شبكة ذي قار
عـاجـل










تفتخر الكثير من دول وحكومات العالم وشعوبه بقادتها وحكامها ونُظمها السياسية . ويشعر المواطن فيه مهما كان وضعه الاقتصادي أو موقفه السياسي بالاعتزاز من إنتمائه لبلده الذي يتمنى فيه طول العمر والممات على أرضه . أما نحن في العراق "الجديد" فنشعر بالحرج الشديد والعار والخجل بسبب حكامنا الجدد الذين لا تربطنا بها أية رابطة أو صلة . بل لا نخفي شعورنا المليء بالمرارة وخيبتنا العميقة كلّما سعمنا الحديث عنهم في وسائل الاعلام الاقليمية أو العالمية . وتنتاب الواحد منّ , لولا أن الحياة تستحق أن تُعاش مهما كلّف الأمر , رغبة عارمة بالانتحار حين يرى لصوصا وسماسرة وأنذال بالمعنى الدقيق للكلمة يتربعون على عرش العراق , بلد الأنبياء والرسل والمبدعين وصاحب أعرق وأهم الحضارات البشرية .


ولو توقّفت مأساة العراق على الاحتلال الأمريكي - الايراني فقط لهان الأمر قليلا ولكان لنا معهما شأن آخر . فلسنا البلد الوحيد الذي تعرّض في تاريخه الى إحتلال غاشم وغزو بربري , وإن تشابهت وجوه الغُزاة ونواياهم وأهدافهم العدوانية , من هولاكو الى مجرم الحرب بوش الصغير . لكن الطامة الكبرى هي أن تجد أشباه رجال وهُواة فاشلين في كل شيء , يقضون جلّ وقتهم في حوارات طرشاء مثلهم تمتد لساعات طوال دون أن يعرف المواطن المبتلى بهم ماذا قالوا أو فعلوا وأية مؤامرة جديدة , أو قديمة تمّ تجديدها ونفض الغبار عنه , سوف يتم تنفيذ بنودها الجهنمية على الوطن الجريح والشعب المثخن بعشرات الجراح .


فقبل أيام قلائل إجتمع أو إلتقى أقطاب العمالة والخيانة ورموز الفشل الذريع , خدم , عفوا قادة المحميّة الخضراء برئاسة ضخامة جلال الطلباني , رئيس المحميّة والقائم على شؤونها الخدمية , لتلافي المزيد من السقوط نحو أعماق الحضيض الذي لامسوه بأيديهم وأنوفهم ومؤخراتهم العفنة , وذلك في قاعة أحد القصور التي سرقوها وإغتصبوها عنوة وبلا وجه حق من أصحابها الشرعيين , قادة العراق الحقيقيين قبل الاحتلال , والذين أما تمّ إغتيالهم غدرا وعدوانا وأما ما زالوا يقبعون اليوم ومنذ سنوات في سجون ديمقراطية الحقد والطائفية المقيتة التابعة لأسوء نظام حكم , إذا جاز تسميته كذلك , عرفه العراق الحديث .


وبعد أن أبدع وأجاد وأفاض في ميدان النكات والتندر وتسلية الآخرين حاول ضخامة الطلباني أن يضفي مسحة شاعرية على الهراء والعواء الذي يخرج من فمه الأعوج فقال "إن الكتل السياسية إتفقت على إنهاء التصعيد الاعلامي بلغة الوردة" . وحتى لو صدقنا أن لغة الوردة هذه , والتي أجهلها تمام , سادت وعمت لقاء الخوة الأعداء حكام الحظيرة الخضراء , فان كلام ضخامة الرئيس تأكيدا وإعترافا منه بان اللغة السائدة بين فرقاء العملية السياسية ولعدة سنوات , كانت لغة "الفردة" أي فردة الحذاء . وهذا هو أعلى مستوى يمكن أن يصلوا اليه . وربما يستنكف الحذاء , حتى وإن كان عتيقا وبالي , من أن يُقارن بهذه النماذج من أشباه البشر .


ثم أن ضخامته الغير محترم , أي جلال الطلباني باش , أضاف على هامش اللقاء الذي كانت تنقصه بعض العناصر "المهمّة"ذات التاريخ العريق في العمالة والخيانة والسمسرة والعهر السياسي , كالبرزاني والجعفري وعلاوي . ألخ . أضاف الطلباني قائلا "إن قادة الكتل إتفقوا على عقد إجتماع آخر لتنفيذ ما تبقى من إتفاقات" واصفا الاجتماع كالعادة بالمهم والايجابي , سادته روح الأخوة والمودّة . ولا أحد يعلم حتى هذه اللحظة نوع وماهية هذه "الاتفاقات"التي إتفقوا على تنفيذها وبقيّ قسم آخر منها يستوجب عقد لقاء آخر لهذه الكتل "السياسية" الاسمنتية الخرساء التي تحكم عراق اليوم؟


وإذا كان الفشل سمة وعنوان كل خطوة يقومون بها لحلّ المشاكل العالقة بينهم , ومعظمها طبعا يتعلّق في كيفية الحصول على المزيد من المكاسب والمناصب والمال الحرام لمصلحة هذا الحزب أو تلك الطائفة , فمتى يا ترى يعقدون إجتماعا واحد , ولو مرّة بالسنة , لحلّ مشاكل العراقيين وتوفير الحد الأدنى من الظروف الانسانية في حياتهم اليومية؟ والى متى يبقى هؤلاء "الباشوات" أصحاب الكروش المنتفخة سكارى في بروجهم العاجية وعلى مقربة منهم شعب فقد بفضل إنانيتهم وتبعيتهم وسقوطهم الأحلاقي قبل السياسي جميع حقوقه الأساسية في العيش الحر الكريم؟ وأصبح يصارع , حقيقة لا مجاز , من أجل البقاء بعد أن كان قبل الاحتلال كريما عزيزا وأبيّ , مفعما بالتفاؤل والأمل .


إن حكام وخدم الحظيرة الخضراء يتفقون ويتآمرون على الشعب العراقي في الليل , طبعا حول مائدة عشاء عامرة بما لذّ وطاب من طعام وشراب , لكنهم سرعان ما يختلفون في النهار ويصبحون أعداء خصوصا أمام شاشات التلفزة ليقولوا للعالم أنهم يعيشون في العصر الذهبي لديمقراطية المحاصصة الطائفية والعرقية . يحاولون إيهام وخداع السذج من أتباعهم بان هذا الحراك والعراك والأخذ والجرّ هو ضرورة تقتضيها مرحلة التحوّل "الديمقراطي" المزعوم , وليس فشلا وإخفاقا وتهرّبا واضحا من المسؤولية الملقاة على عاتق كل واحد نهم .


لا يمكن باية حال , ومهما أكلوا وشربوا معا وتحاوروا وتباوسوا وتناكحوا أفرادا وجماعات مثل قوم لوط , أن يتّفقوا على شيء فيه خير ومنفعة للعراق وشعبه . فهذه العصابة جاءت مع المحتلّين الغزاة وكان وما زال هدفها الأول والأخير هو التدمير , بكل السبل والوسائل والحيل . تدمير العراق وطنا وشعبا ودولة وحضارة وعمرانا ومستقبلا وثروات وأجيال . تدمير كل ما تقع عليه أيديهم القذرة الملطّخة بدماء آلاف الأبرياء . تلك الأيدي التي لا تعرف غير الاستجداء من أعداء العراق ونشر الفوضى والخراب في ربوعه .


وقد يقدّر للصوص والحرامية أن يتفقوا في حالات وظروف معيّنة بعد كل عملية سطو أو سرقة مهمّة . لكن من المستحيل على العملاء والخونة وبائعي الأوطان أن يصفوا على رأي سديد من أجل خدمة المواطنين , أو أن يتخلّصوا من عقدة النقص ومشاعر الدونية التي تتجسد في شخصية كل من يبيع نفسه وضميره بثمن بخس لقاتل أبناء شعبه ومدمّر وطنه وسارق ثروات وخيرات أجياله القادمة . وليس غريب , وسنوات الاحتلال خير دليل , أن يستمر"قادة" العراق الجديد على نفس النهج الذي بدأوا فيه . نهج عصابات المافيا الخطيرة ومنظمات الجرائم الكبرى المتعددة الاختصاصات , والتي تقف خلفها دول وحكومات ذات أطماع ومصالح خاصّة .

 


mkhalaf@alice .it

 

 





الاربعاء٢٠ رجـــب ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٢ / حــزيــران / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد العماري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة