شبكة ذي قار
عـاجـل










مما لا شك فيه أن تحرير الفاو قد شكل منعطفاً كبيراً في مجرى الحرب التي كانت دائرة مع إيران لمدة ثماني سنوات، لقد طرأت متغيرات أساسية على طرفي معادلة الحرب ، في العراق، وكذلك في إيران ، على صعيد القدرات الوطنية لخوض الحرب وأدارتها ، وكذلك على صعيد القدرات العسكرية في الميدان.

 

لقد أظهرت القدرة العراقية بتحريرها للفاو وحقيقة طالما تجاهلتها إيران ، إلا وهي عامل عدم التكافؤ في القوى ، وإيمان العراق بقضيته ، ووحدة شعبة، فقد طاب للبعض من المراقبين أن يرسموا صورة إيران بمساحتها، وموقعها ، وعدد سكانها، والخروج بمحصلة تغلب كفه القوة لصالح إيران، ولكن جاءت عملية تحرير الفاو لتدحض كل ذلك([1]) .

 

لقد خسرت إيران ورقه سياسية ودبلوماسية ونفسية كانت تعول عليها كثيراً، فالفـاو كانت رهينة لأخذ فدية عراقية عندما يحين التفاوض ، فلكل حرب نهاية، وأن ما لا نناله في الميدان، لا نناله على مائدة المفاوضات ، لقد كانت الفاو أداة للمناورة والابتزاز ليس للعراق فحسب بل لأقطار الخليج العربي وهذا ما أكده القادة الايرانيين في العديد من تصريحاتهم.

 

أن تحرير الفاو جعل إيران تقف أمام خيارات ما عادت هي صاحبة القول فيها تتمثل بالآتــي :

 

1-    تعديل شروطها السابقة لإنهاء الحرب سلمياً

2-    الكف عن البحث عن رهينة أرضية في العراق

3-    التوقف عن تهديد المصالح الخليجية وممارسة الإرهاب

4-    الكف عن التلويح بتوسيع نطاق الحرب([2]) .

5-    تصاعد نقمة الشعوب الإيرانية تجاه (رجال الدين وتجاه الحرب).

 

لقد جاء القرار رقم 598 في 20 تموز 1987 والفاو كانت بيد الإيرانيين، لذلك وضعت إيران للفاو ثمناً باهظاً وكانت تخطط بزيادته، ولكن بتحرير الفاو من قبل القوات العراقية، باتت طهران في وضع جديد، فالحدود الدولية العراقية باتت تحت سيطرة العراقيين وزاد على ذلك تأمين تلك الحدود باستثمار الانهيار الذي حصل للجيش الايراني وتم الاندفاع داخل الأراضي الايرانية بعمق يتراوح مابين 5-60 كيلومتراً وحسب طبيعة الأرض والوصول الى المناطق التي يصبح فيها آمناً على حدوده الدولية ومنع أي هجوم مستقبلاً من قبل تلك القوات  وما يزال ينادي بالحل السلمي العادل، كما كان منذ 22-9-1980 واصبحت إيران مقتنعة تماماً من أنها لن تفلح في ضوء ميزان القدرات والنتائج التي آلت اليها المعارك الأخيرة على الأرض بكسب الحرب.

 

آثار تحرير الفاو على الصعيد العراقي والعربي

 

1- كانت نصراً شمولياً في معانيه وحضارياً في قيمته ودليلاً على قدرة أبناء العراق بغزارة دمائهم وتضحياتهم على مجابهه الشر والظلام والعدوان بجهد ذاتي.

2-    أضاف الانتصار العراقي شحنات دافعه للتضامن والوحدة وليثبت من جديد أنه قلب الأمة.

 

3- تصاعد وتائر البناء والتطور العلمي والحضاري متمثلاً بتطوير قدرات العراق الدفاعية وبحلقات متطورة أذهلت الخبراء في العالم مثل الصواريخ بعيدة المدى، والمدفع العملاق، وصواريخ التقاطع فاو، وطائرة الأنذار المبكر عدنان 1 وعدنان 2.

 

4- تجلت المنزلة التي أحتلها العراق عالمياً نتيجة هذا النصر المتكامل سواء في التخطيط والإنجاز والذي أعتبر بحق مفخرة لجيش العراق، في الوقت الذي تزايدت قيود العزله الخانقة للمشروع الإيراني البغيض.

 

5- أعاد هذا النصر الثقة الكاملة بقدرة العراق على صنع المستحيل وأثبت للعرب أن المقاتل العراقي قادر على أن يكون الدرع الواقي للأمة العربية وأن التصميم والإرادة تحقق النصر، خاصة وأن تحرير الفاو يعتبر أول تحرير لأرض عربية مغتصبة في العصر الحديث.

 

آثار تحرير الفاو على الصعيد الإقليمي والدولي

 

 

لقد بدأ الكيان الصهيوني يحسب حساباً جديداً للقوة العراقية وبات يبحث في وضع مخططات لاحتواء العراق عبر حملة تحريض عالمية ضده ومحذراً من أن يصبح العراق قوة إقليمية عظمى تهدد المصالح الغربية والتوازنات القائمة في المنطقة وأن العراق هو أكثر دول العالم تسليحاً بعد الدول العظمى، وأستمر ذلك وظهر جلياً بعد انتهاء الحرب حيث كتب المعلق السياسي لصحيفة (ها آرتس) الصهيونية (زئيف شيف):

 

"إذا ما قامت القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها بسحق القوة العسكرية العراقية فأن ذلك سيتسبب في تغيير جذري للتوازن الستراتيجي في المنطقة وسوف يلغي مخاطر تصادم نووي عراقي – (إسرائيلي) في التسعينيات"([3]) .

 

لقد كان النصر العراقي يمثل حالة من الرعب لدى الكيان الصهيوني فلقد جاء عكس ما يتمناه والذي قدم كل العون لإيران من أجله وهو تدمير القدرة العسكرية العراقية وعزل العراق، وتدمير جوهر العصب القومي العربي الذي يمثله.

 

كما أن موقف الولايات المتحدة من تنامي القدرة العسكرية العراقية كان ضمن أولوياتها الستراتيجية ، تبعاً لإدراكها لما سيسفر عنه التفوق العراقي من مضاعفات، ستنال بالتأكيد من موازين القوى، ليس على صعيد الصراع العربي الصهيوني فحسب، بل على الموقف في الخليج العربي، وهكذا بدأت الولايات المتحدة تتحرك في أكثر من أتجاه ، وبأكثر من وسيلة لغرض قتل روح النصر لدى العراقيين وهذا ما حصل لاحقاً واتضحت خيوط المؤامرة في أم المعارك التي خطط لها قبل انتهاء الحرب العراقية الإيرانية بسنين عديدة.

 

النصر النهائي

 

(غالبا ما كانت الدول تسقط أمام ضربات الغزاة ، وعندما تحتل الجيوش قلاع الحكام والقادة، ومقراتهم الرئيسية، وهكذا فعل المستعمرون والتوسعيون الأجانب تجاه الأمة العربية، فقطعوا أوصال وحدتها وسدّوا عليها ، الى حين، طريق التطور، وقيادة الحياة قيادة منظمة منضبطة ، فتهاوت قدراتها الى قاع الهزيمة والاستسلام، بعد أن تخلت عن عرش السيادة وروح النهضة)([4]).

 

المراقب لمجرى الحرب منذ عام 1980 ولغاية أحتلال الفاو كان يسمع دائماً نبرة التحدي والغطرسة والحقد تجاه العرب والعراقيين بشكل خاص كما يلاحظ نبرة الاستخفاف التي كانت تتسم بها تصريحات رموز النظام في إيران.

 

فمثلاً يقول بني صدر في نيسان 1980 أي قبل الحرب في خطاب له (أنه إذا ما تحرش العراقيون بحدودنا الغربية فأنني لا أستطيع أن أوقف زحف الجيش الإيراني بأتجاه بغداد)([5]).

 

هكذا كانوا يتصورون، وهكذا كانت أحلامهم ، بينما نرى في الجانب الآخر الموضوعية والعقل الراجح وحب السلام، والتواضع المبني على الثقة بالنفس.

 

(أن التوفيق من الله ، والله سبحانه وتعالى يطالب الإنسان بالسعي المنظم ويطلب منه أن يكون مسعاه مشروعاً دائماً وعندما تكون نياته صادقة ومسعاه مشروعاً ومنظماً، عندها تكون قد توفرت القاعدة الأساسية للنجاح، وما التوفيق إلاّ من عند الله)([6])

ليس ذلك فحسب بل أن القيادة العراقية كانت واعية ومدركه لنمط وسلوك الجانب الإيراني.

 

(الحكام الإيرانيون يمكن أن يأتوا في يوم الى السلام ولكن ليس تحت موجبات العودة الى الإطار العقلي السليم وإنما تحت الشعور بأن طريق الحرب يجعلهم يخسرون أكثر مما يربحون)([7])

 

بعد معركة تحرير الفاو أقتنع العراقيون بأن السلام لن يتم إلا بتدمير القوة العسكرية الإيرانية وإجبارها على القبول بإنهاء الحرب ، وعلى هذا الأساس قامت القوات العراقية على أثر أنهيار القوات الإيرانية بشن هجمات عديدة لاستعادة الأجزاء التي كانت إيران قد احتلتها في وقت سابق والتي استغلت فيه احتلالها للفاو في محاولة للتوسع ، وكالآتـي:

 

-   25/ 5/ 1988 حررت القوات العراقية أرض الشلامجة في عمليات (توكلنا على الله ) – البيان رقم (3192).

 

-   17/ 6/ 1988 حررت قواتنا المسلحة الباسلة عارضة أحمد رومي الواسعة وذات الأهمية الستراتيجية عند حدودنا في محافظة السليمانية أستمراراً لعمليات (محمد رسول الله ) وتم تطهير العديد من العوارض المهمة معها.

 

-   22/ 6/ 1988- طهرت قواتنا المسلحة الباسلة المرتفعات الحدودية الستراتيجية – جبل كردش- جبل بردسور- وأحكم مقاتلونا السيطرة على نهر الزاب عند الحدود الدولية .

 

-   25/ 6/ 1988 تم تحرير أرضنا الوطنية في مجنون الشمالي ومجنون الجنوبي في المسطح المائي لهـور الحويزة في عمليات (توكلنا على الله الثانية).

 

-   9/ 7/ 1988 تمكنت قواتنا من تطهير حوض (باسين) وسلسلة جبال (سركيو) و (وادي سبيداره) وتحرير مخافرنا الحدودية في (سواره ين)  و (شهاب الدين) و (شويكل) واستمرت المعارك لأربعة أيام متواصلة.

 

-   12/ 7/ 1988 – تم تحرير كامل أراضينا الوطنية في (زبيدات) في علميات (توكلنا على الله الثالثة).

 

-   22/7/ 1988- أشار بيان القيادة العامة للقوات المسلحة رقم (3269) الى أن (عمليات توكلنا على الله الرابعة) امتدت من أقصى الجبهة الى أقصاها بعلميات جهادية متباينة الحجم والسعة والنوع في جبهاتها وعمقها تستهدف انتزاع ما تبقى بيد المعتدي الغازي من أرض وتحطيم قوته والحصول على أكبر عدد من الأسرى وكان الثقل الأساسي في قاطع الفيلق الثاني البطل وعلى جبهة 170 كم وتم تحرير الأرض وسحقت قوات الغزو([8]).

 

-   بعد كل تلك الانتصارات العظيمة ، انهارت القوات الإيرانية وبلغ حجم خسائرها أكبر من إمكانية حكامها على إخفاء الحقيقة إضافة الى ضربات القوة الجوية والحصار الذي فرض على موانئها من قبل قواتنا الجوية، كل ذلك أدى بإيران الى قبولها بالقرار 598 بعد سنة كاملة من إصداره والتي وصفها الامام الخميني بـ(تجرع السم).

 

 

في الجزء العاشر والاخير : معركة تحرير الفاو بالأرقام ، الخسائر البشرية ، الأسلحة ، القادة المشاركون ، مصادر البحث .

 

 

qusay_almuatasim@yahoo.com

 

 

([1]) التقرير السياسي للمؤتمر الثاني عشر – القضايا الكبرى على الساحة القومية.

([2]) كاظم هاشم نعمة – دراسات في الستراتيجية والسياسة الدولية ط1 دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد 1990.

([3]) خلدون ناجي معروف- الموقف الإسرائيلي من العدوان الثلاثيني على العراق – مجلة دراسات فلسطينية العدد 2 – 1994- ص 15- تحرير الفاو- مصدر سابق – ص212.

([4]) من خطاب الرئيس صدام حسين لمناسبة بناء الفاو في 25 / 10 / 1989. الثورة العربية –  العدد1 - سنة 1990.

([5]) طارق عزيز – الصراع العراقي الإيراني – أسئلة ومناقشات – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – ط1 – بيروت 1980 ص28 .

([6]) نص حديث صدام حسين خلال تكريمه قائد الحرس الجمهوري وقادة القوات المشاركين بتحرير الفاو في 24/4/ 1988- الثورة العربية العدد 5 لسنة 1988 ، ص 147.

([7]) جواب الرئيس صدام حسين على سؤال من قبل الصحفي إبراهيم نافع رئيس تحرير جريدة الأهرام - الثورة العربية - العدد 4  - لسنة 1989 - ص71.

([8]) قادسية صدام – د. محمد البكاء – كتاب الثقافة الوطنية والقومية (الكتاب الاول) 1992، ص233-236.

 

 





الجمعة١٧ جمادي الاخر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٠ / أيـــار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب قصي المعتصم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة