شبكة ذي قار
عـاجـل










دور الإعلام في بناء الإنسان

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا ) النساء 71

صدق الله العظيم

 

 

تمهيد :-

تحدثنا في الجزء الأول من بحثنا هذا عن المأزق الذي يحيط بالمشروع الجهادي العراقي حيث أكدنا على إن سبب المأزق لا ينبع من داخل العراق إنما من محيطه العربي أولا وقبل كل شئ . كما تحدثنا في الجزء الثاني من البحث عن نشأة جهاز المخابرات العراق وأهميته ودوره في حياة الدولة العراقية . وفي الجزء الثالث تناولنا المشروع الأمريكي لغزو العراق وإسقاط نظام الرئيس صدام حسين واستبداله بنظام موالي لها في العراق. وفي الجزء الرابع تناولنا ادعاءات العدو ومرتزقته على الجيش العراقي وأوضحنا بان الجيش العراقي الباسل وليس كما يزعم العدو وصعاليكه في الإعلام قد قاتل وأدى واجبه بشرف في ظل معركة انعدم فيها التوازن واي فرصة للتكافؤ .

 

إما في هذا الجزء فسنتناول الستراتيجية الإعلامية للقيادة العراقية في الفترة التي سبقت الغزو الأمريكي للعراق ، وسنتطرق أولا الى أهمية الإعلام في حياة الأمم والشعوب ودوره في بناء الإنسان المواطن .

 

دور الاعلام في حياة الامم :-

لقد مثـّل الإعلام في تاريخ الإنسانية ومنذ القدم إحدى أهم وسائل البشر للتواصل فيما بينهم . فاستخدمه المجتمع والسلطة بان واحد وعبر مختلف العصور والظروف وعلى مختلف الأساليب والأنواع كوسيلة لنقل المعلومات ووجهات النظر والآراء والتوجيهات . فقبل مئات والآلاف السنين مـَثـّل الشعر والقصص والأساطير والمنحوتات والتماثيل ورسائل وخطب الملوك والأمراء والقادة كوسائل إعلام تلك العصور .

 

ومع تطور سبل حياة البشر واستخدامهم للتكنولوجيا الحديثة اخذ الإعلام أهمية اكبر وبشكل مضطرد حيث مثلت إحداث القرن العشرين منعطفا تاريخيا مهما في مسيرة الإعلام . لقد تمكن الألمان في عهد الرايخ الثالث وحزب العمال الوطني الاشتراكي "النازي" من إحداث ثورة حقيقة في استخدام الإعلام ، حيث يقول الدكتور جوزيف غوبلز وزير الدعاية الألماني ودعائي القرن العشرين في هذا الصدد ( لكي تكون لديك دولة جيدة ، لابد ان يكون لديك إعلام جيد ، فلا دولة بدون إعلام جيد، ولا إعلام جيد بدون دولة جيدة )1 ان هذه الكلمات التي ذكرها غوبلز تنطوي على فهم ثوري لدور وأهمية الإعلام في حياة الأمم والشعوب . فاستخدمت ألمانيا العديد من وسائل الإعلام حتى بات تنوعها الى الحد الذي لا يمكن للمواطن البسيط فهم حدوده وإبعاده .

 

لقد برع الألمان في استخدام الفضاء في نقل موجات البث الإذاعي المباشر لخطب الزعيم الألماني أدولف هتلر. مثلما استحدثوا الكاميرات المحمولة جوا بالطائرات لتصوير مظاهر الحشود المليونية إثناء الخطب زعيمهم  وإثناء الاستعراضات المدنية والعسكرية وافتتاح الاولمبياد عام 1938. 2 واستحدثوا أيضا استخدام الكاميرات المنزلقة على جدران أعالي البنايات للتصوير المشاهد والاستعراضات والخطب والاحتفاليات من زوايا متعددة. كما استحدث الألمان أسلوب البث الدعائي في الحقول الزراعية والمعامل والمصانع والمعسكرات والمدارس والجامعات وحيثما وجد الجمهور ووجدت الحشود .

 

وكل هذا فلم يقتصر الإعلام الألماني على إلقاء الخطب الحماسية او على استحداث وسائل تقنية جديدة او على زج الإعلام في كافة فروع الحياة الألمانية فحسب ، بل استخدموا الأفلام السينمائية والوثائقية للترويج للفكر للاشتراكية الوطنية ولبرامجها المختلفة 3. واستخدموا الملصقات الجدارية مستخدمين ألوان معينة بعد دراسة خصائصها المعنوية وتأثيراتها على النفس الألمانية .

 

وإضافة الى ذلك فقد اعتمد الحزب النازي حينئذ على أسلوب جديد في بث الدعاية والترويج لأفكاره وبرامجه العملية ، لقد استخدموا الطابور الخامس لمصلحتهم .. وبدل ان يكون هذا الطابور طابورا معاديا أصبح واحد من أهم اذرع الإعلام النازي في ألمانيا . لقد نجح الحزب النازي في إيصال دعاياته الى ابعد مناطق ألمانيا فوصل الى كل مواطن  ألماني .

 

لقد استثمر الزعيم أدولف هتلر ووزير دعايته الدكتور جوزيف غوبلز كل انجاز علمي او عملي ، مدني او عسكري ، قام به العلماء الألمان الذين فهموا ووعوا الفكر النازي وتوجهات قيادتهم ، نقول لقد استثمروه في المجال الإعلامي 4. لقد مثلت السلع والبضائع المدنية الحديثة التي امتلئت بها منازل الألمان ، مثلما مثلت المعدات والآلات العسكرية المتطورة التي صنعت للقوات المسلحة الألمانية الى جانب الابتكارات العلمية المدنية والعسكرية ، خير وسيلة للدعاية النازية . لقد نجاح النازيون في كسب ود واحترام جميع الألمان تقريبا بل وحتى الشعوب التي حاربوا النازيون حكوماتها فقاتل عشرات الآلاف من الروس والبلقان والفرنسيين والمسلمين الى جانب الجيش الألماني طواعيةً ً 5، لأنهم "إي النازيون" قد رفدوا ستراتيجيتهم الإعلامية بالأدلة المادية والمعنوية على صواب أفكارهم وتوجهاتهم وبرامجهم العملية ، وأصبحت عبارة صنع في ألمانيا واحدة من أهم أساليب الدعاية للاشتراكية الوطنية الألمانية .

 

ومن بين ما اعتمد الألمان عليه في دعايتهم أنهم كانوا يطبعون تلك الملصقات التي لم تتناول الشعارات والكلمات الحماسية والعقائدية فحسب ، بل تناولت أمور أخرى قد تبدو اقل أهمية وأكثر تفصيلا في الحياة الألمانية ، لقد نشروا مثلا ملصقات تتحدث عن تذمر ربة البيت الألمانية من شحة الموز .. أو الملصقات الخاصة لحملة مقاطعة التدخين .. او الملصقات الدعائية الخاصة بمعسكرات التدريب الرياضي حيث اظهروا الفتية والفتيات الألمانيات بقوام ممشوق وعيون متفتحة وبملابس زاهية الألوان . وبدل ان يكتفوا الألمان بنشر البحوث والمقالات التي تبين وجهة نظرهم في حقيقة أعدائهم فقد اعتمدوا على الرسومات الكركتيرية والملصقات الجدارية فجسدوا التحالف الأمريكي السوفيتي البريطاني ضد ألمانيا برسوم كركتيرية وملصقات جدارية وأظهروه على انه تحالف دمى الصهيونية العالمية .

 

وحقيقة فان فن الدعاية النازية يحتاج لوحده دراسة خاصة لما فيه من فوائد جمة تساعدنا على تطوير العمل الإعلامي والدعائي في وقتنا الراهن وفي المستقبل بعد تحرير عراقنا العظيم . فالنازيون لم يحصروا العمل الإعلامي والدعائية في جزء معين ومحدد قائم بذاته في الدولة الألمانية بل جعلوه يتداخل في كافة شؤون الحياة الألمانية.

 

ولكن وبتكالب الأعداء على الألمان من سوفيت وأمريكان وانكليز وشنهم المؤامرات تلو المؤامرات بالتعاون مع من سمح لنفسه خيانة بلده وشعبه وقيادته ممن تضجورا من بزوغ نجوم القيادات النازية في الجيش الألماني والحياة الألمانية عامة .. وممن انخرطوا في سلك الجيش الألماني والإدارة الألمانية العامة قبل استلام النازية للسلطة في ألمانيا كأمثال كارل جوردلر ، فريدريك باولوس ، شتاوفنبرج ، هانز سبيدل ، أرفين روميل ، رونتشتيت ، كناريس ، فقد خسرت ألمانيا الحرب واحتلها الحلفاء 6. ومن نتائج احتلال ألمانيا فقد تبنت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الصهيونية العالمية هذا الفهم للإعلام وبات اليوم ليس واحد من أهم وسائل الحكومة الأمريكية فحسب بل أهم وسيلة لها على الإطلاق .

 

لقد استوعبت بعض الدول وليس الولايات المتحدة الأمريكية فحسب ، هذا الدرس الإعلامي الألماني . حتى بات الإعلام بعد الحرب العالمية الثانية احد أهم سبل تعزيز ونشر وجهات نظر الحكومات وتوجهاتها وبرامجها العملية . هكذا أصبح فن الإعلام والدعاية من ركائز الدول المتحضرة ، ومنها كانت الدولة العراقية خاصة في عهد البعث المجيد.

 

 

الستراتيجية الإعلامية للبعث وبناء الانسان المواطن العراقي الجديد :-

لقد باشرت قيادة البعث في العراق بعد ثورة 17 – 30 تموز 1968 المجيدة ، بتجسيد أفكار ومبادئ وأهداف وتوجهات وبرامج حزب البعث العربي الاشتراكي ، للنهوض بالواقع السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي والعلمي والثقافي والرياضي والفني والإعلامي للعراق الى مستوى متقدم ومتطور، فوضعت واحدة من أضخم ستراتيجيات البناء والأعمار والتنمية والقائمة على أسس علمية حديثة وبما يلائم المجتمع العراقي ويلبي أهم حاجاته وبما يتناسب وقدرات الدولة العراقية حينئذ .

 

ولهذا ومن اجل توفير المال الضروري لتحقيق خطط الأعمار والبناء والتنمية الانفجارية ولاسترجاع حقوق العراق المغتصبة ، فقد توجهت القيادة العراقية أولا نحو تأميم ثروات العراق وعلى رأسها الثروة النفطية ، فأصدرت بتاريخ الأول من حزيران 1972 قراراها التاريخي الخاص بتأميم النفط والذي استكمل في نهاية عام 1975 في خطة ذكية للقيادة العراقية جنبت العراق ردة فعل الشركات الاحتكارية ودولها الامبريالية التي كانت تهيمن على العراق وتسرق ثرواته وتدمر حياة أبناءه . ومن ثم انطلقت نحو استثمار باقي الثروات الطبيعية للعراق كالفوسفات والكبريت والغاز الطبيعي .

 

وعلى ضوء سترتيجية طويلة الأمد لتطوير الواقع الزراعي للعراق ولتحقيق الاكتفاء الغذائي وتحقيق الأمن الغذائي القومي ، فقد باشرت القيادة العراقية في تنفيذ سلسلة من القرارات ، تهدف الى إنهاء عقود طويلة ان لم نقل قرون عديدة من معاناة الفلاحين ، ومن تخلف وسائل الإنتاج الزراعي، ومن ارتفاع نسبة الملوحة في التربة ، ولزيادة الأراضي المزروعة فعليا .

 

فأصدرت القيادة العراقية قرارها الخاص بالقضاء على الإقطاع الزراعي وأدخلت الآلات الحديثة في عمليات الإنتاج الزراعي او ما يسمى بالمكننة الزراعية وشجعت ودعمت استخدام الفلاحين للبذور المحسنة والمبيدات الحشرية والأسمدة بمختلف أنواعها فضلا عن نشر التوعية العلمية بين أوساط الفلاحين ومدتهم بمئات الخبراء والمرشدين والمهندسين الزراعيين . كما افتتحت العديد من المصارف الزراعية المتخصصة لدعم القطاع الزراعي وتسهيل عمليات الإقراض المالي للفلاحين . كما اهتمت بتنمية الثروة الحيوانية ، فأقامت وشجعت على إقامة حقول الدواجن وإنتاج البيض والأسماك واللحوم والألبان وزودت قطاع الثروة الحيوانية بالمستلزمات الضرورية كالأعلاف والأمصال واللقاحات والأدوية والعقاقير الطبية ، ووفرت العديد من المراكز الصحية الخاصة بالثروة الحيوانية وأمدتها بالأطباء البيطريين وعملت على نشر الوعي الصحي في أوساط مربي الحيوانات .

 

كما بذلت القيادة العراقية جهودا جبارة في بناء عشرات السدود والجداول والأنهر والقنوات لاستصلاح الأراضي الزراعية ولتوسيع رقعة الأرض المزروعة ولمنع الفيضانات الموسمية التي كانت تؤدي بإضرار جسيمة في القطاع الزراعي . ومع الظروف الصعبة التي عاشاها أهل العراق إثناء الحصار الشامل الذي فرض عليهم بعد عام 1990 ، فقد باشرت القيادة العراقية بتنفيذ سلسلة من المشاريع الأروائية ومشاريع البزل واستصلاح الأراضي الزراعية وبأحدث الطرق التكنولوجيا كطريقة الري بالتنقيط والري بالرش كما هو الحال مع مشروع ري الجزيرة بأقسامه الأربعة حيث اعتمد على أسلوب الري بالرش ومن اجل تقنين المياه والحفاظ على الثروة المائية فضلا عن منع ارتفاع معدلات الملوحة في تربة المشروع الخصبة .

 

كما باشرت القيادة العراقية بتنفيذ واحد من أضخم مشاريع استصلاح الأراضي الزراعية في تاريخ البشرية وأضخم مشروع استصلاحي وإروائي في تاريخ العراق ، حيث شق أهل العراق الأخ الثالث لتؤمي دجلة والفرات .. نهر القائد صدام ، وذلك لتخليص بلاد ما بين النهرين من الملوحة التي عانى منها منذ 4500 عام .. منذ عهد الاكديين ، هذا المشروع العملاق الذي تعثرت الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 1952 على تنفيذه ، قد تم أخيرا بيد أبناء العراق أنفسهم في ملحمة أسطورة ، دامت لــ6 أشهر من العمل المتواصل ليل نهار .

 

ثم توجهت نحو المجال التعليمي ونفذت واحدة من أهم واكبر وانجح ستراتيجية التربية والتعليم وعلى مستوى الوطن العربي والعالم الثالث ، حيث بدأت بتطبيق برنامج التعليم الإلزامي والمجاني وتنفيذ حملة محو الأمية ، حتى تضاعفت عشرات المرات عدد المدارس والمعاهد والكليات والجامعة والأقسام ومراكز البحوث العلمية المتخصصة مثلما تضاعفت عشرات المرات إعداد الكفاءات العلمية والتدريسية والإدارية العاملة ضمن المجال التربوي والتعليمي ورعت الدولة وعلى حسابها الخاص إرسال البعثات العلمية لأرقى الجامعات العالمية وبإعداد كبيرة جدا حتى امتلك العراق جيش من العلماء إذا بلغ عدد العلماء والخبراء ما يقارب الـ20,000 عالم وخبير فضلا عن عشرات الآلاف من الفنيين والعمال الماهرين يسندهم كادر إداري كفوء.

 

إما على مستوى النشاط التجاري ، فقد أقامت القيادة العراقية العديد من المشاريع المتعلقة والداعمة للنشاط التجاري وبما يخدم اغلب شرائح المجتمع العراقي ويتناسب مع ثقافاتهم وأذواقهم وقدرتهم الشرائية . فتم بناء مجمعات تجارية ضخمة سبق العراق بها دولة المنطقة بأسرها لسنوات عديدة ، كما هو الحال مع نظام الأسواق المركزية والجمعيات التعاونية حيث دعمت الدولة أسعار المنتجات المصنعة محليا والمستوردة وقدمتها للمواطن العراقي بأسعار زهيدة .

 

وفي ميدان الرعاية الطبية ، فقد وفرت القيادة العراقية العلاج الطبي المجاني للمواطن العراقي ، ودعمت القطاع الصحي بمليارات الدولارات سواء تلك التي أنفقت على بناء عشرات المستشفيات الرئيسية العامة والتخصصية او سواء تلك التي أنفقت على بناء مراكز العيادات الطبية الشعبية فضلا عن الآلات والأجهزة والمعدات الطبية الحديثة . ومثلما نجحت القيادة العراقية في تنفيذ وعودها للمواطن العراقي وترجمة أفكار البعث عمليا على ارض الواقع ، فقد نجحت أيضا في توفير كادر طبي وأداري لتلك المستشفيات والمراكز الشعبية بل راحت تبني مصانع ومعامل الدواء وأصبحت معامل ومصانع سامراء رمزا صناعيا طبيا في العراق رغم اعتماد بعض إنتاجه على المواد الخام المستوردة الا ان هذا المشروع الحيوي قلل من خطورة تلاعب شركات الأدوية الاحتكارية بأمن العراق الصحي .

 

ولم تغفل القيادة العراقية أهمية ودور قطاع النقل والاتصالات ، فباشرت بتنفيذ سلسلة مشاريع تخدم هذا القطاع المهم في حياة الفرد والدولة . فشقت الآلاف الكيلومترات من الطرق المعبدة وأقامت عشرات الجسور والأنفاق ، واعتمدت على النظام القياسي في تشييد شبكة حديثة من سكك الحديد ولو قدر لإتمامها لبلغت سرعة القطارات العراقية حدود 200 كلم / ساعة ، كما شيدت العديد من المطارات وزودت شركة الخطوط الجوية العراقية بأسطول من عشرات الطائرات الحديثة وبكادر فني كفوء إضافة على الطيارين المدنيين العراقيين المعروفين على صعيد العالم بمدى مهاراتهم وكفاءاتهم العلمية والعملية ، بينما حال العدواني الخميني الذي استمر لثماني سنوات من تطوير قطاع النقل البحري بما كانت تخطط له القيادة العراقية ، والتي استعاضت عن موانئ العراق البحرية المغلقة بسبب الحرب بموانئ اقامتها في الدول المجاورة للعراق كما هو الحال في ميناء ينبع وجيهان والعقبة فضلا عن ميناء البكر العميق .

 

أما في المجال الصناعي ، فقد باشرت القيادة في بناء مئات المعامل والمصانع وامتلك العراق لصناعات تقليدية وغير تقليدية متطورة ، كما هو الحال مع صناعة الطابوق بالطرق الحديثة وصناعة الاسمنت بمواصفات عالمية وصناعة الحديد والصلب وصناعة الزجاج وإنتاج وتجميع المعدات والآلات الميكانيكية والكهربائية والمنزلية وصناعة الغزل والنسيج والجلود والورق والمعلبات الغذائية والمشروبات الغازية.

 

كما دخل العراق في مجالات تكنولوجيا متقدمة جدا لم يعهد على دول العالم الثالث الولوج فيها كالتكنولوجيا النووية والليزرية والالكترونية والكيمياوية. ومن اجل تحقيق الأمن القومي للعراق وتحقيق الاستقلال التام ومن اجل استكمال العراق للحلقات العلمية المتقدمة ، فقد شرعت القيادة العراقية بالدخول الى ميدان التكنولوجيا المتطورة والصناعات العسكرية عبر تأسيس هيئة التصنيع العسكري . تلك الهيئة التي زخرت بعشرات المنشآت والشركات والمصانع والمعامل والمختبرات العلمية المتقدمة على مستوى العراق والوطن العربي بل وعلى المستوى العالمي أيضا . حيث تمكن مجاهدو هيئة التصنيع العسكري ووزارة الصناعة والمعادن ووزارة الزراعة ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي وهيئة الطاقة الذرية العراقية ، من أنتاج العديد من أنواع الصواريخ البالستية والأنبوبية والصواريخ الناقلة للأقمار الصناعية حيث امتلك العراق  برنامج فضائي متطور تمكن من إنتاج أول قمر صناعي عربي اسمه "الطائر- Bird" 7 .

 

كما تمكن العراق من إنتاج وتجميع الدبابات والمدافع والهاونات والبنادق والرشاشات وأسلحة القنص والمناظير الليلية . كما اعتمد العلماء العراقيين على تكتيك التحوّير ، حيث حـوّر عدد كبير من الأسلحة والاعتدة المستوردة بحيث تمكنت القوات المسلحة العراقية من استخدام عتاد شرقي لسلاح غربي والعكس صحيح ، ونجحوا أيضا في تصنيع مئات قطع الغيار لأجزاء الأسلحة المستوردة مما مكن القوات المسلحة العراقية من إدامة وصيانة أسلحتها بأقل كلفة ممكنة وبأسرع وقت وأفضل وسيلة ملائمة وبدون الارتهان الى سياسة هذه الدولة او تلك .

 

بالإضافة الى تطوير قدرات الجيش العراقي ، وخلق جهاز مخابرات كفوء ، وفي بسط الأمن والسلام في ربوع العراق خاصة بعد توقيع اتفاقية الجزائر مع إيران الشاه . وبالتالي حل القضية الكردية وأعطت للإخوة الأكراد حقوقهم المشروع تلك المشكلة التي أرهقت الدولة العراقية وحرمت جزء كبير ومهم من الشعب العراقي من حقوقهم المشروعة لعقود طويلة.

 

وبمعنى أوضح فقد كان واقع الاقتصاد العراقي قبل ثورة تموز اقتصاد ضعيف تنعدم فيه تقريبا كل هذه الميدان وان وجدت فقد بنيت بطرق قديمة او أصبحت متقادمة بسبب انعدام خطط التنمية والأعمار والبناء او على اقل بسبب ضآلة تلك الخطط وضعف قدراتها على تلبية حاجات العراق .

 

ان النجاحات التي حققتها القيادة العراقية في تجسيد جزء كبير ومهم من أفكار ومبادئ وأهداف حزب البعث العربي الاشتراكي خلال العقدين الأول والثاني من عمر ثورة تموز 1968 ، قد آثرت المنظومة الإعلامية للدولة العراقية بالعديد من المواضيع والإحداث التي رسخت لدى المواطن العراقي أينما كان شعوره بالوطنية وحب الوطن والحماس لتنفيذ خطط وبرامج قيادته الوطنية . ومن صور ذلك الكسب والحماس نفذت الحملة الشعبية لبناء المدارس وفي دفع الفرد العراقي نحو طلب العلم والمعرفة بعد ان هيئت لهم المستلزمات الضرورية . فمئات المدارس والعديد من الجامعات وعشرات الكليات ومئات الأقسام العلمية قد فتحت إمام شباب العراق وأطفاله ذكورا وإناث ، وخصصت لهم مئات الكراسي في أرقى الجامعات العالمية وتحملت الدولة العراقية على عاتقها تكاليف تلك البعثات العلمية .

 

كما استحدث القيادة العراقية أساليب جديدة في التربية الوطنية وفي كسب الشباب لضمان المستقبل كما يقول القائد المنصور بالله صدام حسين المجيد، ومن بين أهم تلك الأساليب التي اعتمدتها القيادة العراقية ، هي أقامتها لتنظيمات الطلائع والفتوة ومعسكرات التدريب الرياضي والعسكري للطلبة . مثلما أنعشت اتحاد الشباب وأقمت له مئات المراكز التي ضمت بين أروقتها الأقسام العلمية والأدبية والرياضية والفنية ، وأوجدت مئات الآلاف من فرص العمل فازدهرت حياة العراقيين عامة وحياة الشباب خاصة وملئت بالحماس وروح الثورة الخلاقـّة حتى بات المجتمع العراقي يعيش واحدة من أبهى عصوره الذهبية .

 

ان من بين أهم ما استحدثته القيادة العراقية وأثرَت به الإعلام العراقي وعلى طريقها الخاص في البناء ، هو تطبيقها لبرامج مهم جدا أعاد الحياة لعشرات المواقع الأثرية والتاريخية وعلى رأسها مدينة بابل العظيمة . كما شيدت بانوراما القادسية الأولى في قضاء سلمان باك قرب إيوان كسرى الفرس المجوس . فالستراتيجية الإعلامية للقيادة العراقية لم تنحصر في جزء معين بل استثمرت كل انجازات ثورة البعث لتدعيمها بالدليل الملموس. فبالإضافة الى الوسائل الإعلامية الغير تقليدية ، فقد رعت القيادة العراقية الوسائل الإعلامية التقليدية كالصحف والمجلات وقنوات التلفاز ودور السينما والمسرح والعروض الفنية والشعبية والمؤتمرات الشعرية والأدبية ولاسيما مهرجان بابل الدولي والمربد الشعري وأصبحت بغداد قبلة العلماء والشعراء والفنانين من جديد .

 

وعلى الرغم من العدوان الخميني الحاقد على عراقنا العظيم فقد استمرت القيادة العراقية في مشاريعها ، لا بل قد دفعت القيادة العراقية نحو المزيد من العطاء والإبداع فتم تنفيذ مشاريع مدنية وعسكرية ،علمية واقتصادية عملاقة لم تعهد الدول النامية على الدخول بها ، وفي تنفيذ واحدة من أروع وأرقى ستراتيجيات الإعلام في العالم . وغصت بغداد في عشرات الأناشيد الوطنية التي كانت لها اكبر الأثر في دعم صمود المقاتل العراقي على الجبهة وهو يدافع عن أرضه وعرضه وماله ودينه مثلما كان لها وقع ٌ عظيم في نفوس كافة العراقيين وليومنا هذا .

 

وباختصار شديد ، فقد استطاعت القيادة العراقية في خلق منظومة اعلامية متكاملة ومتداخلة في شتى جوانب الحياة وبعدة طرق واساليب . فوفرت الأجهزة التقنية الحديثة من محطات إرسال وبث وكاميرات تصوير واستوديوهات ، وأسست مدرسة إعلامية خاصة خرجت مذيعي اخبار ومقدمي برامج على درجة عالية من الحرفية والإبداع والتميز ، مثلما فتحت دورات ومعاهد وكليات متخصصة في فروع العمل الإعلامي كالإنتاج والإخراج والتصوير السينمائي والفوتوغرافي والموسيقى بالإضافة الى بقية صور الفنون والموسيقى والإعلام ، وأقامت العديد من دور النشر والمطبوعات والصحف والمجلات العامة والمتخصصة في مجالات الطب والسياسة والتاريخ والفلك والفن والأدب ، وبنت العديد من دور السينما والمسرح والمدن الأثرية والمهرجانات الفنية والأدبية . وكل هذه الانجازات مثلت المجال الحيوي للعمل الإعلامي وكانت بمثابة الثروة الدائمة لاغناء العمل الإعلامي .

 

فوزارة الإعلام بالمفهوم الثوري الصحيح : ما هي سوى وسيلة لتجميع إنتاج الأمة وبثها بطريقة تحفز الشعور بالمواطنة وتفعم  حياة المواطنين بالحب والحماس وبقوة الانتماء للوطن وللأمة ، وتخلق روح ثورية قادرة على فهم ووعي وإدراك عقيدة قيادته الوطنية لتجاوز المحن و الصعاب ولتحدي الخطوب التي قد تعترض طريقه .. طريق انجاز برامج قيادته الوطنية . فمهمة الإعلام الأولى هي خلق الإنسان المواطن الجديد وهذا ما نجحت به القيادة العراقية نجاحا باهرا حتى عام 1989.

 

 

يتبع ..

 

 الهوامش :

1- د.غوبلز - لاوجود لحكومة جيدة من دون دعاية جيدة

http://www.youtube.com/watch?v=CqqOD7rgeOg

 

2- بث مباشر وكاميرات منزلقة - فن الدعاية المتميزة لهتلر

http://www.youtube.com/watch?v=0J0zVFwvhHg

 

3- كالافلام الوثائقية التي اشرف هتلر بنفسه على انتاجها وهي :

انتصار الإيمان  Der Sieg des Glaubens -تم تصويره عام 1933.

http://www.youtube.com/watch?v=6S-eKtldZW0

 

انتصار الإرادة - Triumph des Willens تم تصويره عام 1934.

http://www.youtube.com/watch?v=GcFuHGHfYwE

 

يوم الحرية : قواتنا المسلحة -  Tag der Freiheit: Unsere Wehrmacht  وتم تصويره عام 1935.

http://www.youtube.com/watch?v=XRcADzh5Z6c

 

أوليمبيا Olympia - تم تصويره عام 1938.

http://www.youtube.com/watch?v=RRIO3bLfWG0

 

4- تمكن العلماء الالمان في عهد النازية من ابتكار واختراع مئات الاجهزة والمعدات والالات العسكرية والمدنية والتي صعقت العالم حينها وماتزال مثار للنقاش والتعجب ، كيف سبق الالمان عصرهم بعشرات السنين تقدما علميا لاسيما وان اكثر تلك الاختراعات ما يزال سرها قائم ليومنا هذا . ومن بين ما انتج الألمان  طائرات Me262 النفاذة الاعتراضية والطراز الاخر النفاذة القاصفة .

http://www.youtube.com/watch?v=LoVkns-0d4g

 

والطائرة النفاذة الخفية عن الرادار Ho229 Horten والتي تسمى "بطائرة هتلر الشبح- Hitler's Stealth Fighter  " التي نجح العلماء الامريكان اخيرا من اعادة تصنيعها فوجدوا انهم امام مفاجأة مذهلة حقا حيث نجحت طائرة هتلر بالتخفي حتى عن احدث رادارات الجيش الامريكي تطورا .

http://www.youtube.com/watch?v=3jUlZNJYdDI

 

هذا فضلا عن الصواريخ الجوالة v1 , والصواريخ البالستية v2 ، والصواريخ بعيدة المدى v3 ، وصواريخ جو - ارض x4 الموجهة بواسطة اللاسلكي وطرازها الأخر الموجهة المضادة للسفن ، ودبابات Tiger ، ودبابات Panzer‏ ، والمدفع العملاق  Gustav Gun الذي يخترق حتى 80 متر في الخرسانة المسلحة ، ومؤخرا جرى الحديث عن نجاح العلماء الألمان بتصنيع عدة نماذج للصحون الطائرة UFO حيث حلق الصحن الأول بتاريخ 19 /2/1945 بالقرب من براغ وارتفاع حتى  15000 متر في 3 دقائق وبسرعة أفقية 2200 كم ساعة وهو السر الذي يحير مليارات البشر فضلا عن علماء الطيران والفلك وتكنولوجيا الفضاء الى الان.

http://www.youtube.com/watch?v=xgnGUACMBXY

 

5- شكلت الفرقة 13 من قوات SS من المسلمين حصرا وكان شعارهم الخنجر ، وشكلت فرق أخرى من الفرنسيين والروس والأوكرانيين .

http://forum.hwaml.com/t16167.html

 

6- بعكس ما يشاع عن سبب اندحار ألمانيا النازية من ثلوج روسيا وفتح جبهتين بآن واحد وما شابه ، فان الولايات المتحدة وبريطانيا قد بذلت جهودا استثنائيا في اختراق القوات المسلحة الألمانية ووجدت ضالتها في نفر من القادة العسكريين ممن انخرطوا في المؤسسة العسكرية الألمانية قبل تسلم النازية السلطة في البلاد ولم يعرف عنهم تمسكهم بالأيدلوجية القومية الاشتراكية "النازية" وتحاملهم على القيادات النازية الصاعدة في الجيش وسواه ، الأمر الذي مكن أعداء هتلر من تدمير خطط الجيش الألماني وأحيانا حتى تسليم قطعات كبيرة من الجيش الألماني أسرى بيد الأعداء كما فعل باولوس في ستالينغراد 1943 و روميل وهانز سبيدل في شمال إفريقيا 1943 ، ورونتشتيت وروميل في فرنسا خلال عامي 1944 - 1945.

 

7- القمر الصناعي العربي الاول والذي صنعه العراق في مصانع هيئة التصنيع العسكري  ، الطائر- Bird للاطلاع :-

http://iraqimilitary.org/forums/viewtopic.php?f=25&t=353

 

 

 

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الرفيق رأفت علي والمقاتل النســـر

بغداد الجهاد

٢٠ / حزيران / ٢٠١١

 

 





الجمعة٢٩ رجـــب ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠١ / تمـــوز / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الرفيق رأفت علي والمقاتل النســـر نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة