شبكة ذي قار
عـاجـل










جذور الصراع العربي الفارسي


تمر هذه الايام ذكرى عزيزة على قلوب كل العراقيين والعرب الشرفاء ،الا وهي ذكرى معركة تحرير الفاو من الاحتلال الايراني في 1718 - نيسان 1988 .
انها بحق تعتبر واحدة من أعظم معارك العرب في التاريخ الحديث ، وأول معركة يستعيد فيها العرب أرضاً عربية محتلة . وتؤشر بصدق، براعة وشجاعة الانسان العربي وقدرته على تحقيق الانجازات العظيمة اذا ماتوفرت لدية مستلزمات المعركة والقيادة الكفوءة والايمان بالهدف الذي يناضل من أجله.


ان أهمية تلك المعركة يكمن في أنها أحدثت تغييراً شاملاً في ميزان القوى وأعادة الثقة بقدرة الجيوش العربية والانسان العربي عموماً على تحقيق مايسعي اليه اذا ماعزم على أمر ما ومنها تحرير كل الأراضي العربية المحتلة اينما كانت .فقد كان لتلك المعركة أثر فاعل في تدمير القدرة العسكرية الايرانية وبداية الانهيار للأحلام الفارسية بجعل تلك المنطقة قاعدة انطلاق للتوسع والهيمنة على كافة اقطار الوطن العربي بدءاً باقطار الخليج العربي والامتداد غرباً باتجاه حوض البحر الأبيض المتوسط لاحقاً .


لقد تابعت خلال سنوات طويلة ماكتب عن تلك المعركة والمعارك التي تلتها ، ووجدت أن تلك المعركة لم تأخذ الحيز الذي تستحقه من قبل الباحثين بما يوازي أهميتها السياسية اضافة الى أهميتها العسكرية ، أو كانت هناك ثغرات لم تتح للقاريء العراقي والعربي معرفة المهم من تفاصيل تلك المعركة بشكل واضح وجلي لكي يقدر قيمة نتائجها والدروس المستنبطة منها .


لاشك أن الكثير من الجدل قد دار حول تلك الحرب وعبر السنوات التي مضت حول جدوى تلك الحرب أصلاً حيث وقف البعض معارضاً والآخر مشاركاً والبعض نآى بنفسه بعيداً عن كل تداعياتها ، ولكن اليوم يحتاج الكثيرون لاعادة النظر في مواقفهم من تلك الحرب وكيف انتهت ، لأن السنوات الماضية ومايحدث الآن سيجعل الكثيرين يعيدون النظر في تقييمهم لما حدث ،فالمتغيرات التي ظهرت أخيراً على الساحة العربية والدولية ، من التدخل الايراني في اثارة الاضطرابات في العديد من الأقطار العربية الى اعلانها مشاركتها في تقديم المساعد الفاعلة في احتلال العراق وأفغانستان ومطالبتها بالبحرين ، مع استمرارها في احتلال الجزر العربية ومنطقة عربستان ، واراضي حدودية عراقية شاسعة ، مما يجعل مساحة الأرض العربية المحتلة من قبل ايران تفوق مساحة الأرض التي يحتلها الكيان الصهيوني ، اضافة الى خطر التصريحات الايرانية خلال السنوات القليلة الماضية ، ومساهمتها في قتل مئات الوف العراقيين عبر الميليشيات التي تدربها وتسلحها ، وسوء الأوضاع الأمنية وعدم الاستقرار في العراق والمنطقة، عسى أن نستفيد من ماضينا القريب ، بعد أن أهملنا قراءة التاريخ البعيد والاستفادة منه في حماية وبناء وطننا العربي على اسس تحفظ كرامة الانسان العربي ، وتحفظ له دوره العميق والفاعل في تطور الفهم الانساني للحياة في شقيها الديني والدنيوي ،
مع تقديرنا لكل ماكتب ، فما هذه المساهمة الا حصيلة لجهود من سبقني بذلك ولهم مني كل التقدير والاحترام.


لاجل ذلك ولتوضيح أهمية تلك المعركة في تاريخ العراق والأمة العربية ، أعددت في عدة أجزاء بحثاً شاملاً ومركزاً عن تلك المعركة من النواحي الآتية:
1. جذورالصراع العربي الفارسي وامتداده لغاية الحرب العراقية الايرانية .
2. محاولات غزو العراق والمعاهدات التي عقدت عبر التاريخ.
3. .التعريف بالفاو وأهميتها الستراتيجية.
4. احتلال الفاو والنتائج التي ترتبت على ذلك الأحتلال.
5. مواقف الدول العربية ودول العالم .
6. الاجرءات التي اتخذتها القيادة العراقية بعد احتلال الفاو .
7. خطة تحرير الفاو، والقوات التي اشتركت في العملية.
8 .ادارة المعركة. واحراز النصر.
9. أثر تحرير الفاو في انهيار القدرة العسكرية الايرانية ، والانتصارات اللاحقة .
10. ثمن التحرير والقادة المشاركون.
11.اعلان ايران (مرغمة) قبولها بقرار مجلس الامن القاضي بوقف اطلاق النار ، وانتهاء الحرب العراقية – الايرانية.


قد تتداخل بعض الفقرات اعلاه مع بعضها حسب السرد لتلك الوقائع ، حيث سعيت جهد الامكان الاختصار والتركيز في اعدادي لذلك البحث ، وأملي أن افتح الباب للباحثين والمتخصصين في تدوين بطولات الجيش العراقي واتاحتها للقاريء العراقي والعربي لتبقى تاريخاً شاهداً على عظمة رجال الأمة العربية وقادتها على مر العصور ومن ان لاشيء مستحيل أمام الأيمان والارادة والتصميم ووضوح الأهداف.
انه بعض من الوفاء ...لأهل الوفاء ...وطني الحبيب ...أمتي العظيمة... وبلدي العراق المحتل الجريح ...


جذور الصراع العربي الفارسي


ان الصراع العربي الفارسي يتجسد من خلال الاطماع الفارسية في العراق والخليج العربي ، وهو يمتد لامد طويل ، فالانظمة الفارسية المتعاقبة على مر العصور لم تتخل يوماً عن اطماعها ، وتحديها للعرب . بمختلف الوسائل .


لقد كانت وراء هذه الاطماع دوافع عديده ، فايران لم تكن في واقعها تؤلف دولة قوية ، بل اعتمد جل كيانها على ما يمكن وصفه بوحدة سياسية – عسكرية لمنطقة غير متجانسة عرقياً ، ومتباينه اقتصادياً واجتماعياً ، وقد عمقت الصعوبات الجغرافية في ايران من الاختلافات القومية وتناقضاتها الداخلية، حتى صار من الصعب قيام شعب متماسك فيها، يربط بين ابنائه الروابط والقيم المعروفة.


وقد ادرك الفرس ، ان تحقيق سيطرتهم على عدد كبير من القوميات ، يفوقهم بعضها عدداً وحضارة ، لا يكون الا باخضاعها الى ضغط تحدٍ خارجي ، وكان التحدي الحقيقي امام الفرس ، هو ذلك التحدي القادم من غرب ايران – أي من الوطن العربي – على الرغم من قوة هذا التحدي ، فانه لم يكن تحدياً عسكرياً بقدر ما كان حضارياً . بين حضارة عربية واسلامية أصيله ومتألقه و متجدده وبين حضارة متلقية ساد فيها الوجه الفارسي على حضارات الشعوب الايرانية في اطار الهيمنة الفارسية التي اتبعت سياسه عنصرية استهدفت طمس خصائص وسمات الشعوب الاخرى داخل ايران نفسها( ).


ان موقف الفرس من النهوض السياسي ، والحضاري والاقتصادي للامة العربية، حرك في نفوسهم روح العداء لانهم وجدوا في هذا النهوض ، خطراً حاسماً ، يهدد اصولهم الفارسية المستوحاة من نطاق خارج نطاق العروبة والاسلام، وكان الرد الفارسي يتمثل بالهمجية ، ويستهدف تدمير الحضارة العربية والاسلامية والنهوض السياسي ، عن طريق الفعل العسكري وحده.


وبصوره عامه يمكن القول ، ان ايران وبسبب انظمة الحكم المتعاقبة ، تعد العراق والوطن العربي ، ولا سيما منطقة الخليج العربي مجالاً حيوياً للسيطره والنفوذ ، وقد عبرت عن هذه السياسة في مختلف الاوقات بصيغ متعدده تلائم ظروفها المرحلية الخاصة ، (فمنذ ان بدأت المياه تنحسر عن عربستان في الالف الثالث قبل الميلاد استوطنتها القبائل العربية التي تفرعت عنها قبائل بني تميم والتي ما زال المتحدرون منها يسكنون المنطقة الجنوبية من عربستان حتى اليوم)( )، وقد خضع هذا الشعب لسلطان المملكة الاكدية في العراق ، ومنذ ذلك التاريخ بدأت تلك المنطقة تعاني من هجمات العيلاميين من جهة الشرق .


وجاء دور البابليين الذين وضعوا حداً لغارات العيلاميين بعد ان اخضعوهم لنفوذهم في عهد حمورابي. ثم ظهرت الدولة الاشورية ثم جاء الكلدانيون وبقيت المنطقة محافظة على استقلالها حتى ظهور المملكة الاخمينية في ايران عام 539 ق م حينما قامت بغاراتها وهجماتها على الكلدانيين الذين استمروا بالتمتع باستقلالهم الذاتي وقوانينهم البابلية. وعندما ظهرت الاسرة الساسانية في بلاد فارس حاولت مجدداً بسط سيطرتها على عربستان عام 241م لكنها لم تتمكن من اخضاعها بسبب المقاومة الضارية حتى اقتنع الساسانيون بصعوبة حكم قبائلها العربية فحاولوا التقرب منها واعترفوا بها واستمرت تتمتع باستقلالها( ).


لقد كانت للاطماع الفارسية سمه معينه في كل مرحلة تاريخية ، فقد اتخذ العداء شكل الغزو العسكري السافر في التاريخ القديم ، وتجلى عداؤهم بالاستغلال الاقتصادي لارض العراق والمناطق العربية الاخرى والتنكيل باهلها والتهجير القسري لعرب الضفة الشرقية للخليج العربي من مواطنهم الاصلية ، واتخذ في العصور الاسلامية شكلاً مستتراً ، ولكنه اكثر خبثاً وخطورة .


وكمثال على تلك الاطماع، احتلالها الاحواز ، والجزر العربية الثلاث (طنب الكبرى ، وطنب الصغرى ، وابو موسى) في الخليج العربي ومطالبتها بالبحرين ودولة الامارات العربية المتحدة.


استمرت اطماع ايران بالارض العربية وخاصةً العراق لانه البوابة التي ستتيح لها احتلال كل الاراضي العربية وهذا ما حصل في السابق ويحصل اليوم وعلى لسان مسؤوليها والذين يهاجمون القومية العربية ويطالبون بالارض العربية.
- "ان القومية العربية تتسم بخصائص الصهيونية وليس بالطابع الاسلامي"( ).


- "الاقطار العربية : ابو ظبي ، قطر ، عُمان ، دبي ، الكويت ، والمملكة العربية السعودية ، دول غير مستقلة بالنسبة لايران وان بلاده لن تتخلى او تعيد الجزر الثلاث الى العرب"( ).


- تصريح وزير خارجية ايران بان عدن و بغداد يتبعان بلاد فارس وذلك في 8 نيسان 1980.
- ذكر الخميني في 8 نيسان 1980 بان ايران ستطالب بفرض سيادتها على بغداد، اذا ما أصرّ العراق على مطالبته بالجزر العربية الثلاث( ).


- تصريح صادق روحاني . وهو المقرب من زعيم الثورة الايرانية في 18 نيسان 1980 في قم : "ان ايران ستطالب بالبحرين مرة اخرى اذا استمر العراق بالمطالبة بالجزر الثلاث التي استولى عليها الشاه عام 1971 بحجة ان برلمان الشاه الذي تخلى عن المطالبة الايرانية بالبحرين يعتبر برلماناً غير شرعي"( )، "ان البحرين جزء لا يتجزأ من الاراضي الايرانية وهي تشكل الاقليم الرابع عشر في ايران بموجب الدستور الجديد"( ). خلال مؤتمر صحفي في 15 حزيران 1980 .


- في 19 نيسان 1980 اكد الرئيس الايراني ابو الحسن بن صدر نقلاً عن اذاعة الرياض تمسك ايران بالجزر الثلاث( ) .


كما يمثل تسمية ايران للخليج العربي بالخليج الفارسي واحده من نواياهم في طمس عروبة المنطقة وكذلك تسمية الاحواز العربية ، بـ(خوزستان) واصرارها على عدم اعادة اجزء من العراق احتلتها في عهود سابقة الى العراق، كل تلك الامثلة توضح عداء الفرس التاريخي واطماعهم بالارض العربية.


في الجزء الثاني : محاولات غزو العراق والمعاهدات والاتفاقيات التي عقدت بين العراق وايران عبر التاريخ.


qusay_almuatasim@yahoo.com

 

([1]) ابراهيم خلف العبيدي – تاريخ العراق قديمه وحديثه ، 1998 ، ص342 .
([2]) نقولا الفرزلي ، الصراع العربي الفارسي – منشورات العالم العربي – باريس 1981 ، ص67 .
([3]) نفس المصدر ، ص67 .
([4]) تصريح لابو الحسن بني صدر ، وزير المالية والاقتصاد في ايران لجريدة النهار اللبانانية في مقابلة معه في 23 كانون الاول 1979 ، الصراع العربي الفارسي – مصدر سابق ص 34 .
([5]) النهار العربي والدولي  24 آذار 1980 ، الصراع العربي الفارسي ، مصدر سابق ، ص34 .
([6]) المصدر السابق ، ص35 .
([7]) المصدر السابق ، ص 39 .
([8]) نشرت نصوص الدستور الجديد لايران في صحيفة كيهان عدد 28 نيسان 1979 . الصراع العربي الفارسي – مصدر سابق ص39 .
([9]) المصدر السابق ، ص 40 .

 

 





السبت١٩ جمادي الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٣ / نيسان / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب قصي المعتصم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة