شبكة ذي قار
عـاجـل










( مَن لا يحمي نفسه لن يجد مَن يحميه )

 

      

أنجبت حقبة الاستعمار التقليدي ونتائج الحرب العالمية الثانية نظاما عربيا بسمات وقسمات مميزة يجعله تحت قبضة الدول المنتصرة في الحرب  ووجد العرب أنفسهم يحجرون في نوعين من القيود الجائرة :

 

الأول : إنهم ليسوا وحدة جغرافية واحدة كما هو حالهم فعلا الذي وجدوا به منذ الأزل وكما يتمنون ويرغبون بل يتوزعون على وحدات قطرية مستقلة وذات سيادة افتراضية مقحمة إقحاما لا يجد له أرضا يستند إليها إلا في إنتاج عوامل تغريب العربي عن أرضه وإخوته ووضع كريه يتعاطى معه مكرها ولا يجد فرصة ولا وسيلة للإفلات منه فيركن إلى عقده التي ينتجها الإحباط وغربة الذات مع إنها تعيش في قلب محيطها. أهداف هذا التقسيم أثبتتها أحداث السنوات الواقعة بين تنفيذ اتفاق سايكس – بيكو لتقسيم الوطن العربي وعام غزو العراق 2003 م. لم يعد احد يتحدث عن مؤامرة ضد العرب، بل إن من سعى إلى التقسيم والى تكريسه قد أسفر بما لايقبل اللبس عن قناعاته وما ينتج عنها من أفعال وسياسات تبرهن إن الوطن العربي هو منجم تمويل الغول الصناعي والمحافظة على هذا المنجم وعلى ديمومة إمداداته من النفط والمعادن النفيسة والسوق العامرة لاستقبال كل منتجات الغول الصناعي العسكرية والمدنية هو محرك كل سياسات الامبريالية وسواندها المختلفة دون اعتماد أي اعتبار لمصالح العرب وان الأنظمة التي سلطت علينا هي محض خدم لهذا المنهج.

 

الثاني : إن العرب يقبعون في الترتيب الثالث بين مجموعات العالم المقسمة طبقا لتطور آلة الإنتاج الصناعي وما يرتبط به ويتفرع عنه من نمو وتطور اقتصادي واجتماعي.

 

ومع تعاطي الامبريالية, كأعلى مرحلة من مراحل الاحتكار والجشع المادي, مع حال العرب ضمن إطار القالب الذي وضعوا فيه كمجموعة بشرية, فان أدواتها وأقطاب رحاها ظلت تطحن حركة الحياة وتمنع أي نماء حقيقي فيها عن طريق الإمساك بعنق الأنظمة التي تم تسليمها زمام الحكم بعد جريمة التقسيم والافقار. وأعمق من هذا, فان الغول الصناعي ودوله المعروفة قد جعلت من الأنظمة العربية المختلفة وسيلتها الناجعة لمنع العرب من الانتقال إلى أي مستوى تخطو فيه خطى حقيقية خارج دوائر التخلف والفقر. من هنا وقع الحيف على العرب حيث صار زعماءهم وقادتهم هم أدوات تمزيق النسيج الاجتماعي وإنتاج واقع سياسي مهلهل غير مبدئي ولا أخلاقي وضائع بين الذات وبين الموضوع.

 

إن من بين أدوات حجر العرب في خانات البؤس الاجتماعي والسياسي هي  إدامة مسارات تخلف النظام السياسي وأبقاءه خارج أي اتجاه للتطور بهدف الإبقاء على طاقات الإنسان المرتبطة بحريته والإحساس العام بإنسانيته خارج اطر الارتقاء والنمو التي يجب أن تكون حتمية وطبيعية وإلا فان وصفها سيكون اقرب إلى وصف حالة الموت السريري وهو الوصف الأقرب إلى حالنا الفعلي في امتنا المغلوبة على أمرها. وقد تحول تحجر النظام السياسي العربي إلى إحدى نقاط الوهن البارزة في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وصار تغيير الأنظمة في بلدان (سايكس بيكو) بالانقلابات العسكرية أو بتخطيط خارجي هو إحدى أدوات إرباك الزمن العربي ووضع حركته في اطر سلبية تنأى به كل يوم عن الايجابية التي هي السمة الضرورية لأي نظام سياسي يحكم أي بلد و التي صارت إحدى حلقات التحكم برقابنا وتوجيه مقدراتنا من قبل الامبريالية والصهيونية ومَن يلتقي معها تكتيكيا أو استراتيجيا في خط التعاطي مع الكنوز المزروعة في بطون الوطن العربي.

 

المفصل الخائر الآخر الذي تحرك في جسد العرب عموما كعامل مستقل بذاته أو كونه يتداخل مع عامل النظام السياسي الفاسد واكتشفته أميركا وحلفاءها الدوليين ومن دول جوار العرب واستخدمته في بناء متأن وطويل الأمد حتى تحول إلى إعصار يمكن أن تحركه الامبريالية والصهيونية وأدواتهما وحلفاءهما هو التركيب الطائفي للإسلام الذي دخلت منه أميركا وبريطانيا وفرنسا وشركاءها لتحوله من طابعه الديني المتوقف عند حدود الجدل الفكري والفقهي والتشريعي إلى قوى سياسية تتستر بستار الدين والطائفة وتقتتل وتقاتل بشراسة لاستلام الحكم بأي ثمن كان حتى لو كان بالتوقيع على صكوك الخيانة العظمى .

 

عامل الأنظمة :

مؤكد إن الكثير قد قيل وكتب عن الخلل في النظام العربي الرسمي السياسي الذي اخذ طابعه وقالبه وكينونته بعد الحرب العالمية الثانية وفي إطار القطرية التي أنتجها اتفاق التقسيم المشئوم. غير إن تحليل هذا النظام كتركيب ومنتجات ومدخلات قد ركز في الأعم الأغلب على نظرة أحادية في التقييم ألا وهي إدانة هذا النظام على انه مولود على مفاسد وأخطاء عضويه وراثية ولم يتم الالتفات كثيرا إلى عوامل التسيير الخارجي وسطوته المطلقة في منح هذا النظام سماته القبيحة و منها التمسك بالبقاء بقوة بوليسية مفرطة أو بانصياع ذليل لسلطة القبيلة أو بالخضوع لعوامل الفساد المالي والإداري وسلطة المستفيدين منها إلا ما ندر وان حصل أي دخول في هذا الجيب فانه سيوضع في إطار عقدة المؤامرة. لقد تشكل النظام العربي من قوى خانعة للغول الصناعي وخادمة لشرهه وجشعه . ولكي تحقق أهداف الغول الامبريالي فان دورها قد رسم مسبقا وتمت زراعة الشيطان في أحشاءها لتحافظ على أدوات التركيع وأولها أن تبقي على كل مظاهر التخلف والفقر في حياة العرب لكي لا تسمح بأية نافذة لأنوار للحياة تدب في الجسد العربي. وعندما برزت طبقة عربية واعية مثقفة ومتطلعة لإعادة بعث الحياة في جسدنا المتداعي بأنشطة فردية أو بواسطة حراك سياسي عمدت الأنظمة السايكس بيكويه إلى اعتماد أساليب الاضطهاد والتعسف واستبدال الحياة الحوارية المعتمدة إنسانيا إلى اقتتال وخلافات عقائدية وأنتجت صورة وضيعة لعلاقة القوى السياسية مع بعضها البعض ومع محيطها الاجتماعي عموما.

 

إن اسؤا ما طبع به مجتمعنا العربي كنتيجة لممارسات الأنظمة العميلة والرجعية أو التي قفزت بروح مراهقة ونزقة إلى عوالم ثورة مشوهة المعالم بطبيعتها وبروح ولادتها المنفعلة الواقعة تحت عوامل انفعال وتحدي مؤسس  أصلا على اعتماد العداء الإيديولوجي والضياع بين الحق والباطل وبين الصدق والكذب في التعاطي مع الاحتياجات الحقيقية لشعبنا والممارسات المحلية والدولية, التي هي نتاج طبيعي لطبيعة تعاطي النظام الرسمي العربي مع حركة الحياة السياسية في الشارع العربي. وكان دور الأنظمة العربية بارزا في تكريس هذا الواقع المريض عبر تنفيذها لمخططات التآمر المخابراتي لدول الغول الصناعي الامبريالي الهادفة إلى تعميق جراح الصراعات السياسية بين طلائع الأمة كي لا تتمكن هذه الطلائع من التعامل بهدؤ وموضوعية لإنتاج علاقات ورؤى معقولة ونابعة من قواسم مشتركة بين القوى السياسية المحتربة إعلاميا أو بالسكاكين والبنادق وهو أمر عقد مشهد الصلة بين الشعب العربي عموما وبين القوى السياسية التي توزعت بين ولاءات ايديولوجية مستوردة وأخرى تتعاطى مع الماضي وكأنه نهاية الحياة وأخرى قومية اجتهدت في الانتماء إلى الإرث الثقافي للأمة وأخرى إلى روح المنتج الروحي للأمة محتمية بقدسيته و سواها قوى أخرى تعكزت على القطرية كواقع حال تستمد منه الحماية من وهن قدراتها العقائدية. الوقائع والأحداث كلها تبرهن على إن أنظمتنا قد نجحت في فصم عرى العلاقة الإنسانية بين القوى السياسية التي كان من المفترض أن تمثل نموا طبيعيا في حركة الحياة إلى أمام من جهة وبين هذه القوى وسواد الناس عن طريق إتلاف كل منصات الثقة والتواصل الايجابي.وكل هذا الهرج والمرج والفوضى المدمرة كان يحرك بمجسات محكمة التوجيه بما يؤدي في النتيجة النهائية إلى إبقاء الأمة إما تراوح مكانها بائسة مقهورة أو تندفع بعوامل داخلية وأخرى خارجية نحو مزيد من التفتيت والاحتراب الداخلي.

 

قد يقول قائل إننا ما زلنا نخضع لعقد المؤامرة من جهة وأننا أيضا ما برحنا لغة إلقاء التبعات والملامة على العوامل الخارجية. ونحن نزعم إن مرحلة ما بعد احتلال العراق وفترة الإعداد والتمهيد لها قد أسقطت صورة المؤامرة السرية وانتقلت بحركة الغول الصناعي الامبريالي الصهيوني إلى السطح والى الفضاءات الفسيحة وبدون مقبلات ولا تزويق أو تجميل يغطي بعض سمات البشرة المجدورة والجرباء والمليئة بالثور في اقل تقدير بل وبدون حياء أو مواربة ولا تردد بعد أن تمكن القطب الامبريالي من الانفراد بدفة إدارة إحداث العالم على أنقاض الشيوعية ونظمها المتهاوية بضربات السلاح الإعلامي والإعلامي فقط لا غير كعامل إسقاط مركزي . إما الركون إلى العامل الخارجي فإننا نعلن عن قناعات ثابتة ونهائية إن كل ما حصل في امتنا من شرور وإخفاقات ومشاكل من أهمها إدامة التخلف كعلامة  وماركة مسجلة والفقر والجهل والارتباك وعشوائية الحراك وظلامية التصورات هي بسبب سقوط جل أنظمتنا السياسية بناءا وتركيبا وسلوك تحت هيمنة العامل الخارجي وهو سقوط لا يعود كله إلى إرادة الخارج بل تغذيه طبعا روح العجز واستجداء الحماية التي تنبع من داخل الحكام العرب الفاشلين. كما إن انفلات بعض بقعنا عن عقال السائد كان يقع هو الآخر تحت مطارق قوة الفعل المضادة التي لا يمكن إلا أن تصل به إلى نهاية الموت المؤكد عندما يجد الغول نفسه مضطرا لاستخدام عصا الموت لإنهاء حالة الانفلات خارج المألوف وخارج خطوط السماح الامبريالية- الصهيونية ليس فقط لإثبات قدراته الضاربة للحفاظ على مواقع كنوزه بل وأيضا لإيصال العربي الفالت من سيطرة الحالة السائدة إلى مكبات اليأس والقنوط وإرغامه على الاستسلام واليأس من فرص نجاح الانفلات التي ركب أجنحتها.

 

إن من يظن إن الغول الصناعي الامبريالي الصهيوني يمكن أن يتساهل في ترك العرب يقررون إنتاج النظام السياسي المختلف عن ذاك الذي زرعه نسيجا في أعضاء الأمة لا بد أن يكون قد وصل إلى قناعة مفادها أن بوسعه أن ينتصر على هذا الغول وهو لم يوفر بعد كامل عوامل الانتصار ويسقط في وهم إن تغيير قمة الهرم السياسي هي غاية بحد ذاتها وليست وسيلة أولية في طريق الإلف ميل. إن الثورة العربية الحقيقية التي تقتلع النظام المنتج بعد جريمة التقسيم تحصل في حالة واحدة وهي توفير أدوات الانتصار ومنها حشد طاقات كل الشعب العربي تحت سقف النزوع الوحدوي الثائر واستخدام قدرات الأمة العسكرية والمدنية والمادية فورا في تأجيج الاحتراق الذي لا بديل عنه لإنتاج الأمة النقية المنطلقة بإيمان يضاهي على الأقل إيمان الغرب وغوله الصناعي بذاته وهذا يعني أن تكون الثورة تمثلا لانقلاب بركاني على الذات العربية المستلبة وتحت شعار لا يأتيه الخطأ من أي اتجاه : من لا يحمي نفسه لا احد يحميه ومن لا يوفر متطلبات الثورة الحقيقية يبقى يراوح تحت سطوة الغول والثورة الحقيقية كائنة وتعتمل بثبات في أوصالنا عبر المقاومة العراقية والعربية وعبر نضالات القوى القومية والوطنية والإسلامية غير الطائفية حتى لو اعترفنا جدلا إنها تحتاج إلى مزبد من الارتقاء بفعلها لتصل إلى مستوى التحدي غير إن إدراك الغايات الوطنية والقومية ممكن حتما مادامت الخطى على الدرب قائمة..

 

 





الخميس٢٠ شعبان ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢١ / تمـــوز / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة