شبكة ذي قار
عـاجـل










الرهان على أمريكا في النهاية .. رهان على سراب .
الرهان على حصان خاسر في البداية .. غباء .
الاتكاء على جدران متصدعة .. محض هراء .
الرهان الحقيقي ..على الله والذات وقوى الأمة الوطنية والقومية !!


اعتمد ( حسني مبارك ) على أمريكا و ( إسرائيل ) أكثر من ثلاثين عاماً، وكان معتمدهما السياسي والأمني والإستراتيجي في المنطقة .. وحين بات ثقل الجماهير الوطنية كبيراً ومؤثراً في الشارع المصري، وخشية أن لا تفقد أمريكا مصالحها، تخلت عن رجلها المعتمد وطالبته بالرحيل، وبشكل منافق اندفعت تعلن دعمها للثورة المصرية!!


ماذا نستنتج من هذا النموذج ؟


أول - إن أمريكا ليس لديها صديق .. وإذا كان لديها صديق، فأنها سرعان ما تتخلى عنه كما تخلت من قبل عن ( شاه إيران ) و ( حسني مبارك ) و ( بن علي ) وغيرهم كثير.


ثاني - إن المصالح الأمريكية ليست ثابتة ولا مضمونة مهما طال الزمن، وإذا ما تعرضت هذه المصالح إلى أي نوع من المتغيرات فأن ذلك سيجعل أمريكا تغير من علاقاتها وتحالفاتها تبعاً لتلك المتغيرات !!


ثالث - كلما حاولت أمريكا أن تحافظ على مصالحها بطرق غير مشروعة وباستخدامات غير مشروعة، تفقد الكثير من رصيدها السياسي والأمني والإستراتيجي والاقتصادي والأخلاقي، مهما استخدمت من أساليب القوة المفرطة، وأساليب الخداع والتظليل، وأساليب الترغيب والتهديد.


رابع - إن استخدام أمريكا وسيلة التدخل العسكري المباشر في الشؤون الداخلية للبلدان العربية على وجه الخصوص، يثير حفيظة الشعب العربي في كل مكان الآن وعلى المدى البعيد، ومهما كان الإعلام الخارجي متقناً ودقيقاً وصارماً، إذ سرعان ما تتكشف ملابسات الموقف وتتعرى المبررات، كما حصل بشأن ذريعة ( أسلحة الدمار الشامل ) و ( الارتباط بالقاعدة ) اللتان في ضوئهما شنت أمريكا العدوان على العراق!!


خامس - إن خيار التدخل العسكري الأمريكي المباشر في صيغة احتلال يصعب تكراره في ظل الأوضاع المالية والنقدية والاقتصادية المزرية، التي حلت بالاقتصاد الأمريكي جراء الحروب التي تشنها على الشعوب ومنها الشعب العراقي والشعب الأفغاني والشعب الليبي.


سادس - إن تغيير نمط التدخل الأمريكي الجديد جاء في الصيغة الإستخبارية - الإعلامية الراهنة، وذلك في إطار ( الفوضى الخلاقة ) كغطاء للتدخل أسمته ( التدخل الإنساني وحماية المدنيين ) .. وحصيلة جرائم أمريكا والناتو، كما نراها، تعد بالألوف بين صفوف الشعب الليبي المقاوم .


سابع - إن التدخل الأمريكي الأطلسي في شؤون البلدان العربية هو في حقيقته ( عودة الاستعمار القديم بثوب جديد ) إلى المنطقة، وذلك من خلال ركوب موجة الجماهير المحرومة والمهضومة حقوقها والمعذبة بسلطات القمع وأساليبها ، ومحاولة احتواء الانتفاضات واختراقها وتوجيهها بما يخدم المصالح الأمريكية والغربية والإسرائيلية .


السعودية مثالاً .. باعتبارها أكبر دولة في منطقة الخليج العربي، كانت في ما مضى القوة التي تتحدث باسم دول الخليج العربي .. والآن ، تتفرد كل من قطر والإمارات والكويت بسياسات انفرادية بالرغم من انتمائها إلى مجلس التعاون الخليجي .. ومع ذلك فأن الدولة السعودية وبالرغم من صداقتها التقليدية مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ عقود من السنين، تعاني من أمرين :


الأول - إن أمريكا تعمل بصورة سرية وعلنية على تقسيمها بدعوى الحداثة والتحديث، وعلى أساس تحويل أنماط التعامل بما يتماشى وحركة التغيير، التي تجري في المنطقة والعالم .. بمعنى شرذمتها وإنهاء دورها السياسي والديني في العالم الإسلامي .. وهذا جزء من حملة تدمير الدين الإسلامي الحنيف .


الثاني - إن إيران تعمل بصورة سرية وعلنية على انتزاع الزعامة الدينية من السعودية، وذلك بالدعوة إلى ( تدويل ) الكعبة المشرفة، وجعله ( فاتيكان ) الشرق الأوسط الجديد .. كما تعمل إيران في ظل مختلف الظروف على تعزيز الاستيطان وتكريس التشيع الفارسي في عمق الشعب العربي في السعودية وبمختلف الوسائل الممكنة والمتاحة، واعتماد أسلوب القضم التدريجي للبلدان العربية .. فإذا ما تمكنت إيران من البحرين، حتى بدواعي التعاون الأمريكي الإيراني، فأن إيران ستجعل من البحرين قاعدة أساسية تنطلق منها لابتلاع الكويت والإمارات.. فيما المخطط الإيراني، الذي ينطلق من جنوب العراق وتحت إشراف سلطة إيران في المنطقة الخضراء بات تنفيذه وشيكاً، فالمعسكر الذي باشرت الشركات الإيرانية بإنشائه بالقرب من صحراء ( السماوه ) القريبة من الحدود السعودية تحت إعلان معالجة التصحر، سيدير شؤونه الحرس الثوري الإيراني، الذي تم إعدادهم وتزويدهم بمستلزمات العمل داخل الأراضي السعودية !! .


ولا أحد يستطيع أن يقول ( أن أمريكا ستدافع عن دول الخليج العربي ) .. والحقيقة أن أمريكا تتعامل في إطار إستراتيجية ( الشرق الأوسط الجديد ) سيئة الصيت، وعلى أساس تسويات أو توافق إستراتيجي، ( النفط ) العربي لأمريكا، مقابل السكوت الأمريكي على التغلغل الإيراني في الدول الخليجية، والصمت الأمريكي على التهديدات الإيرانية يقابله تسويق الأسلحة الأمريكية على دول المنطقة !!


كما لا أحد يستطيع أن يقول إن ما بين دول الخليج العربي وأمريكا وغيره ( اتفاقيات ) حماية .. ولكن أمريكا كانت أيضاً لديها اتفاقية إستراتيجية مع شاه إيران، واتفاقيات مع "حسني مبارك" وأخرى مع "بن علي" ، سرعان ما تخلت عنهم في غضون عدد من الأسابيع حين رجحت أمريكا مصالحها .. ومخطط أمريكا حالياً يتجه نحو إعادة تشكيل ( الشرق الأوسط الجديد ) ليشمل كل من إيران وتركيا !!.


الخيارات المطروحة ..

أمام السعودية ، باعتبارها الدولة الكبرى في منطقة الخليج العربي، وهي ما تزال تحافظ على مكانتها المالية والدينية، ولكنها محاطة بمخاطر جسيمة محدقة بها من كل جانب وخاصة سياسة تفجير الإسلام من الداخل، كما أسلفنا، وتوغل الطائفية في النسيج الاجتماعي السعودي .. أمامها خياران :


الأول - أن تعمل على تحصين ذاتها وتمكين قواها الداخلية وتنوع مصادر تسلحها وعلاقاتها وتنفتح على الدول الكبرى والعظمى التي ليس لديها تطلعات استعمارية كالصين وروسيا الاتحادية والهند وباكستان ودول أمريكا اللآتينية ، وتعيد النظر في بنيتها العامة وبهيكلية قواها العاملة على مسرحها الوطني، وتسد الثغرات في وضعها الاجتماعي وتقلل من الفوارق الطبقية وتنهي حالة الفقر المدقع، الذي يحيط كأحزمة رثة بالكثير من مدن السعودية، وتضع لها خططاً تنموية خمسية أو عشرية للتحول من الحالة الاستهلاكية إلى الحالة الصناعية وتستثمر بعض أرصدتها العملاقة في الوطن العربي، من أجل عودة خطوط العلاقات العربية - العربية والنهوض بالواقع العربي على قاعدة النمو الاقتصادي والاجتماعي .. كل ذلك من أجل سد الثغرات ومعالجة الأوضاع غير الطبيعية في نسيج المجتمع العربي سياسياً واقتصادياً وثقافياً ..إلخ


الثاني - أن تعمل السعودية على الانفتاح السريع على كل القوى العربية الرافضة لنهج ( الشرق الأوسط الجديد ) ، الذي تتزعمه أمريكا وكيانها الصهيوني، الذي يستهدف إنهاء القضية الفلسطينية ومحو هوية القدس الشريف وضرب جوهر الدين الإسلامي الحنيف، وفي مقدمة هذه القوى الرافضة المقاومة الوطنية العراقية، التي تقارع أمريكا وإيران على أرض العراق في آن واحد منذ تسع سنوات من أجل تحرير العراق وتأكيد سيادته وانتماءه القومي العربي الإسلامي، وإرجاعه ( معادلاً إستراتيجي ) حيال دولة إيران الفارسية، وسداً منيعاً يحمي دول الخليج وشعبها العربي من التهديد والعدوان .


المقاومة الوطنية العراقية التحررية هي المُعوَلْ عليها كدرع حماية مستقبلية، وكما كان العراق من قبل وعبر العصور حيث ( كورش ) و ( هولاكو ) و ( جنكيزخان ) الذين يأتون موجات بشرية لاجتياح المنطقة العربية، ولكنهم يصطدمون بجدار العراق ويقفون عنده ويتحمل العراق وشعبه أهوال الصدمة .


التاريخ يعيد نفسه بوجه آخر وبأثواب جديدة .. وما على السعودية ودول الخليج الأخرى إلا أن تعي المنطق التاريخي هذا وتمد يدها إلى المقاومة الوطنية العراقية بكل ما لديها من إمكانات القوة والمنعة، دون انحياز لهذه القوة المقاومة أو تلك، لأن التفريق في هذا المجال سيضعف من طبيعة الحركة المقاومة لواقع الاحتلال الأمريكي الإيراني المزدوج .


الدولة السعودية .. قد تم وضعها في دائرة الإهمال والتهميش تمهيداً للتقسيم والتغيير، والأمر يأخذ مساره الزمني وعلى وفق مبدأ الأولويات في التغيير.. ومؤشرات التوافق الإستراتيجي ( الأمريكي الإيراني الإسرائيلي ) كثيرة تستدعي البحث فيها والتوقف عندها ، الأمر الذي يتوجب على السعودية أن تطرح على نفسها جملة من الأسئلة المهمة .. أين هي السعودية من ما يحاك لها ولأخواتها الغارقات بالتآمر على البلدان العربية الأخرى، ومنها قطر في المقدمة والإمارات والكويت التي نفخت نفسها كثيراً وتجاوزت حدودها كثيراً على حساب العراق، اعتقاداً منها بأن أمريكا ستحميها ، أقول أين السعودية من ما يحاك لها من مخططات التفكيك ؟ هل ما زالت تعتقد بحماية الصديق الأمريكي ؟ وهل تعتقد بمراوغة التقية الإيرانية ؟ وهل تعتقد أن الموجة التي تعم المنطقة لا تعنيها وستعبر دون أن تمسها بسوء ؟ كما عليها أن تفكر بعمق من هُمْ حلفائها الحقيقيون ؟ وكيف ترصد خطوات من حولها ؟ وكيف تبني لمستقبل يحمي شعب السعودية العربي ويحمي عروبته ودينه الإسلامي الحنيف .. اللهم بلغت .. ؟!

 

 





الاثنين٠٤ رجـــب ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٦ / حــزيــران / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة