شبكة ذي قار
عـاجـل










عندما إنطلقت الشرارة الأولى للثورات العربية من تونس إستبشر الجميع, من مشارق الأرض الى مغاربهاخيرا وساد جو من التفاؤل والفرح العارم بدنو ساعة خلاصنا من أكثر حقب التاريخ سوادا وتخلّفا وإذلالا, حيث تحوّلنا كشعوب وأوطان الى ما يشبه قطان الماشية والحيوانات الأليفة في حضيرة, هي في الواقع بلادنا وأرضنا, في خدمة راعي أو حاكم لا همّ ولا غمّ له سوى الاستمرار في الحكم وعلى طريقته الخاصة, وهي طريقة غريبة وشاذّة عن أي منطق أو قانون أو تقليد. وأصبحت الشعوب, بعد أن تمُ إستلاب إرادتها وتدجين البعض منها, رهينة لنظام الحكم أو للقضاء والقدر.


وفجأة, وبطريقة عفوية وفطرية وجدنا أنفسنا في عين العاصفة - الثورة. حيث إنتفضت الشعوب وتمرّدت كل حسب تقاليده وإرثنه "الثوري" ومخزونه الخاص من الحقد والغضب والرغبة الجامحة في الخلاص من عصر الظلام العربي. وإاعادة الكرامة المهدورة والثروات المسروقة والصوت الذي صادره أو خنقه صاحب الجلالة والفخامة والمعالي والسمو, الى أجل غير مسمّى. لكننا, وربما بسبب موجة الغضب والغليان التي إجتاحت الجميع تناسينا إن الأنظمة الحاكمة ليست وليدة الأمس أو اليوم الذي قبله. وإنما هي حصيلة سنوات عجاف من القمع والفساد والهيمنة الحزبية والعائلية والنهب المنظّم على كل صعيد. بعد أن أمضت عقودا وأهدرت أموالا طائلة في ترسيخ وتحصين النوع الشاذ والغريب لسلطتها وحكمها الذي أردته أن يكون أبديا.


وبالتالي فان عملية إسقاطها أو تغييرها لا تحصل بمجرد خروجنا بالألاف أو بالملايين الى الشوارع, بالرغم من تحقيق بعض النجاح في ثورتي تونس ومصر مثلا. لكن الأمور بعد ذلك أخذت منحى آخر يتسم بالكثير من الخطورة والغموض والريبة. ومن هذا المنظور بالذات بدأت طفو على سطح الأحداث وبشكل ملح العشرات من الأسئلة. أولها على سبيل المثال, هل نحن العرب, ورغم ما لحق بنا من حيف وظلم وأرهاب من قبل إنظمتنا الحاكمة, قادرون فعلا على إقتلاعها من جذورها وتغييرها دون أن ندمّر أوطاننا ونحوّلها الى خرائب تنعق فيها غربان أمريكا وحلف الناتو؟


وهل نستطيع تسمية من يتلقّون دعما مبائرا وفي وضح النهار من أجهزة المخابرات الأجنبية, الأمريكية بشكل خاص, ويمدّون أيديهم طلبا للمال, وهي طريقة حضارية للتسوّل من إمارة الكويت, صفة الثوار, طبعا بغض عن بشاعة وديكتاتورية وبطش النظام الحاكم؟ وهل يمكننا نحن, خيرُ أمّة أخرجت للناس, أن نحافظ ونصون لحمتنا الوطنية ونسيجنا االاجتماعي المتنوّع الأعراق والديانات والمذاهب؟ أم أننا سنبقى دائما بحاجة الى ديكتاتور أو طاغيةأو ظالم يُرغمنا على البقاء متّحدين ومنسجمين مع بعضنا البعض؟


ثم إذا كان هدفنا جميعا هو الحرية والديمقراطية والمساواة وتحقيق العدالة فلماذا يا ترى نقف بقوة ونتضامن مع ثورة ما, نظبّل ونزمّر لها ليل نهار, ونلوذ بالصمت المطبق لما يجري في مكان آخر, مكان فيه أيضا ثورة وثوّار ونظام قمعي إستبدادي فاسد؟ لكن ما لا يدركه الكثيرون, ليس بسبب الجهل فقط, هو أن أي عمل أو فعل عفوي يأتي بنتائج عفوية, طبعا ليس دائما سيئة. وبالتالي فان ما يحصل اليوم في الوطن العربي من ثورات يغلب عليها الطابع العشوائي الذي لا يخلو هو الآخر من بعض الفوضى, مع الأسف بمشاركة الشعوب والأنظمة الحاكمة على حدّ سواء.


وهناك الكثير من المخاوف والتوجّسات, في أكثر من بلد عربي, من أن نقدّم ثمرة ثوراتنا وتضحياتنا على طبق من فضّة الى السيدة هيلاري كلينتون لتأتي الينا في زيارة "تضامن"مع الثوّار وتوزّع الابتسامت الزائفة في "ميدان تحرير"في أحدى العواصم العربية. وكأن الحكام المستبدّين المخلوعين حديثا, كفرعون مصرحسني مبارك ورفيقه التونسي زين العابدين بن على, لم يكونوا وكلاء مخلصين وسماسرة سياسيين من الطراز الأول لدى جميع الادارات الأمريكي منذ عشرات السنين. وبمباركة وتشجيع ومساهمة أسيادهم الأمريكان والأوروبيين كانوا حتى لحظات قليلة قبل سقوطهم حجر عثرة بوزن جبل أصم في وجه تطلّعات شعوبهم الى الحرية والعدالة والمساواة.


وما يؤلم الانسان حقّا ويحزّ في نفسه هو ما نشهده هذه الأيام, وتحديدا في تونس ومصر من أحداث دامية. بسبب أن جميع الملل والنحل والطوائف والأحزاب, سلفيون وأقباط وأخوان مسلمون وليبراليون وشباب الثورة وأصحاب مظلوميات مختلفة, كلّهم في عحجلة من أمرهم لتحقيق مطالبهم فورا. بعد أن صبر الجميع لسنوات طوال على ظلم وحيف وإستبداد الأنظمة السابقة. وإذا لم يضع هؤلاء الناس مصلحة الوطن والمصلحة العاّمة نصب أعينهم فاننا مقبلون, لا سامح الله على أيام أوشهور عصيبة بالمعنى الدقيق للعبارة.


وسوف نستمر في القتال مع بعضنا البعض من أجل كاميليا وليلى ونانسي ونسرين وسواهنّ بينما يُسرق الوطن وثرواته ومستقبل أجياله تحت أعيننا المُصابة بالأنانية الضيّقة والتعصّب القبلي والديني والمذهبي. وكأننا نريد أن نثبت للعالم لا جدارتنا ولا قدرتنا على إدارة شؤون أنفسنا بانفسنا الاّ بوجود حاكم ظالم جائر مستبد, أو بمساعدة مخابرات أجنبية وشركات ناهبة للثروات والخيرات وجيوش جرّارة آتية من وراء البحار والمحيطات, تحرّك مَن تنصّبه على حكم البلاد والعباد, كالدُمية البالية.


mkhalaf@alice.it

 

 





الاثنين٠٦ جمادي الاخر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٩ / أيـــار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد العماري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة