شبكة ذي قار
عـاجـل










أن تفتح سلطة الاحتلال الأمريكي في العراق سجونا لكل من يعارض الاحتلال فذلك أمر حتى وإن كان تجاوزا على القوانين والشرعة الدولية فإن المراقب يستطيع تفسيره على أساس أن قانون القوة لقمع الأصوات المناهضة للاحتلال يشكل العمود الفقري في التعامل مع ردات الفعل الرافضة لوجود الاحتلال وما يترتب عليه من تداعيات سياسية وأمنية واختلال في منظومة القيم السائدة .


وأن تمارس سلطات الاحتلال الأمريكي صنوفا مبتكرة من التعذيب والانتهاكات المنهجية المقرة من أعلى السلطات في البيت الأبيض ووزارة الدفاع والمخابرات المركزية كما حصل في سجن أبو غريب ، على الرغم من سلسلة الأكاذيب التي تطرحها الإدارة الأمريكية عن حمايتها لحقوق الإنسان وشنها الحروب لفرض التمسك بها ، فذلك يمكن أن نجد تفسيره في أن عنف الضربة التي تعرضت لها الولايات المتحدة على يد رجال المقاومة الوطنية الباسلة جعلتها تترنح وتفقد توازنها وترتد إلى أصل قيمها ومناهجها السياسية ومدارسها الفكرية في التعامل مع الشعوب حينما تشعر أن خططها الاستراتيجية قد وصلت إلى طريق مسدود حينذاك لم يعد مستغربا أن تسلك أي طريق وتقدم على أي فعل مهما كان قبيحا طالما وفر لها احساسا بالانتقام من عدو عجزت عن مواجهته ميدانيا ، لذلك لا تجد غضاضة في أن تقدم على أي عمل بصرف النظر عن تفسيرات الآخرين له .


المنطقة التي أسماها الأمريكيون بالمنطقة الخضراء ، ولم يحاول أحد أن يطرح سؤالا عن سبب الاعتزاز بهذه التسمية والاصرار عليها ، هذه المنطقة فيها أكبر سفارة أمريكية في العالم وكذلك السفارة البريطانية ، وبالتالي فهي خاضعة للرصد على مدار ساعات اليوم ، وربما بإمكان المعدات الالكترونية المزروعة لحماية السفارة الأمريكية التعرف على أية زيادة في نبض جرذ إذا مر في المنطقة ، وهي وعلى الرغم من وجود بنايات ومقار سيادية تابعة للحكومة ، إلا أنها وعمليا وبقوة الأمر الواقع تقع تحت سيطرة القوات الأمريكية وإشرافها المباشر ، وبالتالي فإن ما يحصل فيها من انتهاكات لحقوق الإنسان والتي قالت الولايات المتحدة أنها شنت حربها على العراق عام 2003 من أجل صيانتها من انتهاكات مزعومة وإشاعة الديمقراطية في صحراء العرب القاحلة ، تقع مسؤوليتها الأخلاقية والجنائية على الإدارة الأمريكية بالدرجة الأولى دون أن يعني ذلك إعفاء الجناة بالتنفيذ ورؤسائهم المباشرين بالأوامر أو بالصمت وصولا إلى سلطة القرار الميداني العليا ، وبالتالي فإن الكشف الذي تم لأول مرة من منظمة هيومن رايتس ووتش عن وجود سجن سري تحت كراج سيارات مبنى رئاسة الوزراء باسم سجن الشرف ، لا يعطي هذه المنظمة الأمريكية شيئا من وجاهة الدور الإنساني ولا يقلل من مسؤولية البلد الذي تنتمي إليه عن إنشاء هذا السجن السري على مقربة من آذان أمريكا وعيونها في الواحة الخضراء وسط صحراء العراق ولا ينتقص من مسؤوليتها أن تقول أنها نقلت السيادة أكثر من مئة وعشرين مرة إلى الحكومة العراقية ، فما يقع في العراق من فتح للمزيد من السجون لاستيعاب آلاف النزلاء الجدد بدلا من تبييضها على وفق مقاييس الديمقراطية المستوردة مع سرف الدبابات أو على أجنحة الصواريخ العابرة للقارات وقاذفات القنابل الاستراتيجية يعد خيارا سيئا وبائسا إلى أبعد الحدود ، وهنا يكون من المنطقي أن يتساءل المراقب عن دواعي فتح سجن سري قال عنه بعض أعضاء الفريق البرلماني الذي زاره أنه لا يصلح للعيش به حتى لو لم يكن سجنا لبضع ساعات ، حينذاك يجب أن يتم الإعلان عن الجهة التي يرتبط بهات هذا السجن الرهيب في أساليب التعذيب التي كانت تمارس فيه أو ترك هؤلاء التعساء على ذلك الوضع المأساوي ، لاسيما وأن الكثير من المسؤولين ما زال بمناسبة ودون مناسبة يحاول شحن الشارع العراقي بأسباب الكراهية والضغينة تحت لافتة التعذيب والمقابر الجماعية المنسوبة للماضي في محاولة للتستر على ما يجري حاضرا أو يخطط له مستقبلا ، إن إخفاء سجن بهذا الحجم من الوحشية فيه وعلى هذه المسافة القريبة من أهم المراكز الحكومية العليا ، عن عين الرقابة القانونية والشعبية وتغييب مواطنين فيه لسنوات طويلة يعد جريمة من جرائم الحرب ضد الإنسانية والإبادة الجماعية لأن من يفعل ذلك استخدم صلاحياته المطلقةلإعطاء الضوء الأخضر لممارسة هذه الانتهاكات وللحفاظ على سرية السجون وقطع أخبار السجناء عن ذويهم ، والتستر على عمليات التعذيب المنهجية وتوفير مظلة حماية رسمية لهم من المساءلة القانونية .


من يفترض أن الولايات المتحدة لا تعرف ما يحصل في السجون السرية والعلنية في العراق فهو واهم كبير أو مكابر يغالط نفسه، ومن يعتقد أن العراقي يمكن أن يطلب النجدة من القوات الأمريكية حين تهاجمه وحوش بزي البشر وتتكلم بلغته مع لكنة فيها الكثير من لحن القول ، فهو واهم أكبر ، ذلك أن ما يجري في العراق ومنذ عام 2003 يتم بقرار أمريكي معلن أو بصمت أمريكي سيبقى خفيا في الوثائق إلى أن تمتد إليه يد تحركها دوافع إنسانية أو البحث عن المجد والمال والشهرة لتنتشله من الأدراج السرية وتلقي به في أحضان الصحافة ، ولكن السؤال المهم هو ما حاجة اللاعبين الذين يطلق عليهم وصف الكبار إلى مثل هذه السجون ؟ هل هي مادة للتلذذ من عذابات الآخرين ؟ أم هي محاولة لإطفاء جذوة الانتقام من حقبة أخرى ومن غير المسؤولين عنها ؟


وإذا كان العراق هو السجن الكبير والذي يشهد كل الممارسات التي يتعرض لها السجناء ، فلماذا لا يكتفي من بيده الأمر بوضع حد لحياة إنسان برصاصة زهيدة الثمن بدلا تعذيبه حتى الموت بلا رحمة حتى ليتمنى الموت لو يحصل عليه ، بدلا من انفاق 56 دولارا في اليوم على كل معتقلكما ذكر تحت قبة البرلمان ؟ هل هانت كرامة الإنسان العراقي إلى هذا الحد بحيث ينظر البعض إلى ما يكلفه السجين من مال ؟ إذن لماذا لا يوفر هؤلاء لميزانية الدولة هذه الأموال ويتخلصوا من هذا العبء ؟ لماذا يرفض السجانون تخليصالمعذبين من آلامهم دفعة واحدة ؟ فيتركونهم يعزفون سمفونية الأنين الطويل كي يتلذذ بها جناة مجبولون على الروح السادية ولا يحبون تناول وجباتهم إلا أثناء ممارسة هواية تعذيب الضحايا ، فهل تنتهي عذابات أناس لا ذنب لهم إلا أنهم لم يوافقوا على احتلال بلدهم وما أفرزه الاحتلال من تداعيات مؤلمة ؟


نعم هناك ثمن باهظ يدفعه العراقيون دفاعا عن معتقداتهم وانتمائهم للعراق ، ولكن الثمن الذي يدفعه أعداؤهم أكبر بكثير ، فهؤلاء سلبت راحتهم إلى الأبد وتم تثبيتهم كجناة لن يتمكنوا من إزالة ما علقبهم من عار أمام أنفسهم وأمام العراقيين جميعا وستبقى صور الضحايا تلاحقهم لتثير فيهم رعبا أبديا يلتصق بهم كأسمائهم .

 

 





الثلاثاء١٧ ربيع الثاني ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٢ / أذار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة