شبكة ذي قار
عـاجـل










بدل أن يلتف الجميع حول القيادة الليبيّة بالطريقة العربيّة المعروفة ''الفزعة'' .. ''وعنيت بالقيادة الليبيّة هنا الأنظمة المستهدفة من قبل الغرب ـ سوريا اليمن ليبيا ـ من كل هاي اللفة الطويلة اللي اميركه والغرب ركبوا فلمهه براسنه على أساس أنّها الثورة العربيّة الكبرى!'' ... وبدل أن نتسامى فوق الجراح وبدل أن ندع المآخذ على هذا الرئيس في شدّته حاليّاً .. وبدل أن نترك الغمز واللمز الذي يصل أحياناً حدّ التبرّؤ منه شخصيّاً أو ضدّ النظام السوري .. وبدل أن نترك ما خزنته ذاكرتنا من إشاعات كثيرة اختلطت بحقائق أملتها طبيعة الظروف الضاغطة على العقيد أو ضدّ الأسد ... وبدل أنّ نمدّ له ولعلي صالح يد العون , بعد أن أفرزت طبيعة الهجمة الغربيّة الحاليّة وعرفنا ماذا عنى الغرب بالتظاهرات وما المقصود منها وماذا عنى الغربيّون بـ ''الثورات الكبرى'' ومن هو المستهدف الحقيقي منها .. وبعد أن فرّقت هذه الهجمة بين ما هو وطني وبين ما هو خائن ونذل وعميل .. وبدل أن نبادل الغرب العند والعناد ويصبح على ضوئها ''العقيد'' بالنسبة لنا هوَ أبونا وهو أمّنا وهو أخونا .. بدلاً عن كلّ ذلك وغيره بما لا يتّسع المجال هنا لذكرها جميعاً والتي هي عيوب تتشكّل من سلسلة لمئات من العيوب التي تمتلأ بها ذاتنا التي أصبحت مهزوزة مع الأسف الشديد لتوافر عوامل ضاغطة علينا طيلة قرون التخلّف , ترانا أخذنا ''نتفلسف'' في نتف ريش العقيد ونتف ريش النظام السوري تحت مختلف الحجج والأعذار , لا لشيء إلاّ لكي نبدو , وفي هذه الظروف المهولة التي توشك أن تعيدنا نحن العرب جميعاً وسط صحراء الجزيرة ووسط ربعها الخالي , أنّنا كتّاب ومحلّلون موضوعيّون وعلميّون وحضاريّون ! , في حين ''ضربها كلّها الغرب جلاّق برجل واحده وركله'' جميع تلك القيم والمبادئ والقوانين والأعراف التي ''قشمرن'' وثرم بها على رؤوسنا البصل عقوداً طويلة على أساس ''هو'' مثال عصري يحتذى ما إن رأى مصالحه قد اقتضت ذلك ! وترك لنا ''المثاليّات'' نتلهّى بها نتسابق في تطبيقها في جميع الأوقات والظروف! ولكي يقول عنّا ''المجتمع الدولي'' نحن أناس حضاريّون! ولا نأخذ بنصيحة ذلك ''الراعي'' العراقيّ العربي الأصيل الذي لم يفلسف ما شاهده يحدث أمامه من جريمة طالت ابن وطنه ''الواوي'' ففهم الراعي الواجب الذي ألقيَ على ضميره الحيّ فجأةً دون تعاريج وتضاريس مُخاتِلة , بما أملاه عليه ينبوعه الصافي وأملته عليه فطرته السليمة الطافحة غيرة ونخوة وانسانيّة حينما عزّ على الراعي وعلى الشيخ ''كاصد'' أن يريا عدوّهما وخصمهما وغريمها ''الواوي'' ابن أرضهما وابن وطنهما وسارق نعاج الشيخ ومبهذل أحوال العشيرة! وقد وقع صيداً سهلاً بيد أعداء الراعي والشيخ والواوي على السواء ؛ الغزاة البريطانيّون ...


فلِمَ لا تأخذنا نحن الغيرة على ''العقيد'' , يا أخوان , ونعتبره ولو ''واوي'' استهدفه الغرب يريدون رأسه ! ...
في الحقيقة أنّ هذا المقال ''الرواية'' التي سأسوقها إليكم كمثال يلمع رجولة وغيرة ونخوة , وردني عبر بريدي الالكتروني الخاص منذ أكثر من سنتين , فاحتفظت به بعد أن قرأته ''وعذراً أنّني أزجّ بهذا الموضوع في هذه الظروف والأوقات العراقيّة العصيبة لإيماني أنّ مشاكلنا تحلّ بعضها بعضاً بطول الوطن العربي وعرضه فاختلال توازن وضعف المحتل في أيّة بقعة من الكرة الأرضيّة إضعاف له على أرضن'' وممكن أن يعذرني القارئ الكريم عن سبب احتفاظي بهذه الرسالة كل هذا الوقت الطويل إذا ما قرأها , كما وهي ''الرواية'' لم يصادف أنّني قد قرأتها من قبل أو قرأها الكثير غيري بحسب اعتقادي والتي تتناول الصراع العراقي البريطاني على أرض العراق ..


أنا من جانبي اعتبرت الرواية المرويّة هذه توثيق رائع من وثائق نزالات وصولات وحروب تحرير العراق الحديث , خاصّة والعراق لازال في بدايات مراحل نشوئه في هذا العصر بعد غياب قرون .. إضافةً لكون الرواية تمثّل , بحسب قناعتي , خلاصة الوطنيّة التي لا مثيل لها في التاريخ البشري قاطبةً , واعتبرتها أنا شخصيّاً , شاهد ملموس تمثّل , بردّة فعل الراعي السريعة , على أنّ الوطنيّة منبت ينمو داخل الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها وليست شرطاً أن يحمل فضيلتها النقيّة أبناء الوطن الواحد جميعاً ...


أنا على يقين أن كل من سيقرأ المعنى في هذه الرواية سيعتبرها ضمير العراق الحيّ , ولا يختلف على نقاوتها ''سنّي'' حتّى ولو أن هذا السنّي سبق له وأن رأى في آل سعود الخونة وألاعيبهم الوهّابيّة المتخلّفة قادةً للإسلام , فنسي بلده العراق , والإسلام بريء من نفاق ودجل آل سعود الخونة , أو ''شيعي'' حتّى ولو أنّ هذا الشيعي سبق له أن رأى في إيران الثأر وضياع الدين الحق ؛ الممثل الحقيقي لأخلاق آل البيت عليهم السلام وانخدع بها , وآل البيت براء من غدر إيران ووليّهم الدجّال ..


أتركك عزيزي القارئ الكريم لقراءة نص عظيم من نصوص سفر العراق الملحمي الكوني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عندما دخل الانكليز العراق عام 1917 بعد أن تم دحر العثمانيين من منطقة الفرات الأوسط قرروا أنشاء معسكر لهم في هذه المنطقة.
وبالفعل نفذوا ذلك وكان مكان المعسكر يقع ضمن مناطق نفوذ أحد مشايخ الفرات الأوسط آنذاك وهو الشيخ كاصد.
ولم يكن لهذا المعسكر واجب يذكر فكل شيء هادئ جد'' في المنطقة والعثمانيون غادروا العراق نهائيا”. ولم يكن لدى الضباط والجنود أي واجبات. وكان لديهم الكثير من الوقت فقرروا صيد الثعالب وهي هواية محببة لدى فئة كبار العسكريين البريطانيين.
وفي أحد المرات قامت مجموعة من ضباط هذا المعسكر بمطاردة ثعلب داخل عمق مناطق بساتين الشيخ كاصد. تمت محاصرة هذا الثعلب وكان جميل الشكل فقرروا أسره وشحنه إلى بريطانيا للمباهاة.


وتشاء الصدف أن يشهد الحادثة أحد الرعيان وكان قبيح المنظر أعور'' وأعرج وقصير القامة. ولم ينبس هذا الراعي بشفة في حينها لكنه أمتعض امتعاض'' شديد''. وحالما غادر البريطانيون البستان جمع الخراف على عجل وتوجه إلى مضيف الشيخ.


دخل الراعي المضيف وكان الشيخ جالس مع رجاله وربعة من العربان وقام برمي العقال على الحصيرة وهوس مايلي بالجلفي (مع الشرح بالفصيح):

واوينا ياكـــــــــاصد شنهو السبب كضة
(لماذا أسرو ثعلبنا)
تراجية ذهــــــــــب والطــوك من فضة
(معناها ثعلبنا عزيز وغالي)
جم صوجر بصـــــــــــوجر بالسدر عضة
(عض كثير من الجنود البريطانيين)
ميســــــــور إل لنـــــــــــدة يــــــودونة؟
(هل سنقبل بأن يرسل إلى لندن أسير)


عندئذ ساد المضيف الهرج والمرج من شدة هذا الكلام عليهم، شلون الواوي يروح أسير إلى لندن.


وزعق الشيخ كاصد على أتباعه: تفـــــككـــم أخوتي .........تفـــــككـــم أخوتي .........


وجمع الشيخ كاصد مجموعة كبيرة من المسلحين ببنادق الكجك جبلي القصيرة والتي تستخدم في الهجمات الالتحامية وتوجهوا الى المعسكر البريطاني. وفي هجوم خاطف دخلوا المعسكر الغير مستعد وفتكوا بكل الجنود البريطانيين الموجودين فيه. وبحثوا مطول'' عن الواوي ولكن بدون جدوى ولم يكن له أثر فعاد الشيخ كاصد مع رجاله إلى ديارهم وهو يرتعد من الغضب فقد تم شحن الواوي إلى لندن وكان هذا قدره.


أما ما كان من البريطانيين فقد صعقتهم المفاجأة فهذا عمل عسكري تكتيكي لا سابقة له في تاريخ الحرب العالمية الأولى وما قبلها. وربما أخذ الألمان من الشيخ كاصد فكرة الحرب الخاطفة. وبدأ البريطانيون تحقيقاتهم وتحرياتهم مستفيدين من ذوي النفوس الضعيفة وشخصوا قائد المقاتلين وتحسبوا لكل ما يمكن أن يكون أسوأ من ذلك واعتبروه اهانة لا يمكن غض النظر عنها لملكتهم المعظمة وللتاج البريطاني وتوصلوا إلى حل أوله قطع رأس الشيخ كاصد ولن ينتهي إلا باجتثاث رجولة كل رجاله الذين شاركوه في الهجوم لكي يكون عبرة لغيره.


وكعادة البريطانيين في الكيد و الخباثة طلبوا من الشيخ كاصد أن يتوجه لمقر المندوب السامي البريطاني في بغداد للتفاوض والغرض الحقيقي الإنفراد به وأسره لغرض تنفيذ الحكم بأعدامه.
رفض الشيخ كاصد هذا الطلب وقال ما معناه اللي يريد يحجي وياي يتفضل عندي بالمضيف وهو آمن على الرحب والسعة.


عندئذ توصل المندوب السامي إلى حل وسطي في الخباثة وأرسل له بطلب موافاته في القطار الذي سيتوقف في أقرب محطة من مقر الشيخ كاصد وفي ضميره أن يأسره في القطار ويتوجه به إلى بغداد حيث يعدمه هناك. وافق الشيخ كاصد وتوجه إلى المحطة.


وعندما وصل إلى المحطة كانت تحوط القطار من جميع الجهات جميع تفاكة العشاير والربحر من الرجال والعكل والسلاح من عشائر الفرات الأوسط . وكان القطار يبدو مثل القارب الصغير وسط بحر من الرجال المسلحين.


وطار قلب المندوب السامي البريطاني شعاع'' فقد ظن بأنه وقع في فخ الشيخ كاصد (كلمن يشوف الناس بعين طبعه) وأن الشيخ ينوي الفتك به كما فتك بجنوده.


ولكن الشيخ كاصد لم يكن يضمر الغدر وصعد إلى القطار وكان لبق'' ودبلوماسي'' في حديثه مع المندوب السامي وحاول بحلاوة المنطق إن يعيد الواوي إلى موطنه. وهنا ارتأى المندوب السامي طلب جزية لقاء الجنود الذين قتلوا في المعسكر البريطاني فلم يكن يصدق مطلق'' أن هذا العمل العسكري المرعب هو لإطلاق سراح الواوي. وحاول أن يكون حاد'' مع الشيخ بكل عنجهية واستعلاء فكتوري على طلب مبلغ يكسر الظهر.


أدرك الشيخ كاصد أن لا جدوى من الكلام مع المندوب السامي البريطاني فقال له إنني لست صاحب القرار في ذلك ولكني سأنقل رغبتك بكل أمانة لأخوتي وأنا سأطيعهم في ما يقررون. وخرج الشيخ من القطار ولم يجرأ أحد على إيقافه.


خاطب الشيخ كاصد جموع المحاربين قائل'' بطريقة يفهمونها بقصد استفزازهم على البريطانيين:
- الصاحب يريد دن (جزية تعويضية) والواوي باقي يمهم شتكولون أخوتي؟؟؟؟؟؟؟


وهنا جن جنون المحاربين من هذا الطلب وظلوا يهوسون ببنادقهم ورافقتها أطلاقات نارية في الهواء:


- دن ما ننطي وهد واوينا
- دن ما ننطي وهد واوينا
- دن ما ننطي وهد واوينا


ارتعدت فرائص المندوب السامي ومن معه من المرافقين والحرس وظنوا أن الهلاك المحتم مصيرهم.


وأشار عليه أحد مرافقيه أن يغض النظر عن هذا موضوع الدن وأن يعد الشيخ بإطلاق سراح الواوي بأسرع وقت. فقال المندوب السامي ما معناه منين أجيب الواوي؟؟؟ فقال له من معه '' جيب أي واوي منين ما جان وأعطه لهم وسد حلكهم.''.


عندئذ أبرق إلى بغداد بإرسال أي واوي شلون ماكان بأسرع ما يمكن وكان له ما أراد.
 

وهكذا عاد الواوي الأغبر إلى دياره بزفة عظيمة من هوسات المقاتلين الذين أسعدتهم عودته ولم يسبق أن حظي بهذه الزفة أي واوي في تاريخ العالم القديم أو الحديث. كذلك عاد الشيخ كاصد فرح'' ومسرور'' بعودة الواوي العزيز والغالي والذي من أجله سقط العشرات من الجنود البريطانيين مضرجين برصاص العشاير فداء له.


من ناحية أخرى عاد المندوب السامي مع مرافقيه إلى بغداد غير مصدقين بنجاتهم من ناحية وكيف أن أرواحهم كانت على المحك وإنها توقفت على واوي أغبر واحد وما أكثر الواوية في العراق وبريطانيا العظمى.

 

انتهى

ثمّ ويعقّب ناقل الرواية عن أبيه :
خلاصة الكلام مما سبق أن العزة لله وحده ولكن من يعتز بأبناء بلده جميع'' حتى لو كانوا واوية فأنه لن يهون أو يهان أحد من أبناء ذلك البلد مطلق''.
لقد عرفها الشيخ كاصد قبل تسعين عام'' فهل عرفناها نحن؟؟؟؟ الجواب أسمعة من عدكم وينكم .. سمعوني ..

 

 





السبت٠٥ جمادي الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٩ / نيسان / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب طلال الصالحي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة