شبكة ذي قار
عـاجـل










لا حاجة لتذكير القاريء ببعض الأمور التي أصبحت بالنسبة له بديهيات راسخة في الذهن. كالقول أن أمريكا لايهمّها من أية ثورة أو تغيير أو نكبة أو زلزال أو فاجعة بشرية تقع في أي مكان في العالم سوى مصالحها الخاصة. ولأنها إمبراطورية إستعمارية عدوانية متجبّرة فان مصالحها تكاد تتجاوز حدود جميع القارات والدول والبلدان. ولكون ثقافة الأمريكي وتكوينه النفسي, سواءا كان رئيسا أو مواطنا عاديا, مبنية في معظمها على مبدأ القوة بمعناه الواسع جدا. قوة عسكرية وإقتصاديا وإعلامية ومالية ..ألخ.


ولا غرابة من أن نجد في أمريكا الكثير من الساسة ممّن يؤمنون بان على "الآخرين" المقيمين خارج حدودها أن يعملوا فقط وحسب الأدوار المرسومة لهم من أجل خدمة ورفاهية وسعادة المواطن الأمريكي, لأنه من طينة خاصة ونادرة جدا. وبناءا على هذا الموقف وهذه النظرة الغير إنسانية والموغلة في الأنانية والعنصرية فقد تصرّفت أمريكا دائما وبحماس منقطع النظير مدفوعة بخوف ورعب هائل من فقدان شيئا ما ولو بسيط من تلك المصالح أو تعرّضها لخطر ما.


ولذا فان دولة العام سام لم تقف بكل ثقلها وبشاعة سلوكها الاجرامي في وجه تطلعات الشعوب للحرية والعدالة والمساواة فقط بل ساهمت بشكل مدروس ومنظّم في ترسيخ الأنظمة القمعية والمستبدّة وساعدتها, لأن لها حصّة معتبرة في الموضوع, في سرقة ونهب أموال الشعوب وخيراتها مستخدمة بذلك أسلحة الدمار الشامل التي لديها, كالدولار والمؤسسات النقدية والمالية الدولية التي تخضع بشكل شبه تام لارادتها وتنفّذ شروطها ومطالبها.


واليوم, وفي موسم "الربيع العربي" والثمار دانية القطوف تحت شمس جديدة وسماء تبدو أكثر صفاءا من السماوات الملبدة بغيوم القهر والظلم والاستبداد التي عاشتها الكثير من الشعوب العربية, اليوم عادت أمريكا لممارسة نفس اللعبة التي تعتمد أساسا على نصب الفخاخ والكمائن. فبدأت بفتح صنابير دولاراتها وراحت توزّعها يمينا وشمالا, ليس حبّا بالعرب وثوراتهم ولا لوجه الله كما يُقال. فامريكا لا تصرف دولارا واحدا دون أن تأخذ بهذا الشكل أو ذاك, اليوم أو بعد ثلاث سنوات, خمسة أضعاف ما يُعادله.


ويُقال في جنوب العراق للذكي وصاحب الخبرة والبخيل أيضا من مربّي الطيور والحمام المنزلي إنه "ما يطيّر طَير بضباب". وكذا هي حال أمريكا, والحر تكفيه الاشارة. لكن ليت أحرار العرب وثوارهم وخيرة رجالاتهم, وهم بالتأكيد موجودون في كل أرض عربية, أن يقرأوا بدقّة ما خلف سطور كلمات وخطابات الادارة الأمريكية والنخوة اللافتة والكرم "العربي" المفاجيء الذي تقابل به شعوبنا اليوم. والسؤال الواجب طرحه هو: أما كانت أمريكا نفسها تقدّم لنظام الفرعون حسني مبارك ما قيمته ملياري دولار على شكل مساعدات من أجل عيون الكيان الصهيوني وأمنه وسلامة مواطنيه لا من أجل الشعب المصري؟


ألم تتكدّس مليارات الدولارات التي سرقها ونهبها حسني مبارك المصري وزين المخلوعين بن على التونسي والمقرّبون منهما في مصارف وبنوك أمريكا والغرب؟ هذا الغرب الذي إكتشف بعد خراب البصرة والكوت معا,أن العرب بحاجة فعلا الى الديمقراطية والحرية والعدالة. وكيف فات على أمريكا صاحبة المؤسسات البحثية الكبرى والاعلام الحر والمستقل, الى حد ما, بان ثورات العرب الحالية وإنتفاضاتهم هي نتيجة طبيعة وحتمية للسياسة الأمريكية الظالمة والجائرة التي إستثنت وهمّشت وتجاهلت هذه الشعوب لعقود طويلة ؟


ثمّ ماهو الثمن أو المقابل الذي سوف يتوجّب على الأنظمة العربية الجديدة الخارجة من رحم الثورات وأعاصير التغيير أن تدفعه لصالح "فاعل الخير" ألأمريكي - الأوروبي الذي وضع حقائب الدولارات المنضدة بعناية فائقة تحت تصرّف ثوّار الربيع العربي وحكوماتهم المقبلة؟ وإذا قيل إن المؤمن, الحقيقي وليس مدّعي الايمان, لا يُلدغ من نفس الجحر مرتين. فعلى الساسة والقادة الجدد في وطننا العربي المترامي الأطراف والمصائب, أن لا يتجاهلوا حقيقة أن لأمريكا أكثر من جحر ومغارة مظلمة, تعشعش فيها أفاعي وعقارب وزنابير سامّة, بعضها محلّي ومألوف ومعروف لدينا وبعضها الآخر دخيل أو آتٍ من جحور أخرى.


ولكي تتّقي الثورات العربية ورجالها وأنظمتها الجديدة لسعات وعضّات أمريكا, التي عادة ما يظهر تأثير سمومها القاتلة بعد شهور أو سنوات, ينبغي النظر بدقّة الى الوراء, أي الى مجمل علاقة دولة العم سام مع الأنظمة السابقة, والتدقيق المعمّق بالتفاصيل والجزئيات والحواشي والزوايا المعتمة. فهناك تكمن كل شياطين وأبالسة أمريكا والكيان الصهيوني. ولكي لا تنتهي ثمار ربيعنا العربي في سلال أمريكا وحلفائها ينبغي على العرب, أنظمة وحكومات وشعوبا, أن تمتلك القدرة والارادة والشجاعة لقول كلمة "لا" صادقة وصريحة ومدوّية في وجه أمريكا, كلّما كان ذلك واجبا وضروريا وغير قابل للمساومة.


mkhalaf@alice.it

 

 





الثلاثاء٢٨ جمادي الاخر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٣١ / أيـــار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد العماري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة