شبكة ذي قار
عـاجـل










إذا تحدث شخصان اليوم في تحديد هوية التظاهرات التي عمت الشارع العربي وتحديد هوية المتظاهرين وقادتهم، سيصابان بالحيرة: هل يصح أن نسمي قادة هذه التظاهرات "ثواراً" فنبارك لهم ثورتهم البيضاء، أم نطلق عليهم لقب المتمردين أو نسميهم مناضلين، إبطالاً ثائرين بجدارة ...


اضغط على نفسي كثيراً وأحاول أن أدرج ما يحدث في بعض الدول العربية تحت مسمى (الثورة) وأعزي ذلك إلى صحوة عربية وإلى وعي عربي وإلى انقلاب في الفكر العربي، وأسمي الذين يقفون خلف هذه الثورات ثوّاراً وقادة وطنيين ومناضلين ثائرين نشامى صحت ضمائرهم فأبوا الظلم والجبروت والتعسف الذي يمارسه الحكام بحق شعوبهم.. أعود بذاكرتي إلى وراء وأسترجع صورة المناضلين والثوار ومواقفهم وسلوكهم التي كانت ترسمها لنا أقلام الكتّاب والسيناريست وتصورها كاميرات المخرجين، فتظهرهم في هيئة تقرب إلى هيئات (الأنبياء) في سلوكهم ومواقفهم.. ثوارّ ينظمون تظاهرات ويهتفون بسقوط الاستعمار وينددون بالحكام العملاء يطاردهم رجال مباحث الدولة والشرطة والبوليس السري ويلقون بهم في السجون والزنازين.. ثوارّ يتسلقون الحيطان ويقفزون من سطح إلى سطح ومن شارع إلى شارع يهتفون بسقوط الاستعمار والامبريالية، وبأن تعيش فلسطين حرة أبية...


الفاصل الزمني بين هذه الثورات وتلك الثورات ليس بعيداً، فلا تفصل بين هذه وتلك سوى سنوات قليلة ..هذه الصورة اضمحلت من مخليتي ومن مخيلات الكثيرين من محبي الثورات التحررية وأنا أحاول أن أُلبس ثوّار اليوم لباس التقوى والوطنية والوعي الإنساني والوطني والقومي، أضعهم في خانة المحررين والفاتحين الأبطال.. فالثورة والتظاهرة ضد حاكم فاسد ودكتاتوري هي قمة الوطنية وتدخل في خانة ثورات الشعوب ونضالها من أجل التحرر.


لكن أمريكا شوهتّ صفة الثوّار في عالمنا العربي ولم تبق ثائراً (خالصا لوجه لله)، وثائر اليوم في أذهاننا- عميل قبض الثمن مقدماً إما من أمريكا أو من إيران أو من
الكيان الصهيوني .

 

باستثناء ثورتي مصر وتونس اللتين حملتا صفة ثورة شعبية عربية حقيقية تأجج أوراها من الشارع وكان فتيلها ظلم الحكام الطغاة أمثال بن علي وحسني مبارك .


أما لماذا لم نستطع لحد اليوم إدراج تظاهرات البحرين تحت مسمى ثورة عربية نقيّة خالصة للبحرين ولشعب البحرين، فذلك لوجود ذيول للنظام الإيراني في هذا البلد العربي وإيران تمد مخالبها الاستعمارية في ذلك البحرين منذ أمد بعيد ولماذا لم نستطع أن نخضع تظاهرات الشارع السوري لقياسات الثورة الحقيقة ونسمي تظاهرات الشارع السوري ثورة شعب من أجل الشعب ومن أجل سورية.. والشيء نفسه نقوله عن ليبيا، فمن يسمون فيها (ثواراً) صافحوا الكيان الصهيوني ومدّوا أيديهم لحلف الناتو وأمريكا ودول الغرب واستقووا بالأجنبي وطلبوا منه احتلال ليبيا.. فبئس "الثورة" تلك التي تنتهي بالاحتلال وليس التحرير، وحال ليبيا شبيهة بحال العراق، فالذين كانوا يزعمون أنهم ثوّاراً يعارضون النظام فعلوا الموبقات والمحرمات كلها من قمع الحريات، وانتهاك حقوق الإنسان، والمظلومية الفئوية، والبطش بالفقراء والثوّار، وليس انتهاءً بتبديد الثروات ونهبها وسرقتها، وإهانة الأطفال وعمل كل ما سهل للاحتلال أن يدمر العراق ويمارس عملية إبادة لشعبه، لم تنته بقتل مليون نصف مليون شخص، وتشريد وتهجير ملايين أخر وترميل مليونين وأكثر من النساء وتيتيم ملايين من الأطفال.

 

إن ما اسقط "ثوار العراق" السابقين (المعارضة العراقية سيئة الصيت) من عين الشارع العراقي والعربي دعوتهم لاحتلال العراق وشرعنته بتقديم معلومات كاذبة عن امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، و"نضالهم" الدؤوب لاحتلاله بحجة إسقاط النظام الوطني الشرعي هو السبب نفسه الذي يجعل الشعب العربي الواعي في كل مكان أن يسقطّ "ثوارّ التحرير" اليوم من نظره لانّ الثورة ارتبطت في ذهنه بالاحتلال . الثورة تعني الانقلاب على الوضع الراهن وإحداث تغيير جذري شامل في الأمة، وهي لا تكون ثورة عندما يكون تكريس احتلال أجنبي لا التخلص من احتلال ...

 

عقل الثوري ناضج يؤمن بالثورة الشمولية، والثورة الشمولية بالنسبة لامتنا اليوم هي ثورة تحرير الأراضي المحتلة انطلاقا من فلسطين مروراً بالجولان وسيناء وانتهاءً بالعراق والدول التي ستلحق بالعراق بفعل ثورات المطالبة بالحريات والسؤال الذي يطرح نفسه هل الشباب الذين يتظاهرون في سورية واليمن وليبيا والبحرين شباب ثورة تواقين إلى التغيير ويتطلعون على عصر الثورات كما اتطلع إليه أنا ويتطلع إليه كل عربي قومي


والسؤال الذي يطرح نفسه، الآن : أيهما أكثر شموخا وعنفواناً وشمولية ثورة من أجل إسقاط وتغيير نظام حكم تحت ذرائع واهية مثل قمع الحريات والاستبداد بالسلطة والمظلومية الفئوية أم ثورة من أجل التحرير واستنهاض الهمم والعزائم واسترداد الدور القومي والوطني المفقود في الأمة ..


أليس الأولى "ثوار سورية ولييبا والبحرين ومصر والعراق" التحرك وقيادة الشارع نحو تحرير ما احتل من أوطاننا، وفي مقدمتها فلسطين ويليها العراق والجولان وسيناء؟


كيف نكون ثواراً وطنيين وأمتنا مغتصبة؟..
كيف نكون ثواراً وطنيين وثوراتنا أصبحت مفاتيح لاحتلال بلداننا؟
ألم تستغل أمريكا شعارات ثوار العراق آنذاك واحتلت بلداً بأكمله فشردت شعبه ونهبت ثروته وتسببت في قتل مليون ونصف المليون وانتهكت الأعراض وسبت الحرائر؟..


ألم تستغل أمريكا شعار قمع الحريات في العراق واتخذته ذريعة للاحتلال؟.
ألم تستغل أمريكا مزاعم دكتاتورية النظام وطغيانه وتتخذ منه ذريعة لاحتلال بلدنا؟.
التاريخ يعيد نفسه في سورية والبحرين واليمن وليبيا والأردن ..


ثوار سورية يسهلونّ لأمريكا مهمة احتلال سورية وذريعتهم أن الرئيس بشار الأسد طاغية ودكتاتور ..


وكما طبخت عشرات الذرائع في مطابخ المخابرات الأميركية والصهيونية لاحتلال العراق تطبخ اليوم ذرائع لاحتلال سورية واليمن وليبيا ....


الصورة واضحة والمعنى واضح ومفهوم لمن يريد إن يفهم ...
نحن على أبواب احتلال شامل .. نحن في عصر العودة إلى عصر الاستعمار والعبودية كانت لدينا أرض محتلة اسمها فلسطين محتلة لحقت بها أرض أخرى اسمها العراق وغداً ـ لا قدر الله ـ ستلحق بهما سورية واليمن وليبيا والبحرين ...


ومثلما أسقطت أمريكا نظام الرئيس صدام حسين الوطني وجاءت بـ"ثوار" الاحتلال ونصبتهم حكاماً طغاة ليكونوا أدوات احتلال لبقية أجزاء الأمة، فالهدف من إسقاط نظام الرئيس الأسد تنصيب "ثوار احتلال" جدد في سوريا حكاماً لتقرّ عيون أمريكا وإسرائيل.


حقوق الإنسان العربي صارت مادة لمتاجرة منظمات حقوق الإنسان في العالم وأصبحت ذريعة مكشوفة لاحتلال البلدان العربية وقمع الحريات هو المزعم السهل الذي يمهد لاحتلالنا والحرب حرب صليبية كان مفتاحها العراق، والعراق كما وصفه سيدنا عمر بن خطاب رضي الله عنه (جمجمة العرب وكنز الإيمان ومادة الأمصار ورمح الله في الأرض فأطمئنوا فأن رمح الله لا ينكسر).. لكن رمح الله (العراق) انكسر وعندما ينكسر رمح الله فطبيعي أن تنكسر الأمة ورمح الله العراق لم يكن لينكسر لولا أن أسهم بكسره من أسهم من الأنظمة العربية الطاغية التي تتلقى جزاء أعمالها الآن، والجزاء من جنس العمل فلوا بقي رمح الله صلباً لم ينكسر لما انكسرت سورية ولا مصر ولا البحرين ولا تونس ولا اليمن ولا السعودية.


عندما انكسر رمح الله العراق انكسرت الأمة كلها .. ذهب صدام حسين شهيداً خالداً ثائراً مقاوماً ولقي ربه راضياً مرضياً لكن كم رئيساً وحاكماً وملكاً سيلفظه شعبه والتاريخ جزاء تخليهم عن صدام حسين وتركه وحيداً يقاوم ليصنع أمجاد الأمة بدمه ودم أبنائه وشعبه.


هل وعى حكام الخليج، اليوم، أن صدام حسين بعراقه العظيم كان رمحاً صدّ عنه أطماع إيران التوسعية لسنوات وسنوات؟.


كم رئيس دولة عربياً وعى الآن دور الشهيد صدام حسين ودور العراق في كبح جماح إيران الاحتلالي العراق حذر مراراً وصدام حسين حذّر الأمة وحكامها (حذار ثم حذار من أن ينكسر رمح الله) لكنه انكسر لولا مقاومته الوطنية وشباب الجهاد في عراق الجهاد ..


ولكي يستعيد الجسم العربي قوته وصحوته ورونقه ويحافظ الحكام الوطنيون منهم على كراسيهم يجب أن يعود رمح الله (العراق) صلباً، ولن يعود صلباً إلا باحتضان مقاومته الوطنية المجاهدة ..


ودور العراق معروف والعراق ليس رمح الله فقط لكنه جمجمة العرب فقد سئل رسولنا محمد (صلى الله عليه وسلّم) لو نفد الخير بالجزيرة أين نذهب يا رسول الله؟


قال : اذهبوا إلى اليمن..
قالوا: لو نفد الخير باليمن أين نذهب؟.
قال: اذهبوا إلى الشام..
قالوا: إن نفذ الخير بالشام أين نذهب؟
قال: اذهبوا إلى العراق
قالوا: إن نفد الخير بالعراق أين نذهب ؟.
قال رسول الله: إن فيه خيراً لن ينفد إلى يوم الدين ..
صدق رسول الله صلوات ربي عليه وسلمّ.


فهلموا إلى العراق وإلى مقاومته وقيادتها ففيهم الخير كله إلى يوم الدين، وفيهم تحرير الأمة من المحيط إلى الخليج.

 


كلشان البياتي
كاتبة وصحفية العراقية
Goshanalbayaty2005@yahoo.com

 

 





الاحد٠٣ رجـــب ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٥ / حــزيــران / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب كلشان البياتي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة