شبكة ذي قار
عـاجـل










الثورة عمل أخلاقي تتوافق فيه الغايات مع وسائل وسبل التحقيق. هذا يعني أن تكون أهداف الثورة واضحة معلنة في تغيير واقع فاسد إلى نقيضه وتبديل مناهج استنفذت ولم يعد بالإمكان التعاطي معها إلى أخرى تنفع البلد والشعب وتسجل انتقاله مشهودة في حياة المنظومة الحاكمة تنعكس فورا بنتائج ايجابية ظاهرة وقابلة للقياس في حياة الشعب. وأدوات الثورة تخطيطا وتنفيذا هم طليعة الشعب من قوى وطنية ومثقفين وتكنوقراط خبراء في اختصاصاتهم وأذرع علمية لوضع الثورة في احد أهم مساراتها الحتمية ألا وهي انتهاج العلم طريقا لتقديم الوصفات وتنفيذها للانتقال بفروع الحياة المختلفة إلى استحقاقاتها المتوافقة مع المرحلة التاريخية.


الطليعة الثائرة الموصوفة أعلاه تتحرك ضمن خطة تغيير سلمي تفرض إرادتها بقوة الشعب الساندة أو المشاركة عمليا بالثورة، وقد يجيز البعض تعاونها مع شركاء في الأهداف من الجيش أو القوات المسلحة عموما في الحالة التي يقبل بها الثوار إعطاء صبغة عسكرية لحركة التغيير التي يتصدون لها. ونحن هنا لا نضع أفكارنا ضمن أي تعريف يحجرها في معنى الانقلاب العسكري الذي قد يختلف الناس في الركون إليه كفعل ولا يطمئن البعض إلى مسلكه لتحقيق نتائج ثورية.


يُراد للثورة أن تنتج نظاما سياسيا جديدا يتعدى وصف التغيير فيه مصطلحات الإصلاح. وينبغي أن يكون إنتاج النظام السياسي الجديد مترافقا مع عمل مخطط له وحثيث لتغيير الأنماط الفكرية والثقافية إلى ما يتناسب مع مجتمع التغيير الثوري. والاتجاهات العريضة التي تنجز تغيير البنية الاجتماعية من أمية جاهلة غير منتجة متخلفة فقيرة في مستويات المعيشة والحياة هي روافد التنمية البشرية التي تشتمل على التربية والتعليم والصحة ومختلف أنواع الخدمات التي تقدمها الدولة، ويضاف إليها خطط تنمية صناعية وزراعية وتجارية واتصالات ومواصلات ونقل وغيرها.
نحن لا نسطر هذه المفردات لنعلم بها القارئ، فنحن نعلم إن قراءنا قد يمتلكون ما هو أدق وأوسع بكثير من هذه التعريفات المقتضبة والمبسطة التي نطرحها.. بل إن هدفنا هو أن ننطلق إلى الهدف الأكبر لهذا المقال المتواضع. نحن هنا نريد أن نستطلع على غير ما هو متداول الآن في جدل الثورة والاختراق والردة.. نستطلع احتمالات أن تكون الاستعانة بقوى خارجية لتحقيق الثورة هي جزء من القناعات لدى البعض بأنها أمر محلل شرعيا ووطنيا كما انه لن يعيق تنفيذ أهداف الثورة لاحقا. بمعنى آخر إننا لن نتعارض مع قناعاتهم لأغراض الجدل، ولنرى إمكانية أن يقتنع المعترضون على التدخل الخارجي في التخطيط وفي إنتاج الثورة، وان نستطلع إمكانية أن يغادر هؤلاء إن كانوا وطنيين فعلا, الوهم الذي يسقطون فيه أنفسهم وجزء من الجماهير المتعطشة للتغيير الثوري. نريد للسطور أدناه أن تكون منطلقا للحوار والتفكير العلمي المنطقي الاستدلالي القابل للقياس ... ليس إلا.


القوى التي تتدخل الآن بطريقتها الخاصة في جسد الثورة والثوار هي القوى التي أفرزتها مرحلة انتهاء الحرب الباردة.. أميركا ومعها أوربا عموما وهناك ذيول معروفة. فنحن لا نتوقع أن يكون لروسيا أو الصين أو الهند أو اليابان مثلا أذرع تغذية لثورات الشعوب المظلومة بعد أن هيمنت أسطورة القطب الواحد على خارطة العالم السياسية والاقتصادية والإعلامية والعسكرية. القوة الامبريالية وحليفتها الصهيونية، هي التي دخلت واستوطنت وتحاول جاهدة وبكل السبل أن تبقى إلى الأبد، فلننظر في تقاطيع وجهها ونتدبر:


• سجل المائة عام المنصرمة يبرهن دون أدنى جدل أو شك إن الامبريالية والصهيونية قد انتهكت حق العرب واغتصبت أرضهم في فلسطين وهي بذلك بعيدة عن أي رجاء أو احتمال من أن تتعاطى معنا كبشر لهم حقوق.


• نفس السجل يبرهن قطعيا إن هذه المنظومة هي منظومة تحركها المنافع المادية ودوافعها كلها مرتبطة بمصادر الطاقة التي تحرك آلتها الصناعية والتكنولوجية وتجهزها بكل متطلبات الحياة من الإبرة إلى الصاروخ. لن ينفع أن نضع أي أمل من أن تمنحنا المنظومة الامبريالية الصهيونية أي حق مرتبط بحرية إنتاج واستثمار ثرواتنا، فالغول الامبريالي اثبت لنا بألف دليل ودليل إن النفط عنده معيار قيمته أعلى بكثير من قيمتنا الإنسانية وحاجاته للنفط لا يمكن أن تضع حاجاتنا الإنسانية كمنافس ولو بأي حد أدنى.


• ثمة عامل آخر يضاف الآن بقوة إلى مجمل عوامل الجشع الاقتصادي وهو غول البنوك والمصارف والكارتل الذي يريد أن تكون الأمة ساحة مقايضات تدر عليه مليارات الدولارات ويحاول أن يكبح جماح أي نهوض وطني في حركة الصيرفة والبنوك وتداول الأموال.


• نحن في سوادنا الأعظم نؤمن بأننا فضاء جغرافي واحد ولغة ودين وثقافة وإرث حضاري مشترك وأقليات تنصهر بمحبة وسمو في الجسد العربي مع حفاظها على كياناتها العرقية والأثنية. القوة الامبريالية والصهيونية لا تؤمن بأي حق قومي لنا وقد قامت عمليا قبل سبع سنوات فقط بتمزيق احد أقطار الأمة وهو العراق إربا إربا وما زالت تلعب بمقدرات شعبه بدءا بالدماء وانتهاء بالخبز والنفط والحرية والكرامة. بمعنى إننا نقف اليوم على شواهد ثابتة وقطعية إن المصالح الامبريالية صارت ليست فقط مرتبطة بتجزئة امتنا طبقا لنتائج ما بعد الحرب العالمية الثانية، بل هي الآن تتصرف على إن الوحدات القطرية لم تعد تتماشى مع خطط الامبريالية الراهنة والمستقبلية لابقاءنا تحت مطرقة هيمنتها وسندان أداتها الصهيونية والنهج الصفوي الفارسي المضاف حديثا إلى معادلات التمزيق للجسد العربي فصارت تنفذ خطط تفتيت المفتت وشرذمة المتشرذم. ننتظر مَن يستطيع إن يبرهن إننا نخوض في وهم و ونعاني من عقد المؤامرة.


• لم تتمكن حكوماتنا التي استسلمت وانبطحت منذ كامب ديفيد إلى الآن أن تنجح في الحصول على مكسب واحد إزاء تنازلات خسرتنا الأوطان وأذلت إنسانيتنا ودمرت اقتصاد بلداننا. وها نحن اليوم نشهد بأم أعيننا إن الامبريالية تتخلى عن مَن أذلونا ارضاءا لها ومَن ذبحوا كرامتنا وهم يراهنون الرهان تلو الرهان دون أن يوقفهم أو تردعهم خسارات لا تعد ولا تحصى, إن أميركا وأدواتها ومسييريها ستمنحهم كأسا ولو من فخار دون جدوى. ها نحن نراها اليوم تركب موجات ثورة الجوع والجهل والاضطهاد عند سواد العرب لتتمكن من تبديل مَن انتهت صلاحيته من مطاياها التي ركبتهم لأكثر من ثلاثين عام كرست خلالها كيان الدولة الصهيونية وأفقرت الأمة ماديا وروحيا وأذلت كيانها ومزقت قواها ونسيجها الاجتماعي. ننتظر من يخطئنا في هذه الحقائق ويبرهن علميا إننا نتوهم ونكتب انشاءا لا قيمة له!!.


هذه هي مرتكزات صلتنا بالامبريالية ومرتكزات صلتهم بنا وثمة تفاصيل وجزئيات تحتاج إلى مؤلفات للإحاطة بها. لكن دعونا الآن نحاكم ما يحاول بعض ثوار المعاني الغريبة للثورة أن يصلوا على أجنحته إلى السلطة وخاصة في ليبيا الجريحة النازفة:


1- السيطرة أولا على مدن النفط وموانئه قبل السيطرة على العواصم. نرى في هذا منهجا جديدا للثورات في الوطن العربي قديمها وجديدها. فثورات مصر وتونس رابط فيها الثوار بصدور عارية إلا من الإيمان بالله و بحقوقهم في الشوارع والساحات حتى اثبتوا إنهم مصدر السلطة حتى غادر مغتصبو السلطة بطريقة سلمية في طابعها العام. لقد قدم ثوار تونس ومصر منهجا إنسانيا راقيا لنيل حقوقهم لم تشهده البشرية كلها.


2- الثورة الليبية تنطلق من مثابات لها في ايطاليا ولندن وواشنطن وسفن حربية ترابط في البحر الأبيض المتوسط. والمقصود بالمثابات هنا هو نقاط التخطيط ورسم مسارات التنفيذ وتحديد الاحتياجات الآنية واللاحقة فضلا عن معلومات مفادها إن هذه المثابات تجهز السلاح أيضا!!. كانت معرفتنا النظرية والعملية تنحصر من إن الثورات العربية يخطَط لها في أوكار مدنية ومواقع عسكرية وعبر إضرابات واحتجاجات واعتصامات توهن جسد المنظومة الحاكمة قبل أن تنقض عليها.


3- مؤتمرات صحفية لمعارضين مخضرمين في لندن وروما وواشنطن تتواصل مع مؤتمرات تعبئ وتحشد وتحشم أميركا وبريطانيا وايطاليا وألمانيا للإسراع بوضع مسارات مساعدة الثوار التي هي نفسها مسارات مساعدة ما سمي بالمعارضة العراقية التي أُعدت لغزو واحتلال العراق مع أميركا وحلفاءها.


4- الثوار يحملون شعارات تتضمن مساوئ النظام منها الدكتاتورية والظلم والقتل والتجهيل ويصولون على مراكز الأمن ومعسكرات الجيش ومقرات الحزب الحاكم أو ما يسمى بالمؤتمرات الشعبية.. يدمرون البنية التحتية للبلد وبفعل لا يختلف كثيرا عن انتفاضة فيالق إيران وعملاءها في لحظات انسحاب الجيش العراقي عام 1991. بدءوا من البصرة في العراق وثوار ليبيا بدءوا من بنغازي في أقصى الشرق الليبي ومروا بعشرات المحافظات والمدن ذبحوا فيها عشرات الآلاف ودمروا كل مؤسسات الدولة الخدمية والإنتاجية قبل أن يصلوا إلى وسادات بغداد في العراق وأطراف طرابلس في ليبيا. (الثوار) في كلا الحالتين يجعلون الشعب وممتلكاته تدفع الثمن الباهظ قبل أن يصلوا إلى رأس السلطة .. يا للعجب. ما نعرفه إن الثورات والثوار يستهدفون رأس السلطة أولا..


5- الجامعة العربية ((والله اعلم بعروبتها) تعطي الإجماع العربي بفرض حضر جوي لحماية شعب ليبيا. انتبهوا .. حماية شعب ليبيا بعد أن سقط آلاف الأبرياء من شعب ليبيا .. ومَن سيحميهم؟؟ الغول الامبريالي .. يا للعجب للرجاء وللمرتجى !!.


6- أنظمة أقطار عربية (والله اعلم بعروبتها) تمنح الاستحضارات لدعم ثوار ليبيا إجماعا عربيا .. من قبل مَن ؟.. من قبل الغول الامبريالي الصهيوني!! يا للعجب الذئاب تحمي فرائسها. سبحان رب العزة.


7- منشقون ليبيون يصرخون بوجوه شاحبة وأفواه متيبسة يطالبون واشنطن من داخل قاعات مؤتمرات في واشنطن أن لا يضيعوا الفرصة وان يمنحوا الثوار في بنغازي حق تبادل السفراء وإرسال الأسلحة والأموال لمعادلة الكفة التي تميل لصالح النظام في قتالات الشوارع الدموية.. من بين هؤلاء سفراء وممثلين للنظام الليبي في واشنطن وغيرها إلى زمن لا يبتعد كثيرا عن أسبوعين .. سفراء ووزراء لم ينتبهوا إلى ظلم القذافي ودكتاتوريته وتعسفه وتجهيله لشعب ليبيا وهم معه في كراسي الحكم لأربعين عام .. يا للعجب أهي توبة في لحظة البرزخ أم ركوب الموجة للدخول من جديد إلى جسد السلطة بعد أن ظنوا إن (الثوار) سينتصرون؟؟ أم إنهم تورطوا بإعلان الانفصال فوجدوا أنفسهم في خانق لا يخرجهم منه غير قوات المارينز الأمريكية التي أوصلت احمد الجلبي وعائلة الحكيم الإيرانية وحزب الدعوة الإيراني إلى سدة الحكم في المنطقة الخضراء؟..


سأتوقف هنا فما رأيناه وسمعناه من ثوار ليبيا قد صار فيصلا بين الحق والباطل وأسقطهم في وضح النهار في شراك الخيانة العلنية. خيانة لا ينفع بها تبرير ولا تفسير سوى إنهم ليسوا ثوار .. وإنهم قد ركبوا موجة ثورة ليبية كان يراد لها أن تسير سلمية تمثل إرادة شعب ليبيا وكنّا كلنا سنكون معها لأننا أحرار وثوار ولا يهمنا الأنظمة، بل يهمنا شعبنا العربي المظلوم غير أنهم أخرجوها إلى عوالم أخرى أدت إلى وقائع مختلفة وآفاقا مجهولة لا يسبر أغوار نهاياتها غير الله سبحانه. لم يترك لنا ثوار ليبيا أي خيار إلا أن نكون مع ليبيا وبغض النظر عن أوصاف حاكمها ضد خطط الغزو والاحتلال والتدمير والتقسيم.

aarabnation@yahoo.com

 

 





الاثنين٠٩ ربيع الثاني ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٤ / أذار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة