شبكة ذي قار
عـاجـل










كان العراق وقيادته الوطنية يعلن يوميا عن المؤامرة الامبريالية الصهيونية التي تستهدف عروبته ووحدته الوطنية ووحدة شعبه. وبالمقابل كان هناك من يظهر على أجهزة الإعلام من الخونة والعملاء أفراد ما سمي  بالمعارضة العراقية أو من المنخرطين في ركب المؤامرة ضد العراق ليسفهوا ويسخروا من معلومات القيادة العراقية وكانت أول عبارات التسفيه هي إن القيادة العراقية الوطنية والقومية مصابة بعقدة المؤامرة وإنها تخوف الشعب العراقي وعرب الخليج القريبين والعرب البعيدين لكي تبقى في السلطة .

 

وبعد احتلال العراق بغزوه بحرب كونية استمرت قرابة 14 عام خرجت علينا أسنان زعماء العرب الضاحكة شماتة وخيلاء وألسنتهم الناطقة بالبذاءة واللئيم من التصريحات بان قيادة العراق كانت متطرفة ولا تجيد اللعب بالسياسة ولا تمتلك أي قدرات دبلوماسية لأنها لم تتمكن من إيجاد قنوات تفاهم مع الإدارة الأمريكية وأدواتها من دول وشركات . وضحكت أسنان هذا الزعيم أو ذاك فرحا مبتهجا بقدراته الخفية على التوافق والمناورة التي وهبته البقاء له ولنظامه وأبعدت شعبه عن الحروب والويلات !!.

 

بعد ثمان سنوات .. سقطت الأسنان الضاحكة واختفت الأصوات المترنمة بقدرات المناورة واللعب بأوراق السياسة والحنكة والحكمة وغيرها من مماويل التبجح الفارغ والأخرق. بل الأبعد والاهم من هذا إن أدوات الموت والتدمير وإجهاض الأنظمة قد وصلت إلى جماجم عباقرة الدبلوماسية والمناورات وأصحاب القدرة على المناورة تحت الدشاديش والعباءات أو تحت طيات أربطة العنق الأنيقة فسقطت الأنظمة ودخلت أدوات الموت الطائفي والعرقي ولم يسلم الشاطر الذي تنازل عن كل منجزات بلده ظانا ومنوها ومصرحا أنها شطارة الزعامة وما سلم شعب البقرة الضاحكة من ويل الديمقراطية ولا من خناجر القبطية والاسلاموية ولا نجا الملك المتلفع بيشماغه الأحمر وشواربه المخطوطة بالفحم من اذرع القادم هولا وفجيعة يقض مضاجعه.

 

ذبح النظام الوطني العراقي بحرب كونية, غير أنهم, الضاحكون والمسفهون والمتذاكون وعباقرة المناورات والدبلوماسية والخنوع الذليل سقطوا فقط بأصوات تظاهرات سواد شعبنا في شوارع العواصم أو في بعض ميادينها لا أكثر ولا اقل. وشتان بين من قاتل سنوات ليحمي الحمى ومات ميتة شرف وبين من غلب بأصوات المتظاهرين وسقط من غير أن ينسى أو يتناسى مواقف الخيلاء الزائف والرياء القبيح الذي مارسه ضد العراق شعبا وحكومة.

 

صارت هواجس المؤامرات حقائق قائمة ومعلنه وسافرة وعينك عينك . وتحولت الظنون إلى بيادر من الحقائق الصارخة التي لا تعلن فقط بل تتبجح وتتغنى بادوار الديمقراطيين الأمريكان وعشاق الحرية الفرنسيين ودهاه السياسة الثعالب الانجليز وهم يرقصون على أشلاء شعبنا ويتمرغون بجسد الأمة الممزق اشلاءا . صدق العراق في كل ما قال وحذر وخسر السفهاء أمسهم ويومهم وصاروا مسخرة للحاضر والقادم من الزمن وعار يردده نفس من كانوا يطبلون لشطارة هؤلاء المتساقطون من الحكام.

 

وقال لهم العراق إن نظام خميني قد جاء على أكتاف أوربا وأميركا محمولا لغايات دفينة يقع في مقدمتها احتلال العراق كمقدمة لإسقاط العرب وذبح العروبة وتوزيعها اشلاءا بين أحزاب الطوائف. ومرة أخرى صار العراق , السد العروبي الأهم , محط سهامهم ومؤامراتهم وتقولاتهم وتبشيعهم. واليوم وبعد ضيعوا العراق ونظامه العروبي صارت إيران تصول وتجول تحت أنوفهم وفوق جماجمهم تسلب الأوطان وتبث الفتنة وتمد اذرع الاحتلال والسيطرة بدءا من العراق الذي سلمته أميركا لها هبة مجانية. أثبتت إيران بوضوح لا لبس فيه إنها قاتلت العراق كي تحتله وتنطلق منه لسلب ارض عربية في الخليج ولبنان وسوريا ومصر والمغرب والسودان واليمن لإقامة إمبراطورية فارس تحت غطاء كاذب هو الدين وملة الشيعة.

 

قال العراق إن العروبة هي المستهدفة وان اغتيال النظام الوطني القومي العراقي هو الهدف الأول لتمزيق جسد الأمة وذبح تطلعاتها في الوحدة والتحرر والكرامة والحياة الكريمة .. ما حصل العراق إلا على التشكيك والتهويش والاتهامات .

 

ما ذا يجري الآن ..

الأمة بوجودها الجغرافي وبإنسانها تتعرض للذبح. اجتثاث البعث لم يكن مجرد حضر لحزب بل هو إجهاز على عروبة العراق تمثلت وقائعها الميدانية باعتماد الطائفية والعرقية منهجا لسياسة الاحتلال والأحزاب التي جلبها الاحتلال . أحزاب تقدم نفسها بعقيدة الشيعة جاءت من إيران ومنحها الاحتلال فرص السيطرة والهيمنة لإنهاء مظلومية تدعيها عمرها قرابة ألف وأربعمائة عام .. ومن غير أميركا الإنسانية الديمقراطية يمكن أن يعيد حقوق الشيعة ويرفع عنهم الظلم ؟ وحزب آخر يدعي انه يمثل طائفة أخرى من أهل العراق وجد نفسه بلا أخلاق ولا مبادئ إسلامية ولا عربية ولا سياسية فانضم إلى قافلة موالاة الاحتلال والتعاطي مع نتائجه . وأحزاب الأعراق الكردية وغيرها وجدت ضالتها بخطة الغزو والاحتلال  بعد نضال دام سنوات طويلة في الغرف الخلفية للمخابرات الصهيونية فصارت قطبا أساسيا من هذه الخطة من الفكرة إلى تفاصيل التنفيذ.

 

هكذا أنتج العراق الجديد .. أحزاب طوائف سياسية وأعراق وملل ونحلل ودكاكين انتفاع كلها تتعاطى بالديمقراطية الأمريكية التي ترفع شعار حقوق الأقليات والطوائف والأعراق فوق الدين وفوق الوطن .. فوق السيادة الوطنية وتحت حماية حراب الواهبين !! . الديمقراطية الأمريكية في العراق هي أن ينقسم الشعب إلى ملل ونحلل وأقوام لا يهمها استقلال بلد ولا سيادته بل كل ما يهمها كيف ترقص في حلبات المنطقة الخضراء وكيف تجد لنفسها السبل للوصول إلى مكاتب ضباط الاحتلال الأمريكي وكيف تخلق معهم العلاقات الدولارية وتلك التي توصلهم إلى جزء من أوراق الاقتراع المزعومة حتى وهم ينامون سكارى في حارات لندن أو فاقدي الوعي بين أحضان الغانيات وفوق موائد القمار.

 

هذا هو نموذج حرية العراق الذي أنتجته أميركا . وهو نفس النموذج المعد لكل أقطار الأمة بعد أن دخلت مخابرات أميركا وباريس ولندن على أجنحة الغضب العربي والوجع العربي وأنينه المنبعث من جروح القهر والتجويع والتجهيل والاستلاب.

 

نعم .. إن ثورات شباب الأمة العظيمة مخترقه ليس بالسر بل علن .. وما نراه واضحا للعيان هو توزيع لأقطار امتنا بين أحزاب الإخوان وبين إيران , بين تركيا وإيران , وتحت سيطرة صمامات أمريكية أوربية . الإخوان يقاتلون في اليمن بمليشيات أعدت من سنوات بانتظار الربيع العربي المزعوم وهم من يحرك الأحداث الدموية في ليبيا وهم من يحرك المشهد الإجمالي في مصر . إنهم يتعاطون ويستثمرون ويستفيدون من حيثيات الحراك العربي المنتفض ضد الأنظمة البليدة والفاشلة والفاسدة.

 

ومن الجهة الأخرى فان المشهد مكتمل الزوايا والأركان والسيناريو, فالشيعة المظلومون من زمن ألخلافه إلى يوم التحرير الأمريكي سيطروا على العراق وقنوات فعلهم قوية في البحرين وجيوبهم في السعودية واليمن ولبنان ومصر والمغرب تعمل بقوة المال وقوة دفع المشروع الصفوي الفارسي.

 

أميركا تعرف متى تشرق شمس ربيع العرب وتعرف متى تغيب وهي التي تحرك هذه الشمس وتوزع ساعات إشراقها بين الأحزاب العرقية والإيرانية والتركية .. بين أحزاب الشيعة السياسية وبين أحزاب السنة السياسية والأكراد والتركمان والطوارق والامازيغ والأشوريين والكلدانيين والصابئة وغيرهم . أحزاب ومكونات تحقق أهدافها في تكوين كيانات انفصالية في شمال العراق وسوريا والجزائر والمغرب ولبنان والسعودية واليمن والسودان على حساب وحدة هذه الأقطار البشرية والجغرافية وشركات الاحتكار تنهب النفط اليورانيوم والفوسفات والحديد وخصب الأرض وكرامة الإنسان .

 

الربيع العربي يعني سحق الفكر القومي العروبي الوحدوي وتمزيق الإسلام بسيوف عربية مسلمة وبالدخول بين طيات ثيابنا الملتهبة ضد الطغيان والجور والتخلف الذي كبلتنا به أنظمة فاشلة سلطتها علينا أميركا وبريطانيا وفرنسا وايطاليا ردحا من الزمن وهاهي الآن تبيعها بالرخيص وتسقطها واحدا بعد الآخر بقنابل الناتو أو بأصوات الشعب الثائر ليكون البديل حزب طائفي فارسي أو حزب طائفي تركي!! . والبدائل القادمة صارت معروفه تماما كما عرفنا البديل في العراق وعلى هذا المعيار نقيس ..

 

إذا كانت شمس الربيع العربي تشرق من واشنطن وباريس ولندن على وفق ما نراه وتعايشه فان من الأفضل للعرب أن لا يعيشوا هذا الربيع .. وعلى أميركا وحلفاءها أن تدرك إن القول الفصل في نهاية المطاف سيكون لأحرار الأمة وقواها الوطنية والقومية والإسلامية الحقيقية وان هذه القوى ستغير اتجاهات الأحداث كلها لتعيد عناصر الكينونة العربية .. وحدة وتحرر وعدل ينبع من رحم الأمة وليس من خلفيات الأزقة المظلمة في لندن وباريس وواشنطن.

 

 





السبت٢٥ جمادي الاخر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٨ / أيـــار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أبو الحسنين علي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة