شبكة ذي قار
عـاجـل










لا يشك أحد بان للفضايات في عصرنا الراهن دور وتأثير وسطوة ما كان للسيوف في زمن ما. تلك السيوف التي وصفها المتنبي في واحد من روائعه الشعرية حيث قال إن السيوف " إن أرادت أن تصغّر معشرا - صغروا, بحدّها أو تعظّم معشرا عظِموا ".

 

وهذا هو بالضبط ما تفعله الفضائيات اليوم. ويكفي الانسان للتأكيد على ذلك أن يتابع فضائيتن عربيّتن أو ثلاث خصوصا في هذه الأيام العصيبة التي تمرّ بها العرب, دولا وشعوبا وأنظمة وحكّاما. والتي إختلط فيها حابلهم بنابلهم رغم موجات التفاؤل التي تسود سماء وأرض خير أمّة أخرجت للناس.


ولعلي سوف لا أتي بجديد أو أكتشف سرّا خطيرا في الحديث عن إنحياز وإنتقائية قناة "الجزيرة" القطرية وإندفاعها الحماسي اللامحدود في التعامل مع الأحداث الجارية في أقطار معيّنة وتحاشي أو المرور مرَ الكرام على ما يجري في أقطار أخرى. وكيفية تغطيتها لحدث ما وصناعتها المتقنة جدا للخبر"العاجل" الذي هو دائما أحمر اللون كدمنا المُراق هنا وهناك, ثم قذفه طازجا في وجه المشاهد الذي أصيب, ربما دون وعي منه, بحالة تخدير قد لا يستيقظ منها الاّ بصفعة شديدة )راشدي, باللهجة العراقية( على خدّه أو بانهيار جدار منزله على رأسه.


فقد أثبتت الأشهر الدموية الأخيرة التي تغطّي مساحات واسعة من بلاد العرب بأن حرب "الفضائيات"العربية, رغم إدعاء الكثير منها بالاستقلالية والحياد, تختلف شكلا ومضمونا عن حرب الميادين والساحات, حيث تخوض الشعوب بأكثر من وسيلة حربها التي تأخّرت كثيرا ضد إنظمة قمعية فاسدة فقدت شرعيتها وصلاحيتها منذ زمن طويل. وأصبح المواطن العربي, المشدود بحبل من مَسد الى شاشة التلفاز, مُدمنا على "الفضائيات" التي تمدّه كل يوم بالجرعة "المسمومة" المناسبة لبقائه حيّا يُرزق! والسؤال الذي لا بد من طرحه هو لماذا تسمى قناة "الجزيرة" بعض المتظاهرين والمحتجّين بالثوار وتبخل بهذه الصفة على نظرائهم في دول عربية أخرى.


مع أن اهداف ودوافع وغايات بل وحتى وسائل جميع المتظاهرين والمحتجّين متشابهة من المحيط الى الخليج, والكل يطالب بالاصلاح والتغيير وإسقاط النظام. ومع إحترامنا لجميع الشعوب العربية ودعمنا الكامل وتأييدنا المطلق لثوراتها وإنتفاضاتها ضد أنظمة الاستبداد والقمع الاّ أننا نستغرب من أن بعض الفضائيات العربية, ولا حاجة لذكر أسماء, تسمّى المتظاهرين في اليمن مثلا بالثوار, وبشكل يتكرر في كل خبر ونشرة, بينما لا يحظى بهذه الصفة المشرّفة آلاف العراقيين, كمثال طبعا, الذين يتظاهرون كل يوم ضد الاحتلال الأمريكي وحكومة العميل نوري المالكي القمعية الطائفية الغارقة في الفساد حتى الحزام. علما إن العراقيين , شأن إخوتهم في الأقطار العربية, قدّموا وما زالوا يقدّمون كل يوم مئات الشهداء والمصابين والجرحى على مدى ثمانية أعوام.


هُناك في عراق اليوم, من السيلمانية والموصل شمالا الى الناصرية والبصرة جنوبا, براكين من الغضب والحقد والتحدي لحكومة العمالة المالكية ولسياستها الطائفية الفاشلة التي حوّلت العراق الى معسكر إعتقال مترامي الأطراف. ولم تتوقّف ليوم واحد تظاهرات التحدي والموتجهة البطولية خصوصا في السليمانية الثائرة وفي أم الرماح, موصل الأبطال والمناضلين, الى درجة لم يبقَ فيها لحكومتي العمالة والخيانة في بغداد وأربيل, غير مواجهة أآلاف المتظاهرين المسالمين بالرصاص الحي وبعمليات الدهم والخطف والاعتقال العشوائي.


وهكذا هي حال "الجزيرة" القطرية مع القتلى الذين يسقطون على أيدي قوات الاحتلال, ولدينا في الوطن العربي ثلاث إحتلالات, أمريكي, فارسي, وإسرائيلي صهيوني. لا تخفي عداءها الشديد وشرورها وخططها الجهنمية نحو العرب والمسلمين. ففي بلد ما تعتبر قناة "الجزيرة" القتلى شهداء وفي بلد آخر مجرد ضحايا وفي ثالث تتمّ الاشارة اليهم كارقام ميّتة تُضاف الى سجلات الطب العدلي. مع أن القانل هو دائما نفسه, ومسرح الجريمة المفضّل لدى القتلة لم يتغيّر منذ عشرات السنين.


نحن في عراق اليوم أحوج من سوانا الى الانتفاض والتمرّد والثورة لأن مآسينا ومصائبنا التي جلبها لنا الاحتلال الأمريكي - الايراني والعملاء التابعين له أكبر بكثير مما لدى الدول العربية الأخرى. كما أن ثورتنا ضد طًغاتنا "حكامنا"الجدد لم تتوقّف أبدا وإن مرّت بفترات وأوقات مدّ وجز عصيبة. ولنا أيضا ساحة "التحرير" في عاصمة الرشيد بغداد. ومع ذلك نادرا ما تمرّ علينا, وإذا مرّت فبخجل وخشية, القنوات العربية الثارة ! فلماذا لا تسمّينا أو تعتبرنا قناة "الجزيرة"وأخواتها ثوارا؟ أم أنها بنت فلسفتها الجديدة على شعار"مو كل مدَعبل جوز" والمثل للعراقيين فقط, أم أن مرسوما أميركيا بهذا الشأن لم يصدر بعد من صاحب الأمر والنهي والنعمة؟


mkhalaf@alice.it

 

 





الاثنين٢١ جمادي الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٥ / نيسان / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد العماري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة