شبكة ذي قار
عـاجـل










لا أدري متى يدرك الحكام والشعوب العربية أن أطماع وأهداف وغايات الدول الكبرى , مهما كانت أو إختلفت الوسائل واللغة المستخدمة من قبل تلك الدول , هي أكبر بكثير مما يتصوّرون وأبعد بآلاف الأميال عمّا يحلمون أو يتمنّون من ديمقراطية وعدالة وحرية. والغريب هو أن لا الأنظمة العربية إستفادت أو هضمت دروس دول وحكومات سابقة مرّت باوضاع وظروف مماثلة ولا الثوار , وإسمحوا لي هنا أن أتحفّظ قليلا على كلمة الثوار , إستفادوا هم أيضا من تجارب وثورات شعوب أخرى سبقتنا في تغيير وإقتلاع أنظمتها القمعية الفاسدة.


والادهى هو أن البعض من مثقّفينا وأصحاب الرأي كما يُسمون يخرج علينا بين الحين والآخر فيقول إن الثورات العربية تختلف عن باقي الثورات. ويحاول إضفاء صيغة خاصة أو ماركة مسجّلة على هذه الثورة أو تلك. وإذا كان ثمّة إختلاف بين ما يحصل الآن من ثورات في بعض الدول العربية وبين ما حصل في السنوات الأخيرة في عدّة دول أخرى هو إننا شعوب لا ترى من الألوان الاّ الأسود والأبيض. مسرفون في المبالغة والتضخيم والتأويل. وفلسفتنا في الحياة ومبدأنا الغير قابل للنقاش هو أمأ معي أو ضدّي. والويل لك إذا وقفت , لسبب من الأسباب , بين المع والضد. فستكون من الخاسرين. ومصيرك جهنّم الدنيا قبل جهنّم الآخرة


ولهذا تران , في حالات كثيرة , نصب جام غضبنا مستخدمين كل أنواع الأسحلة بما فيها اللسان الباشط (الحاد) ضد منّ يختلف عنا في الرأي تاركين العدو الحقيقي يرقص طربا بل ويضحك ملء شدقيه على حالنا المزرية. وليس صحيح , كما يحلو للبعض الأدعاء , بإن جميع مآسينا وويلاتنا وتخلّفنا هي من نتاج أنظمة القمع والفساد والهيمنة العائلية. فهؤلاء هم في كلّ الأحوال صناعة أيدينا ومنتج محلّي خالص وإن تمّ الترويج والدعم والأعلان له في الغرب عن طريق شركات ومؤسسات كبرى.


وليس غريبا من أننا سوف نستمر , ربما لسنوات أخرى , في صناعة الطُغاة والمستبدّين والفاسدين إذا لم تتمكّن شعوبنا العربية وقواها الثورية من التخلّص من الاتكاء على عكاز أمريكا أو الغرب , والكف عن إستجداء العواطف والأموال والمواقف من دول وحكومات كانت حتى أسابيع معدودة الركيزة الأساسية لبقاء وإستمرار وطغيان الأنظة الفاسدة القمعية التي تواجه بلا أمل أو مستقبل تمرّد وثورات شعوبها.


ثم إن أية ثورة , ونقولها باسقف شديد , تستقوي بالأجنبي مهما كانت الأسباب , وتنتصر عن طريق صواريخه وطائراته وأمواله , وتفضي الى خراب الوطن وتمزيقه , تفقد برأينا المتواضع صفة الثورة. فلا قيمة لأي نصر يأتي بعد خراب البصرة ولا فخر لأي نظام جدبد يُولد على أشلاء وخراب البلاد والعباد. وكم من البلدان والشعوب سبقتنا في ثوراتها دون أن يدخلها جندي أجنبي واحد أو يُطلق صاروخ واحد على أراضيها أو أن تقسّم البلاد أن منطقة خاضعة للثوار وأخرى للنظام الحاكم وهلم جرّا. فعلى سبيل المثال إستطاعت معظم دول أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية من التخلّص من أنظمتها القمعية الديكتاتورية دون سفك قطرة دم واحدة وبأقلّ الخسائر الممكنة.


فهل سمعتم مثلا أنه تمّ إحراق وتدمير مؤسسات تابعة للدولة أو دوائر حكومية أو مراكز شرطة أو بُني تحتية ذات منفعة وغايات إجتماعية؟ السبب بكل بساطة هو أنن , شأن حكامنا المستبدبن الفاسدين , نضع الوطن ومصالحه العايا في آخر إهتماماتن , ولا توجد لدينا فيما يخص أمن وإستقرار وسلامة الشعب وممتلكاته خطوط حمراء. كل همّنا ينصب وبشكل يكاد يكون أعمى على إسقاط النظام فقط وبأية طريقة ولو جلبنا كل شياطن وأبالسة الأرض الى ربوعنا.


ولهذا السبب , وخلافا للشعوب التي سبقتنا في ثوراته , نجد أنفسنا دائما بلا خيارات مقنعة أو مرضية , بل نحن دائما مرغمون على إختيار أهون الشرّين , الذي سرعان ما يتحوّل الى شرّ مستطير , يرافق حياتنا اليومية ويصعب التخلّص منه بسهولة. والمؤسف في كل هذا هو أن معارضينا وثوارن , رغم حسن النوايا لدى الكثير منهم , يقعون بسهولة في فخاخ وشِراك أمريكا أو أوروبا التي تتفنّن في إبتكار مختلف أنواع الأغلال والقيود والحبال السميكة التي تطوّق بها رقابهم ومعاصمهم وأقدامهم. فأي نظام يُرتجى من شخص مكبّل بالاغلال الاقتصادية والسياسية والمهنية والدبلوماسية؟


وأية دولة عصرية ننتظر ممّن "إستبسلوا" في إعادتنا الى الوراء عشرات السنين ومن جميع النواحي مستخدمين دائما وأبدا نفس الذرائع والحجج البالية التي ما عادت تقنع أحدا سوانا. وإذا كانت أمريكا ومعها الغرب ولأسابيع خلت أكثر الداعمين والمساندين للأنظمة القمعية الفاسدة , أمثال النظامين السابقين في تونس ومصر , فمن يضمن لنا يا ترى أن أمريكا هذه لا تنقلب علينا في أقرب فرصة تسنح لها ولمجرّد أن يتجرأ أحدنا ويقول لها هامسا كلمة لا؟ خصوصا عندما تُبالغ كعادتها في إذلالنا وقهرنا والهيمنة علينا وكأننا خرفان في أحدى المراعي الأمريكية؟ وهل يمكن الاطمئنان الى ذئاب شرهة ومتعطّشة للدماء؟ آمل أن يكون الأخوة الثوار , من المحيط الى الخليج , قد سألوا أنفسهم هذا السؤال البديهي.


mkhalaf@alice.it

 

 





الاحد٢٤ رجـــب ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٦ / حــزيــران / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد العماري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة