شبكة ذي قار
عـاجـل










لا ينبغي السماح لطهران أن تضع شروطاً على موضوعات حوار التوافق الوطني ..
السامرائي : إيران تحاول تصدير أكبر أزمة يمر بها نظام الولي الفقيه إلى الخارج


قال المفكر والمحلل السياسي العراقي نزار السامرائي إن العرب يمتلكون من الأدوات والملفات التي تمكنهم من إرباك الوضع الإيراني المرتبك أصلاً لو أحسنوا توظيفها.


وأكد السامرائي في قراءة بعنوان ''حوار التوافق الوطني ومناورات عسكرية إيرانية وإعادة تموضع جزئي لدرع الجزيرة من البحرين'' أنه لا ينبغي أن يسمح العرب لإيران أن تضع شروطاً على موضوعات الحوار مستندة إلى أن الطرف الآخر هو من يحتاج إلى الحوار بدليل دعوته إليه.


مشيراً إلى أن إيران تعي أن تهديداتها واستعراضات القوة غير قابلة للتنفيذ على ضفة الخليج العربي الأخرى، بل حتى على مياهه، وأن الدول الكبرى أكثر وعياً بتلك الحقيقة.


ويقول المفكر العراقي: حينما تقف الدول على مفترق طرق في علاقاتها السياسية والدبلوماسية نتيجة تراكم قديم من مشكلات عصية على الحل، ويكون لزاماً عليها أن تختار بين الحرب أو السلام، فليس بالضرورة أن يكون بوسعنا التفكير نيابة عنها واقتراح حلول جاهزة لها، منطلقين من موقف عام يرى في الحرب كارثة إنسانية مروعة سيصيب رذاذها دائرة أوسع بكثير من المتحاربين أنفسهم وقد تجر إليها أطرافاً أخرى، وربما يكون العبء الأكبر الناجم عنها على غير المتحاربين الذين لم يتخذوا الاحتياطات الكافية لدرء ويلات الحرب عن أنفسهم أكبر بكثير مما يلحق بالمتحاربين، ذلك بأن الدول التي عزمت على الحرب لابد أن تكون أعدت الجيوش النظامية وهيأت لها الأسلحة الكافية ودربتها على استخدامها ولابد أنها أعدت جنودها لتحقيق هدفين، إما النصر أو تقليص الخسائر وجعلها في أضيق نطاق ممكن، معنى هذا أن الجندي بقدر شجاعته بالتقدم، فلابد له من أن يمتلك الكفاءة المناسبة للحماية من ضرر عدوه عليه.


نعم الحرب هي كما وصفها منظرو الاستراتيجيات العسكرية، آخر صفحة من صفحات العمل السياسي بعد أن يصل إلى طريق مسدود تماماً، وقال عنها بعضهم إنها حوار دبلوماسي ولكن بالبنادق، وهي صراع الإرادات المختلفة، وبالتالي حينما يقرر بلد ما الذهاب إلى خيار الحرب فلأنه توصل إلى استنتاجات قاطعة، بأن القبول بهذا الخيار على ما فيه من مآس ومحن فلابد أن فيه ملاذاً لكرامته الوطنية وحقوقه الثابتة والتي يراد هضمها من طرف آخر، حتى إذا تسبب له هذا الخيار بجروح داخلية عميقة لزمن طويل، وعندما تطلق الرصاصة الأولى إيذاناً ببدء المعركة، فإن الكثير من العوامل النائمة ستدخل بتأثير غير محسوب على مسارها وقد تصبح الأهداف التي نشبت الحرب بسببها بين آخر العوامل الداخلة في وقفها، تدلنا تجارب جميع الحروب الصغيرة والكبيرة على ذلك، ومع كل هذا تكرر الأمم أخطاءها وأخطاء غيرها ولا تنجح في تجنيب شعوبها والعالم ويلات حروب مدمرة.


مبدأ حافة الهاوية

هناك دول أخرى تعتمد مبدأ حافة الهاوية في تعاملها في علاقاتها الخارجية سواء كان الملف المعني يستحق التأزيم أم لا، وربما يدفعها إلى ذلك وهم القوة الذاتية أو الجهل بقوة الطرف الآخر في معادلة الصراع أو الأمرين معاً، وهنا تختبئ أزمات متناسلة تكبر قبل أوانها ولا يمكن حصر نتائجها في منطقة الصراع نفسها فقط، في هذه الحالة يكون طلب الدخول في حوار وكأنه اعتراف بقوة الخصم وتنازل مبكر له قبل البدء بحوار استكشاف النوايا، وتعد منطقة الخليج العربي نموذجاً مثالياً لتطبيق هذه الصورة على واقع ما يجري فيها من تجاذبات لإرادات سياسية متباينة حيناً ومتصارعة معظم الأحيان، توصلها إيران إلى حافة الهاوية وهي تعي قبل غيرها أنها بسلوكها هذا لا تستطيع تخطي الخطوط الحمر المرسومة في مراكز صنع الاستراتيجيات الدولية أو الضامنة لها، ومع ذلك تواصل اعتماد هذا الخط السياسي الخطر لمنطقة شديدة الحساسية تجاه استخدام القوة أو التهديد باستخدامها، هذه المعرفة ليست أكاديمية فقط وإنما عملية حصلت عليها ميدانياً، بتجاربها هي أو بتجارب الآخرين، فما الذي يدعوها إلى هذا الاستعراض الفارغ للقوة.


واقع الحال أن العلة تكمن في موقف الطرف أو الأطراف العربية من المعادلة الخليجية، فإذا كانت إيران تعي أن تهديداتها واستعراضات القوة غير قابلة للتنفيذ على ضفة الخليج العربي الأخرى، بل حتى على مياهه، وإذا كانت الدول الكبرى أكثر وعياً بتلك الحقيقة، فإن العرب يبقون هم الطرف الوحيد الذي يأخذ على محمل الجد صوت المارشات العسكرية التي تنطلق من طهران بمناسبة وغير مناسبة وبفواصل زمنية متقاربة حتى يخيل للكثيرين أن طلائع قواتها توشك على احتلال أهدافها، ونتيجة خوف في غير محله وفي غير وقته أيضاً، تحقق إيران مكاسب سياسية من دون قتال، ولو أنها خاضت حروباً طويلة لتحقيق جزء منها ما تمكنت من الحصول عليها.


هجمة دبلوماسية إيرانية

باشرت إيران في الأسابيع الأخيرة هجومين على المستوى الإقليمي أولهما دبلوماسي تمثل بزيارة لبغداد لافتة في حجم الوفد الذي نفذها برئاسة نائب الرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي، والثاني التلويح بعصا التوكؤ الغليظة بمناورات عسكرية برية وبحرية وكشف لافت للنظر وغير مسبوق عن مواقع حصينة للصواريخ الإيرانية بعيدة المدى، فإذا كان الحدث الثاني قد تكسرت أمواجه بسرعة على الشواطئ الغربية للخليج العربي، فقد جاءت زيارة رحيمي لبغداد وكأنها زيارة الحصاد الإيراني لجهود طويلة من المناورات السياسية المكررة في تفاصيلها وغاياتها، أو على الأقل لمعرفة حجم المكاسب التي يمكن أن تتحقق لطهران في حال مواصلتها التهديد بالمطرقة، من دون الحاجة لاستخدامها عملياً أو مع استخدام محدود للاحتياطي المحلي بدلاً عنها.


إحدى أهداف زيارة رحيمي لبغداد إرسال رسالة مشتركة مع حكومة المالكي إلى كل من يراقب المشهد، بأن جهداً عراقياً إيرانياً مشتركاً سيكون بمقدوره فرض حالة من القلق الجمعي في منطقة الخليج العربي قد تدفع حكوماتها إلى تقديم تنازلات جدية وجوهرية لإيران على مسار ملفات وجدت طهران أن طرقها باتت مسدودة تماماً حتى اللحظة، ويبدو أن التلويح بالتنسيق بين بغداد في عهدها الجديد مع طهران الولي الفقيه، يشكل خياراً تظنه طهران فرصتها النموذجية لإسقاط أجزاء من منطقة الخليج العربي تدريجياً في حديقتها الخلفية بالردع بدلاً من اللجوء إلى اختبار القوة القابلة للدحض والقهر بقوة مضادة، ونقل إليّ مصدر مطلع من منظمة مجاهدي خلق أثناء تقديمه قراءة سياسية لزيارة نائب الرئيس الإيراني، أن رحيمي حاول توظيف إيجابيات المكاسب الإيرانية التي تحققت في العراق بعد الاحتلال الأمريكي من أجل الحصول على دعم علني من حكومة المالكي لممارسة المزيد من الضغوط السياسية والاقتصادية على البحرين، تحت لافتة ''إنهاء الاحتلال الأجنبي'' والذي يقصد به قوات درع الجزيرة، لأراضيها والاستجابة لما أسماه بـ''ثورة الشعب البحريني'' كخطوة أولى على طريق تحقيق حلم الشاهين الراحلين بهلوي وخميني، ومن ثم الانتقال للصفحة الثانية من خطة الانتشار الإيراني الإقليمي بممارسة المزيد من الضغط عن طريق البحرين في وضعها المفترض لاحقاً على المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية في تزامن مع تنشيط فعالية الحوثيين في اليمن والذين أنقذتهم الولايات المتحدة في حربهم الأخيرة ضد بلدهم حينما حولت المعركة إلى المواجهة مع تنظيم القاعدة بدلاً من إنهاء النزاع مع الحوثيين، وعلى الرغم من أن كتل التحالف الوطني ومن دون استثناء تتعاطف مع هذا التوجه الإيراني الملزم لها بقوة التبعية الغلابة لنظرية ولاية الفقيه وبحكم منطق رد الجميل لإيران عن سنوات الدعم قبل الاحتلال الأمريكي والدعم بعد الاحتلال إلا أن ذلك التعاطف لم يحول إلى رصيد إيران السياسي، وربما كان لموقف المالكي خصوصية تفوق حاجات الكتل الأخرى من الدعم الإيراني، فمن المعروف أن إياد علاوي الذي فازت كتلته بأكبر عدد من مقاعد البرلمان وأخفق في تشكيل الحكومة، لأنه وكما أعلن عن ذلك صراحة تم رفضه بقوة من واشنطن وطهران معاً في واحدة من أكثر المفارقات العلنية لتلاقي الأضداد في بلاد الرافدين، المالكي لم يستطع الذهاب مع مطالب الوفد الإيراني الصاخبة أكثر من التأييد الخفي الذي قطعه لرحيمي، فالأمر لا يرتبط بنواياه وقناعاته، بل يرتبط بجملة من الاعتبارات السياسية الحرجة والالتزامات المترتبة على الدولة العراقية نتيجة المواقف الرسمية للحكومة، والتي لن يستطيع أحد من أطراف العملية السياسية القفز فوقها، ومن هنا يمكن أن نجد تفسيراً لرفض المالكي لتسيير سفينة الجلبي إلى البحرين على الرغم من أن المالكي في دواخله أكثر تحمساً للموقف الإيراني من الجلبي العلماني نفسه، ولكن السلطة لها توازناتها وآليات عملها وفيها اختزال كثير للمشاعر والنوايا الشخصية وحساباتها في النهاية قد تتقاطع من القناعات.
 

رحيمي وملف الخليج
أكد لي مصدر منظمة مجاهدي خلق أيضاً، أن أمين شريعتي وعلي آقا محمدي وهما من قيادات الخط الأول في قوة القدس كانا وصلا بغداد في الأسبوع الأول من يوليو الجاري للتحضير للملفات السرية لزيارة رحيمي للعراق، ولعل في مقدمتها الدور الإيراني في منطقة الخليج وإعداد الخطط والخطط البديلة للتمدد فيها، خاصة بعد فشل الصفحة الأولى التي فضحت دور الزعامة الإيرانية للتدخل في الشأن البحريني، مما استدعى تدخلاً من دول مجلس التعاون الخليجي لمواجهة الأحداث التي حاولت ''موجة ربيع الثورة العربية'' تنفيذها لتنجز برنامجاً مضاداً للأمة العربية، وأكد لي المصدر أن ظاهر زيارة رحيمي لبغداد كان اقتصادياً، ولكن وحصراً بسبب التطورات الدراماتيكية في عموم المنطقة وخاصة في البحرين ولبنان وبقية دول المنطقة، فإن زيارة رحيمي تكتسب أهمية أخرى غير المعلن لها.


في مثل هذه النسائم الطيبة وأحياناً الرياح العاصفة التي تهب على المنطقة، هل كانت دعوة المملكة العربية السعودية لإيران بمباشرة حوار سياسي للخروج بحلول ناجحة للخلافات الإيرانية الجماعية مع الأطراف العربية دعوة صحيحة وفي التوقيت المناسب وهل إعلان المملكة العربية السعودية عن أنها لا تنوي امتلاك السلاح النووي حتى في حال امتلاك إيران للقنبلة النووية كان إعلاناً موفقا وهل تفهمها إيران على أساس مقاصدها الحقيقية وأنها تصدر من طرف يمتلك القدرة على مواجهة التحديات التي تعصف بالمنطقة سواء عبر الحوار السياسي الهادف، أم الذهاب في الأزمة إلى حيث يريد لها الطرف الآخر أن تصل وهل يجوز الرد على التلويح بخيار القوة من إيران بالحديث عن الرغبة بالسلام ولماذا تم إسقاط مثل هذه الورقة المهمة في بورصة صراع في كثير من صفحاته يبدو معركة إعلامية


من العسير على مراقب المشهد الإيراني أن يعرف من يمثل الموقف الإيراني الرسمي حقا فلماذا نعطيه هدية جاهزة بوضوح موقفنا العربي إن الغموض مع إيران يعد بالمقاييس كلها كسباً لنصف المعركة السياسية معها، وكيف يمكن أن تفسر إيران رسائل السلام هذه وهي تقرع طبول الحرب وتطرق الأبواب الداخلية لغرف النوم العربية بقبضات يسعى زعماء إيران إلى توجيهها إلى الخارج من أجل تصدير أكبر أزمة يمر بها نظام الولي الفقيه منذ وصوله إلى السلطة منذ عام 1979 وحتى الآن.


إيران تصدر أزمتها للخارج

إيران ماضية في خطة التمدد إشغالاً للشعب الإيراني بمواجهات خارجية، وإغراء له بأن ما يرفضه في الداخل، مطلوب من العرب بقوة وهم يقدمون على طريق تحقيقه التضحيات الكبيرة، وتظن الزعامة الإيرانية أن استمرار توجيه الرسائل عن تأثير ''الثورة الإسلامية الإيرانية'' في الخارج وخاصة في منطقة الخليج العربي، سيخفف من حالة الاحتقان الداخلي والجزع وانعدام الحافز لدى الإيرانيين في تعاملهم مع نظامهم الذي استنفد أغراضه السياسية بالكامل، وقد يعطي شحنة مؤقتة من قوة الأمل لهم بأن نظامهم هو النظام القدوة لشعوب المنطقة والعالم، ولذا فإن منح إيران هذه الفرصة بالمجان يشكل جرعة لعمر إضافي لنظام الولي الفقيه، صحيح هناك فارق واضح بين الدخول معه في مواجهة يمكن أن تعطيه فرصة لرص الصفوف تحت لافتة التهديد الخارجي، لكن الصحيح وبدرجة أكبر أن مهادنته في الوقت غير المناسب ستعني شعوره بالاسترخاء الخارجي والتفرغ لرسم الخطط في مناطق النفوذ التي أشرها كمناطق مجال حيوي له، ويعتقد نفسه أولى بها من أهلها في إدارة شؤونها وحكمها كجزء من قاعدة الحكم العريضة التي يرتكز عليها.


إن السلطة (أية سلطة) إذا كانت لا تستطيع أن تورث شعبها قوة حقيقية من البناء السياسي والاقتصادي والثراء الفكري لأي سبب من الأسباب القاهرة محلياً أو لحسابات التوازنات الإقليمية والدولية القلقة، فليس معقولاً ولا مقبولاً وليس من الحكمة أن تورثه تركة ثقيلة من الضعف والتردد وعدم الثقة بالنفس والأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية التي لا يستطيع التخلص منها إلا بجهد شاق وقد يستغرق ذلك وقتاً طويلاً، وكان ينبغي قبل دعوة إيران إلى الحوار بصفة علنية، استكمال حلقات تمهيدية لازمة، كي لا تمضي إيران في أوهامها القديمة بأنها نجحت بإحداث الصدمة عند العرب جراء عرض ترسانتها الصاروخية.


الملفات المتقابلة في الحوار

وإذا توصلت هذه الدولة العربية أو تلك إلى أن خيار الحوار هو الخيار الوحيد المتاح، فلابد أولاً من التأكد من جدية الطرف الآخر في ذلك وهذا يتطلب الاستعداد لذلك عبر مراكز الدراسات المتخصصة والتي تقدر مدى الحل الذي يمكن أن يصار إلى إقراره، وعما إذا كان الوقت مناسباً الآن أو أن المستقبل يمكن أن يوفر فرصة لاتفاق أفضل، فإذا كانت الحكمة تدعونا إلى التأني في الأحوال كلها، فإن التأني في هذا الموضع سيكتسب بعداً مركباً في جدواه ونتائجه، ومن بعد لابد من وضع جدول أعمال متفق عليه في القنوات الدبلوماسية السرية -قبل الإعلان عن الخوض في التفاصيل- للمبادئ العامة للحوار المقترح تدرج عليه الموضوعات حسب أهميتها، مع آليات واضحة ومحددة لإدارة الحوار كي لا يتحول إلى عبث سياسي لا طائل تحته، ولا ينبغي أن يسمح لإيران أن تضع شروطاً على موضوعات الحوار مستندة إلى أن الطرف الآخر هو من يحتاج إلى الحوار بدليل دعوته إليه، لأنها بكل تأكيد ستعمل لإدراج قضايا داخلية عربية وتعد نفسها وصية عليها، إيران لا يلجمها قانون دولي عن طرح ما تريد وتعتقد أنها قادرة على زعزعة الأوضاع الداخلية للوطن العربي أكثر من قدرة العرب مجتمعين على إثارة الشارع الإيراني عليها.


إن العرب يمتلكون من الأدوات والملفات فيما لو أحسنوا توظيفها لتمكنوا من إرباك الوضع الإيراني المرتبك أصلاً، وخاصة ما يتعلق باضطهاد العرب في إقليم الأحواز وكذلك موضوع القمع والتذويب الذي يتعرض له البلوش والأكراد، وكذلك حالة الإقصاء التي يعاني منها الترك الآذريين، بحيث أصبحت الأقلية الفارسية الشيعية تحكم بتمييز قومي وطائفي شعباً تم طبعه بالطابع الفارسي بقوة البطش الذي تتعرض له غالبية مكونات إيران، ولأننا نعتقد أن إيران تتمسك بمثل هذه الملفات لارتباطها بمشروعها الإقليمي والدولي، فعلى المفاوض العربي أن يواجه ذلك بالرد بشأن قضايا العرب في إقليم الأحواز، فالحديث عن أي حوار ممهد لمفاوضات بين طرفين يمكن أن يبعث الخدر لدى أحدهما، مما يمكن الطرف الآخر من التسلل إلى الصفوف الخلفية وتحريك أدواته بما يقلل من تنازلاته إلى حدودها الدنيا، ولا يمكن أن تحتج إيران على طرح سياسي مضاد لأطروحتها الخاصة بالتدخل بالشأن العربي، غير أن هذا الأمر يجب ألا يكون مجرد سراب مخادع لا يمتلك العرب أساساً له في الميدان، وإلا يمكن أن ينقلب على المفاوض العربي فيفقد جراء التلويح به أكثر من فرص توظيفه سياسياً، وهذا يقتضي مد الجسور مع المكونات المذهبية والعرقية التي تعيش في إيران وإقامة أنضج صيغ التنسيق معها من أجل تعظيم الموقف التفاوضي العربي الرسمي مع إيران في حصوله.


وهنا قد يطفو على السطح إفراز طبيعي لمثل هذا التحرك، وهو تردد الأطراف الإيرانية المقصودة في التحرك المضاد لتوجهات النظام القائم في طهران، إن أسوأ ما تمر به أية حركة، أنها يمكن أن تتحول إلى ورقة تلعب بها مصالح خارجية، لا تتورع عن التخلي عنها في حال حسم المشكلات الثنائية على المستوى الحكومي وتترك ظهراً مكشوفاً أمام قمع ستضاعف من مداه تهم التخابر مع الأعداء، هذه المخاوف ستضع المزيد من الكوابح على حركتها واتجاهاتها للتنسيق مع الخارج، فبعضها يرى أن العمل بصمت وبتضحيات خفية ومن دون تغطية إعلامية منصفة في وقت تحظى أتفه الأحداث بسباق من الفضائيات المختلفة، ماتزال تمثل خياراً مناسباً لكثير من الحركات السياسية والتحركات الشعبية، لأنها تمنع الأجهزة الحكومية المضادة لها من إلصاق تهمة التخابر مع الخارج، وهو الطريق الأسهل اليوم للحكومات لقمع التحركات الشعبية المضادة لها، على الرغم من أن الكثير من التيارات السياسية بما فيها الدينية، لم تعد تتحرج من الحديث عن صلات قوية بأجهزة استخبارات إقليمية أو دول كبرى تناصب الإسلام العداء، وربما تعطي تجربة العراق منذ الاحتلال أصدق الصور عن هذا السلوك.

 

 





الثلاثاء١١ شعبان ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٢ / تمـــوز / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة