شبكة ذي قار
عـاجـل










هل تركيا مع الغرب .. أم مع مصالحها ؟
هل تفتش تركيا عن دور إقليمي ؟
ماذا يعني تكليف تركيا بإنشاء نظام أمن إقليمي في الخليج؟
ما هي خيارات اللعبة الإقليمية ؟!


مقدمة :


قد تغير السياسات الدولية أنماط العلاقات الثنائية والإقليمية حين تتدخل.. وتدخلها غالباً ما يكون ليس لصالح علاقات ثنائية محددة ومقصودة، إنما لمصلحة تلك القوة الإستراتيجية، التي تؤثر في مجرى الصراع والتنافس، بهدف تغيير الاتجاهات التي لا تخدم مصالحها.


والتساؤل الكبير هنا، هل انحسرت السياسة التركية الموالية للغرب إثر أزمتها المستعصية مع الإتحاد الأوربي، كما يزعم البعض، كي تقدم تركيا نفسها على أنها تتطلع نحو بيئتها الحقيقية ؟ بمعنى ، هل تركيا قد أيقظ نزعتها العثمانية حزبها الحاكم لملء فراغ التأثير السياسي وفراغ نظام القوة في المنطقة؟ .. أم أن تركيا مأخوذة بتطلعها صوب عضوية الإتحاد الأوربي مهما كان الثمن باهظاً؟ .. أم أنها تعمل في الاتجاهين معاً، فهي لن تكف عن التطلع إلى هذه العضوية، كما أنها قد اقتنصت الفرصة التاريخية لكي تلعب دوراً مؤثراً يخدم مصالحها ومصالح الناتو في آن واحد ؟!


المدركات الغربية الإستراتيجية تشير إلى الآتي :


أولاً- إن تركيا ما تزال تحتفظ بأهميتها الجيو- بوليتيكية حتى بعد انهيار الإتحاد السوفياتي .


ثانياً- تركيا باتت نقطة الارتكاز ( Energy Crossroads ) بين أوربا والعمق الآسيوي من جهة، وبين أوربا ومنطقة " الشرق الأوسط " المضطربة من جهة أخرى . وكلا الاتجاهين يعتمدان على الطاقة ( نفط وغاز ) ، فضلاً عن التجارة بكل روافدها الاستثمارية في شكل مناطق جغرافية – اقتصادية ( Geo- Economic ) .


أمام هذا الواقع الصارم والتحولات التي أصابت موازين القوة على المستوى الدولي والإقليمي .. كيف تفكر تركيا القوة الإقليمية حيال مصالحها ومصالح حلفاؤها ومصالح أصدقائها ؟! وكيف تضع المعايير لتخط المسافات المحسوبة في مسائل توازن القوة وتوازن المصالح ؟!


البعد الأكثر أهمية هو الدور المنوط بتركيا من قبل حلف شمالي الأطلسي ال ( ناتو ) في بلورة نظام الأمن الإقليمي في المنطقة بما يحقق المشروع الأمريكي الصهيوني المشترك "الشرق الأوسط الجديد" في بعدين اثنين :


الأول- الانخراط في لعبة تغيير الأنظمة العربية ب ( تأجيج ) الداخل العربي المأزوم والتدخل الإستخباري والعسكري في شؤونه الداخلية فيما بعد ( ليبيا وسوريا نموذج ) .


الثاني- إقامة معادلة الأمن الإقليمي تبدأ في الخليج العربي ويصار إلى أعمامها على المنطقة برمتها.. ومبادرة اسطنبول للتعاون ( ICI ) ، التي أطلقها حلف شمالي الأطلسي في قمته التي عقدت في تركيا في حزيران عام 2004 تعد الخطوة الإستراتيجية الأولى التركية- الأطلسية في هذا المجال ..وترجع هذه الخطوة المهمة إلى ما يسمى " تعاون شرق أوسطي" أطلقه مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط في تشرين أول عام 1991 مع حزمة من الاتفاقيات المرافقة ، فيما تأتي مذكرة " تفاهم للحوار الإستراتيجي" التي وقعتها دول مجلس التعاون الخليجي مع تركيا، لتتوج مبادرة اسطنبول الأطلسية أنفة الذكر.!!


وعلى هذا الأساس، فأن لتركيا " وظيفة جغرافية- سياسية " :


أولاً- تعني بنظام الأمن الإقليمي في منطقة الخليج العربي تمهيداً لتشمل المنطقة.
ثانياً- تعني بسياسة الطاقة وأهميتها الأوربية .
ثالثاً- تعني بأهمية القيمة الاعتبارية والحضارية والنموذج الإسلامي ( المعتدل ) !!


ترى تركيا أن الشرق هو بيئة لها أهمية في تعزيز مكانتها الدولية ونموها الاقتصادي. ومن هنا فأن البعض يتصور أن تركيا قد أعادت النظر بسياستها المؤيدة للغرب كلية وباتت تؤكد على كونها دولة ( قومية- دينية ) معتدلة تعتز بالماضي العثماني .. وهو الأمر الذي يعزز توجهها نحو الشرق . هذا التصور لا يمثل الحقيقة الموضوعية، لأن إعادة النظر في السياسة المرسومة لا يعني تبديلها أو إلغائها نتيجة عدم تلبية مطالبها في الانتماء للإتحاد الأوربي من ناحية، وعدم تلبية أمريكا لطلبها تعزيز نظام دفاعها الجوي الإستراتيجي، إنما يمثل وجه واحد من الحقيقة أما الوجه الآخر فهو السياسة التي تبرهن فيها تركيا على أنها جزء حيوي في الإستراتيجية الأوربية، الأمر الذي يقنع الغرب في النهاية بأن تركيا فعلاً تستحق بجدارة أن تنال عضوية الإتحاد الأوربي، في الوقت الذي تعمل فيه على تحقيق أهداف الناتو في" الشرق الأوسط " وتحقيق مصالحها في آن واحد !!


وإذا ما رصدنا حجم المصالح التركية في المنطقة وخاصة الخليج العربي تظهر المؤشرات الآتية :


1- هناك مشروع لمد أنبوب غاز يصل تركيا بقطر تستثمر فيه الشركات التركية ما قيمته ( 5 ) مليارات دولار.


2- أعادة القيادة التركية طرح مشروعها الإستراتيجي على دول الخليج العربي، ( Plans Water Export To Gulf States ) ، لمبادلة المياه بالنفط والغاز، ومن المحتمل أن يوافق عليه الخليجيون دون احتساب لنتائج التحولات في السياسة الإقليمية والدولية حيال هذه المنطقة التي تعاني من التدخل الخارجي المقيت، سواء كان أمريكياً أم إيرانياً أم إسرائيلياً، فضلاً عن النزعة العثمانية التي يتبناها الحزب التركي الحاكم .. وتجدر الإشارة هنا إلى أن ( أردوغان ) كان قد علق على قضية المآذن في سويسرا قائلاً " المساجد ثكنات المسلمين والمآذن حرابهم " !!


3- بدأت دول المجلس منذ عام 2005 مفاوضات مع تركيا قطعت شوطاً بعيداً للتجارة الحرة ، وهو الأمر الذي يؤكد تزايد النمو التجاري مع تصاعد النفوذ السياسي المرافق للمشاريع والاستثمارات التركية في منطقة الخليج العربي.


4- وقعت بعض دول مجلس التعاون الخليجي في تشرين الأول 2008 اتفاقية مع تركيا لاستثمار ( 6 ) مليارات دولار.


5- المفاوضات التركية الخليجية قائمة في مجال الإنتاج المشترك للصناعات الدفاعية ( طائرات تدريب ، وصواريخ متوسطة المدى، فضلاً عن برامج تأهيلية وتدريبية للكوادر الفنية الخليجية ) .


الدور التركي - الأطلسي إلى أين ؟


قال أحدهم رسمياً بتاريخ 2/1/2010 فيما نصه ( نحن لسنا مع القائلين بأن أمريكا قد كلفت تركيا بسوريا وبالمنطقة، بل بالعكس فإننا نرى أن التقارب التركي مع دول المشرق العربي يؤثر سلباً على إسرائيل وهذا ما لا تريده أمريك ) ... والآن اتضح الدور الموكول لتركيا ليس فقط تدخلها السافر في الشأن السوري إنما مشاركتها العملية في مشروع التدخل الخارجي الأمريكي الأطلسي الإسرائيلي لما يسمى بتأسيس ( الشرق الأوسط الجديد ) .. فقد بدأت تركيا تنصح ثم باتت تميل في صفحات التعامل كمشارك فعلي يمهد من خلال الخيام التي نصبتها ل ( الآجئين الهاربين من وجه العنف ) لمجلس الأمن بإتباع ما يسمى سياسة حماية المدنيين وإصدار قرارات مجحفة خاضعة لإجراءات الناتو القمعية ضد سوريا !!


لم يكتف الدور التركي بالنهج الإعلامي المنحاز لمشروع التدخل الخارجي، كما لم يكتف سياسياً ودبلوماسياً، إنما الصفحات الأخيرة قد أفصحت عن تدخل استخباراتي فاضح في الشأن السوري يرافقه تدخل آخر إسرائيلي وضع القيادة التركية وقيادة الكيان الصهيوني أمام مأزق ليس من السهل معالجته بالتهديد والإيغال في التصرفات الحمقاء التي هي موضع سخرية من الشعب العربي السوري على وجه الخصوص، والشعب العربي بوجه عام !!


وأمام الصفحة التركية المخزية هذه، التي لا تتوازى مع العلاقات الثنائية التركية- السورية، يمكن التساؤل .. ما هو رد القائمون على سياسة المؤتمر القومي العربي الذين دعوا بحماس منقطع النظير إلى محور إستراتيجي يتشكل من كل من ( تركيا وإيران وبعض الدول العربية القادرة على تحمل أعباء المرحلة ) ؟!


أحد أهم أضلع المحور المزعوم، الذي تحدث عنه أحد أعضاء المؤتمر القومي العربي، وهي تركيا تكشر عن أنيابه ( الأطلسية- العثمانية ) ، ولا تكترث بمبادئ حسن الجوار، والعلاقات الثنائية المتطورة والمنافع المتبادلة، فيما مسحت تركيا من قاموسها ما قدمته سوريا من تعاون كانت منفذاً نحو الخليج المشرق العربي، كما مسحت تركيا الشعب العربي والإسلامي من قاموسها أيضاً ولم تحسب لهما أي اعتبار للمستقبل !!


المفارقات التركية السورية ..


- تعاملت أنقرة حيال دمشق بأسلوب توسيع دائرة الأزمة وليس تضييقها، الأمر الذي جعل العلاقات الثنائية مهددة بالاضطراب والتباعد.. وهذا يتعارض مع مبادئ حسن الجوار التي أبدتها سوريا وتعاملت تركيا وعلى أساسها نمت العلاقات الثنائية إلى درجة فتح الحدود لمواطني البلدين بدون تأشيرة دخول رسمية .


- وبالرغم من أن دمشق في علاقاتها الثنائية قد قربت المسافات بين تركيا وعدد من العواصم العربية وخاصة دول الخليج العربي، وكانت مدخلاً لنمو مضطرد للعلاقات التجارية مع تركيا بلغت مستوى إستراتيجي لم تكن أنقرة تحلم به، وذلك بفضل دمشق.. وبالرغم من أن أنقرة كانت قد قربت المسافات بين دمشق وعواصم غربية مهمة مثل باريس ولندن وغيرها، إلا أن دمشق لم تنكث التزاماتها في تنمية علاقاتها الثنائية مع أنقرة، ولم تتدخل في شؤونها الداخلية، بل على العكس لم تتحلل من كونها شريكاً تجارياً بحكم حقائق حسن الجوار.. ولكن أنقرة لم تحسن التصرف حيال هذه المبادئ والحقائق بل نفذت ما طلبه الناتو وما طلبته أمريكا !!


- تدعي أنقرة أن ما يشغلها هو فكرة ( الإصلاح والتغيير السريع والتمسك بخارطة الطريق، التي وضعتها لدمشق ) ... كما تصر تركيا على ( انتقال سوريا من نظام الحزب الواحد إلى التعددية السياسية والديمقراطية ) ... وليس لدى دمشق أي مانع في الإصلاح والتغيير والتحول إلى التعددية السياسية كما هو معلن، ولكن بشرط أن تكون تعددية وطنية خالصة ، وإلى ديمقراطية حقيقية، ولكن بشرط أن لا تكون ديمقراطية مستوردة يديرها عملاء وجواسيس للأجنبي كما حصل للعراق !!


والإشكالية هنا .. إن الخارج يضخم ويتدخل في الحالة الراهنة، والأمر يأخذ شكل تآمر مسلح واضح على سوريا .


- فإذا كانت أنقرة تتحدث عن ( الديمقراطية العملية ) في معالجة الأزمة وبسرعة .. فأن مثل هذه الواقعية كما يعرفها الجميع محكومة بزمن قياسي للنهوض بأعباء الإصلاح والتغيير ليس بدواعي أملاءات الخارج إنما بحكم زمن نضج الشروط الذاتية التي تستوعب الانتقال من حالة نوعية إلى أخرى وبدرجات لا تخلق فجوات ما دام التكوين مترابطاً بين أنماط الحياة العامة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والنفسية وغيرها .. فهل تستطيع تركيا بكل ثقلها الإقليمي أن تحل إشكالية الأكراد في عموم الأنضول بأسابيع ؟! أو تحل إشكاليات التفاوت الطبقي المخيف الضارب في أعماق المجتمع التركي المسلم بأشهر ؟ّ!


- إن استخدام خيار القوة واللجوء إلى وحدات الجيش النظامي لم يأتِ حيال تظاهرات سلمية تطالب بحقوق مشروعة ومقرة، إنما تجابه حالة مسلحة تدميرية تخل بالأمن الاجتماعي وبالأمن العام، ولا أحد من أنظمة العالم يقف مكتوف الأيدي على مثل هذا الخرق الأمني الخطير المدعوم من الخارج .. ماذا تفعل تركيا إذا استخدم الأكراد في الأنضول القوة المسلحة حيال المؤسسات المدنية والممتلكات العامة ومؤسسات الدولة التركية ؟! طبعاً إنها ستتدخل بالأسلوب الذي يهدف إلى فرض النظام العام !! ، وقد تكررت مثل هذه الحالات في تركيا وتدخل الجيش التركي وقاتل عناصر المتمردين الأكراد هناك وطاردهم خارج الحدود التركية صوب أراضي دولة أخرى هي العراق، وما زالت المناوشات العسكرية جارية في سفوح جبل قنديل حيث مقرات قيادات ال ( P.K.K ) ، وبرعاية ( جلال الطالباني ) و ( مسعود البرزاني ) الحاكمان المطلقان في شمال العراق !!


فلماذا تحتج تركيا على ما قررته القيادة السورية من واجبات أملتها حالة شاذة أرتكب المتدخلون فيها المجازر التي خلفت المقابر الجماعية وهي أعمال ضد الإنسانية ... فالمطالب بحقوق سياسية وحقوق مدنية لا يرتكب أعمال القتل والحرق ويمارس أسلوب المقابر الجماعية ولا يروع الناس !!


- فالعقول المخططة للسياسة الخارجية ل ( حزب العدالة والتنمية ) ممثلة ب ( ارشاد هرموزلو ) و ( عمر تشليك ) و ( مراد مرجان ) ، هم الذين يعملون على تكييف سياسة الدولة التركية بما ينسجم مع سياسة الحزب الحاكم .. ومن هذه الزاوية فأن سياسة الحزب الحاكم في تركيا باتت تعمل على تنمية الدوافع القومية للنزعة التأثيرية في المحيط الخارجي العربي- الإسلامي، وهي نزعة لا يتقبلها الشعب العربي ولا الأمة الإسلامية !!


- إن تركيا لن تبتعد كثيراً عن مواقف ( الناتو ) ، كما أنها لن تبتعد كثيراً عن الولايات المتحدة، وكذلك عن الكيان الصهيوني أو عن أي إجراءات يتخذها مجلس الأمن .. فقد تجد تركيا نفسها أمام خيارات محددة يمكن رصدها :


1- هل تستطيع تركيا أن تحصن داخلها الاجتماعي من الانفجار التحريضي العرقي والطائفي، والداخل التركي هش ؟! ، قد تكون تركيا قد هددت بعدم الابتعاد عن ( الناتو ) وبعدم الابتعاد عن السياسات الأمريكية والإسرائيلية، وإلا فأن إشعال فتيل الداخل التركي سهل جداً .. هذا أحد الخيارات .


2- وبالقدر الذي تريد تركيا أن تحافظ على رصانة وضعها الداخلي فهي تعمل على وضع مسافات تلبي فيها مطالب الغرب في مشروع ( الشرق الأوسط الجديد ) .


3- إن تركيا بعد أن أثبتت قدرتها كوسيط يحظى بالثقة والقبول من لدن أطراف الصراع في المنطقة .. وبعد أن أحرزت في علاقاتها الثنائية مع الدول العربية تقدماً واسعاً .. أوكل إليه ( الناتو ) دوراً مهماً يرتكز عليه نظام الأمن الإقليمي في المنطقة ليكون القاعدة أو الأساس، الذي يتبلور لحساب المشروع الأمريكي- الإسرائيلي الذي ربما تدخله إيران ليقود المنطقة بالتالي الكيان الصهيوني !!


فهل تنجح تركيا في مساعيها، وخاصة بعد أن كشفت أوراقها على أرض الشام ؟ وإذا كانت تركيا تنفذ مبادرة أنقرة الأطلسية مع دول الخليج العربي ، فهل تنجح في تنمية مصالحها في دول الخليج العربي بعد أن افتضحت نياتها كأداة من أدوات حلف شمالي الأطلسي ؟!

 

 





الثلاثاء١١ شعبان ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٢ / تمـــوز / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة