شبكة ذي قار
عـاجـل










إن العراق حسب معلوماتي المتواضعة دولة من دول العالم الثالث وليس ددولة عظمى أو دولة صناعية كبرى. صحيح أم لا؟ فما هي إذن حاجة "الرئيس" العراقي الى ثلاثة نواب مع ما يلحقهم من موظّفين ومكاتب وسكرتيرات وحماية مسلّحة سوف تكلّف خزينة الدولة ملايين الدولارات؟ خصوصا وإن معظم السلطات والصلاحيات مكدّسة في يد"دولة"رئيس الوزراء العميل نوري المالكي, الذي أحاط نفسه بنواب ومستشارين وحملة أختام ومهرّجين وطبّالين ومصفّقين تحت الطلب, ولكل مناسبة.


وإذا كان "الرئيس" الطلباني, كما هو معروف للجميع, لا يحل ولا يربط وليس له موقع من الاعراب في أي جملة مفيدة, وإن قيمته الرمزية والمعنوية والاعتبارية لا ترقى الى مستوى "خرّاعة عصافير" في حقل مهجور, فما هي يا ترى المهام"العظيمة" التي سيقوم بها نوّابه الثلاثة التي أثبتت التجارب أالماضية لاثنين منهما, الهاشمي وعبد المهدي, بانهما لايصلحان حتى لآدارة شؤون مدرسة إبتدائية.


ومن غرائب هؤلاء القوم وعراقهم الأكثر غرابة منهم هو أنهم أمضوا شهورا طويلة لا في حل مشاكل المواطنين اليومية وتوفير الحد الأدنى من الخدمات لهم, بل في التفاوض والمناقشات وعقد الصفقات المشبوهة من أجل إختيار هذا النائب أو ذاك الوزير أو الحصول على تلك الوظيفة أو هذا المنصب. وتركّزت أغلب اللقاءات والزيارات التي يتبادلونها, ومن ضمنها زياراتهم الى كهف "آية" الله على السيستاني, على حصول كل طرف منهم على حصّته من كعكة العراق سواءا كانت مناصب أو مخصصات أو رواتب أو نفوذ هنا وجاه هُناك. يتبادلون الابتسامات البلهاء تحت عدسات التلفزة على بعد خطوات من المواطن العراقي المسحوق الذي جلبوا له من كل حجيم مصيبة وبلاء.


وتقول الأخبار الواردة من الحضيرة الخضراء في بغداد المحتلّة إن 235 نائبا حضروا جسلة البرلمان وصوّتوا بالأغلبية لصالح نواب ضخامة "الرئيس" جلال الطلباني الثلاثة. ولم يخطر على بال نائب واحد من هذا الكم البشري الفاسد المتعفّن أن يسأل نفسه عن الحاجة الفعلية لوجود ثلاثة نواب لرئيس جمهورية العراق الجديد في الوقت الذي تكتفي فيه جميع دول العلم, بما فيها أمريكا الدولة العظمى, بنائب واحد للرئيس. فهل يُعقل, أيها المجانين الفاسقون, أن تكون مهام ومشاغل جلال الطلباني المُصاب بالخرف والبلادة والمرض, أكثر وأهمّ من مشاغل ومهام رئيس دولة عظمى تمارس الحروب والغزوات ضد شعوب ودول شتى, تسرق وتنهب حيرات الآخرين وتنشر قواتها الغازية وقواعدها العسكرية الاحتلالية في كل أرجاء المعمورة؟


لكن الحقيقة التي لا يريد البعض رؤيتها على حقيقتها هي أن العراق الجديد دولة وحكومة ونظام عشوائي غير قابل للتصنيف أو التوصيف. ومن الصعب على أي محلّل أو خبير أو سياسي أو مفكر أن يجد صفة مناسبة لنوع النظام الموجود في عراق اليوم. فلا هو نظام جمهزري ولا ملكي ولا فوضوي, ولا هو مشيخة أو إمارة أو ما شابه ذلك. ويمكن القول دون لف ودوران أنه خليط معدّل من أنظمة مختلفة متداخلة ومتناقضة فيما بينها, وإن بدأ عكس ذلك في دستورهم وقوانينهم وتصريحاتهم التي يغلب عليها, هي الأخرى, الطابع العشوائي الارتجالي والتي سرعان ما تتبخّر في الهواء الطلق.


إن العصابة التي تحكم العراق اليوم, ولأسباب لا علاقة لها بالوطن أو المواطن ولا حتى بالسياسة, أستطاعت أن تستحدث لحكم العراق صيغة غريبة وهحينة ليس لها أي شبيه في عالم اليوم. لا تقوم على مبدأ التوافق كما يزعمون بل على أساس الشراكة المتبعة بين عصابات المافيا ومنظمات الجرائم الكبرى, حيث تسود "العدالة"في تقاسم الغنائم والأرباح وتوزيع المهام والمسؤوليات ورسم الخطط الشيطانية.


لكن الفرق الوحيد بين عصابة المافيا الحاكمة في المنطقة الخضراء وغيرها من عصابات المافيا الشهيرة, مثلا في إيطاليا وروسيا والصين, هو أن الأولى, أي عصابة المنطقة الخضراء تعمل بشكل علني وباعتراف أمريكا واوروبا والأمم المتحدة, وتحظى بدعم بعض المستفيدين من نشاطها الاجرامي خصوصا في عمليات القتل والاغتيالات وسرقة المال العام والثروات الوطنية العائدة للعراق وشعبه. وبالتالي فان وجود ثلاثة نوّاب لرئيس جمهورية هو أصلا شبه عاطل عن العمل لا يعني الاّ شيئا واحدا, تطبيق عدالة اللصوص والحرامية وإشراك الجميع في الجريمة المستمرة منذ عام 2003, العام المشؤوم في تاريخ العراق الحديث.


إن المتعارف عليه في العمل الحكومي والوظيفي, في أي مكان في العلم باستثناء عراق اليوم طبعا, هو إن يتم إستحداث وظائف جديدة تُضاف الى الوظائف والمناصب الموجودة أصلا في مؤسسات الدولة أو الحكومة إستنادا الى معايير وأسباب وضرورات تفتضيها حاجة تلك الدولة أو الحكومة الى تيسيير أعمالها الكثيرة لكي تلبّي إحتياجات مواطنيها وتحسين المستوى المعيشي والخدمي لهم. وفي الوقت الذي تجهد وتسعى حكومات ودول العالم لاستحداث وظائف جديدة لمواطنيها يحصل العكس تماما في العراق الجديد, حيث يتم إستحداث وظائف ومناصب جديدة معظمها وهمية لحكامه اللصوص, ثلاثة نواب لرئيس الدولة وعدد مماثل لرئيس الوزراء, بينما تطحن البطالة والفقر والحرمان ثلاثة أرباع الشعب العراقي.


لقد فاتتنا الاشارة الى أن ضخامة "الرئيس" جلال الطلباني سبق له وأن قدّم طلبا للحصول على نائب رابع له - تصوّرا الترف و البذخ - وتمّ رفض طلبه من قبل الحسّاد والعواذل والوُشاة. وعلى كل حال, إذا كانت مهام رئيس الدولة وسلطاته غير واضحة, إن وجدت أصلا, ولا قيمة أو تأثير لها على مجرى المسرحية, عفوا العملية السياسية في العراق الجديد, فما هو دور نوابه الثلاثة, عبد المهدي والهاشمي والخزاعي, على خشبة مسرح العرائس الذي تستضيفه سفارة العم سام في بغداد المحتلّة؟


mkhalaf@alice.it

 

 





الاحد١٢ جمادي الاخر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٥ / أيـــار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد العماري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة