شبكة ذي قار
عـاجـل










يا ترى .........
من الذي يُدخلّ في عقولنا ويغرس في أذهاننا فكرة أن حكامنا دكتاتوريين، اضطهاديين يجب قلعهم من جذورهم بقوة السلاح واستقدام القوات الدولية؟ ومن الذي يدفعنا لمحاربة حكامنا وشن الهجمات ضدها وكيل التهم لها والاستنجاد بقوات دولية لتحريرنا من بطش حكامنا المتوحشين، عديمي الأخلاق والقيم وأصحاب الضمائر الميتة.


وحكامنا جميعاً لا يحترمون حقوقنا ويمارسون ضدنا العنف ويلقون بنا إلى السجون والدهاليز المظلمة ويمارسون معنا الفواحش والمنكرات.
ومن الذي يزرع في عقولنا المريضة فكرة مفادها أن أمريكا ديمقراطية حريصة على حقوقنا الإنسانية وتحبنا حد أن تضحي بـأرواح الآلاف المؤلفة من جنودها وآلياتها ومعداتها الحربية وتضحي بسمعتها الدولية وبثرواتها ومواردها لتقيم لنا دولة ديمقراطية جميلة كالتي أقامتها في العراق.


من الذي جعلنا ننتشي فرحاً واغتباطاً كلما خرج الرئيسي الأميركي أو من يمثله ليدلي بدلوه بشأن حقوقنا الإنسانية التي يستبيحها وينتهكها أبشع انتهاك حكومنا المجرمون؟.


ثم منذ متى كانت أو أصبحت أمريكا (شريفة) تعمل لإحلال الديمقراطية في بلدننا وتعمل لإعادة حقوقنا التي استلبها حكامنا؟؟.
ولماذا يجب أن نصدق أن الرئيس التركي اوردغان حريص على سورية وشعبها أكثر من بشار الأسد وأن الرئيس الإيراني أحمد محمود نجادي حريص على العراقيين إلى درجة أنه لا يتورع عن حفر سراديب تحت الأرض لدفن العراقيين فيها خوفاً عليهم من حرارة الشمس.


هذه الهواجس كلها تدور في رأسي وأستغرب أن لا تمر في خاطر مواطن عراقي أو مواطن عربي ولاسيما في بلدان (الربيع العربي). واستغرب أن لا يمر في أذهان ثوارنا العرب في ليبيا وسورية واليمن وهم يناضلون لتحرير بلدانهم من حكامها لتسليمها على طبق من ذهب إلى أمريكا أو إيران أو الحلف الأطلسي الذين سيكون (أكثر حناناً وشفقة وإنسانية) من حكامها؟.


نتغنى بحضاراتنا ونكتب القصائد ونشعل في اليوم ألف شمعة وننادي بأننا شعب الحضارات، وأن بلداننا شهدت ولادة أقدم الحضارات.. ونتغنى بأننا علمنا الإنسانية جميعاً فنون الكتابة والموسيقى والزراعة والصيد والطب ثم ببساطة نأتي ونسلم بلدان الحضارات إلى بلدان نشأت (البارحة) لكنها تقدمت وتطورت وأخذت منا الفنون لأن شعوبها كانت إنسانية أكثر منا وتحترم أوطانها أكثر منا.


نسلمٌ أوطاننا بأيدينا وندعو دول الاستعمار لتستعمرنا ونحن في عقر دارنا بعد أن يصدق بعضنا ما تزرعه دول الاستعمار في عقولنا من أن حكامنا يبطشون بنا وأن حقوق الإنسان في بلداننا في خطر.


تحت هذه المسميات كلها، احتلت أمريكا العراق من جهة ومهدت لإيران احتلاله من جهة وأصبح العراق ساحة مفتوحة للإرهاب والقتل والفساد بعد أن غذته أمريكا بعناصر الإرهاب والفساد كلها، نصبت حكومة تمتهن الإرهاب والفساد والقتل والسرقة على أصولها بعد أن أدخلتها بدورات مكثفة استمرت سنوات معارضة الحكم الوطني في العراق لتخريب البلد تخريباً كاملاً يعيده إلى عصر ما قبل الكتابة، لا إلى عصر ما قبل الصناعة.


وكما أعيد العراق إلى عصر ما قبل الكتابة ، ستعيد أمريكا وحليفتها إيران دولنا العربية كلها (من المحيط إلى الخليج) إلى عصور ما قبل الكتابة والحضارة أيضاً وسيعم الجهل والتخلف والأمية تلك البلدان كلها كما عمت العراق.


نوايا أمريكا وإيران ليست حسنة وهذه ليست جديدة، فالذي حصل في العراق يجب أن يتخذه إنموذجاً الذين يرومون تغيير أنظمتهم الوطنية إكراما لعيون الأخيرتين اللتين تحرضان الشعوب على حكامها لأسباب معروفة تتعلق بالمواقف السياسية لتلك الأنظمة.


وكما كانت المعارضة العراقية (سيئة الصيت والسمعة) أداة بيد أمريكا لتدمير العراق واحتلاله ونهب ثرواته وانتهاك حرماته، تستغل اؤلئك الذين سموا أنفسهم ثواراً لإعادة المسرحية من جديد في كل من سورية وليبيا واليمن والبحرين والحبل على الجرار..


مهزلة تحرير الشعوب من أنظمتها القمعية والدكتاتورية والتي بدأت في العراق (والله وحده يعلم) بمن ستنتهي – يجب أن تنتهي وأن تستيقظ الشعوب وتعي وتستقرئ الواقع جيداً وتتخذ من العراق إنموذجاُ في خطواتها التحررية كلها كما تسميها.

ولتعلم تلك الشعوب أن أولى تباشير احتلال أوطاننا تبدأ بكيل التهم بأنظمتنا الوطنية والمناداة بإسقاطها من قبل بعض الذي يسمون أنفسهم ثوارا أو مناضلين مدفعين بصورة واضحة جلية للعيان من قبل أمريكا أو حليفاتها.


ولتكن تلك الشعوب واثقة من أن الثورة التي تحظى بمباركة أمريكا أو دولة حليفة لها هي ثورة غير نظيفة ولا يمكن أن تكون بيضاء يقودها ثوار ليست لهم ذيول مع أمريكا.


ويجب أن تؤمن الشعوب برمتها أن الثورة الحقيقية الواجب قيامها الآن هي ثورات تحرر بلداننا المغتصبة مثل العراق وفلسطين والجولان من الاحتلال، وتأجيل ثورات تحرير الشعوب من أنظمتها، إن لم نقل إلغاءها لأن النفوس أصبحت تقرف منها ورائحتها أصبحت تزكم الأنوف ولأن أمريكا هي التي تقف وراءها وتغذيها لغاية في نفسها.


وقد يبرئ احدهم ساحة هذه الثورات من ولائها لأمريكا أو لإيران وتفسرها صحوة شعوب والنهوض من الركود والسبات التي غرقت فيها لسنوات طويلة تمتد إلى أربعين أو خمسين عاماً لكننا نعود لنقول أن صحوة الشعوب كان ينبغي أن تكون صحوة لتحرير ما اخذ من جسم الأمة بالقوة لا تقديم المزيد من الأوطان قرباناً لأمريكا و حليفاتها الذين يقدمون لنا كؤوس الديمقراطية ممتزجة بدماء الملايين من أبنائنا ، من هنا وهناك.


ومتى كان الذئب حريصاً على الحمل ؟

 

 

كلشان البياتي
كاتبة وصحفية عراقية
Golshanalbayaty2005@yahoo.com

 

 





الثلاثاء١٦ رمضـان ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٦ / أب / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب كلشان البياتي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة