شبكة ذي قار
عـاجـل










11- إن الثورية في فكرها تحمل أول ركن مبدئي يكمن في نظرتها للتغير الشامل(اي تغيراً جذريا للبنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى الثقافية) وهذا ما يطلق عليه بالانقلاب الذي هو جوهر البعث ,ولكن فلسفة البعث تؤمن بأن الانقلابية أو التغير الشامل يبدأ بالانسان نفسه أولاًتماشياً مع إلايمان البعثي بأن الانسان هو الغاية وهو الوسيلة في نفس الوقت, وهذا ما أكده مؤسس البعث المفكر الكبير الاستاذ ميشيل عفلق عندما قال:( لذلك أقول أيها الرفاق بأن الثورة، كل ثورة، والثورة العربية بخاصة إنما ولدت من اجل الإنسان العربي، لان الإنسان هو الذي يصنع الحياة وهذه العودة بين الحين والآخر إلى الواقع بنظرة فاحصة نقدية هي التي ترينا إلى أي حد نجحنا في بناء هذا الإنسان الجديد، في تنمية الإنسان العربي الذي هو أغلى ثروة والذي هو يصنع التنمية المادية، الإنسان بصورة عامة في كل مكان وزمان هو مادة وروح لا يكفيه ولا يغنيه أن يأكل ويشبع فحسب، وليس هذا أهم شيء في إنسانيته وإن كان شيئا ضروريا أن يأكل ويشبع، ولكن إنسانية الإنسان الحقة إنما تبدأ بعد الشبع، بعد الأكل، عندما يحقق مواهبه وقدراته، عندما ينظر إلى مهماته الاجتماعية والقومية التي تعطي معنى لحياته..) (2).

 

وبالتأكيد هنالك حركات ثورية قد تختلف مع البعث بالمنطلق الاول ولكنها تلتقي عند الهدف الاسمى وهو تحقيق الرفاهية والعدالة الاجتماعية والحرية للانسان وللمجتمع.ولا يعني هذا الاختلاف في أطراف حركة الثورة العربية وفيطراف الركةأ حسابات العقلاء إلا جزءأً من الديناميكية التي تسبب في حراك فكري وتفاعل نضالي على مستوى التجارب,هو يساهم أيظاً في بلورة الافكار الثورية الجديدة والتي تُفَعْل في حرك الثورة العالمية. وفي نفس الوقت فان الفكر الثوري في العالم يعيش اليوم حالة من المخاضات الجديدة لبلورة ألافكار والايديولوجيات الثورية سواء ما يخص الفلسفة والعقيدة أو بالمواقف من الصراع مع مواقع الاستغلال, بحيث تتناغم مع الواقع العالمي الجديد من جهة وتنشد للقواعد والمنطلقات الفكريةالاصلية من جهة أخرى.

 

إن هذه العملية الفكرية والنضالية تعتمد في نجاحها على الثورية الحقيقية التي تتمتع بها الحركة أو الحزب الثوري,و الثورية الحقيقية تتمثل في أهم جوانبها بمقدار الكم والنوع الذي يمتلكه الحزب الثوري او الذي تمتلكه الحركة الثورية من المرونة في التعامل مع الواقع الذي تعيشه الحركة الثورية وبراعتها وتفننها في توضيف العامل الذاتي والموضوعي لواقعها بحيث يخدمان سترايجيتها وأهدافها في آن واحد وبدون أفتراق أو إنحراف عن الجوهر الثوري الاصيل, وبالتأكيد يدخل الاستخدام الامثل للتكتيك كعامل من العوامل الرئيسية في هذا التعامل وبشرط أن لايمس جوهر المبادئ والاخلاق الثورية.إنها معادلة معقدة بالقدر الذي تُلزم الثوار الحقيقين بقواعد إنطلاقة فكرهم الثوري الاولي و في نفس الوقت إنجذابهم لمتطلبات رسم خطوط للنهج الثوري الجديد والذي يكون موازياً لمسيرة العالم الأخلاقية والفكرية والسياسية الحالية لولادة عقائد من جدلية الفكر مع معطات الواقع الحالي من جهة ومع جدلية الانطلاقات الفكرية والتجارب الثورية السابقة من جهة أُخرى وبحيث أن تكون قادرة على معالجة الواقع المحلي أو الدولي الحالي وتنزع برؤئ مستقبلية للحركة الثورية,وقد يتهئ للبعض إن هذه المخاضات بداية لولادة عقائد جديدة من داخل المعسكر الثوري نفسه, والحقيقة المستقاة من إفرازات هذه المرحلة تعطي مؤشراً واضحاً على أن هنالك تطوراً فكرياً قادماً سيفرض نفسه على كل الايديولوجيات,وهذا التطور حتمته جملة عوامل,منها تخص الافكار والعقائد ومنها تخص التجارب وما حققته من نجاحات ومنها ما يتعلق بالحاجات الجديدة التي فرضتها اسباب التغير في العالم كله سواء كان ما يخص العالم الاشتراكي أو العالم الرأسمالي,وبالتأكيد تتقدم الحركات والاحزاب الثورية هذه المسيرة لان التغير أتيٍ ليس بصيغة التخيير بل بصفة الالزام.لانه لا يجوز أن تبقى الافكار والعقائد محصنة بنوع من الالوهية والثبات على النظرية والتي تفرض عليها شكلاً من اشكال الرفض و العزلة أو ما يصح أن نطلق عليها بالدغمائية,وبالتأكيد العكس هو الصحيح أي أن يؤخذ النزوع الى التغير والتكيف الايديولوجي والنضالي طريقاً لضياع الهوية الفكرية والنضالية للحزب الثوري. والخلاصة من هذه الانعطافات في المواقف الفكرية والنضالية تكمن في قدرة الحزب الثوري على التعامل مع حركة الواقع بجدلية ايظاُ,فالبعث مثلاً في بدايات إنطلاقته الثورية لم تكن هذه المحطات الفكرية والنظالية غائبة عنه,فالجيل الاول من مفكريه ورواده أشاروا الى أن البعث يمثل في إنطلاقته الانطلاقة الحديثة للامة وكان هذا أحد الاسباب الرئيسية في قبوله عل مستوى الامة العربية,وقد أكد مفكريه على أن البعث يحمل سر وجوده وإستمراره في فكره الذي يحمل حقيقة التغير نحو الاحسن أو ما يمكن أن نطلق عليه (بالحداثة) ولا يمكن للبعث ان يكون بعثاً إذا لم يعيش حالة التطور والحداثة,ويقول المفكر العربي الكبير ومؤسس البعث الاستاذ ميشيل عفلق في هذا الصدد:( المهم ايها الرفاق هو ان نكون في مستوى الظرف التاريخي الذي يعيشه حزبنا وتعيشه امتنا الآن.. ان ننظر بصفاء وموضوعية الى الحاضر والمستقبل.

 

المهم ان نعترف بمشروعية الحاجة العميقة الملحة في حزبنا، وعند شعبنا الى التجديد، والى تجديد هذا الحزب بالذات، في فكره وتنظيمه ونضاله، لانه ملك للأمة العربية وللمستقبل العربي، وليس ملكا لفرد او افراد ولا حتى ملكا لأعضائه المنتمين اليه. هو تعبير عن مصلحة شعب، وعن مستقبل امة وحضارتها وعن مصلحة الانسانية اذا جاز القول.)(3) ومادة هاتين الفعلين هم الشباب في كل وقت وحين ولكن أن يكونوا متنورين بالفكر والنضال الحقيقين.وأن هذه الجدلية كانت حاضرة في حياة هذا الحزب الثوري وخاصة ما جاء في بعض المنطلقات النظرية للحزب في المؤتمر القومي السادس عام 1963.( لذا فإن نقد بعض المفاهيم التي وجدت في الحزب بصورة جدية ومباشرة هو وحده الكفيل بتصفية آثارها تصفية نهائية).وهذا يعني أن نقد ومراجعة النظرية والتجربة سمتان أساسيتان في الحزب أو الحركة الثورية.



(2) حديث في مدرسة الإعداد الحزبي بتاريخ 11/5/1977
(3) كلمة في الجلسة الثانية في جلسات المؤتمر القومي السادس (مناقشة مقدمة التقرير العقائدي) في 12تشرين الاول 1963

 

 





الاربعاء٢٢ جمادي الاخر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٥ / أيـــار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سمير الجزراوي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة