شبكة ذي قار
عـاجـل










صدر مؤخرا عن الدار العربية للموسوعات كتاب ( حزب البعث العربي الاشتراكي .. الدور السياسي والنضالي في العراق منذ النشأة إلى سنة 1968 ) من تأليف زهير عبد الجبار الدوري ويتوزع الكتاب على أكثر من أربعمائة صفحة ويضم محطات هامة من تاريخ الحزب في العراق والأدوار التي لعبها منذ تشكيل خلاياه الأولى بداية الخمسينات من القرن الماضي .


وبداية لابد من الإقرار بحقيقة مفادها انه ليس من السهل أن ينبري باحث للتصدي لهذه المهمة الشاقة أصلا ويتحلى بالتجرد المطلوب في عرض منعطفات هذه المسيرة التي شابتها الإخفاقات


لأسباب شتى مثلما امتازت بنجاحات باهرة عندما تمت المراجعة والنقد الذاتي الذي ينفرد به حزب البعث العربي الاشتراكي سواء على صعيد مؤسسته القومية أو القطرية عن غيره من حركات وأحزاب غرقت في دوامة الأخطاء لكنها لم تمتلك شجاعة تصحيح المسار فقفزت إلى مجهول جديد ونزعت الثوب الذي كانت تتلبس به وأجهزت على ثوابت الميلاد والانطلاقة وأضاعت بوصلة الطريق !


لقد تصدى بالبحث عن موضوعة البعث في العراق عدد هو في المطلق ليس كبيرا،البعض اخذ جوانب من هذا الدور والتاريخ وانتهج منهجا أكاديميا مستعينا بما توفر من معلومات جمة خلال فترة قيادة البعث في العراق للفترة 1968- 2003 لكن ظروف ما بعد الاحتلال وما حصل من تشويه متعمد لمسيرة هذا الحزب ، والافتقاد إلى الوثائق والمعلومات التي كانت ميسرة ،عقدت مهمة الباحث الدوري وزادتها صعوبة !


إن ميزة هذا الكتاب فضلا عن إن الباحث هو من صميم التجربة البعثية ، استعانته بشخصيات كان لها دورا مهما في مسيرة البعث عبر محطات تاريخية سابقة ، كما توفر على سير شخصية ومذكرات صدرت خلال السنوات القليلة الماضية ومقابلات نشرت في صحف عربية لم يتيسرالاطلاع عليها في سنوات الحصار الذي فرض على العراق منذ آب 1990 ولغاية نيسان 2003 وما بعدها !


لقد تعامل الباحث مع هذه الوثائق بموضوعية ولم ينجرالى ما فيها من تهويش ونفخ في الأدوار وتعظيم للذات وترويج غير نزيه لمعلومات ملفقة بدوافع باتت معروفة ، فبعض من نشر سيرته أراد أن ينزه نفسه من ادوار خطيرة لعبها ومآخذ خطيرة عليه انتابت مواقفه ومساهماته الشاذة التي انعكست على مسيرة الحزب وتركت أثارا وخيمة عليه في وقتها والمرحلة التي تلتها وكان دافعه في ذلك أن يضع لنفسه مسوغات ترتقي بانحرافاته السلوكية والمبدئية في مصاف الحادب وحده على مبادئ الحزب وأخلاقياته أو يحمل فكرا الحزب وثوابته جريرة انحرافاته الفكرية وسقوطه النضالي .


إن قراءة لهذا الكتاب من قبل من هو شغوف بمتابعة مسيرة الحزب وانعطافاتها ربما لاتأتي بجديد له إلا إن المؤلف استطاع أن باتي بمعلومات تكاد تكون جديدة تسهم في إكمال جوانب الصورة في مسيرة هذا الحزب مالئ الدنيا وشاغل الناس بل أكاد أن أقول وبموضوعية دقيقة إن المؤلف نجح نجاحا مبهرا في تقديم قراءة صائبة ونزيهة تتوفر على حيادية الباحث واستخدم أدوات التحليل العقلاني في دراسته لمسيرة البعث في العراق .


ربما يرى قارئ الكتاب في بعض صفحاته تكرارا وتقديما لإحداث وتأخير لأخرى ..ويقف عند ذكر أسماء وإقرانها بمواقف وادوار من غير تمحيص في الرواية المنقولة واحسب إن ذلك وهو نادر الحدوث جاء من باب السهو غير المتعمد والخطأ الذي يمكن تلافيه في طبعة مستقبلية أو اعتماد ورقة تصويب ملحقة في الكتاب .. وقد ظهر شغف المؤلف بالموضوعية التي اتخذها ركيزة في جهده البحثي هذا عندما بادر إلى إجراء تصحيحات وتصويبات على الكتاب في النسخ التي أهداها إلى عدد من المعنيين وهو راغب بتسجيل أية تصويبات يقدمها المعنيون بهذه المسيرة وممن لهم الاهتمام والإطلاع لكي تأخذ طريقها في طبعة مقبلة .


يمهد المؤلف في عرضه للدور السياسي والنضالي للبعث في العراق بالتطرق إلى بدايات البعث ونشوئه قي الفطر العربي السوري ومدى علاقته بعصبة العمل القومي والسيرة الذاتية لمؤسسه احمد ميشيل عفلق ويقدم إيجازا عن ابرز المحطات النضالية لحزب البعث في سوريا وانتشاره خارجها ليصل إلى عنوان بحثه عن حزب البعث في العراق ..وهنا يستعين بما تيسر له من وثائق وسير شخصية ومقابلات وكتب واطاريح أكاديمية ليلقي الضوء على سنين البدايات وعن الشخصيات التي أخذت على عاتقها نشر مبادئ البعث في العراق .


لا يختلف المؤلف مع الباحثين في اعتبار أحداث تشرين الثاني 1952 ، أول ظهور ملفت للبعث سواء من السلطات الأمنية العراقية أو من الشارع السياسي العراقي ، حيث حاز بعدها على وسائل طباعة وعكف يصدر مطبوعاته ... ويتوقف الباحث عند المؤتمر القطري الأول عام 1954 ويلقي الضوء على بداية توجه البعث نحو الجيش وتشكيله لأول مرة مكتبا عسكريا في هيكليته وتنامي دوره من خلال عملية الكسب في صفوف الجيش إذ أسهمت عناصره في تشكيلة الضباط الأحرار التي فجرت ثورة 14 تموز 1958 .


يمضي المؤلف في إلقاء الضوء على مسيرة البعث ويتوقف عند محاولات البعث لاغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم بعد أن انحرف بمسيرة الثورة ونكل بثوارها ودور الشهيد صدام حسين في عملية الاغتيال التي نفذت بعد تأجيل عدة محاولات لأسباب شتى ،وكيفية اختياره كأحد عناصر التنفيذ ومتى أصبح عضوا في الحزب وموقف الحزب من عملية اغتيال عبد الكريم قاسم بعد تنفيذها .


ويواصل المؤلف بحثه مع صعود نجم البعث الذي لم تشغله الأحداث القطرية عن الهم القومي ومنعطفات هذا الهم ..ودوره في تشكيل الجبهة القومية والتخطيط والتنفيذ لثورة 14 رمضان /شباط 1963 .


وتأخذ ثورة 14 رمضان /8 شباط/1963 حيزا مهما من هذه المسيرة وتابع دوامة الصراعات والانشقاقات واحتدام الخلافات التي انتابت مسيرتها .


إن هذه الصفحات بحلوها ومرها جديرة بالقراءة الموضوعية المتأنية واستخلاص الدروس منها وهو ما يراه المؤلف ، فالبعث وقيادته بعد أن تغلبا على الاشتطاط في التقويم وصوبا ما وقعت فيه قيادته المنتقدة من أخطاء وجرائر تمكن من إعادة الحياة لتنظيمه وتنامي قواعده وتوسعها في مختلف قطاعات الشعب في أعقاب هزيمة حزيران 1967 وشرع بالعمل لتشكيل جبهة وطنية لقيادة المرحلة في العراق بعد أن اتخذ المؤتمر القومي التاسع في آذار /مارس 1968 قرارا بنبذ صيغة الحزب الواحد والحزب القائد مثلما يؤكد المؤلف .


لكن البعث تحمل مسؤولية التغيير في 17 تموز 1968 عندما بقي الحزب الشيوعي العراقي رهينة لمواقفه السابقة من البعث على الرغم من حرص قيادة البعث على إشراكه في أي عمل جدي قبل ثورة تموز 1968 وبعدها !


ويؤكد المؤلف إن البعث ابلغ الشيوعيين انه عازم على إسقاط السلطة عن طريق مكرم الطالباني لكن ايجابية الشيوعيين قصرت على الحفاظ على سرية المعلومة وهو أمر حظي باحترام البعثيين وتقديرهم العالي .


يتوقف المؤلف عند محاولة فرض عبد الرزاق النايف نفسه على الثورة وقيادتها وكيفية معالجة هذا الاندساس الخطير وهي رواية تتفق عليها جميع المصادر في تفاصيلها أو أمر معالجتها وينتقل المؤلف إلى القرارات التي اتخذتها قيادة الحزب والثورة في تأميم النفط وإصدار بيان الحادي عشر من آذار/مارس 1970 لمنح الحكم الذاتي لشعبنا الكردي وإعلان الجبهة الوطنية والقومية التقدمية .. الخ.


يرفق المؤلف في خاتمة الكتاب وثيقة دستور الحزب مع خاتمة تكاد أن تكون خلاصة موجزة لأبواب كتابه المهم .


وأخيرا إن هذا السفر الذي وضعنا فيه المؤلف جدير بالإطلاع والقراءة المتأنية ومن غير شك إن المؤلف سيشرع في أبحارة جديدة في مسيرة البعث في العراق لما بعد ثورة 1968 وان كان مثل هذا العمل شاقا وشائكا في مجمل جوانبه في ظل تداعيات الأوضاع الحالية من احتلال غاشم للعراق وعملية اجتثاث للبعث فكرا وتنظيما وإنسانا .

 

 





السبت٢٥ جمادي الاخر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٨ / أيـــار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عرض ونقد : مازن الشيخ نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة