيه بنظام الموالي، أي من ضمن علاقة دونية للطرف الأخر.(3)

 

 على سبيل المثال، في بداية اكتشاف النفط، أي عام (1950) تقريبا، كانت فترة ركود أدبي وفكري للأقلام المحلية، صحبها حركة أدبية نشطة من قبل الوافدين والمكتسبين بالشعر، حيث أصبحت (الدوحة) وكأنها عاصمة بني أمية من حيث تسابق الشعراء إليها، وكيلهم المديح لحكامها، بل أصبح قصر (الريان) ينازع قصر سيف الدولة الحمداني في حلب مكانته، فقد كان الشيخ علي بن عبدالله مولعا بالشعر والمدح، فتوافد عليه الشعراء من مختلف الأقطار العربية ليكيلوا له بالمدح مقابل البذخ الذي كان يغدقه عليهم، وكانت تطبع دواوين من المدح على نفقة الدولة وتوزع بالمجان.(4)

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المادة (8) من الدستور الحالي.

(2) يوسف خليفة اليوسف، عندما تصبح السلطة غنيمة، حالة مجلس التعاون الخليجي، المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 351، السنة 21، 2008، ص 73.

(3) خميس حزام والي، إشكالية الشرعية في الأنظمة السياسية العربية، مع الإشارة إلى تجربة الجزائر، سلسلة أطروحات الدكتوراه (44)، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الثانية، لبنان، 2008، ص 101.

(4) محمد عبد الرحيم كافود، الأدب القطري الحديث، جامعة قطر، الطبعة الثانية،ص 92.

 

وفي منتصف القرن المنصرم وبظهور البترول، وإن حصل تحول في نوعية أبناء القبيلة من حيث التعليم والأنساق الثقافية أو نمط زعاماتها، فهي أساسا للنظام الاجتماعي، وداعما للنظام السياسي، ومصدرا مهما في بنية الجيش والأجهزة الأمنية, إلا أنه أدخل على استخدامها تغيرات كبيرة، استجابة لضروريات إنشاء جهاز دولة حديث، فطرحت النخبة الحاكمة عنها لباسها الاستبدادي التقليدي، واستبدلت به آله سلطوية، حديثة ذات كفاءة، وأسفرت هذه التحولات عن نشوء شبكة معقدة من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية التي بقيت محكومة بالترتيبات القبيلة، تتدرج إلى طبقات على أساس الولاءات القبيلة، تعمل على تلطيف تأثيرات السياسة السلطوية على السكان، أي إرهاب الدولة الجماعي المنظم.(1)

 

وصاحب النفط ظاهرة الرخاء والازدهار، وهي ليست مؤشرا حقيقيا على كفاءة أداء الاقتصاد الوطني، أو مستوى تطور المجتمع أو درجة تصنيعه، بل هي في حقيقتها ظاهرة رخاء سطحي، أعاقت عملية التنمية الحقيقية عن طريق دفع الناس إلى الاستهلاك واللامبالاة في النظرة المستقبلية للأجيال القادمة، وإلى زيادة الإنفاق والنظر إلى الثروة الطارئة على أنها موجودة ولا تكلف أحداً جهداً، وهذا بدوره جعل العلاقة بين مستوى الإنتاج والاستهلاك شبه معدومة، حيث أخذ مستوى الاستهلاك يتضخم بشكل مخيف، وبذلك خلقت الإنسان المستهلك وليس المنتج.(2) وهذا الوضع من الرفاهية شجع الأسرة الحاكمة على خلق تمايز بين التكوينات القبلية طبقا لقرابتها من هذه الأسرة ما جعل المقربين منها يحرصون على استقرار وجودها, ووصولهم إلى مراكزهم بحكم نفوذ الأسرة فقط دون كفاءة تذكر وعدم وصول أهل الكفاءة , وان وصل البعض فلا يوجد أمان وظيفي له على الإطلاق.

 

 أدى هذا إلى السلبية في العمل واللامبالاة بالمصلحة العامة, بل محاولة الوصول بطرق أخرى لا علاقة لها بالانجاز, وعززت قيم الواسطة, وتركز آل ثاني وحلفائهم من أصل قبلي في الوظائف المتعلقة بالأمن والجيش, وتحددت سياسة توزيع الثروة والسلطة على هذا الأساس القبلي وظل التغير محكوما بقيم مجتمع ما قبل النفط، ولم يوازي  العائدات النفطية التي تتدفق.(3)

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) خلدون النقيب، صراع القبيلة والديمقراطية، حالة الكويت، دار الساقي، بيروت، 1996، ص 21.

(2) خلدون النقيب، مرجع سابق، 1987، ص 125، خضير عباس حمد علي، التنمية الزراعية في بعض أقطار الخليج العربي، واقعها وآفاقها المستقبلية، منشورات دراسات الخليج العربي بجامعة البصرة، الطبعة الأولى، 1982، ص 63.

(3) موزه الجابر، مرجع سابق، ص 320. 

 

 للاطلاع على الجزء الاول :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

دراسة توثيقية إعداد / ناصر محسن وآخرون بدافع وطني بحت - الحكم الاستبدادي وآثاره النفسية والاجتماعية - حالة حكم أسرة آل ثاني في قطر - حصاد الاستبداد

 

 





الاثنين٢٢ رمضـان ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٢ / أب / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب دراسة توثيقية - إعداد / ناصر محسن وآخرون بدافع وطني بحت نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة