شبكة ذي قار
عـاجـل










الإطار العــــــام

 

غداة الاستقلال وبحكم الطبيعة السياسية و الفكرية التي هيمنت علي الحركة الوطنية أن وجدت البلاد نفسها أمام أزمة سياسية حد الصراع و التنافس بين جناحي الحركة  بلغ مرحلة الاقتتال الذي حسم لفائدة الطرف الذي قدم تنازلات هامة لفائدة المستعمر ( المصالح الاقتصادية و الثقافية التي لازالت تفعل فعلها لحد الآن ) تحت غطاء الخطاب الواقعي و مفهوم البراغماتية ( البورقيبية ) ليتأسس عليه أول نظام سياسي ( الجمهورية الرئاسية ) بمفهوم الزعامة الفردية  المستندة و المتحالفة مع الأمن و الإدارة ( بقايا أرستقراطية نظام البايات ) و البيروقراطية الموروثة من العهد الاستعماري .. قوي مهيمنة علي مختلف أجهزة الدولة  تسيير و تقود في مختلف المستويات علي مستوي المركز و تستند في تفعيل قيادتها جهويا و محليا علي وجوه متنفذة إما اجتماعيا بحكم الموروث العائلي أو اقتصاديا بحكم طبيعة علاقاتها بالمستعمر .. قوي تمتلك القدرة علي التكيف مع مختلف التحولات السياسية و الفكرية التي فرضتها ثنائية الاستقطاب الدولي و تفاعلات المحيط العربي و انعكاساته المحلية ( انتصار الثورة الجزائرية ـ صعود المد القومي في المشرق العربي و تعثره ) حفاظا علي مصالحها و مواقعها المتنفذة ( اقتصاد حر ـ اقتصاد اشتراكي ـ اقتصاد منفتح ـ عولمة ) خالقة بذلك الأرضية لبروز الشخصية الكاريزمية  المهيمنة لبورقيبة ( المجاهد الأكبر ) التي عمقتها لدي الشعب من خلال " الرئاسة مدي الحياة " في مرحلة أولي رابطة أفعالها بأنها لا تعدو أن تكون أكثر من تطبيق ميداني لتوجيهات الرئيس .. تغطية للإثراء الذاتي و التآمر علي الدولة و المجتمع  مما قاد إلي أزمة المجتمع في ثمانينيات القرن الماضي  التي مثلت أرضية مواتية لرفض النظام و التأسيس لتغيير جذري تلقفته القوي المعادية وانتهي إلي الانقلاب العسكري بصيغة مدنية نتيجة الاختراقات الخارجية لمؤسسات القرار في الدولة و الذي لم يكن أكثر في الفعل السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي من استبدال للشيطان بابليس لتزداد القطيعة بين الدولة و المجتمع تعمقا  بما جعل النظام يفقد كل شرعية سياسية  من خلال تحوله إلي حكم استبدادي بالكامل و مصدر أزمات مفتعلة عمقت الوشاية و الكبت و دفعت بالمجتمع إلي السلبية التامة  في مرحلة ثانية انتهت بالرفض التام لكل مؤسسات الدولة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية رفض يفرض إعادة صياغة الدولة صياغة جديدة.

 

1ـ البرنامج السيــــاسي

 ـ نهاية عصر النخب المسيطرة

 

أشرت الانتفاضة / الثورة  بما لا يدع مجالا للشك نهاية عصر النخب المسيطرة و المهيمنة و المتحكمة في مصير الشعوب .. فانتشار التعليم  و تعميم الثقافة و سرعة انسياب الأفكار و القيم بالاعتماد علي التطور التكنولوجي و المعلوماتية حول المجتمعات  إلي مراكز استقبال و انفتاح علي العالم الخارجي من ناحية ومن ناحية أخري إلي مجتمعات مدركة وواعية لذاتها و لدوره .. مما أفقد الدولة التقليدية ( بمختلف مكوناتها الفرد / الحزب الواحد / العائلة / النخبة ) مقوماتها الشرعية / المعنوية  في الاستمرار ( سلطة القيادة / تنظيم المجتمع / توزيع الخدمات )  إذ لم تعد الدولة المؤسسة في نظر المجتمع أكثر من سلطة ينحصر دورها في تهيئة المجتمع لتنظيم نفسه و إشراكه في عملية صنع السياسة و قيادة الدولة و المؤسسات .. وإذا كنا قد عشنا طبيعة الدولة التقليدية في صيغة النظام الرئاسي و ما أفضي إليه من  نظام سياسي يعتمد النخبة المنغلقة علي ذاتها و الغير المنفتحة علي المجتمع فحسب بل حتى علي الحزب الذي أفرزها و من خلاله مارست سياسة التزوير و التهميش و الإقصاء وقمع المعارضة السياسية مما جعلها فاقدة لكل الشرعية و مخلفة رفضا للنظام مقترنا بعدم ثقة عبر عن نفسه في إصرار الشارع علي إسقاطه  بالكامل واجتثاث دعائمه الهيكلية مما يعني تغيير شامل في النظام السياسي .. بدء من النظام الدستوري مما يعني تحول جذري في بنية النظام أي الانتقال من النظام الرئاسي الذي أفرغته تلك الممارسات من كل ما يمكن أن يحتويه من ايجابيات  إلي النظام البرلماني نظام نادي به حزبنا منذ التأسيس و اعتبره النظام الأكثر صدقيه في تأكيد الديمقراطية بما يضمن حرية الفرد و المجتمع و تأكيد سلطة الشعب و الضامن للتداول السلمي علي السلطة.

 

أ ـ الدستـــــــور

 و إن كان موكولا لفقهاء القانون الدستوري في جوهره إلا أن إثارة مسألة الانتماء و مفهوم الدولة المستقبلي بشكل مفتعل و بالتقابل بين دعاة التحديث التغريبيين و دعاة الأصالة السلفيين يجعلنا نحدد موقفا من ذالك لا بصيغة الإملاء و إنما بصيغة النقاش الواعي الهادف إلي الحسم و الابتعاد عن وضع الحداثة في تقابل مع الأصالة بما يعطل حركة المجتمع و الشعب إلي أمام .. من هنا نضع السؤال التالي. هل  الأصالة هي العودة إلي الماضي أم تحريك روح الماضي إلي الحاضر؟ كيف نتعامل مع صيغ المعاصرة الآن والتي تستهوي البعض للانتماء الشكلي لها؟

 

ينطلق المناضل المؤمن بالرسالة الخالدة للأمة  في هذا الموضوع بالأساس من تحريك روح الماضي إليه وليس الرجوع المتدحرج إلي الماضي بتصور "خطوة إلي الخلف" وإنما بتصور وفعل خطوة إلي أمام .. فعندما نحرك الماضي أي بمعني نحضر الماضي بروحه وقيمه لأغراض التفاعل لتأدية رسالة الحياة في العمل إلي أمام .. فأننا في هذا لا نستنسخ الصيغ والفعل من الماضي وإنما نمد جسرا حيا يربط بين الماضي والحاضر وينفتح علي المستقبل بكل مستلزماته في التطور والفعل إلي أمام .. وبالتالي عندما نحضر حلقة من حلقات تجربة العرب الماضية وندرس تاريخ أحد الخلفاء الراشدين مثلا فأننا لا نستعير الصيغ التي استخدمها وإنما نأخذ الروح التي انطلقت منها الصيغة أوالصيغ التي استخدمها في معالجة موضوع م .. وعندما نقول أن فلانا كان مبدئيا وأمام المبدئية لم يجعل قيم الأرض ومغرياتها بديلا عن قيم السماء وحاول أن يحضر قيم السماء في الوقت الذي استخدم معطيات الأرض لخدمة قيم السماء من خلال هكذا تصور وتفكير نتصرف علي ضوء تصرف هذا الجد الذي هو جزءا من تاريخن .. لكن علينا أن لا نستعير صيغا استخدمها هو قبل 1420 سنة .. وعلينا أن لا ننشغل بمناقشة ماذا نأخذ من تاريخ عمر وعلي وأبي بكر أو عثمان .. "رضي الله عنهم" من صيغ العمل وتطبيقاته .. وإنما علينا أن نفهم روح سيرة هؤلاء الأجداد ونفهم كيف نكون أصحاب مبدأ في النظرة إلي الحق والحقوق بين المواطن والحاكم بين المواطن والمواطن كيف نستحضر عدالة الأولين في روحها كيف نستحضر اشتراكية العرب المسلمين في روحها وقيمها العامة كما جاءت في تصرف عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب. وبالتالي فأننا عند دراسة فعاليات وتصورات العرب عبر تاريخ الأمة نستفيد منها كدروس بليغة لكي نجعل روح العصر ممتدة إليها في الوقت الذي نحرك روح الماضي إلي العصر هكذا يمكننا أن نستقي الدرس من التاريخ والتراث بدون تعصب ورجوع إلي الخلف يمنع ويعرقل التقدم إلي أمام وبذلك تكون قوانين الحاضر ومستلزماتها قد سجلت حضورا ثوريا حيا لأن التاريخ والتراث سيكونان جسرا ممتدا ومتحركا إلينا ولسنا حالة راجعة إليهم بمثل هكذا رؤية تكون أية حالة اقتباس وأية نظرة شكلية للماضي وأية نظرة شكلية للحاضر تقود للخطأ الجسيم .. إذ التخلي عن الماضي عبارة عن تشبث شكلي وانتماء مظهري للمعاصرة والتخلي عن الحاضر المتحرك للإمام ومستلزماته وقوانينه هو انتماء شكلي إلي الماضي وليس انتماء إنساني وثوري له .. علينا أن ندرك أن أجدادنا الأوائل كانوا منتمين انتماءا ثوريا إلي حاضرهم الذي أصبح ماضيا في الوقت الذي كان حاضرهم منتميا إليهم انتماءا ثوري .. لأنه كان متحركا إلي أمام بفعل القيم والممارسات التي كانوا يغيرون الواقع بموجبه .. فالنقطة الأساس في عظمتهم أنهم ثاروا علي علاقات ومقاييس متخلفة .. من هنا علينا أن نفهم أن أي صيغة من صيغ المعاصرة الآن التي تستهوي البعض للانتماء الشكلي لها إنما هي جزء من تاريخ أمم أخري لم تكن معزولة في حركتها عن عصرها الذي عبرت عنه في الفعل والتصور في الوقت الذي اتصلت بماضيها اتصالا حي .. لذا فنحن العرب عندما نقتبس مظاهرها وحلقاتها الخارجية لا ننتمي إلي أمتنا انتماءا صحيحا وعندها سننتمي للحاضر انتماءا شكليا مبتورا غير إنساني وغير ثوري في نفس الوقت .. من هنا فانفتاحنا علي معطيات حضارة الغرب فلكي نفهمها ونتفاعل مع ما ينبغي أن نتفاعل معه لا انتماء شكلي ألي إلي أي منها والتي هي ثمرة مجهود قومي إنساني بالأساس تواصل فيه الماضي بالحاضر .. فالأمم الغربية تنتمي إلي تجاربها انتماءا متكاملا وهكذا تكون جزء من ماضيها في الوقت الذي تؤدي واجبها في الحاضر .. بينما نحن إذا انتمينا إلي المعاصرة التي هي حصيلة مجهود أمم أخري بصورة مظهرية فسنكون عمليا خارج أمتنا في الوقت الذي نكون فيه خارج الأمم الأخرى ونكون في هذا التصرف والتصور غير ثوريين ولا إراديين لأننا لا نقدم إضافة إبداعية للحياة ويقتصر دورنا علي النقل والتحريك الآلي لتجارب الشعوب.

 

لننظر إلي الحياة نظرة علمية تحليلية سنري و حتي الآن أنه لم يثبت لدينا ولم نطلع ونعرف أن هنالك فاصلة في التاريخ والحياة الإنسانية كان فيها الإنسان يحس بالسعادة لمجرد الانتماء إلي المرئي والمحسوس في الأرض وما يبقي علي سطحه .. إذن الإنسان وعبر تاريخه كان يتطلع وباستمرار إلي ما هو أبعد من المرئي والمحسوس .. تطلع جعله في بعض الأحيان يتخذ من المرئي نفسه حالة وكأنها خارجة إرادته وخارج الحضور العملي لحواسه فيجعل من الصنم الذي يصنعه بنفسه من الحجر الاها له رغم أن الصنم في مادته جزء من الأرض التي يقف ويعمل علي سطحها إذن حاجة الإنسان إلي التطلع خارج ما يقع بين يديه وإلي الروح حني فيما هو موجود بين يديه من مادة وما هو مرئي منها حاجة قائمة لذلك نجده يجعل من الحجر صنما ينظر إليه علي أن له روحا. كما تشتد حاجة الإنسان إلي تجاوز المرئي إلي ما هو أبعد عندما يزداد تمتعه بها إلي الحد الذي يكون فيه قد أشبع كل حاجاته الإنسانية في جانبها المادي وصار يشعر بالاختناق والفراغ وعندما تسحقه ظروف الحياة وتتغلب عليه فيتملكه الشعور بالفراغ جراء عدم مقدرته في السيطرة علي شؤونها وتسخيرها لتحقيق مستلزماته وحاجاته منها كما ينبغي .. وهكذا يتطلع إلي الأعلى إلي الأفق متجاوزا المنظور .. عندما يتوفر له ما يطلب من حاجة مادية وعندما يعجز عن الحصول علي أبسط مستلزمات الحياة الصحيحة عندما يكون صحيحا معافى وعندما يكون مريض .. وإن اختلفت درجات التطلع من حيث الحاجة بين هذه الأصناف رغم أن التفكير في التطلع إلي الأعلى الغير مرئي غالبا ما يرافق الناس الذين تقسو عليهم شروط الحياة وظروفها سواء كانوا في الأراضي المنبسطة وفي الأودية بنسبة أعلي من سواهم من الأصناف. إذن العبادة وحالاتها مسألة إنسانية والحاجة إليها إنسانية كذلك.

 

لنأخذ هذا التقديم في علاقة بواقعنا القطري ( أي تونس ) الذي هو جزء من الأمة العربية بامتداداتها الإنسانية .. فسنري أن نظرتنا استنبطت من هذا الواقع فبالقدر ما هي حركة تسعي لتغيير هذا الواقع وتحريكه باتجاه يجدد إمكانات الأمة ليضعها في موقع تصبح معه قادرة علي العطاء والتوثب الحضاري واحتلال موقعها الإنساني بقدر ما يفرض علينا رفض القطع مع واقع وتاريخ الأمة العربية وكيف كان مليئا بحركة الأديان وبتطلعات الإنسان إلي العبادة .. لذلك لا يمكن للشعب أن يكون بلا علاقة بين الأرض والسماء ( أي بين المادي والروحي ) من هنا فالعلاقة التي نريدها تختلف في جوهرها عن نظرة دعاة الأصالة المتدحرجة بالتصور والفعل إلي الماضي ونظرة المغتربين الداعية للقطع مع الماضي واستقدام تجارب الآخرين .. هذا يقودنا إلي طرح موضوع العلمانية .. ماذا نفهم منها؟

 

هل ينظر إليها علي أنها تعني الإلحاد؟ أم ينظر إليها بأنها تعني أن يكون للدولة مهام مدنية وعليها أن لا تغرق بأية حالة دينية تصورا وسلوكا يجعلها منتمية علي وجه التخصص إلي جزء من الشعب في القطر الواحد وفي الوطن العربي دون أن تحض باحترام وموافقة الشعب كله .. وبدون أن يختلف الشعب عليها؟ إذن الدولة التي نفهمها والتي نهدف تحقيقها هي التي يعيش في ظلها الشعب كله بحرية تامة في أديانهم ومعتقداتهم في انتماءاتهم المذهبية .. الدولة التي تراعي المعتقد والدين وأماكن العبادة والطقوس دون أن تتدخل فيها وتنتمي انتماء تخصصيا فئويا إلي أي منها وبالتالي دولة تتجنب أن تكون *بيت عبادة * أوفتوى عبادة أو مفتيا للحياة من طريق ديني .. وأن تركز علي دورها وواجباتها بوصفها مفتي الحياة *بيت حياة * الشعب الذي يجمع أبناءه من مختلف الانتماءات والاجتهادات في ظله لأننا نأخذ جوهر الأمة في صلاتها بالروح هذا هو الأساس في صلة الإنسان بالدين وليس هناك من عاقل من أبناء الشعب ويفهم جوهر الدين ومستلزمات الحياة بمعانيها الواسعة والعميقة ويقع في خطأ يجعله يتجاوز هذه الحقائق .. لو سألنا كل الناس الذين هم يجزئون الأمة العربية في هذا القطر وذاك .. هل تريدون تجزئة الأمة؟ هل تريدون تجزئة الشعب لأجابوا أبدا لا وألف ل .. ولكنهم يتصرفون عمليا بهذا الاتجاه لأنهم ينطلقون من تفكير خاطئ يفضي إلي تجزئة الشعب في القطر الواحد وتجزئة الأمة في الوطن الكبير فالعاقل المخلص للشعب والأمة ولرسالتها والذي يحرص علي إبعاد مخاطر التشرذم والفرقة بين أفراد الشعب هو الذي ينتمي للأمة  كلها لا لجزء منها هو الذي ينتمي إلي الشعب كله لا لجزء منه.

 

لنفهم حقيقة قائمة إن تحول الدولة إلي مركز للفتوى وللتخصص الديني الفئوي سيجعلها في أحسن الأحوال قد اختارت جزء من الشعب فنحن في تونس وإن كنا مسلمين بنسبة 98 % بيننا المالكي والحنبلي والحنفي والشافعي وبيننا طوائف أخري وإن كانت بنسب محدودة .. علي الدولة أن لا توقف الاجتهاد في المعتقد إذ أن هذا ليس من شأنها ليجتهد المجتهدون وليناقش رجال الدين فيما بينهم وليقل كل واحد منهم رأيه فيما يعتقد في المسألة الدينية ولكن علي الدولة أن لا تكون مجتهدا جديدا في الحياة من مدخل ديني إذ أنها إن فعلت ذلك فأنها في أحسن حالاتها ستعتبر مجتهدا دينيا جديدا عليه أن يصطف مع المجتهدين الدينين الآخرين يختلف ويتوافق معهم .. وفي هذا عليها أن تنتمي إلي مدرسة من المدارس الدينية ومذهب من المذاهب إذا عالجت شؤون الحياة من زوايا دينية وعندئذ ففي أحسن حالاتها قد تفوز بانتماء جزء من المواطنين إليها دون باقي الشعب.

 

يشير تاريخ المسلمين العرب بعد و حتي أثناء عهد الخلفاء الراشدين أنهم اختلفوا بشكل واسع وعميق حول الطريقة الأجدى لتطبيق أحكام الدين علي الأرض وهم الذين كانوا أصحاب محمد ( صلي الله عليه وسلم ) عندما كانت تنزل عليه آيات القرآن وفي وقت لم تكن الأحكام الدينية قد أرهقت باجتهاد المدارس والمذاهب فكيف الآن إذا ما زجت الأحكام في إعطاء الفتوى بالممنوع والمسموح في شؤون الحياة التي زادت مفرداتها مرات و مرات علي ما كانت عليه قبل 1400 سنة من الآن. إن زج السلطة في إعطاء أحكام لشؤون الحياة من مدخل ديني لا بد أن يفضي إلي واحدة من الحالتين

 

  عرقلة التطور في شؤون الحياة وتحويلها إلي جحيم لا يطاق من شأنه أن يقتل إبداعات الإنسان وتفاعله مع روح العصر ومستلزماته

  إفراغ الدين من قدسيته ومهابته وروحه وتحويله إلي غطاء لتبرير الكثير من مفردات الحياة واجتهادات بما يسئ إلي الدين في جوهره وتجلياته.

 

لذلك ليس من مصلحة الشعب والأمة من الناحية النظرية ولا من الناحية العملية أن يفكر الناس الذين يريدون فعلا توحيد الشعب والأمة ووضعه ووضعها في حالة صيرورة جديدة من حيث الدور القومي والإنساني في أن يعالجوا الحياة من منظور ديني لأنهم في أحسن الحالات سيكونون مجتهدين دينيين يختلف معهم علي نطاق واسع وعميق ليس الدنيويون فقط وإنما الدينيون بالدرجة الأساس سواء صنفوا كمجتهدين صغار أو كبار وبالنتيجة النهائية سينتمون إلي جزء من الشعب أو الأمة لا للشعب كله في القطر الواحد أو الأمة كلها في الوطن الكبير.

 

لذا الادعاء بتوحيد الشعب أو الأمة من منظور ديني نظرة سطحية خيالية غير صادقة ومتعصبة لذلك نرفض هكذا توجه الذي وجد قبل وبعد ظهورنا علي ساحة الوطن أو القطر ونرفض المنهج الإلحادي الذي وجد قبل وبعد ظهورنا كذلك.

 

قد يبرز من يقول أننا نضع القومية فوق الدين علي العكس تماما نقول أن هذه المفاهيم تضع القومية في مستواها ودورها الإنساني الحقيق والصحيح .. وتترك للدين دوره ومستواه القدسي دون الإساءة إليه .. فالدين الإسلامي لم يكن بديلا عن القومية في معانيها الإنسانية وليس حالة متعارضة ومتناقضة  معها  بل أن الإسلام قد أكد المعاني القومية المنفتحة الإنسانية وأكد الكثير من أخلاق وقيم العرب الأصيلة وأعطي للعرب دورا إنسانيا قياديا ليس داخل الوطن العرب فحسب وإنما خارج حدودهم القومية في الوقت الذي بلور وعمق أهم خواصهم ومقوماتهم القومية بعد أن عززها بروح الرسالة ودورها الإنساني وعزز إمكانات الرسالة علي الأرض بخواص العرب ومقوماتهم القومية الإنسانية الأصيلة.

 

فالإسلام عزز وحدة العرب بعد أن كانوا قبائل متناحرة ومتخلفة اجتماعيا لم يكن ضد العروبة أو وحدة العرب بل معززا للعروبة ووحدتها جاعلا من الخواص الايجابية عند العرب مرتكزا للانتشار إلي أبعد النقاط الجغرافية التي بلغه ..  لذا فان أي دعوة لا تضع هذه الرؤية في حساباتها وخاصة دور العرب القيادي في الدين وعدم تعارض الدين مع القومية العربية ومنهجها التحرري الإنساني لا يمكن إلا أن تكون معادية للعروبة ومنحرفة بالتصور والتصرف عن المفاهيم الصحيحة لجوهر الدين هذا لا يلغي فهمنا من ناحية ومن ناحية أخري عدم اختلافنا مع الدينين في أن الدين هو أداة معارضة وسلاح ضد الطغاة والمستبدين والفاسدين من الحكام في مرحلة من مراحل الحياة وفي ظرف من ظروفها لكن لا يجب أن يحجب هذا السلاح الأداة في ذهن المناضل بقية الأدوات الأخرى وأن ينتبه إلي أن لا يمسك هذا السلاح ( السيف ) من نصله فيقود استخدام الدين كسلاح أو غطاء للمعارضة إلي تمزيق الشعب وإحياء الآراء والنظريات المتخلفة وتعطيل تقدم الحياة وروح المعاصرة التي بدونها سنبقي شعب مستعبد وغير قادر علي العطاء والإشعاع القومي و الإنساني.

 

انطلاقا من هكذا تحليل نري أن  مسألة الانتماء محسومة  في أن تونس قطر عربي دينه الإسلام أم أن تسويق الانتماء للأمة العربية و الوطن العربي في الخطاب السياسي لهذه الأطراف مقترنا بالدرس الذي قدمته الانتفاضة / الثورة في آثارها الآنية علي الساحة العربية ؟ ما نلبث أمام استحقاقاتها الدستورية أن نعود للقفز علي الانتماء القومي للقطر نحو الأممية بشقيها الإسلامي والعالمي.

 

ب ـ النظام البرلمانـــــــي مطلب سياسي يهدف تأكيد الفصل التام بين السلط

 

ـ علـــــي مستوي المركز

 السلطة التشريعية .

دون الدخول في تفاصيل ما يقصد بالنظام البرلماني و هو أمر موكول لفقهاء القانون الدستوري فما ننادي به هو توزيع جديد للقوة داخل النظام السياسي بحيث يصبح البرلمان المنتخب بطريقة التمثيل النسبي غير المقيد مع كفالة حرية التمثيل السياسي لغير المنتمين للتنظيمات السياسية ( المستقلين ) .

 

  السلطة التنفيذية .

تنبثق عن البرلمان حكومة تمثل القوي الأكثر ثقل داخله طبقا لما يفرضه الواقع المتغير لبناء القوة السياسية في المجتمع .. حكومة مسؤولة أمامه مسؤولية جماعية و مسؤولية فردية أيضا حيث يحق له سحب الثقة من الحكومة كلها أو بعض أعضائها  ومساءلتها مساءلة جدية  كلما رأي ذلك ضرورة تقتضيها الحال .برلمان يحق له إجراء انتخابات مبكرة  حينما يفقد هو نفسه مبررات بقائه .

 

 السلطة القضائية .

سلطة مستقلة و لما لا منتخبة.

 ـ أما رئيس الدولة فان دوره ينحصر في كونه رمزا للسيادة  و سلطاته الدستورية تنحصر في تولي اختصاصات ذات طابع تنسيقي لتفعيل مكونات الآلة الدستورية الجديدة.

 

  ـ علي مستوي الولايـــــــات

تطبيق نظام المجالس المنتخبة بمفهوم الإدارة الذاتية حني علي المستوي المحلي مع تمكينها من الاستقلالية في مجالات يضبطها الدستور بما يحفز علي المنافسة في التنمية و تأكيد حق الجهة في ثروتها المحلية.

 

لكي يتم ذلك لابد من ضمانتين أساسيتين

الأولي بناء الحياة السياسية بطريقة تكفل حرية تمثيل الإرادة الشعبية تنظيما و أول عناصر هذه الطريقة الفصل بين الأحزاب السياسية و جهاز الدولة فصلا تاما.

الثانية توفير فرصة العيش الكريم لكل أبناء المجتمع بحيث لا تصبح بطاقة الانتخاب رهينة لقمة العيش وذلك لن يكون إلا من خلال نظام اقتصادي و اجتماعي يضع في تصوره وفعله تلبية احتياجات المجتمع إلي التنمية الشاملة و العدالة الاجتماعية.

 

 





الاربعاء٠٦ رجـــب ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٨ / حــزيــران / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب يوغرطة السميري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة