شبكة ذي قار
عـاجـل










متى تكون الدبلوماسية بديلا عن قانون القوة في علاقات الدول ؟
بل هل هناك دبلوماسية قوية دون أن يكون البلد قويا في كل شيء وقادرا على الدفاع عن مصالحه وحقوقه ؟ وهل عرفنا في تاريخ الأمم والشعوب وخاصة في منطقة الشرق الأوسط بلدا قويا في سياساته وعلاقاته مع الدول الأخرى دون أن يمتلك قوة عسكرية جاهزة للتحرك عندما تصل الخيارات الأخرى إلى طرق مسدودة ؟ وما هي الحدود التي يجب عندها الانتقال من خيار إلى آخر تصعيدا في لهجة الخطاب السياسي أو تخفيفا له ؟ وهل يتم ذلك دون الاستناد الميداني إلى قوة عسكرية واقتصادية يعيها الطرف الآخر بل يلمسها دون لبس أو غموض ؟


هذه الأسئلة وغيرها كثير تترابط وتتقافز أمام كل مهتم بالشأن العراقي حينما يرصد عبثا صبيانيا ومراهقة سياسية وجهلا بكل قواعد العمل السياسي والدبلوماسي من قبل الحكومة المنصبة على العراق في تعاملها مع جميع الملفات التي تخص المصلحة الوطنية العراقية، وبشكل خاص إذا ارتبط الملف بصلة ما مع إيران، حينذاك لن يفاجئ العراقي إذا ما وجد لغة ذليلة تستجدي العفو والمغفرة من إيران حتى حينما تقوم الأخيرة بقطع شريان الحياة عن سكان خانقين ومزارعيها وتقتل بساتينهم بتحويل مسار نهر الوند، أو تذبح نهر سيروان الذي يغذي نهر ديالى فتصيب حوض هذا النهر بفقر دم غير مسبوق حتى أيام حرب الثماني سنوات، وإذا ما تحرى المراقب الحصيف العراقي وغير العراقي عن أسباب ذلك لن يتأخر في معرفة الجواب، بأن إيران وفي كل العهود التي تعاقبت عليها تخاف ولا تستحي، ترغم على احترام التزاماتها الدولية ولا تحترمها من تلقاء نفسها، وأنها حينما تجد استعدادا لمواجهتها تتراجع عن سياستها العدائية والتي في واقعها لا تستند على قوة حقيقية قادرة على فرض املاءاتها على الطرف الآخر، بقدر ما تمثل شعارات قوة جوفاء تطرحها بمناسبة وغير مناسبة عن انجازات في برنامجها النووي تارة أو تقدم في تجاربها الصاروخية تارة أخرى وكأنها تسعى إلى تحقيق أهدافها بالردع مما لم تتمكن من تحقيقه بالحرب . وفي محاولة منها لاستدراج العراق إلى مواجهة غير متكافئة في هذا الظرف العراقي البائس والعصيب والناتج عن ظروف الاحتلال الأمريكي الذي دمر قدرات العراق العسكرية والاقتصادية وتركه يعيش دوامة من الأزمات والمشكلات المستعصية على الحل وخاصة الانفلات الأمني والناجم عن أزمة سياسية مستعصية على أي حل، فإنها تعتمد سياسة الذهاب بملف التأزيم إلى مدياته النهائية والوصول به إلى حافة الهاوية مستغلة حالة انعدام الوزن التي يعيشها العراق منذ عام 2003 وحتى اليوم ، غير أن هذ السياسات التي تمارسها إيران مع العراق لم تواجه برد فعل على الأقل من باب ذر الرماد في العيون من جانب الحكومة في بغداد ممثلة بوزارة الخارجية التي يتولاها شخص كردي كان قد أضعف مركز العراق بتصريحات تنم عن جهل مركب بأساليب العمل الدبلوماسي في التعامل مع الاعتداءات الإيرانية على حدود العراق في المنطقة الشمالية عندما قال ردا على احتلال القوات الإيرانية لثلاثة معسكرات في قضاء جومان إن هذا الموقف لن يرد عليه إلا بالحوار الدبلوماسي، متجاهلا أن إيران لم تكتف بذلك الاحتلال بل دفعتها غطرستها إلى إعلان ذلك الاحتلال صراحة وعبر أجهزة الإعلام ومهددة بمزيد من ملاحقة المعارضة الإيرانية داخل الأراضي العراقية، متجاوزة كل الأعراف الدبلوماسية في العلاقات بين الدول، في سابقة فيها من الغطرسة الفارغة التي قادت إيران في الماضي إلى ذل هزيمة تاريخية تجرعت فيها كأس السم بقبولها لقرار مجلس الأمن الدولي 598 الخاص بالحرب العراقية الإيرانية في عقد الثمانينات من القرن الماضي، ولا نعرف كيف يستطيع وزير خارجية حكومة الاحتلال إخراج القوات الإيرانية بحوار لا يمتلك من أدواته شيئا ؟ فالحوار يجب أن يكون متكافئا بين دولتين لهما ذات القدرات العسكرية والاقتصادية ؟ ولا يدري أحد أبدا كيف سيتمكن بدبلوماسيته العرجاء أن يقنعهم بوقف هجماتهم على الأراضي العراقية وتشريد سكانها إن لم يتسلح بقدرة دولة قوية لإيصال إيران إلى حافة التسليم بحقوق العراق كاملة غير منقوصة ؟


ترافقت مع هذا الموقف الخنوع من الحكومة وبرلمان العملية السياسية، مواقف مماثلة لما يسمى بسلطة كردستان في شمال العراق والتي تمتلك قوات مسلحة تفوق قدرات الجيش الحالي الذي تم تأسيسه بعد قرار بول بريمر بحل الجيش العراقي الوطني، وهي قوات البيشمركة التي يراد لها أن توسع سلطة الحزبين الكرديين إلى خارج محافظات الحكم الذاتي الثلاث دهوك وأربيل والسليمانية لتشمل ما يسمى بالمناطق المتنازع في محافظات التأميم وديالى ونينوى، وتنتشر بعملية استعراض قوة فيها متحدية مشاعر سكان تلك المدن وأجهزة الحكومة المركزية في بغداد، مما يطرح تساؤلا ملحا، إذا كانت البيشمركة قادرة على صيانة ما تسميه مصالح الشعب الكردي فلماذا لا توظف هذه القوة لحماية أكراد المناطق الحدودية من القصف الإيراني ؟ ولا ترد ولو لمرة واحدة كي يعرف الإيرانيون أنهم يواجهون شعبا على استعداد للدفاع عن أرضه وممتلكاته كما ينبغي لكل شعوب الأرض، أم أنها قوية ونشطة وفاعلة مع أبناء وطنها من العرب والتركمان والمسيحيين فقط ؟ وتتحاشى الصدام مع الإيرانيين خوفا أو ردا لجميل قديم بذمتها عن أيام احتضانها من قبل الزعامة الإيرانية في زمن الشاه وفي العهد الجديد الذي أعقب مجيء الخميني إلى الحكم عام 1979 ؟ ثم أن المراقب لا بد أن يلاحظ كذب مزاعم زعامة الحزبين الكرديين اللذين يستأثران بمكاسب السلطة في شمال العراق ويطرح سؤالا عن مدى مصداقيتهما في الدفاع عن قضايا الأكراد والتي ظلت قضية للكسب السياسي الرخيص تستخدمها تلك الزعامة في بورصة المزايدات السياسية .


 إننا نعرف أن صيانة حدود العراق مسؤولية وطنية شاملة ويجب أن تحشد الحكومة التي تزعم أنها تمثل العراقيين للتصدي لها، لأن هذه المهمة لا تقتصر على سكان المنطقة أو سلطاتها المحلية، ولكننا حينما نطرح القضية بتكييفها هذا إنما نحاول أن نؤكد أن هناك تواطئا كاملا مع إيران يشارك فيه جميع من بيدهم سلطة القرار السياسي والأمني في السلطتين المركزية والمحلية على حد سواء تم دفع ثمنه في الماضي وبات مستحق السداد هذه الأيام .


غير أن هذا لا يحجب الحق لكل عراقي أن يسأل عن مسؤولية قوات الاحتلال الأمريكي سواء بموجب قرارات مجلس الأمن ذات الصلة أو بموجب الاتفاقية الأمنية الموقعة بين رئيس مجلس الوزراء والرئيس الأمريكي السابق جورج بوش عام 2008 ؟ أم أن الولايات المتحدة التي أثخنت المقاومة جراحها وأفشلت مشروعها في الشرق الأوسط، باتت كما أعلن قادتها السياسيون والعسكريون مرارا عن عدم قدرتها على خوض معركتين في وقت واحد، فهي غير راغبة أو غير قادرة على فتح جبهة جديدة لقواتها مع إيران، أم أن الأمر يرتبط بتوافق لا يستطيع أحد إنكار وجوده بين الولايات المتحدة ونظام الولي الفقيه على كل الملفات الشرق أوسطية والتي بدأت خطوتها الأولى بتدمير قوة العراق السياسية والاقتصادية والعسكرية، ومن ثم الانتقال إلى الخطوات التالية التي تطلق يد إيران في المنطقة والتي بدأت أولى صفحاتها بعد أن أزيل السياج الشرقي للأمة العربية من خارطة الجغرافية السياسية .

 

 





الاربعاء٢٦ شعبان ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٧ / تمـــوز / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة