شبكة ذي قار
عـاجـل










باراك أوباما لم يأتِ بجديد في خطابه الذي ألقاه يوم الخميس الماضي والذي إنتظره البعض على أحرّ من الجمر , خصوصا محمود عباس ورجاله الغارقين في بحر من الأحلام والأوهام. فباستثناء التكرار المعدّل والمحسّن لكلمات وفكار سبق وأن سمعها العالم العربي من أوباما نفسه , لا يبدو أن ثمّة تغيير يستحق فعلا التعويل عليه خصوصا فيما يتعلّق باكبر وأكثر قضايانا إلحاحا وتجذرا وظُلم , أي القضية الفلسطينية والاحتلال )الاسرائيلي( الصهيويني الغاصب للأراضي العربية.


وبغض النظر عن حسن وصدق النواي , إن وجدت أصل , التي ربما دفعت الرئيس الأمريكي الى حلحلة وتحريك الوضع في الشرق الأوسط , ولو بضعة سينتمرات الى الأمام وتسجيل نقاط ما لصالحه , خلافا لسابقيه من الرؤساء الأمريكان , الاّ أنه تجاهل الحقيقة الصادمة التي لا تتزحزح أبد , وهي إن اللوبي الصهيوني , في أمريكا أو خارجه , هو الذي يحكم ويتحكّم في واشنطن , وليس فخامته , أي باراك أوبام , حتى وإن كان منتخبا من قبل الشعب الأمريكي.


ولهذا السبب , وربما لأسباب أخرى ذات صلة , نجد أن غالبية الساسة الأمريكان , من الرئيس ألى أبسط موظّف في الخارجية الأمريكية , يضعون على سلّم أولوياتهم وجداول أعمالهم أمن وسلامة ومغازلة الكيان الصهيوني وضمان إستمرار الدعم المادي والاقتصادي والعسكري له , وبشكل متزايد , مدركين إن أي حديث عابر أو إشارة بسيطة أو نظرة غير ودّية ضد كيان إسرائيل اللقيط قد تكلّفهم أغلى ما عندهم , بما فيه حياتهم.


وعندما يشير باراك أوباما الى حدود عام 1967 والدولة الفلسطينية المرتقبة وتضامنه وتأييده للثورات العربية وبكلام معسول قد ينطلي على المعجبين بالخطابات والانشاء وتركيب الجُمل المنمّقة , لم يقصد بالتأكيد تحدّي الكيان الصهوني أو تجاهل شروطه ومطالبه التعجيزية اللاشرعية بخصوص النزاع العربي - الاسرائيلي , وإنما أراد أن يركب موجة الثورات والتغييرات وخروج العرب من كهوف الصمت والذل والخوف الذي قذفهم بها حكّام فاسدون مستبدون طُغاة , كانوا على مدى سنوات طوال حلفاء وخدم ووكلاء لدى جميع الادارات الأمريكية , بما فيها إدارة أوباما نفسه. فضلا عن أن ذرّ الرماد في العيون , بالنسبة لأمريكا الخبيرة جدا بهذا الميدان , لا يكلّف شيئا. لأن لا شيءَ أرخص من الرماد. والحر تكفيه الاشارة.


ففي خطابه الذي عوّل عليه الكثير من الزعماء العرب , وعلى رأسهم محمود عباس , قال باراك أوباما ما يلي: "إن جهود الفلسطينيين لانتزاع إعتراف بدولتهم في الأمم المتحدة لن تجدي نفعا". وهذا الكلام يعني فيما يعني إن جميع دول وحكومات وشعوب العلم , إذا إعترفت بالدولة الفلسطينية المرتقبة , لا تساوي شيئا في نظر دولة العم سام , قائدة ورائدة الحرية والديمقراطية والمدافعة "الشرسة"عن حقوق الانسان في كل مكان! طبعا الاّ في أرض العرب والمسلمين. ولا يمكن لأية دولة فلسطينية أن ترى النور مستقبل , حتى وإن كانت عمياء صماء عرجاء , إن لم تحصل على شهادة ميلاد موقّعة من قبل رئيس وزراء الكيان الصهوني.


وفي إشارتين تحملان دلالة خاصّة وتعبّران عن إنحياز جميع الادارات الأمريكية وإنقيادها الأعمى اللامشروط للكيان الصهيوني , شدّد باراك أوباما على ضرورة" أن يتم تحقيق السلام الدائم بين الجانبين عبر وجود دولة يهودية لاسرائيل تكون وطنا لليهود ودولة فلسطينية تكون وطنا لشعب فلسطين , والاعتراف المتبادل بينهما". وفي الواقع إن باراك أوباما لم يفعل أكثر من إعاة وتكرار ما يردّده باستمرار قادة الكيان الصهويني , أي دولة "يهودية" ذات طابع ديني عنصري مغلقة في وجه الآخر , وقابلة للتوسّع والتضخّم , إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن جميع يهود أمريكا مثلا يحملون جنسية كيان إسرائيل العنصري.


أما "شعب فلسطين" الذي لا يحمل أية صفة دينية أو قومية أو غيره , لأنه مجرد "شعب" لا أكثر ولا أقل فما عليه الاّ القبول , راضيا مرضيا وشاكرا لنعمة باراك أوبام , بدولة منزوعة السلاح , مسلوبة الارادة والسيادة وقرارها السياسي مصادر أو معطّل. بل إشترط باراك أوبام , دون أن يعلنه على المل , ما معناه أن يكون الشعب الفلسطيني الذي يعيش في "دولة فلسطين"مكونا من الملائكة والصالحين والاتقياء والحور الحسان , والاّ فان لاسرائيل"الحق في الدفاع عن نفسها بنفسها كأية دولة أخرى". وطبعا ستكون خلفها أمريكا والغرب باجمعه ضك كلّ مَن تسوّل له نفسه الامارة بالسوء أن يزعج ويعكّر وتيرة ونمط حياة شعب الله المختار.


ومن لاحظ الصور التي بثّتها وسائل الاعلام حول لقاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما والمجرم الصهيوني بنيامين نتنياهو , ونظرات الغضب والتحدى والغطرسة التي واجه بها هذا الأخير باراك أوباما بن حسين , رئيس الدولة العظمى , لا يخامره أدنى شكّ بان الصهاينة , على مستويات ودرجات مختلفة ومتنوّعة , هم مَن يتحكّم بمجمل السياسة الأمريكية , والخارجية منها على وجه الخصوص. وهُم الذين يملون شروطهم ويفرضون أجندتهم عليه , ويمسكون في أيديهم خيوط اللعبة في واشنطن ومستقبل جميع السياسيين فيه , وعلى الأخص الطامعين والطامحين للوصول الى االبيت الأبيض.


وإذا قُدّر وأن وُلدت دولة فلسطينية ,  , وهو أمر جائز في الخيال والتمنيات فقط , فانها سوف تكون تحت وصاية وحماية ورحمة الكيان الصهيوني الشيطانية , وقابلة للموت , لا للحياة كما يزعم باراك أوبام , في أية لحظة على يد هذا الكيان الغاصب. والاّ كيف تفسّر أو تستقيم أو تُطبّق عمليا فكرة وجود "دولة" فلسطينية , تقريبا لا تُرى بالعين المجرّدة , منزوعة السلاح غير قادرة على الدفاع عن نفسه , لا صديق ولا حليف له , الى جانب الكيان الصهيوني الذي يملك ليس فقط الحق المطلق بالدفاع عن نفسه , وهو حق منزوع ومسلوب من الآخرين , بل أكثر وأخطر الأسلحة فتكا ودمارا وتطوّرا.


على كا حال , سوف نكتشف بعد بضعة أيام أن باراك أوباما إبتلع معظم بل كل ما قاله من كلام أثار غضب وحنق القادة الصهاينة. وإن الدولة الفلسطينية المزعومة , حتى بالمواصفات الأمريكية المعلنة , سوف تبقى مجرد صورة غير واضحة المعالم تتكرر برتابة مملّة في أقوال وخيال"الرئيس" الفلسطيني محمود عباس واالشلّة المحيطة به , والتي لم تيأس أو تكلّ أو تتعب من الجري واللهاث خلف سراب وأوهام سلام مشوّه غير عادل ومذلّ , ترفضه حتى إسرائيل نفسه , لأنه لا يحقق لها ما تصيو اليه , أي إبتلاع ثلثي ما تبقى من أرض فلسطين.


mkhalaf@alice.it

 

 





الثلاثاء٢١ جمادي الاخر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٤ / أيـــار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد العماري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة